التدين والقيم الروحية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

صلى الله عليك يا رسوله الله وعلى آلك الطيبين الطاهرين، صلى الله عليك يا أبا عبدالله الحسين وعلى أنصارك المجاهدين بين يديك.

قال تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[1] .

من الطبيعي أن يَنْشَدَّ الإنسان إلى الذات وإلى الدنيا، وأن يكون مقبلاً على شهواتها ورغباتها؛ وذلك لأن الله قد ملأ هذه الحياة بالملذات والرغبات وبما يستهوي نفس الإنسان، فأين ما التفت في هذه الحياة يرى أن الله قد وفّر فيها المتع والخيرات التي يتلذذ بها ويستخدمها، مثل أنواع المأكولات والمشروبات ومسببات الراحة، خلقها الله للإنسان في هذه الحياة.

فمن الذي أخرج هذه الثمار والمأكولات الطيبة من تربة واحدة وجعلها يانعة؟. تسقى بماء واحد ولكنها تخرج للإنسان فواكه وأطعمة وثمار مختلفة في طعمها وألوانها ﴿وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ[2] ، وكذلك الشراب بمختلف أنواعه وأشكاله، فمن الذي أوجدها للإنسان فكل ذلك وفره الخالق للإنسان ﴿أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً[3]  ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا[4] .

ملأ الله الحياة بالشهوات والخيرات والرغبات، وجعل للإنسان قابلية لذلك وأودع فيه الغرائز والميول والرغبات، فهذه الغرائز هي محل متعة الإنسان، وإذا فقدت يفقد الإنسان اللذة، فالطعام والشراب يتلذذ بهما الإنسان، فإذا أصيب بمرض فإنه يفقد الرغبة والشهية في الطعام والشراب. وكذلك الغريزة الجنسية، وحينما يفتقدها الإنسان لا يستطيع أن يتلذذ. وكذلك النوم، فعندما نحس بالتعب نستسلم للنوم، ولكن إذا فقدت الرغبة في النوم يستعصي على الإنسان النوم. وهناك العديد من الناس لا ينامون، فيوجد من تمر عليه 28 يوما لا ينام فيها إلا لحظات فقط. وقد فسر والعلماء هذه الظاهرة بوجود جيوب دماغية في المخ تثير الأعصاب الموجودة في المخ التي تسلم الإنسان للنوم. وهناك رجل يمشي 200 كيلو متر متواصلة ولا يحس بالتعب. وأحصيت 37 حالة لا يستمتع أصحابها بالنوم. وكذلك الأرق يحرم الإنسان من النوم وهو يشعر بالتعب بسبب حالة نفسية عنده. والبعض الآخر بمجرد أن يضع رأسه على الوسادة ينام.

فوجود الملذات والشهوات شيء، ووجود القدرة في الإنسان على التعاطي مع هذه الشهوات شيء آخر. وقد خلق الله كلا الأمرين..

فلماذا خلقنا الله وخلق الدنيا بهذه الطريقة؟

أولا: حتى تكون الدنيا نموذج مصغر للآخرة:

خلق الله داراً نعيمها دائم لا تكدره أية شائبة، فخلق الجنة فيها من اللذات والخيرات أكبر مما في الدنيا ﴿وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً[5]  ولا يوجد فيها مشاكل ﴿إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ[6]  ولا يوجد فيها أمراض فهي دار النعيم ودار الخلود. والله يتحدث عنها نظريا فخلق الله هذه النعم حتى يرينا نموذجاً صغيراً من الآخرة ولن ننالها إلا بشرطها وشروطها.

ثانيا: لأن الله يريد إسعاد الإنسان وراحته:

فالله خلقنا في الدنيا لكي نعيش في راحة وسعادة.

ثالثا: حتى يكون ابتلاء وامتحاناً:

نختبر ونمتحن عبر الشهوات واللذات ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً[7]  فمن الطبيعي أن يَنْشَدّ الإنسان للشهوات والرغبات في هذه الدنيا؛ لذلك يقول تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ[8]  فالله عزّ وجلّ هو الذي خلق هذه الزينة وأعطى الإنسان القدرة على التعاطي معها.

وفي آية أخرى يقول تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ[9] .

