التنمية الثقافية والإنفاق الأهلي

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين


كان اختيار تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003م لموضوع بناء مجتمع المعرفة موفقاً جداً.

ذلك أن المعرفة اكتساباً وإنتاجاً وتوظيفاً قد غدت في مطلع القرن الحادي والعشرين هي الوسيلة الكفيلة بتحقيق التنمية الإنسانية في جميع ميادينها، فهي غالباً ما ترسم الحدود بين القدرة والعجز، بين المنعة والوهن، بين الصحة والمرض، وبين الثروة والفقر.

وقد أشار التقرير إلى أن شح المعرفة وركود تطورها يحكمان على البلدان التي تعانيهما بضعف القدرة الإنتاجية، وتضاؤل فرص التنمية، حتى أن فجوة المعرفة أصبحت تُعدُّ في نظر مؤسسة اقتصادية دولية كالبنك الدولي، المحدد الرئيس لمقدرات الدول في العالم الآن.

إن التخلف الشديد لمجتمعاتنا العربية والإسلامية، في مجال المعرفة والثقافة، هو الذي يكرّس تخلفها في سائر المجالات كما هو ناتج له.

وقد كانت إشارة البدء بانطلاق حضارة الإسلام هي الأمر بطلب المعرفة (اقرأ). وبقدر الاستجابة لهذا الأمر كان الكسب والإنجاز الحضاري. وحين تقلّص الاهتمام بالمعرفة وانخفض مستوى الإجابة للأمر (اقرأ) تراجعت الحضارة، وضاعت المكاسب، وتخلفت الأمة، وسبقتها سائر الأمم التي سلكت طريق المعرفة والعلم.

وتلك هي سنة الله التي تقضي بتفوق أهل العلم والمعرفة على الجاهلين ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ[1] ، ﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا[2] .

ولا يمكن ردم الهوة العميقة، ولا قطع المسافة الشاسعة، التي تفصل بيننا وبين المجتمعات المتقدمة، إلا ببناء مجتمع المعرفة، وامتلاك قدرة العلم، وإصلاح خلل الثقافة.

إن شواهد العجز والضعف في واقعنا الثقافي أكثر من أن تعد وتحصى، وعلى مختلف الأصعدة، وقد أشار التقرير المذكور إلى بعض تلك الشواهد: إذ ينخفض عدد الصحف في البلدان العربية إلى أقل من 53 لكل ألف شخص، مقارنة مع 285 صحيفة لكل ألف شخص في الدول المتقدمة.

ويوجد أقل من 18 حاسوب لكل ألف شخص في المنطقة العربية، مقارنة مع المتوسط العالمي هو 78.3 حاسوب لكل ألف شخص.

أما إنتاج الكتب في البلدان العربية فلم يتجاوز 1.1% من الإنتاج العالمي رغم أن العرب يشكلون نحو 5% من سكان العالم.

وعلى الرغم من وجود 284 مليون عربي يتحدثون اللغة العربية في 22 دولة، يتراوح العدد المعتاد لنشر أي رواية أو مجموعة قصص قصيرة ما بين 1000 و3000 نسخة، ويعتبر الكتاب الذي يوزع منه 5000 نسخة ناجحاً نجاحاً باهرا.

وبينما يصل عدد المنشورات العلمية في فرنسا إلى 840 بحثاً لكل مليون فرد، وفي هولندا إلى 1252، وفي سويسرا إلى 1878 فإنه في البلدان العربية لم يتعد26 بحثاً لكل مليون فرد عام 1995م.

ويعاني البحث العلمي في البلدان العربية من انخفاض الإنفاق عليه، إذ أن الإنفاق الرسمي لا يتجاوز 0.2% من الناتج القومي، وتتفاوت هذه النسبة من بلد لآخر ويستهلك معظمها في تغطية رواتب العاملين. وللمقارنة نجد أن نسب الإنفاق على البحث والتطوير في البلدان المتقدمة تتراوح بين 2.5% إلى 5%.

وتعتبر الترجمة من القنوات الهامة لنشر المعرفة والتواصل مع العالم، إلا أن حركة الترجمة في البلدان العربية ما زالت تتسم بالركود والفوضى، فمتوسط الكتب المترجمة لكل مليون من السكان في الوطن العربي في هذه السنوات الخمس هو 4.4 كتاباً، أي أقل من كتاب واحد في السنة لكل مليون من السكان، بينما بلغ 519 كتاباً في المجر، و920 كتاباً في أسبانيا لكل مليون.

