الشباب وغربة العصر

مكتب الشيخ حسن الصفار
في حضورٍ مميز وحشدٍ كبيرٍ جداً، ألقى سماحة الشيخ المحاضرة العاشرة في في إطار مواصلة سماحة الشيخ لإلقاء محاضراته المتميزة في موسم محرم الحرام لعام 1424هـ بحسينية العوامي بالقطيف، ألقى سماحته محاضرته التاسعة (ليلة الأربعاء التاسع من شهر محرم الحرام) تحت عنوان: الشباب وغربة العصر. وقد تضمنت المحاضرة ثلاثة محاور:

المحور الأول: الغربة كمفهوم اجتماعي.


المعنى اللغوي للغريب: هو الإنسان النازح عن وطنه، البعيد عن أهله. وله معنى آخر هو: أجنبية الإنسان عن أي جماعة.

ومن مفردات الغربة: البعد وعدم الألفة وعدم الجزئية.

وأشار سماحة الشيخ إلى المفهوم الفلسفي الذي لخصه فلاسفة ألمانيا في القرن الثاني عشر بأنه أزمة وجود الإنسان في ظل النظام الرأس مالي، إذ أصبح ألإنسان منفصلاً عن ذاته، وأصبح مادةً مهملين الجانب المعنوي والوجداني عند الإنسان.

كما أشار سماحته إلى استخدام علماء النفس مفهوم الغربة للتعبير عن الإنسان الذي يعيش منفصلاً عن المجتمع الذي يعيش فيه. وقد أشار الإمام علي إلى هذا المفهوم بقوله: «الفقر في الوطن غربة، والغنى في الغربة وطن».

وقال سماحته أن الموضوع الذي يطرحه يبحث هذا المفهوم، إذ أن أكثر الشباب يعيشون عدم الرضا بذاتهم وعدم الرضا بالواقع الذي يعيشون فيه، فهم جزءٌ من الوطن والمجتمع، ولكنهم يعيشون غربةً فيهم ويفصلهم عنه هوّة كبيرة ينبغي الانتباه لها.

المحور الثاني: معاناة الشباب.


أكد سماحة الشيخ على وجود ممارسات وأعمال يُمارسها الشباب، يستنكر منها المجتمع.

ودعا سماحته إلى دراسة هذه الظواهر بعمق، للكشف عن ما وراءها.

وتتطرق سماحة إلى بعض تلك الممارسات:

1- تدني المستوى التعليمي لدى الشباب.

2- تمرد الشباب على القيم والأخلاق الاجتماعية التي يؤمن بها المجتمع.

3- وجود حالات الاستهتار بالنفس والآخرين، وكذلك الممتلكات الخاصة والعامة.

4- ارتفاع معدل الجريمة والانحراف عند الشباب.

وطرح مجموعة من الإحصائيات المذهلة حول جرائم الشباب، منها:

- ما بين (1410 – 1416) ارتفع مستوى الجريمة بنسبة (320)% في المملكة.

- والآن سنوياً يرتفع مستوى الجريمة بنسبة (16)% سنوياً، وأنه (72)% من الذي يمارسون هذه الجرائم هم تحت سن الثلاثين.

- (35)% من جرائم الشباب سرقات.

- (20)% من الجرائم اعتداءات.

- (15)% من الجرائم انحرافات أخلاقية.

- في عام (2001) بلغ عدد الحوادث المرورية في المملكة (280) ألف حادث، ويومياً هناك (10) حالات وفاة.

- وفي عام (2002) بلغ عدد الحوادث المرورية في المملكة (320) ألف حادث، ويومياً هناك (13) حالة وفاة، و(86) إصابة.

وأكد سماحة الشيخ أن هذه الظواهر لا تمثل كل ما يجري، وإنما هناك المزيد مما هو مخفي ولا يُعلن عنه.

ثم طرح سماحة الشيخ تحليلاً موجزاً حول هذه الحالات، وقال:

من حيث التعليم: فإن مناهج التعليم لا تلامس هموم الشباب، وآمالهم وآلامهم. لا في المضمون، ولا في الأسلوب. ثم إن الشاب بعد تخرجه من الثانوية لا تنتهي معه الهموم، وإنما يدخل مرحلة متقدمة من الهموم حيث أزمة الحصول على مقعد جامعي. وأشار هنا سماحة الشيخ إلى المعدل العالمي للجامعات في الدول بلحاظ عدد السكان، يقول: المفترض أنه في كل (120) ألف نسمة هناك جامعة، ولذا يُفترض في المملكة هناك (123) جامعة، بينما الواقع (8) جامعات، و(4) كليات أهلية. وأكد سماحة الشيخ بعد ذلك أن سلسلة الهموم لا تنتهي بعد التخرج من الجامعة، وإنما تبدأ معها سلسلة جديدة من الهموم حيث القلق الوظيفي وحيث صعوبة تكوين الشباب نفسه، وحيث صعوبة وعقدة الزواج في الزمن الحاضر، وغيرها من الهموم التي تواجه الشباب بعد التخرج من الجامعة.

وفوق هذا كله يعيش الشباب ضغطاً نفسياً مؤلماً حيث الإعلام المفتوح والقنوات الفضائية المحرّضة للغرائز، وأيضاً حينما يخرج الشاب للسوق ويجد وضعية بعض النساء المبتذلة التي تهيج الغرائز عند الشباب، هذا كله ومطلوب من الشاب المحافظة على دينه وقيمه، فليُساعد الله الشباب على هذه المعاناة. يقول الرسول الأكرم : «يأتي زمانٌ على الناس يكون القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر.»