وأمير المؤمنين يقول: «الناس أبناء الدنيا ولا يلام الرجل على حب أمه»[10]  يريد أن يقول: إن الانشداد للدنيا والملذات والرغبات حالة طبيعية لا تستوجب اللوم والروع فالله خلق هذه الخيرات ودعا للاستفادة منها والانتفاع بها.

وحينما ضيّق عاصم بن زياد على نفسه وعائلته قال له الإمام: «يا عُدَيّ نفسه قد استهام بك الخبيث، أما رحمت أهلك وولدك. أترى الله الذي أحل لك الطيبات وهو يكره أن تأخذها. أنت أهون على الله من ذلك»[11] .

إذن أصل انشداد الإنسان وتوجهه لهذه الملذات أمر لا يلام عليه، ولكن يجب أن نفرز بين حالتين:

الحالة الأولى: أن تصبح هذه الملذات والشهوات مهيمنة على الإنسان، حاكمة عليه بحيث لا يرى غيرها، فتصبح همه وهدفه، والشيء الأول والأخير في حياته، كما قال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ[12] . قال الشاعر:

إنما الدنيا شراب وطعام ومنام *** فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام

الحالة الثانية: أن يكون للإنسان قيم يؤمن بها ويتمحور حولها وتصبح هي الحاكمة على حياته ويتعامل مع الملذات والشهوات تحت إطار هذه القيم. هذه الحالة تسمى حالة التدين.

والفرق بين الحالتين أن الإنسان في الحالة الأولى يضر نفسه فيتعامل مع اللذات والشهوات بدون حدود، ويستجيب إلى شهواته على حساب الأخرى ويشبعها بطريقة تضر نفسه، وهذا ما تشير إليه الآية ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ[13]  فليس عنده قيم يرجع إليها، فإذا نسي الله وأعرض عنه فالله لا يتضرر.

وفي حديث قدسي: (وعزتي وجلالي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، وعزتي وجلالي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً).

فإذا نسي الإنسان ربه يتضرر هو نفسه نتيجة لنسيانه لربه ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ.

وفي القران ثماني آيات تتكلم عن الكافرين والمنحرفين وتقول إنهم خسروا أنفسهم.

﴿الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ[14] .

ويقال إن إحدى القبائل في العراق كان عندهم دعاء جاهلي مغلوط خاطئ مفاده: (يا رب اغفر اغفر لازم تغفر، فإذا لم تغفر جنتك تصفر) أي لا يدخلها أحد.

كلا..

الإنسان هو بحاجة إلى رحمة الله، وليس الله بحاجة إلى طاعة أحد وعبادته وإيمانه.

كيف يخسر الإنسان غير المتدين نفسه؟

يوجهنا القرآن الحكيم إلى أن في كل عصر مرض سيطرة النفس على الإنسان. ويريدنا القران أن نتعظ بهم حتى لا نخسر أنفسنا.

فحياة غير المتدنين متدهورة؛ لأن التدين يحيي البعد الروحي في شخصية الإنسان، وهو الذي يميز الإنسان عن الحيوانات، ﴿إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً[15]  لا يوجد عندها بعد روحي، بينما حقيقة الإنسان تحتوي على هذا البعد، فأنت بالروح لا بالجسم. وإذا انساق الإنسان خلف شهواته وترك التدين يكون كالأنعام.

كتب أحد علماء الدين كتاباً عنوانه ملفت للقراء وهو (تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب) ذكر فيه وفاء الكلاب لأصحابها مما يميزها على بعض الناس.

أضرار التوجهات المادية:

التوجه الروحي هو الذي يحيي الجانب المعنوي في شخصية الإنسان لا المال ولا المنصب. لذا ينبغي الإنسان أن يكون متمحوراً حول القيم ليجد قيمته الحقيقية. فلو نظرنا إلى أوضاع المجتمعات الأخرى التي تهيمن عليها المادة لوجدناه تعاني من الكثير، من ذلك:

أولا: حالة القلق النفسي السائد في تلك المجتمعات:
القلق من أمراض العصر المنتشرة بالرغم من توفر المال والمنصب. وفي بعض الأحيان يؤدي إلى انتحار صاحبه. ففي فرنسا يحاول كل سنة 40000 مراهق الانتحار، وكذلك في استراليا 3% من الأموات فيها بسبب الانتحار بالرغم من عدم وجود مشاكل سياسية واقتصادية ولكنها حالة نفسية اجتماعية لفقد الحياة لذتها في عيونهم.