ورغم ازدياد عدد الكتب المترجمة في العالم العربي من حوالي 175 عنواناً في السنة خلال الفترة 1970-1975م إلى ما يقرب من 330 كتاباً وهو خمس ما تترجمه اليونان مثلاً.

ويقدر الإجمالي التراكمي للكتب المترجمة منذ عصر المأمون حتى الآن بحوالي 10000 كتاباً وهو يوازي ما تترجمه أسبانيا في عام واحد.

مسؤولية النهوض


تتحمل الحكومات العربية الجزء الأكبر والأساس من مسؤولية التردي والضعف في واقع المعرفة والثقافة في البلاد العربية، لشّح إنفاقها على هذا الجانب، ولسوء الإدارة والتخطيط، ولوضعها الحواجز والعراقيل أمام حرية الفكر وحركة المعرفة.

وكنموذج للتجاهل والإهمال الرسمي لشأن المعرفة والثقافة، نشير إلى ما قاله الدكتور شاكر مصطفى المفكر والمؤرخ السوري، الذي كان يرأس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في جامعة الدول العربية، قال: »إن المنظمة رأت أن تضع خطة للثقافة العربية عام 1982م لترسم السياسة الثقافية المستقبلية، واختارت سبعة عشر مثقفاً متخصصاً من سبعة عشر قطراً عربياً لوضع هذه الخطة، التي استمر العمل فيها لمدة أربع سنوات، أُنفق خلالها مليونا دولار، وقد عقدنا 29 مؤتمراً، ضم كل مؤتمر 25 متخصصاً في كل فروع المعرفة الإنسانية، من الموسيقى إلى الصحافة، ومن الدين إلى العلم. ولخصت بنفسي كل هذا وجمعته في خمسة مجلدات مركونة على الرفّوف إلى اليوم!! وقد عانيت المرّ في هذا العمل الضخم ليس بسبب الجهد الذي بذلته، ولكن بسبب تعنّت الحكومات العربية، فلم تمدنا بالمعلومات أو الأرقام الخاصة، وكنت أضطر إلى إرسال مبعوث شخصي إلى هذه الحكومات فيفشل في مهمته، فأضطر إلى السفر بنفسي في كثير من الأحيان، وأواجه بكمّ من الإجراءات والعقبات البيروقراطية الكفيلة بنسف مشروعنا من أساسه، ثم وافق وزراء الثقافة العرب بالإجماع على هذه الخطة رغم أنهم لم يقرأوها، وبالتالي لم يقرأها مسؤول عربي واحد إلى الآن«[3] .

لكن المسؤولية لا تنحصر في الحكومات، فإن النهوض بمستوى الثقافة والمعرفة يتطلب فاعلية أهلية وحركة اجتماعية، وخاصة من قبل العلماء والمثقفين، ومن جهة رجال الأعمال والثروة.

ففي البلدان المتقدمة تساهم القطاعات الإنتاجية والخدمية، ويقوم الأغنياء ومؤسسات المجتمع المدني بنحو 50% من الإنفاق على جهود البحث والتطوير العلمي والمعرفي، بينما لا تتعدى هذه النسبة 3% من المخصصات الضئيلة للبحث والتطوير في البلدان العربية.

في الأول من يناير 1997م نشرت صحيفة (كريستيان سيانس مونيتور) الأمريكية: أن أمريكياً لم يرغب في إعلان اسمه تبرع بمبلغ 35 مليون دولار للدفاع عن التمدن والنزاهة والتقاليد النبيلة في بلاده، وأرسل التبرع إلى (معهد المجتمع المدني) الذي أقيم في ولاية (ماساشوسيتس) ويكرس جهوده لمقاومة الانحرافات والانهيارات السلوكية والأخلاقية الحاصلة في المجتمع الأمريكي، وقد وجد الرجل أن رسالة المعهد تحقق له حلماً تمناه لشعبه فوضع تحت تصرفه ذلك المبلغ الكبير.[4] 

