أهل البيت (ع) وخيارات المواجهة

المدرسة الفكرية والفقهية لأهل البيت ، تشكل رؤية شاملة للإسلام، وبرنامجاً كاملاً لتطبيقه. ولا شكَّ أنهم كانوا مهتمين ببث ونشر ما يعتقدون أنه الفهم الصحيح للدين، وأن يأخذ طريقه للتنفيذ والتجسيد في حياة المسلمين.

   ولوجود النص النبوي على مرجعيتهم، كما في حديث الثقلين، وحديث سفينة نوح، وحديث الغدير، وأمثالها، وباعتبارهم الأكفأ والأعرف بشريعة الله تعالى، فإن أئمة أهل البيت يرون لأنفسهم أحقية الإمامة والقيادة للأمة.

  لكن ذلك لم يدفع أياً منهم للصراع والمغالبة على الحكم والسلطة،ولا للسعي من أجل الفرض والهيمنة على الجمهور.

الإمام علي والخلافة

بعد وفاة رسول الله ، ومبايعة أبي بكر بالخلافة، في سقيفة بني ساعدة، كان هناك من يستحث الإمام علياً للتصدي للخلافة، كما ينقل ابن الأثير في تاريخه. . قال: «فقالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلا علياً. . وقال الزبير: لا أغمد سيفاً حتى يبايع علي. . أقبل أبو سفيان وهو يقول: إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم، ثم قال لعلي: ابسط يدك أبايعك، فوالله لئن شئت لأملأنها عليه خيلاً ورجلا، فزجره علي وقال: والله إنك ما أردت بهذا إلا الفتنة، وإنك والله طالما بغيت للإسلام شرا! لا حاجة لنا في نصيحتك»[1]  ونحوه ورد في تاريخ الطبري[2] 

وينقل ابن قتيبة في كتابه ( الإمامة والسياسة ) أن العباس بن عبد المطلب قال لعلي: ابسط يدك أبايعك، فيقال: عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله ويبايعك أهل بيتك، فإن هذا الأمر إذا كان لم يُقل[3] . لكن علياً رفض ذلك حفاظاً على وحدة الأمة، ومراعاة لخطورة الظروف.

ومرة أخرى، عرضت الخلافة على الإمام علي ، بعد مقتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، حيث كان واحداً من ستة عينهم الخليفة عمر، ليختاروا أحدهم خليفة للمسلمين، فعرض عبد الرحمن بن عوف على الإمام علي بمحضر المسلمين في المسجد قائلاً: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر؟ فقال الإمام علي : اللهم لا ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي[4] .

لقد فوَّت على نفسه الخلافة والحكم آنذاك برفضه الالتزام بشرط لا يقتنع به، لأنه لم يكن حريصاً على السلطة بمقدار حرصه على مبادئه.

وقرأت مؤخراً تعليقاً جميلاً للدكتور إسماعيل الشطي[5]  على هذه الحادثة التاريخية، قال فيه:

«ولقد كان الجيل الأول من المسلمين رضوان الله عليهم، يريد أن يجعل من تجربته السياسية والتنظيمية في إدارة الدولة، جزءاً من الشريعة، لولا تصدي الإمام علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ لمثل هذه المحاولة، وكلفه هذا التصدي التضحية بمنصب الخلافة، في أول عرض لتوليها، عندما رفض الالتزام بتجربة الشيخين بعد كتاب الله وسنة نبيه، إذ كان تقييمه لهذه التجربة لا يعدو كونها اجتهاداً بشرياً، يسعُ من بعدهم، ويتسع لآفاق المستقبل، وبتضحيته هذه أوقف الإمام ـ كرم الله وجهه ـ زحف الثابت من الدين إلى حدود تلك المساحات»[6] .

ويتحدث المؤرخون عن تمنّع علي وعزوفه عن الخلافة بعد مقتل الخليفة عثمان، لولا إلحاح الجمهور عليه، قال ابن كثير: «وقد امتنع علي من إجابتهم إلى قبول الإمارة، حتى تكرر قولهم له، وفرَّ منهم إلى حائط بني عمرو بن مبدول، وأغلق بابه، فجاء الناس فطرقوا الباب، وولجوا عليه، وجاؤوا معهم بطلحة والزبير، فقالوا له: إن هذا الأمر لا يمكن بقاؤه بلا أمير، ولم يزالوا به حتى أجاب»[7] .