وسئل بعضهم ممن لم تنجح محاولاتهم في الانتحار عن سبب إقدامه على الانتحار، فقال: إنه جرب كل الملذات والشهوات، ولكنه يريد أن يجرب هذه اللذة أيضا.

وفي اليابان أعلن عن ثلاثة من مديري كبريات الشركات اليابانية لقطع غيار السيارات، انتحروا جميعاً شنقاً، في أحد الفنادق في غرف متجاورة، وتركوا مذكرات تفيد أنه أقدموا على ذلك لأن الشركات التي يعلمون بها تزعزع موقعها المالي.

وفي السنة الماضية في مثل هذه الأيام رئيس أركان البحرية الأمريكية تقلد بعض الأوسمة بغير جدارة واكتشف هذا الشيء وظهر للعلن فانتحر نتيجةً لذلك.

فالإنسان إذا خلا من القيم ولم يكن متديناً، تفقد الحياة قيمتها عندما يتعرض للمشاكل والصعوبات.

وذلك بعكس الإنسان المتدين. يقال: مر رجل بالبادية على امرأة تعيش في خيمة وسط بستان تقتاد من غلته وليس لها مصدر للعيش غيره، وفي الليل نزل المطر فأفنى ذلك الزرع وعندما انتهت العاصفة اطلت المرأة ورأت البستان قد هلك كله، فرفعت رأسها للسماء وقالت: يا رب اصنع ما تريد فإن رزقي عليك، ورجعت إلى فراشها بكل اطمئنان ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[16] .

إذن في الحياة المادية تفقد الحياة قيمتها عند الإنسان أحياناً، فيعيش القلق الذي ينتهي به إلى الانتحار، وإفناء نفسه.

ثانياً: يفقد الإنسان المادي توازنه:

فالإنسان الذي يعيش لشهواته لا يكون عنده توازن في تلبيته لشهواته فنجرف نحو شهوته على حساب بقية مصالح حياته ثم يدفع ثمناً باهضاً لانسياقه وراء شهواته.

يقول الإمام على : «كم من أكلة تمنع أكلات»[17] 

والإنسان المتدين لا تسيطر عليه الشهوات فينجرف وإنما يكون متوازنا في تعامله مع اللذات والشهوات.

المجتمعات المادية بسبب عدم التوازن في تلبية الشهوات والملذات يسببون لأنفسهم التعاسة والشقاء.

وإليك مثلاً على ذلك:

شوارسكوف قائد قواد التحالف في حرب الخليج الثانية طبع مذكراته التي يتكلم فيها عن حياته العائلية، فذكر مشكلة عاشها في مرحلة طفولته وشبابه، وهي أن أمه كانت مدمنة على الخمر، فتكون لطيفة قبيل العشاء ثم تتناول الخمر وتتحول حياة البيت إلى جحيم. فيقول: إنه يخرج من البيت أما إخوانه فإنهم يعيشون هذا الشقاء. وكذلك كان أبوه منساقاً نحو شهواته الجنسية.

فهذه هي حياة الأجانب…

ثالثا: لا يراعي حقوق الآخرين ومصالحهم:
نتيجة للانجراف مع الشهوات فإن الإنسان المادي يريد أن يحقق شهواته دون اعتبار للآخرين، بل المهم أن يحقق لذته وشهواته، وأبرز صور ذلك عمليات الاغتصاب والاختطاف والاعتداء لإشباع شهوة الجنس. وكذلك في جمع المال؛ فأصحاب مصانع الأسلحة يختلقون الحروب حتى يربحون. وكذلك الأوضاع الصحية؛ فمصانع الأدوية تسعى للربح على حساب مصالح البشر.

ويدخل في هذا السعي لإشباع الشهوات دون الاعتناء بالآخرين وحاجاتهم ما نسمعه الآن عن المجاعة كوريا الشمالية فهناك 3 ملايين شخص ماتوا جوعا من سنة 95 حتى الآن. وقد نشرت تقارير تفيد أن بعض الكوريين يأكلون البشر من الجوع على مرأى من البشر ومسمع.

وقامت مدينتان من مدن السويد بتجربة للتدفئة تقوم على حرق أسجاد الموتى، ما دامت يمكن أن يكون فيها فائدة فلا داعي لدفنها.

فهكذا يعيش الإنسان الشهواني دون رادع ولا ضابط.