وثمة نموذج آخر عرضه الدكتور محمد عبدالسلام، عالم الفيزياء الباكستاني الذي كان أول مسلم حصل على جائزة نوبل عام 1979م وضمنه كتابه (أحلام وحقائق) فقد ظل الرجل يحلم بإقامة مركز دولي للفيزياء النظرية، يستفيد منه ويتدرب فيه علماء العالم الثالث، ولم يجد مكاناً يستجيب لحلمه سوى مدينة (تريستا) الإيطالية، وقد أدهشه أن مجلس المدينة خصص مبلغ 40 مليون دولار لصالح المشروع، وأن أثرياءها بادروا إلى تشجيعه وتقديم الأموال التي احتاجها.

وروى الدكتور عبدالسلام قصة تبرع بمبلغ 70 مليون دولار قدمته (مؤسسة كيك) التي أنشأتها عائلة أمريكية مغمورة تعمل بالنفط إلى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، لكي يتمكن من بناء أكبر تلسكوب على وجه الأرض، يبلغ قطره عشرة أمتار. بعد ذلك تساءل قائلاً: أين الأثرياء في بلادنا؟ ولماذا يتقاعسون عن القيام بتلك المهام النبيلة التي يقبل عليها الأثرياء في العديد من أنحاء العالم؟[5] .

كانت هذه الروح متوفرة في أوساط أثرياء الأمة في أزمنة سابقة، وبها استطاعت الأمة تحقيق ما يتحدث عنه التاريخ من انجازاتها العلمية والحضارية والإنسانية.

فكانت سنّة (الوقف الخيري) جارية في مختلف مجتمعات الأمة، ومنها أقيمت المدارس والمستشفيات والمكتبات، ودور الضيافة للمسافرين، وعبرها كان يتم الإنفاق على النشاط العلمي والثقافي.

جاء في ترجمة الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي (355-436هـ) أنه أوقف قرية زراعية كاملة تصرف مواردها على قراطيس الفقهاء والتلاميذ.[6] 

وفي عهد قريب تبرعت في مصر فاطمة بنت الخديوي إسماعيل لمشروع إنشاء الجامعة المصرية بثلاثة آلاف وثلاثمائة فدان يخصص ريعها للجامعة، فضلاً عن قطعة أرض مساحتها ستة أفدنة لإقامة مباني الجامعة، المقر الحالي لجامعة القاهرة، وقدمت فوق هذا وذاك 18 ألف جنيه ذهبية لميزانية الجامعة في سنة 1913م.

كما أوقف الأمير يوسف كمال على الجامعة 125 فداناً، وأنشأ من حرّ ماله كلية الفنون الجميلة في أوائل القرن العشرين، وأوفد أوائل خريجيها على نفقته الخاصة في بعثات إلى إيطاليا وفرنسا، كما أوقف مصطفى كامل الغمراوي المزارع الثري من بني سويف 500 فداناً على الجامعة المصرية.[7] 

الإنفاق على الشأن العام


لا يمكن إنكار وجود مبادرات طيبة وجهود خيّرة في مجتمعاتنا من قبل بعض المحسنين الباذلين من أموالهم وثرواتهم في سبيل الله ولخدمة المصالح العامة.

لكن هذه المبادرات لا تزال محدودة قليلة، لا تتناسب مع حجم الثروات، وسعة طبقة الأثرياء، فقد تحدثت مجلة (Arabian Business) أخيراً عن خمسين ثرياً عربياً يمتلكون 404 مليار دولار، وقالت أنها لم تتعرض للمليارديرية العرب المغمورين وإلا لم تكف 50 صفحة لباقي الأثرياء الذين لا يظهرون ثرواتهم خوفاً من الحسد والمساءلة[8] .

كما أن هذه المبادرات لا تشكل الحد الأدنى من الاستجابة للاحتياجات والتحديات الكبيرة التي تواجهها الأمة في هذا العصر، والتي تنعكس آثارها على جميع شرائح الأمة بما فيهم الأثرياء، وتؤثر على مختلف أوضاع الأمة وفي طليعتها الوضع الاقتصادي.

مما يعني أن الإنفاق على الشأن العام له مردود إيجابي على الأثرياء أنفسهم، وفي مجال اهتمامهم الاقتصادي، كما أن لشّح الإنفاق في خدمة الشأن العام نتائج سلبية ليسوا بعيدين عن آثارها.