وحينما تصدى للخلافة، واضطر لمواجهة فتن المناوئين في حرب الجمل وصفين والنهروان، حفاظاً على الأمن والاستقرار، ووحدة الأمة، كانت تلك المواجهات مؤلمة له، وثقيلة على نفسه، ولولا كونه في موقع المسؤولية، لكان أبعد عن تلك الصراعات مع الطامحين للمواقع والمناصب، التي لا حرص له عليها، ولا رغبة له فيها، يقول : «أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألا يُقارُّوا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز»[8] .

صلح الإمام الحسن

ومثل موقف الإمام علي ، كانت مواقف الأئمة الهداة من بعده، فقد جنح الإمام الحسن للصلح مع معاوية، رغم أنه كان الخليفة الشرعي الذي بايعه المسلمون بعد شهادة أبيه، فكانت بيعته عامة شاملة لجميع مناطق العالم الإسلامي، على غرار بيعة أبيه، حيث بايعه جميع أهل العراق وفارس والحجازيون واليمانيون، لكنه لما رأى إصرار معاوية على انتزاع السلطة، واستعداده لعمل كل ما يوصله إلى ذلك، ورأى أن المواجهة العسكرية تعني الدخول في حرب أهلية طاحنة، لن تكون مضمونة النتائج، بسبب استخدام معاوية لمختلف أساليب الترهيب والترغيب، وافق على الصلح والتنازل عن السلطة.

أخرج الحاكم عن جبير بن نُفير قال: قلت للحسن: إن الناس يقولون: إنك تريد الخلافة، فقال: قد كان جماجم العرب في يدي، يحاربون من حاربت، ويسالمون من سالمت، فتركتها ابتغاء وجه الله، وحقن دماء أمة محمد [9] .

الإمام الصادق وحركة العباسيين

بعد أن ساد التذمر في أوساط الأمة من حكم الأمويين، وتحرك العباسيون للانقضاض على السلطة، رافعين شعارات الدعوة لأهل البيت، والأخذ بثأرهم، عرضوا على الإمام جعفر الصادق الانضمام إلى حركتهم وثورتهم، ليكون في موقع الزعامة والقيادة، فرفض دعوتهم. فقد كتب إليه أبو مسلم الخراساني ـ والذي كان يقود المواجهة العسكرية مع الأمويين ـ كتاباً جاء فيه: «إني أظهرت الكلمة، ودعوت الناس عن موالاة بني أمية، إلى موالاة أهل البيت، فإن رغبت فلا مزيد عليك»، فأجابه الإمام: «ما أنت من رجالي ولا الزمان زماني»[10] .

ومرة أخرى، بعث إليه أبو سلمة الخلال، وهو أحد القادة في حركة العباسيين، يدعوه ليكون في صدارة الحركة وزعامتها، فرد الإمام الصادق دعوته[11] .

الإمام الرضا والمشاركة في الحكم

تعزيزاً لشرعية حكمه، وتأكيداً لسلطته، أراد الخليفة المأمون العباسي إدخال الإمام الرضا وإشراكه في الحكم، فاختاره ولياً للعهد، لكن الإمام الرضا اعتذر عن القبول وامتنع، لولا ضغط المأمون وإلحاحه، فوافق الإمام الرضا على المشاركة الرمزية الاسمية، دون أن يتحمل أي مسؤولية تنفيذية عملية.

وتشير بعض المصادر التاريخية، إلى أن المأمون عرض على الإمام علي الرضا أن يتنازل له عن الحكم، ويوليه الخلافة، لكن الإمام الرضا رفض ذلك رفضاً باتاً. قال ابن كثير في البداية والنهاية: «كان المأمون قد همَّ أن ينزل له عن الخلافة فأبى عليه ذلك، فجعله ولي العهد من بعده»[12] .

موقف أهل البيت

إذا كان أئمة أهل البيت يرون في أنفسهم الأحقية والجدارة لقيادة الأمة، فلماذا لم يقتنصوا الفرص لتولي السلطة؟ ولماذا اتسم موقفهم بالترفع والعزوف عن خوض غمار العمل السياسي؟

يمكننا أن نفهم موقف الأئمة على ضوء الحقائق التالية:

إن المهمة الأولى والأساس لأئمة أهل البيت ، هي حفظ الرسالة، وتبيين الشريعة، أما تحمل أعباء الحكم والسلطة فهي مهمة ثانية ثانوية، قياساً للمهمة الرسالية الأولى. فإذا ما تعارضت المهمتان، كما حصل بسبب الأطماع السياسية، والصراعات المصلحية فإن الأولوية عندهم للمهمة الأولى.

