الإمامة نصٌ وأفضلية

في الليلة الثالثة من موسم محرم الحرام، وفي حسينية العوامي بالقطيف، تحدث سماحة الشيخ في محاضرته عن الإمامة نصٌ وأفضلية، وتقع محاضرة سماحته في ثلاثة محاور:

المحور الأول: البحث والحوار في موضوع العقائد.


قال سماحة الشيخ في بداية حديثه: عادةً ما يتوارث الناس في المجتمعات البشرية عقائدهم وأديانهم، وذلك بحكم عامل التربية والبيئة. وقال إن هذا المنهج خطأ، مؤكداً ضرورة أن يستخدم الإنسان عقله وفكره في الوصول إلى حقائق الأصول.

وبين سماحته أن القرآن نعى على أولئك الذين أخذوا أديانهم وعقائدهم من آبائهم، يقول تعالى: ﴿﴿بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون.

وأضاف إن أغلب الفقهاء قد اتفقوا على أنه لا مجال للتقليد في مسألة أصول العقيدة، وإنما التقليد فقط في الفروع.

وتعرض سماحة الشيخ إلى الروايات التي تدعوا للتفقه في الدين والذي يعني الفهم والإدراك، ومن بين تلك الروايات: «قول الرسول الأعظم : ((قليل الفقه خير من كثير العبادة))، وقول ألإمام الصادق : ((لو أتيت بشابٍ من الشيعة لا يتفقه في دينه لأوجعته بالسياط)).»

وقال إن للتفقه في الدين هدفين، هما:

الهدف الأول: أن التدين والاعتقاد الذي يكون على أساس الفهم يُصبح شيئاً راسخاً، لا تؤثر فيه الإثارات والشبهات.

الهدف الثاني: إذا كان الاعتقاد على أساس الوعي يكون الإنسان بذلك أقدر على عرض وطرح ما يعتقد للآخرين.

وأكد بعدها على ضرورة البحث في موضوع العقائد، خصوصاً في هذا العصر (عصر ثورة المعلومات)، و(عصر الإنترنت).

وأشار إلى أن الحوار مطلوب، مؤكداً ضرورة تجاوز المرحلة السابقة إذ كان الحوار بين النخب والعلماء وفي دوائر مغلقة، بعكس ما هو عليه الآن من الانفتاح وعرضه على القنوات الفضائية وعلى شبكة الإنترنت. ولكن يُشترط في الحوار أن يكون ضمن منهجية سليمة، وتوقيتٍ مناسب، والتركيز على النتائج الإيجابية وأهما الدعوة للبحث وتقصي الحقائق.

المحور الثاني: موقعية الإمامة والخلافة.


أكد سماحة الشيخ أن الإمامة هي مفترق الطرق بين السنة والشيعة، وبين سماحته ذلك من خلال حديثه عن دور الرسول ، وأنه كان يقوم بمهمتين:

الأولى: تبليغ الرسالة.

الثانية: قيادة الأمة سياسياً.


أما بعده فقد اختلف المسلمون، وأصبح هناك رأيان:

الرأي الأول: يقوم على أساس الفصل بين مهمة التبليغ، ومهمة القيادة. وهذا رأي أهل السنة. ويرى أصحاب هذا الرأي أن الأمة معنية بتحديد الخليفة، وغير مهم الطريقة التي يصل بها الخليفة لهذا المنصب، فقد يصل بالشورى، أم بتعيينٍ من الخليفة السابق، أم بالقوة، أم بأي طريقٍ آخر.

المحور الثالث: النص والأفضلية.


الرأي الثاني: وهو رأي أهل البيت ، وبالتالي رأي شيعتهم. هذا الرأي يولي للمرجعية الدينية الأهمية الأكبر من القيادة السياسية. وأنه ينبغي أن يكون هناك نص على الخليفة بعد الرسول ، والنص يعني أفضلية المنصوص عليه.

وقال سماحة الشيخ إن مقاييس تحديد الأفضلية ليس كمقاييس البشر، وتعرض للآية الكريمة التي بدأ بها الحديث، وهي قوله تعالى: ﴿﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. مؤكداً أن النص هو يُحدد الأفضلية.

واستعرض جملةً من النصوص التي تبين أفضلية الإمام علي على بقية الأصحاب، منها ما جاء في كتاب (مناقب أحمد بن حنبل) للحافظ أبي الفرج عبد الرحمن الجوزي. عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي: ما تقول في التفضيل؟ فقال في الخلافة أبو بكر، وعمر وعثمان. فقلت أين علي بن أبي طالب؟ قال: بني علي بن أبي طالب من أهل بيتٍ لا يُقاس بهم أحد.

وأما الواقع الخارجي، من يقرأ التاريخ يرى بوضوح أفضلية الإمام في كل شيء، علمه، شجاعته، مكانته من الرسول .

واختتم سماحة الشيخ حديثه بتساؤل يطرحه البعض: لماذا لم يكن هناك نص صريح بإمامة وخلافة الأئمة؟

يقول سماحة الشيخ: أي صراحة أكثر من هذه الصراحة التي نجدها في الروايات التي تتحدث عن خلافة علي .
ويُضيف سماحته إنه مهما كان النص صريحاً فإن ذلك لن يمنع وجود رأي آخر وإتجاه آخر، لقد صدر أمرٌ صريح من رسول الله بإنفاذ جيش أسامة مثلاً وحينما تباطأ الناس خرج متحاملاً على مرضه ليؤكد أمره بضرورة إنفاذ جيش أسامة، ولكن الجيش لم يغادر مكانه بحجة أنه يصعب على بعض الأصحاب أن يتركوا المدينة والرسول في تلك الحالة المرضية. إلى غير ذلك من الأمور الصريحة التي أكد عليها الرسول ، ومع ذلك كان هناك اجتهادٌ من الصحابة بخلاف رأي الرسول .

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.