وغريب جداً أن يتدنى مستوى الإنفاق على الشأن العام في ساحة أمة يفرض دينها الإنفاق كواجب ملزم، وركن أساس في الانتماء للدين، حيث تقرن آيات القرآن الكريم دائماً بين إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وتكرر ذلك في 32 آية كقوله تعالى: ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ[9]  وبين الإيمان والإنفاق في سبيل الله، كقوله تعالى: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ[10] .

لقد أصبح الإنفاق على الشأن العام ظاهرة عامة في المجتمعات الأخرى، بينما لا يزال في مجتمعاتنا ضمن مستوى المبادرات الفردية المحدودة.

ففي مقال للصحفية (مها عبدالفتاح) في جريدة (أخبار اليوم) المصرية بتاريخ 5/8/1997م كتبته من واشنطن تحت عنوان (أروع ما في أمريكا أوقاف أغنيائها وروح العطاء) أشارت فيه إلى أنه لا يكاد يوجد ثري في الولايات المتحدة إلا ويخصص جزءاً من ثروته للمجتمع، وتحدثت عن نموذج لرجل من الأغنياء الأمريكيين أنشأ مؤسستين خيريتين، وأنفق عليهما في صمت مئات الملايين من الدولارات خلال السنوات العشر الماضية، ولم يعرف إلا حين باع بعض شركاته مؤخراً، ووهب لأعمال الخير مليار دولار، في حين لم يستبق لنفسه وأسرته سوى خمسة ملايين دولار فقط.

وجاء في تقرير آخر أن تبرعات الأمريكيين للجمعيات الخيرية عام 2003م وصلت إلى 245 بليون دولار، ويمثل 2.2% من الدخل الوطني[11] ، كما أن معدل التبرع سنوياً هو 500 دولار لكل أمريكي.

وقد جاء في تعريف (معهد كارينجي للسلام الدولي) أنه مؤسسة أبحاث سياسية مرموقة في واشنطن عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية، تأسس سنة 1910م على يد (أندرو كارينجي)، أحد أهم رواد الصناعة في تلك الحقبة، والذي جنى ثروة كبيرة في صناعة الفولاذ، ثم قرر تكريسها لتحقيق الأهداف التي شعر بأن المنظمات الخاصة لا يسعها أن تعهد بها كلياً إلى الحكومة، وأحدها قضية نشر السلام في العالم.

الاهتمام بالشأن الثقافي


غالباً ما يتجه المحسنون في بلادنا للإنفاق على ما يخدم القضايا الدينية المباشرة، كبناء المساجد، والحسينيات، والحج والعمرة والزيارة، وتلاوة القرآن، وما شاكل من الأعمال الدينية.

وبالدرجة الثانية يأتي الاهتمام في الإنفاق على القضايا الإنسانية، كمساعدة الفقراء، ورعاية الأيتام، وعلاج المرضى.

وفي المرتبة الثالثة يجيء دور الإنفاق على الشأن الثقافي المعرفي، كبناء المدارس والجامعات، وإقامة المراكز العلمية، وإنشاء المكتبات، ونشر البحوث والمجلات والكتب، وتنمية الكفاءات والقدرات.

وإذا كان مستوى العطاء الأهلي محدوداً، وكان الشأن الثقافي في المرتبة المتأخرة منه، فإن ذلك يعني استمرار واقع التخلف وتكريسه على هذا الصعيد. ومع سرعة تقدم المجتمعات الأخرى معرفياً وتكنولوجياً فكيف سيكون مستقبل هذه الأمة؟

فلا بد من استنهاض الهمم، وتوجيه مبادرات العطاء نحو الشأن الثقافي، فالمعرفة ليست مسألة هامشية في نظر الإسلام، بل هي من الدين في الصميم، والإنفاق على نشر المعارف والعلوم لا يقل أهمية وفضلاً عند الله تعالى من الإنفاق على بناء المساجد وقضايا العبادة، وبالمعرفة تتقوى حالة التدين.

كما أن رفع مستوى المعرفة في المجتمع هو أفضل سبيل لمواجهة حالات الفقر والعوز الاقتصادي.