وقد كتب الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله، حول هذا الموضوع، بحثاً علمياً رائعاً، في كتابه ( نظام الحكم والإدارة في الإسلام ) تحت عنوان ( ماهية الإمامة ومسؤولية الإمام الأولى عند الشيعة ) وخلاصة ما جاء فيه: إن المهمة التي تكوِّن ماهية الإمامة، وأساس تشريعها من الله تعالى في المعتقد والتشريع الإسلامي، عند الشيعة الإمامية، هي مهمة تتعلق بالإسلام نفسه، عقيدة وشريعة على مستوى الحراسة، والتبليغ، والتفسير والحفظ. وأما المهمة السياسية التنظيمية ـ مهمة الحكم السياسي ـ فتقع في الدرجة الثانية من مهمات الإمام المعصوم، ولا تكوِّن ماهية الإمامة، بل يمكن أن تحول أسباب قاهرة بين الإمام وبين ممارستها، دون أن تتأثر ماهية الإمامة المعصومة، والمهمة الأساس للإمام المعصوم، وهي كونها استمراراً للنبوة من دون الوحي.

  وبتفحص الروايات والنصوص الواردة عن أهل البيت حول قضية الإمامة نجد أنها تركز على المهمة الأولى، من حيث ضرورتها، وحاجة الدين والأمة لها، وأهلية الأئمة دون غيرهم للتصدي لها، أما البعد الثاني المتصل بتصدي الإمام للحكم والسلطة، فلم يحض إلا بعدد قليل من الروايات والنصوص.

واستعرض الشيخ شمس الدين نصوص الإمامة في مصدرين شيعيين أساسيين هما كتاب ( الكافي ) للشيخ الكليني ( توفي 328هـ ) وكتاب ( علل الشرائع ) للشيخ الصدوق ( توفي381هـ ) ليؤكد تركيزها على الجانب الأول، وكثرة وكثافة النصوص حوله.  وبعضها ظاهر في أولويته[13] .

الطريق الشرعي

وإذا كان الحكم والسلطة وظيفة من وظائف الإمامة، ووسيلة لتمكينها من تحقيق أهدافها وتطلعاتها الرسالية، إلا أن طريق الوصول إلى الحكم، وآلية استلام السلطة، يجب أن يكون منسجماً مع مفاهيم الإسلام وتشريعاته، فليس الحكم مطلوباً بأي ثمن، وبأي وسيلة، ولو كانت مخالفة لقيم الإسلام وأحكامه.

لذلك رفض الأئمة الأساليب الملتوية في الصراع السياسي للوصول إلى الحكم، ولم يرضوا لأنفسهم تسنم عرش السلطة عن طريق الفرض والقوة، ولا عبر المؤامرات والدسائس، بل التزموا منهجية الوضوح والنزاهة، واحترام إرادة الأمة واختيارها، وإن أدى ذلك إلى فقدان المكاسب السياسية، وفوت الامتيازات والمصالح. فالمبدئية وسيلة وهدف. .

وإلى هذه الحقيقة يشير الإمام علي بقوله: «والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس»[14] .

وفي مورد آخر يقول : «أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه! والله لا أطور به ما سمر سمير، وما أمَّ نجم في السماء نجما»[15] .

ويبدو أن اختيار الأمة ورضاها، هو الطريق المشروع الذي يقبله الإمام، لممارسة دور الحكم والقيادة، وليس القوة أو التآمر أو الثورات والانقلابات، يقول الإمام علي «وقد كان رسول الله عهد إليَّ عهداً فقال: يا ابن أبي طالب لك ولاء أمتي، فإن ولَّوك في عافية وأجمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم، وإن اختلفوا عليك فدعهم وما هم فيه»[16] .

وحدة الأمة

ليس هناك شيء أخطر على وحدة الأمة، وتماسك المجتمع، من الصراعات السياسية، والتي بسببها تتحول الأمة الواحدة إلى شيع وأحزاب، وتكون مدخلاً للتمزق والاحتراب الأهلي، حيث تراق الدماء، وتنتهك الحرمات، وينعدم الأمن والاستقرار.

ومع إيمان أئمة أهل البيت بحقهم في القيادة والحكم، إلا أنهم تنازلوا عن الأخذ بذلك الحق، حين كان يستلزم احتراباً داخلياً، فقد عصمهم ورعهم وحرصهم على وحدة الأمة، من خوض الصراعات السياسية، والسعي للمغالبة على السلطة والحكم.