ومثل هذه الأمور تؤكد أهمية التدين.

لأن التدين لا يعني الامتناع عن الشهوات، بل يعني أن يشبع الإنسان المتدين رغباته بشرط أن يجعل الله نصب عينيه، مما يجعله يرشد إشباع شهواته وطريقة التعامل معها.

وهنا تبرز قيمة، فلا بد أن يظهر أثره في الورع عن معاصي الله عزل وجل.

سئل الرسول حينما تحدث عن شهر رمضان سئل: «ما أفضل الأعمال في شهر رمضان؟ قال: الورع عن محارم الله»[18] .

وإذا كان الانسان يصلي ويصوم ويزكي ويحج إلى أخر ذلك من العبادات لكنه عند اللذة المالية أو الجنسية أو أي رغبة أخرى لا يفكر في الدين فهذا ليس تديناً حقيقياً.

قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ [19]  فالتدين الحقيقي هنا يكون في حالة الردع عن الفحشاء والمنكر.

جلس قاض للقضاء وجاء له شخص وكان له مدة لم يأته أحد، وقال له: لقد اشتريت أرضا ووجدت فيها كنزاً، ولعلمي أنه لا يحل لي ذهبت إلى صاحبها وقلت له: إنه ليست لي ولا أريد أن يتعلق بذمتي، فقال لي: نفس الكلام. فقال لهم القاضي: هل عندكم أولاد؟ قالا: نعم. قال: أقترح عليكم أن تتصالحا فيتزوج أبناؤكم ويتقاسموها فيما بينهم.

وحينما سجن هارون الرشيد محمد بن نمير أربع سنوات في سبيل معرفة أسماء وكلاء الإمام الكاظم فلم يخبره بشيء، فحاولوا معه بالتعذيب والتنكيل ولم يجب. فغضب هارون الرشيد وأمر مأمور السجن السندي بن شاهك بأن يعذبه ويذيقه من الويل ما يجبره على الاعتراف، فقال محمد: عذبوني حتى كدت استسلم، وإذا بي أسمع صوت يونس بن عبد الرحمن يقول: تذكر موقفك بين يدي الله. فقلت للسجان: اضرب وعذب فلن أعترف بشيء.

فهذا نموذج على أثر التدين في شخصية الإنسان، فمن هنا تأتي أهمية التدين والدين.

فعلى الإنسان أن ينمي حالة التدين في نفسه لأنه يخلق من الإنسان مواطناً صالحاً. وينبغي أن نربي أبناءنا عليها، وأن نشجع حالة التدين في المجتمع، وإلا فسوف يسود التدهور والدمار والانفلات، هذه الحالة التي بدأت تسود المجتمعات الغربية، وبدأت تتسلل إلى مجتمعنا.

ولأهمية التدين ظهر في المجتمعات الغريبة أيضا رجال دين ينشرون حالة التدين، ففي واشنطن انطلقت مسيرة سميت (الأوفياء للوعد) شارك فيها ما يقارب المليون شخص تدعو للعودة للعائلة والقيم الدينية، ولديهم أتباع في مختلف ولايات أمريكا.

وكذلك في مختلف البلدان الغربية هناك حالة دينية حتى في السجون الفدرالية وتوجد حالة من التشجيع للوعظ والإرشاد الديني، فهناك ثمانية أئمة مسلمين وظفوا من أجل التفرغ للإرشاد الديني لإصلاح السجناء المسلمين.

فالمهم أن الإنسان يكون متديناً على أي دين وأي مذهب -وإن كنا نؤمن بأن الإسلام هو الدين الحق- لأن حالة التدين تضع ضوابط لسلوك الإنسان فيسود التعامل السليم.

جاء رجل للإمام الحسين وقال: (يا بن رسول الله عندي بنت وجاءني خاطب فلمن أزوجها؟ قال له: «زوجها لمن يتقي الله فإذا أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها»).

التدين الحقيقي أن نضع الله نصب أعيننا. وعلينا أن ننمي حالة التدين في المجتمع وخاصة عند الذين يكونون في مواضع مهمة في المجتمع لهذا يوجد في الإسلام أن المواقع الحساسة لا يتصدى لها إلا المتدين، أن يكون عادلاً، أما إذا كان غير متدين وأصبح في موقعية قيادية فيا ويل الناس منه.