البابطين نموذج ريادي


إن مما يحفز على تشجيع الاهتمام بالإنفاق على الشأن المعرفي والتنمية الثقافية، إشهار المبادرات الطيبة بهذا الاتجاه، وتقدير المبادرين الذين يتبنون رعاية وتمويل الأنشطة المعرفية الثقافية.

وهم في الواقع يستحقون كل تقدير واحترام، لأن اهتمامهم بهذا المجال يدل على مستوى متقدم من الوعي، وشعور عميق بالمسؤولية.

ومن أولئك المبادرين الروّاد في منطقتنا الخليجية الأستاذ عبدالعزيز بن سعود البابطين حفظه الله. وهو من رجال الأعمال المعروفين في الكويت (ولد سنة 1936م) وله نشاط تجاري وصناعي بارز.

وهو أديب شاعر أصدر ديوانه الأول (بوح البوادي) عام 1995م وديوانه الثاني (مسافر في القفار) عام 2004م.

ولاهتمامه المعرفي انضم إلى عضوية عدة مؤسسات علمية وثقافية منها: الهيئة التأسيسية للجنة الوطنية لدعم التعليم، وإدارة الصندوق الوقفي للثقافة والفكر التابع للأمانة العامة للأوقاف في دولة الكويت، ورابطة الأدباء في الكويت، ومجلس أمناء المجمع الثقافي العربي في بيروت، وجمعية فاس سايس الثقافية في المغرب، ومجلس أمناء (مؤسسة الفكر العربي)، وهو عضو مراسل لمجمع اللغة العربية في دمشق. ولا شك أن عضويته في هذه المؤسسات تعني تواصله الدائم مع هموم المعرفة والثقافة، وبذله للجهد والوقت والمال بشكل مستمر في خدمتها.

وقد أنشأ جائزة للإبداع الشعري عام 1989م ومكتبها الرئيس في القاهرة وافتتحت لها مكاتب إقليمية في كل من تونس وعمان والكويت. كما أنشأ جائزة سنوية مخصصة لأحفاد الإمام البخاري قيمتها (100) ألف دولار، لترميم الجسور الثقافية الأصيلة بين الأمة العربية والدول الإسلامية المستقلة حديثاً في آسيا.

وأنشأ بعثة للدراسات العليا تُعطي للشعوب الإسلامية في جمهوريات آسيا الوسطى مئة منحة سنوياً للدراسة في جامعة الأزهر بالقاهرة، علاوة على خمس منح سنوية للمغرب، وأخرى للنيجر، وأخرى لأوغندا ومالي، ومئة منحة سنوية لأبناء الشعب العراقي بالتنسيق مع سماحة السيد محمد باقر الحكيم قبل شهادته رحمه الله. وخمسين منحة سنوية للدراسات العليا لأبناء شهداء انتفاضة الأقصى.

وأسس مكتبة مركزية للشعر العربي في الكويت، ومكتبة في حرم كلية الآداب بجامعة القدس تقدم خدماتها لأبناء فلسطين. وأنشأ جائزة للشعر العربي في فلسطين موجهة للشباب الفلسطيني ممن تقل أعمارهم عن 35 عاماً.

وأسس مركزاً للترجمة في بيروت عام 2004م ليقوم سنوياً بترجمة العشرات من الكتب العلمية وغيرها من اللغات الأجنبية الحيّة إلى اللغة العربية.

كما أنشأ أكثر من عشر مدارس وكليات في كل من مصر عام 1990م ولبنان عام 1996م والمغرب والعراق عام 1988م، وجمهورية قرغيزستان، وجمهورية مالي، وكازخستان، وآزربيجان، والجزائر، والهند.

إضافة إلى إسهاماته وخدماته في المجال الإنساني كإنشاء المستشفيات والمراكز الطبية وبناء المساجد.

ومع هذا الدور الكبير الذي يقوم به، والموقعية التجارية التي يحتلها، فهو يتصف بتواضع جم، وخلق كريم، وقد زار القطيف مساء يوم الخميس 5 شوال 1425هـ 18/11/2004م، بدعوة من الأخ الأستاذ محمد رضا نصر الله فأقيم له احتفال تكريمي زحف إليه وشارك فيه جمع من العلماء والأدباء والإعلاميين ورجال الأعمال من القطيف والأحساء.