ينقل ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة خطبة للإمام علي يقول فيها: «فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم، والناس حديثو عهد بالإسلام»[17] .

ثورة الإمام الحسين

كيف يمكن فهم ثورة الإمام الحسين على ضوء ما سبق من الحقائق؟ فالإمام الحسين كسائر الأئمة الهداة، حريص على وحدة الأمة، ملتزم بالنهج الشرعي، بعيد عن الدوافع الذاتية المصلحية، يعطي أولوية للدور الرسالي في تبليغ الشريعة وحفظها وحمايتها. فلماذا حصل في عهده ما لم يحصل في عهود بقية الأئمة، من صدام مع السلطة، أدَّى إلى شهادته بتلك الصورة الفظيعة؟

إن من يدرس ذلك المقطع التاريخي، ويتأمل ظروفه وأحداثه، يدرك أن الظرف الحسيني كان ظرفاً استثنائياً.

1/ تولي يزيد بن معاوية للخلافة كان تدشيناً لظاهرة الخلافة والحكم الوراثي، فلم يسع الحسين القبول بذلك والمبايعة.

2/ شخصية يزيد كانت مجمعاً للعديد من الصفات السيئة، وكان يجهر بمخالفاته وانحرافاته، وقد نقل المؤرخون ومنهم الطبري: أن وفداً من أهل المدينة فيهم عبد الله بن حنظلة الأنصاري ـ غسيل الملائكة ـ وعبد الله بن أبي عمرو والمنذر بن الزبير، ورجالاً كثيراً من أشراف أهل المدينة، قدموا على يزيد بن معاوية، فأكرمهم وأحسن إليهم، وأعظم جوائزهم، ثم انصرفوا من عنده، وقدموا المدينة عدا المنذر بن الزبير، فأظهروا شتم يزيد وعتبة وقالوا: إنا قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير، ويضرب عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسامر الخُرَّاب والفتيان[18] .

3/ وجود قاعدة عريضة من الأمة طالبت الإمام الحسين بالتصدي للأمر، وهم أهل الكوفة، بعددهم الوفير، وتاريخهم القتالي، فقد وصلته منهم آلاف الرسائل، والعديد من الوفود، تستحثه للقدوم عليهم، وقبول بيعتهم، مما جعل الحسين أمام مسؤولية شرعية، ولم يحصل لإمام من الأئمة مثل هذا التجاوب الجماهيري، بعد أبيه علي وأخيه الحسن، واللذين استجابا بدورهما، وتصديا لتحمل المسؤولية، بناءً على طلب الناس وقبولهم. فكان لا مناص للحسين أن يستجيب، وإلا فسيكون محاسباً أمام التاريخ والأمة، كيف فوَّت الفرصة ولم يتحمل المسؤولية؟

وعلمه بالنتائج لا يبرر له عدم العمل بظواهر الأمور.

4/ مع كل ذلك فقد سعى الإمام الحسين لتلافي الاصطدام مع الجيش الأموي، وعرض عليهم في أكثر من موقف أن يتركوه ينصرف إلى ثغر من الثغور، أو يعود إلى المدينة، لكنهم أصروا عليه أن يستسلم لهم، ويبايع يزيد ذليلاًَ، فلما رفض ذلك شنوا هجومهم عليه.

ففي أول خطاب له، أمام أول فرقة قابلته من الجيش الأموي، بقيادة الحر بن يزيد الرياحي، قال : «إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم، وقدمت بها عليَّ رسلكم، أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام، ولعل الله أن يجمعنا بك على الهدى، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، وإن كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم»[19]  وفي خطبته يوم العاشر من المحرم قال لهم «أيها الناس : إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض»[20] .

وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن محادثات جرت بين الإمام الحسين ، وبين قائد الجيش الأموي عمر بن سعد، انتهت بالتوافق على رجوع الإمام الحسين إلى مكة أو المدينة أو بعض الثغور، فكتب ابن سعد إلى ابن زياد بذلك، والذي كاد أن يوافق على الأمر لولا إفساد شمر بن ذي الجوشن لهذه المهمة، وتشجيعه ابن زياد على رفض هذه الفكرة، والإصرار على القتال[21] .

ثورات العلويين

أما ثورات العلويين فلم يتزعمها أحد من الأئمة، وفي بعض الأحيان كان الأئمة ينصحون قادة تلك الحركات بالعدول عن موقفهم الصدامي، لكن الضغوط الهائلة التي كانت تنهال على العلويين وأتباعهم من قبل الحاكمين، كانت تسبب الانفجار، وتدفع إلى المواجهة.