المحور الثالث: مسؤولية الشباب والمسؤولية تجاههم.


وأكد سماحة الشيخ أنه إذا لم يكن هناك حسن تربية وتوجيه للشباب فإن الشاب كرد فعل قد ينتقم من الحالة التي يعيشها.

البعض يعوّل كثيراً على الخطباء، ولكن الخطاب الديني –مع أهميته- لكنه لا يكفي لحل المشكلة، ينبغي أن تُكثّف الجهود ويتعاون الجميع من أجل حل هذه الأزمات. يجب على الواعين في المجتمع المبادرة لوضع مشاريع وأطر لاستيعاب الشباب كمثل:

- صندوق تنمية الموارد البشرية.

- المؤسسات التأهيلية.

- وجود مشاريع لمعالجة المشكلة.

وأشار سماحة الشيخ إلى وجود نماذج من ذلك في بعض دول الخليج كالإمارات في دبي والتي قررت هيئة اقتصادية مشتركة من الدولة والقطاع الخاص بناء عشرة آلاف وحدة سكنية للشباب، وفي عمان تكوّن مجلس لدعم المشاريع الاستثمارية والعملية للشباب بتقديم دراسات لتقديم قروض تساعد الشباب على البدء بمشروع عملي اقتصادي. ودعا سماحته المسئولون للتفكير في هذه الجوانب وأخذها بعين الاعتبار فإن المسألة خطيرة ولا يُمكن السكوت عنها.

وأكد بعد ذلك على مجموعة من المسؤوليات الواجبة على المجتمع تجاه الشباب، منها:

أولاً- الانفتاح العائلي.

أكد سماحة الشيخ على ضرورة انفتاح العائلة على أبنائها، ورعايتهم بالتوجيه والتأديب الديني المناسب. كما في الحديث، عن رسول الله : «دع ابنك يلعب سبعاً، وأدبه سبعاً، واصحبه سبعاً، ثم اترك له الحبل على الغارب».

وأشار سماحة الشيخ إلى دور الموعظة في تربية الابن انطلاقاً من القرآن الحكيم الذي يؤكد على ذلك بطرحه لتجربة لقمان الحكيم مع ابنه.

وأكد سماحة الشيخ أن أبرز نجاح يحققه الإنسان هو قدرته على توجيه ابنه التوجيه السليم، وقدرته على احتواء ابنه والانفتاح عليه.

ثانياً- توفر التوجيه المنفتح من المجتمع.

وأكد هنا على القصور الذي تشكو منه المؤسسات الدينية في احتواء الشباب، ودعا إلى ضرورة تغيير مستوى وأسلوب الخطاب الديني بحيث يقبله الشباب الذين يعيشون في هذا العصر، لا أن يكون الخطاب خطاباً تقليدياً عفا عليه الدهر.

ثالثاً- وجود مؤسسات لاستيعاب طاقات الشباب.

وهنا دعا الجمعيات الخيرية إلى ضرورة التفكير الجدي في استيعاب الطاقات الشبابية من خلال الأندية ومن خلال وجود مشاريع عمل تهتم بهموم الشباب كصناديق الزواج الجماعي، وغيرها.

وأكد سماحة الشيخ على أن قيمة المجتمع لا تكون إلا بتعاون أبنائه.

ثم وجه سماحته خطابه ناحية الشباب ودعاهم إلى تحمل المسؤولية بأنفسهم وأن يكونوا قادرين على خوض الصعاب. وأكد عليهم أن أمامهم مستقبلاً يجب عليهم الإعداد إليه جيداً. كما ذكرهم بأن المستقبل الذي ينتظرهم ليس دنيوياً فحسب، وإنما وراءهم مستقبلٌ أخروي، ولذا لزم الانتباه لذلك المستقبل إذ عليهم أن يتوبوا إلى الله ويؤوبوا إليه فإن الله يحب الشاب التائب ويُباهي به ملائكته.

كما ذكر الشباب بأنه لا طاقة لهم على النار فعليهم أخذ الحذر الشديد من الوقوع فيها، وذلك من خلال التوبة إلى الله والتمسك بحبله.

وأكد سماحته على الشباب أن يقرروا بأنفسهم الابتعاد عما يُدخلهم النار.

ثم ذكر الشباب بحق الوالدين وضرورة الإحسان إليهما إذ أن حقهما يأتي بعد حق الله تعالى، ﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه، وبالوالدين إحساناً. وركز على حق الأم فهي من تعبت وسهرت وتحملت من أجلك أيها الشاب فلا تكن قاسياً في تعاملك مع أمك، واعلم أنه مهما قدّمت لها فإن لن تصل إلى أداء حقوقها ولو عملت ما عملت، فهذا رجل يطوف بأمه حول الكعبة، ويصادف رسول الله وهو على تلك الحال، فيقول: يا رسول الله أوفيت؟ فيقول له : لا ولا بزفرة.

واعلم أيها الشاب أن الوالدين مهما عملا فهما يكنّان في داخلها حباً وعطفاً عميقاً على الولد، وبخصوص إذا كان الولد صالحاً فإنهما يفديانه بأنفسهما.

وليكن قدوة الشباب في حياتهم وأسوتهم علي بن الحسين الأكبر ، إذ عليهم أن يتمثلوا مواقفه الخالدة التي سطّرها للأجيال القادمة في يوم عاشوراء.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ آله الطاهرين.