إنه نموذج ريادي في الاهتمام بالمعرفة والتنمية الثقافية، نأمل أن يقتفي أثره ويحتذي به أثرياؤنا ورجال الأعمال في مجتمعاتنا.

الوقف للإنماء الثقافي


لإيجاد روافد دعم ثابتة للإنماء الثقافي، ولتكريس الدور الأهلي في خدمة قضايا المعرفة، لابد من تشجيع قيام مشاريع وقفية مخصصة للتنمية الثقافية، فكما لدينا أوقاف للمساجد والحسينيات ولتخليد ذكريات أئمة الدين، وكذلك بعض الأوقاف للفقراء والمساكين والأيتام، نحتاج إلى أوقاف للابتعاث للدراسات العليا، وللبحث والتطوير، وللتأليف وطباعة الكتب، وللإعلام والقنوات الفضائية الهادفة.

وقبل ذلك يجب التفكير في الاستفادة من الأوقاف الموجودة فعلاً لصالح التنمية الثقافية.

فالأوقاف التي للمساجد ألا يمكن الاستفادة منها لابتعاث أئمة المساجد لتطوير كفاءاتهم؟ ولإقامة الدروس ودورات التعليم والتثقيف في المساجد؟ ولتمويل أنشطة معرفية مرتبطة بالمسجد كموقع على الإنترنت ومطبوعات منتظمة؟

وكذلك الأوقاف على الحسينيات ألا يمكن الاستفادة منها في قيام أنشطة معرفية منبثقة عن الحسينية متجهة إلى أهدافها؟

وحينما يكون عندنا وقف باسم إمام من الأئمة (عليهم السلام) ألا يصح لنا أن نصرف جزءاً من ريعه لتمويل دراسات علمية عن حياة ذلك الإمام؟ أو إنشاء مؤسسة ثقافية للتعريف بسيرته وبث معارفه وعلومه؟

كمٌ هائل من الأوقاف باسم الإمام الحسين لكنه لم يتأسس لحد الآن معهد أو مركز لدراسة حياته وثورته من تلك الأوقاف، وقد بادر الباحث المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي لتأسيس مركز للدراسات الحسينية في لندن، ووضع خطة لإصدار (دائرة المعارف الحسينية) من مئات المجلدات، وقد طبع منها بالفعل حوالي أربعين مجلداً، لكن هذا المركز لا يتوفر له أدنى الدعم المطلوب لتسيير عمله!!

لماذا تنحصر استفادتنا من هذه الأوقاف ضمن الأساليب والتقاليد المألوفة فقط كبناء المساجد والحسينيات، وإقامة المجالس في المناسبات وتقديم الطعام بعنوانها؟

وإذا كانت هناك تحفظات حول مدى انطباق جهة الوقفية على الأنشطة المعرفية والثقافية، فإن مراجع الدين والفقهاء الفضلاء يمكنهم إفادتنا في معالجة هذه الإشكالية، بتبيين مدى اتساع جهة الوقفية، أو الإذن في صرف ما يزيد عن حاجة الجهة المخصصة للوقف، في دعم المشاريع الأخرى.

لقد أصاب تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003م فيما خلص إليه من أن المعرفة تكاد تكون الفريضة الغائبة في أمة العرب الآن.

والحمد لله رب العالمين.
[1] سورة الزمر آية 9.

[2] سورة فاطر آية 43.

[3] الحياة: جريدة يومية تصدر من لندن، العدد 11656، بتاريخ 18 يناير 1995م.

[4] هويدي: فهمي، أثرياء هذا الزمان الأبعدون، جريدة الشرق القطرية، 7 يناير 1997م.

[5] المصدر السابق.

[6] ديوان الشريف المرتضى، المقدمة في ترجمته ص50-51.

[7] هويدي: فهمي، الأثرياء الحاضرون الغائبون، مجلة الخيرية، العدد 91، جمادى الثاني 1418هـ.

[8] محيط: شبكة المعلومات العربية، نقلاً عن آرابيان بيزنيس، العنوان على الشبكة، http://us.moheet.com

[9] سورة الحـج آية 78.

[10] سورة الحديد آية 7.

[11] الوسط: أسبوعية ملحق لجريدة الحياة، العدد 649، بتاريخ 5 يوليو 2004م.