بين العقد والدخول

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين



اذا تم عقد النكاح الشرعي اصبح كل منهما زوجاً للآخر، وتترتب على ذلك كل الواجبات والحقوق الزوجية بين الطرفين.

وفي الماضي كان الزوجان يباشران حياتهما الزوجية المشتركة بعد العقد مباشرة، وبعض المجتمعات الاسلامية لاتزال على هذه الطريقة، لكن المألوف والمتداول الآن في أغلب المجتمعات، وجود فترة فاصلة بين اجراء العقد، واكمال مراسيم الزواج بالزفاف والدخول على المرأة.

وذلك من اجل توفير مستلزمات الحياة العائلية من مسكن وأثاث، حيث لايتمكن اكثر الشباب من تأمين المهر وتكاليف تلك المستلزمات و نفقات مراسيم الزفاف مرة واحدة.

من ناحية أخرى لتكون الفرصة متاحة لهما ليتعرفا على بعضهما، وليتهيئآ للحياة الزوجية المشتركة، فقبل اجراء العقد، لا مجال للتلاقي والتعارف والتفاهم بينهما، فيحتاجان إلى فترة تتيح لهما هذا المجال، ليتأكد كل منهما من ارتياحه وانسجامه مع الآخر. ويطلق على هذه الفترة عند الناس مصطلح الخطوبة، وفي الاصطلاح الشرعي فإن الخطوبة هي ماقبل العقد.

وتكتنف هذه الفترة حساسية بالغة، فهي من جهة تعتبر مصدراً للكثير من الارتياح واللذة للطرفين، حيث يقضيان معاً اوقات ممتعة. لكنها وخاصة اذا طالت المدة قد تتخللها بعض السلبيات، فهما لم يباشرا حياتهم الزوجية بشكل كامل، حتى ينظر كل منهما إلى علاقته مع الآخر على اساس انها علاقة مصيرية ثابتة، وحتى تغطي حالة الانفتاح الكامل بينهما على ما قد يحصل من اشكاليات جانبية، بل يتصرف كل منهما تجاه الآخر مع هاجس انهما ضمن نطاق التجربة. وملحوظ أن نسبة مرتفعة من حالات الطلاق تحصل في هذه المرحلة. لذلك من المفضّل اختصار هذه المدة إلى أقل قدر ممكن كشهرين او ثلاثة اشهر مثلاً. وهي مدة كافية للتعارف والتهيء.

الاعراف والتقاليد:


تتشدد بعض العوائل في ضبط العلاقة بين بنتهم المعقود عليها وبين زوجها، خلال فترة مابعد العقد وقبل الدخول، ويرون أن الانفتاح في العلاقة بينهما أمر معيب اجتماعياً، ودليل على خفّة البنت وعدم اتزانها، ويخشون من حصول علاقة زوجية كاملة قبل إشهار دخولهما وزفافهما رسمياً.

من الناحية الشرعية ليس للشرع أي تحفّظ على العلاقة والانفتاح بينهما بعد إجراء العقد، فهما زوجان يتمتعان بكامل الحقوق الزوجية في نظر الشارع. أما بالنسبة للاعراف والتقاليد فينبغي للزوجين مراعاتها إلى حد ما قبل الدخول، ليحتفظا بسمعتهما الطيبة، ولتلافي سوء التفاهم في العلاقة مع عائلة الزوجة، فليس مناسباً أن تبدأ علاقته كصهر مع اهل زوجته بانطباعات سلبية، كما أن على الأهل أن لا يتشددوا في التضييق عليهما، وان يكون هناك اتفاق على مستوى مقبول من العلاقة بينهما، يتيح لهما فرصةالتعارف والاستمتاع بهذه الفترة الجميلة.

الطلاق قبل الدخول:


في بعض الحالات لا يحصل توافق بين الزوجين بعد العقد: إما لإكتشاف أحدهما بأن الآخر ليس بالمواصفات التي يرغبها، او لحدوث سوء تفاهم بينهما، وقد يتفقان على الافتراق، او يقرر أحدهما ذلك. قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاً مِنْ سَعَتِهِ (سورة النساء آية 130).

بالطبع فإن الطلاق هو أبغض الحلال عند الله، لكن حصوله قبل الدخول، وقبل وجود أولاد بينهما، يقلل ويخفف من اضرار الطلاق ومضاعفاته.

وهنا إذا طلق الرجل زوجته قبل الدخول بها فإن لها نصف المهر الذي اتفقا عليه، إلا أن تتنازل هي عن حقها أو عن شيء منه، أو يتنازل وليها ضمن حدود مراعاة مصلحتها. يقول تعالى: ﴿ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ (سورة البقرة آية 237)

والمطلقة قبل الدخول لا عدة عليها فتستطيع أن تتزوج بأي شخص بعد طلاقها فوراً يقول تعالى:﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا(سورة الأحزاب آية 49)

وطلاقها من زوجها طلاق بائن فلا يمكنه الرجوع إليها إلا بعقد جديد.

معنى الدخول:


معنى الدخول في ما اصطلح عليه الناس: هو الزفاف بمراسيمه الاجتماعية المعروفة، وانضمام الزوجة إلى زوجها.

أما في الاصطلاح الشرعي فإن الدخول الذي تترتب عليه الآثار الشرعية، هو الوطء وحصول المقاربة الجنسية، سواء تم الإعلان عن ذلك بمراسيم الزفاف أم لا.