لهذا ثار الإمام الحسين عندما رأى الموقع القيادي الأعلى في الأمة وهو الخلافة قد أصبح في يد يزيد بن معاوية، فكيف سيكون حال الناس ووضع الأمة والدين، ولذلك اتخذ موقفه الحاسم بعد أن تولى يزيد بتنصيب من أبيه رغم اعتراض الناس وكبار الصحابة. فإنه لم يجري فيما مضى أن ينصب الخليفة أحد أبنائه وإنما بأمر من الله، ولكن معاوية نصب ولده بمختلف الطرق والأساليب. وبالفعل تولى الخلافة وكتب إلى واليه على المدينة رسالة: أن خذ البيعة من الناس عامة ومن الحسين بن علي خاصة وإن أبى فاضرب عنقه.

استدعى الوليد الإمام الحسين وكان قد أدرك ذلك فجاء ببني هاشم وأجلسهم على الباب ودخل، فأخبره الوليد بسبب استدعائه له وأخبره بالأمر، فاسترجع الإمام الحسين وقال: «من مثلي لا يبايع سراً فَلْنُصِبح وتصبحون، وإذا دعوتم الناس كنت كأحدهم».

وقبل الوليد هذا الكلام وقال: امضِ على بركات الله يا أبا عبدالله. فإذا بمروان يقول: يا وليد لا تترك الحسين قبل أن يبايع فإن فاتتك هذه الفرصة لا تقدر على مثلها أبداً. فغضب الإمام الحسين ، وقال: «أتأمر بقتلي يا بن الزرقاء، أأنت تقتلي أم هو، لؤمت وجبنت». وارتفع صوته ووصل إلى مسامع بني هاشم فهجموا على مجلس الوليد ليخلصوا الحسين ، وإذا به لم يصبه شيء، عاد معهم وقال كلماته الأخيرة للوليد:« نحن أهل بيت بنا فتح الله وبنا ختم، إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ويزيد رجل فاسق شارب للخمور معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله».

فأعلن موقفه النهائي واستعد للخروج للمدينة لأن يزيد تابع رسائله إلى الوليد يأمره به بالتضييق على الحسين وإلزامه بالبيعة، وهو لا يريد أن يفجر ثورته في المدينة لأنها غير صالحة لنهضته.

وعندما عزم على الخروج جاء يودع أعز الناس عنده فجاء إلى قبر جده رسول الله ، وقال:« أنا الحسين فرخ نبيك وقد نزل بي من الأمر ما ترى، اللهم إني أسألك بهذا القبر وصاحبه إلا ما اخترت لي ما هو لك رضا ولرسولك فيه رضا»، فنام على قبر جده وإذا به يراه يضمه إلى صدره ويقبله وقال له الحسين: «جداه خذني معك إلى القبر لا حاجة لي بالرجوع إلى الدنيا، فقال له: حبيبي حسين إن أباك وأخاك قد قدموا عليّ وهم مشتاقون إلى لقائك ولكن لك عند الله مقام لا تناله إلا بالشهادة، فكأني بك تذبح عطشان ظمآن بين عصابة من أمتي يرجون شفاعتي لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة».

* حسينية العوامي - القطيف، 2 محرم 1419هـ
[1]  سورة الحشر، الآية 19.
[2]  سورة الأنعام، الآية 141.
[3]  سورة لقمان، الآية 20.
[4]  سورة النحل، الآية 18.
[5]  سورة الإسراء، الآية 21.
[6]  سورة الحجر، الآية 47.
[7]  سورة الكهف، الآية 7.
[8]  سورة آل عمران، الآية 14.
[9]  سورة الأعراف، الآية 32.
[10]  بحار الأنوار، ج70، ص131، الحديث رقم 135.
[11]  بحار الأنوار، ج40، ص366، الحديث رقم 19.
[12]  سورة الفرقان، الآية 43.
[13]  سورة الحشر، الآية 19.
[14]  سورة الأنعام، الآية 12، 20. [q] فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم[/q] الأعراف: 9، هود: 21، المؤمنون: 103.
[15]  سورة الفرقان، الآية 44.
[16]  سورة الرعد، الآية 28.
[17]  بحار الأنوار، ج70، ص166، الحديث رقم 29.
[18]  بحار الأنوار، ج42، ص190، الحديث رقم 1.
[19]  سورة العنكبوت، الآية 45.