وبدراسة متأنية لكل ثورة من تلك الثورات، يتبين دور الظروف الخارجية في انطلاقها، كما يتضح موقف الحذر والابتعاد من قبل الأئمة عن مباشرة أي دور فيها، أو إظهار أي تأييد لها. بالطبع كان الأئمة يتفهمون مبررات تلك الحركات، ويتألمون لما ينال الثائرين من مآس وفظائع، ويثنون على المخلصين منهم.

معركة الوعي

 وإذا لم يكن الصدام والمواجهة مع الواقع القائم نهجاً للأئمة ، فإن ذلك لا يعني تخليهم عن أي مسؤولية أو دور تجاه الواقع السياسي، فهم معنيون بتبيين مفاهيم الإسلام وتشريعاته في مختلف ميادين الحياة، والشأن السياسي له موقعيته وأهميته الدينية والفعلية، من هنا تصدى الأئمة لتوعية الأمة بمسؤولياتها على هذا الصعيد، بالتأكيد على قيم الإسلام ومبادئه التي تحكم السلطة السياسية، وبالتحذير من الاستبداد والظلم والتجاوز على حقوق الرعية، وبتحميل جمهور الأمة مسؤوليتهم تجاه مجريات الأمور، و توجيه الناس إلى القيادة الشرعية بمواصفاتها ومقاييسها المطلوبة، فتربّت على أيديهم أجيال مؤمنة بحقهم ونهجهم، وتكونَّ تيار جماهيري في الأمة متمسك بإمامتهم ومرجعيتهم، أخذ في الاتساع والانتشار، رغم الضغوط والعوائق. كما قدموا للأمة وللبشرية جمعاء نموذجاً مشرقاً في العمل السياسي الملتزم بالمبادئ والقيم، وحفظوا رؤية الإسلام، ومعالم شرعته، من تأثير واقع الصراعات السياسية المصلحية.

 

 

* كلمة الجمعة بتاريخ 20 صفر 1423هـ
[1]  ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج 2 ص 10،11، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت 1989م.
[2]  الطبري: محمد بن جرير، تاريخ الطبري، ج 2 ص449، مؤسسة الأعلمي، بيروت.
[3]  ابن قتيبة الدينوري: عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة، ج1 ص12، مؤسسة الحلبي،القاهرة.
[4]  ابن كثير: أبو الفداء الحافظ، البداية والنهاية، ج 7 ص 142، دار الكتب العلمية، بيروت 2001م
[5]  شخصية إسلامية سياسية من الكويت.
[6]  الشطي: الدكتور إسماعيل، الإسلام الذي نريد، مقال في جريدة الشرق الأوسط 7، 6،1998م.
[7]  ابن كثير: أبو الفداء،البداية والنهاية، ج7 ص218، دار الكتب العلمية، بيروت 2001م
[8]  الموسوي: الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطبة رقم 3، الطبعة الأولى 1967م، دار الكتاب اللبناني، بيروت.
[9]  السيوطي : جلال الدين عبد الرحمن، تاريخ الخلفاء، ص 227، دار الجيل، بيروت 1994م.
[10]  القرشي: باقر شريف، عصر الإمام الصادق، ص77.
[11]  المصدر السابق، ص74.
[12] ابن كثير: أبو الفداء، البداية والنهاية، ج10 ص265، دار الكتب العلمية، بيروت..
[13]  شمس الدين: محمد مهدي، نظام الحكم والإدارة في الإسلام، ص 325 ـ 362، الطبعة الثانية 1991م، المؤسسة الدولية، بيروت..
[14]  الموسوي: الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطبة رقم 200، الطبعة الأولى 1967م، دار الكتاب اللبناني، بيروت.
[15]  المصدر السابق، خطبة رقم 126.
[16]  المنتظري: الشيخ حسين علي، دراسات في ولاية الفقيه، ج1 ص505، الطبعة الثانية 1988م، الدار الإسلامية،بيروت.
[17]  ابن أبي الحديد: عبد الحميد، شرح نهج البلاغة، ج1 ص308، دار الجيل، بيروت 1987م.
[18]  الطبري: محمد بن جرير، تاريخ الطبري، ج4 ص368، الطبعة الخامسة 1989م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
[19]  القرشي: باقر شريف، حياة الإمام الحسين، ج3 ص75، الطبعة الأولى 1993م، دار البلاغة، بيروت.
[20]  المصدر السابق ص187.
[21]  المصدر السابق ص 128، 130.