فلو قاربها قبل الدخول العرفي، أصبحت مدخولاً بها فتستحق المهر كله، وعليها العدة لو طلقت، ويمكنه الرجوع إليها في العدة.

ولو حصل الزفاف والدخول العرفي ولكن لم يحصل الوطء فإنها تعتبر غير مدخول بها. لأن الآية الكريمة تقول: ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ والمسّ هو الوطء.

جاء عن الإمام جعفر الصادق : « إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة» [1] . وعن يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبدالله – الإمام الصادق - : عن رجل تزوج امرأة فأُدخلت عليه، فأغلق الباب، و أرخى الستر، وقبّل ولمس، من غير أن يكون وصل إليها، ثم طلقها على تلك الحال؟ قال : « ليس عليه إلا نصف المهر »[2] 

وهذا هو الرأي المشهور عند فقهاء الشيعة، وعند المالكية والشافعية. لكن بعض فقهاء الشيعة الأقدمين، والحنفية والحنابلة يرون أن الخلوة بالمرأة حيث لا يوجد ما يمنع الوطء، تعتبر في حكم الدخول، فيجب لها المهر كاملا وعليها العدة ولـه الرجوع في عدتها.

روى احمد بن حنبل، والاثرم، بإسنادهما عن زرارة بن أوفى، قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون، أن من أغلق باباً، أو أرخى ستراً، فقد وجب المهر، ووجبت العدة[3] . بل نقل عن أحمد ابن حنبل: أنه إذا قبلها أو ضمها ولو من دون خلوة وجب لها المهر كاملاً [4] 

الوفاة قبل الدخول:


إذا توفي الزوج وجبت عدة الوفاة على الزوجة، أربعة اشهر وعشرة أيام، وإن كانت وفاته قبل دخولـه بها. و إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول فهناك طوائف من الروايات سببت اختلاف رأي الفقهاء إلى ثلاثة مذاهب:

1- أن المرأة تستحق تمام المهر لو ماتت هي أو مات هو قبل الدخول، وهو المشهور عند فقهاء الشيعة، ورأي أهل السنة.

2- أنها تستحق نصف المهر، وبه قال عدد من فقهاء الشيعة، كالسيد السيستاني من المعاصرين [5] .

3- التفصيل بين موته وموتها، فلو مات الزوج استحقت كل المهر، ولو ماتت الزوجة استحقت نصف المهر.
ويستشكل السيد الشيرازي في ذلك عند موت الزوجة مرجحاً التصالح.[6] 

أما بالنسبة للإرث فانهما يتوارثان كأي زوجين، إذا مات أحدهما قبل الدخول، ورثه الآخر، تماماً كما لو كان الموت بعد الدخول.

الحقوق الزوجية قبل الدخول:


بعد العقد تتوجب حقوق كل من الزوجين على الآخر، فيجب على المرأة أن تتيح له فرصة الاستمتاع، وأن لا تخرج من بيته إلا بإذنه، وعليه أن ينفق عليها وأن يعاملها بالمعروف، لكن العرف والتباني الاجتماعي قائم على أساس تأجيل هذه الالتزامات المتبادلة بين الزوجين إلى الدخول، فعند الدخول تعيش الزوجة مع زوجها في سكن واحد، ويقوم هو بالإنفاق عليها.

أما قبل الدخول، وحيث أن تأجيل الدخول لا يكون إلا برضا الزوج، فلا يحرم عليها الخروج من بيت أهلها بغير إذنه.[7] 

والظاهر ثبوت النفقة لها في الزمان الفاصل بين العقد والزفاف إلا مع وجود قرينة على الإسقاط، ولو كانت هي التعارف الخارجي.[8] 

واشترط جمهور أهل السنة لوجوب النفقة على الزوج لزوجته: (( أن تبذل التمكين التام من نفسها لزوجها، فأما إن منعت نفسها، أو منعها أولياؤها،أو تساكتا بعد العقد، فلم تبذُل ولم يطلب، فلا نفقة لها، وإن أقاما زمناً، فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تزوج عائشة، ودخلت عليه بعد سنتين، ولم ينفق إلا بعد دخولـه، ولم يلتزم نفقتها لما مضى [9] 

ويحصل في بعض الأحيان أن يطلب الزوج من زوجته بعد العقد وقبل الزفاف والدخول الرسمي، أن تمكنه من المقاربة الجنسية، وهو حق مشروع له في الأصل، لكن إذا كان ذلك يشكل حرجاً اجتماعياً لها، فيمكنها أن ترفض طلبه، مادامت مستعدة للدخول الرسمي بها متى شاء.



[1]  الحر العاملي: محمد بن الحسن/ وسائل الشيعة – حديث رقم 27183.
[2]  المصدر السابق – حديث رقم 27194.
[3]  ابن قدامة الحنبلي: عبدالله بن احمد/ المغني ج10 ص153.
[4]  المصدر السابق ص157.
[5]  السيستاني: السيد علي الحسيني/ منهاج الصالحين/ المعاملات ج2 – مسألة 310.
[6]  الشيرازي: السيد محمد الحسيني/ الفقه ج67 ص125.
[7]  الخوئي: السيد ابو القاسم/ صراط النجاة ج3 ص249 مسألة رقم 735.
[8]  السيستاني: السيد علي / منهاج الصالحين – المعاملات ج2 مسألة رقم 415.
[9]  ابن قدامة الحنبلي: عبدالله بن احمد/ المغني ج 11 ص396.