ظروف المرجعية الدينية في قم والنجف جعلها في حدود الفتوى

الشيخ حسن الصفار: استخدام العنف والقوة خيار مرفوض

جريدة الأيام البحرينية حاوره: مهدي ربيع

 


يحظى الشيخ حسن الصفار بشعبية كبيرة في الأوساط السياسية والاجتماعية والثقافية في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، كما أنه شخصية فكرية إسلامية معروفة في البحرين بتنوع عطائها السياسي والإنتاج الفكري..((اتجاهات)) التقت الشيخ الصفار خلال زيارته الأسبوع الماضي للبحرين، حيث لفت إلى نضج الحركة السياسية البحرينية ورفض استخدام العنف والقوة داخل المجتمعات الإسلامية إلا ضمن الضوابط الشرعية معتبراً إن التطورات السياسية في المنطقتين العربية والإسلامية قد أثبتت فشل هذا الخيار.. وفي السطور التالية المزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع، وقضايا أخرى على لسانه...

في بداية حديثه ألقى الشيخ حسن الصفار نظرة سريعة على بعض المواقف السياسية في الفترات الأخيرة وقال: لو ألقينا نظرة على التاريخ سنجد أن أقدم الحركات السياسية في المنطقة انطلقت من البحرين بلحاظ ما يتمتع به شعبها من تاريخ حضاري عريق.

ويضيف: وكأي حركة سياسية لا بد وأن تمر بمراحل وتطورات مختلفة فإننا نعتقد أن من بين المراحل التي مرت بها تلك الحركة السياسية في البحرين هي الصدام والصراع البارز حيث فرضت ذلك ظروف داخلية وإقليمية، إلا أنها أثبتت نضجها ورغبتها في عدم احتراف حالة الصدام والتوجه نحو تلمس طريق المعالجة والاستقرار السياسي عبر الثقة المتبادلة بين الحكومة والشعب.


تفاؤل بشأن الإصلاحات

من هنا – والحديث للشيخ الصفار – فإننا نشعر بكثير من التفاؤل والتقدير لموقف هذه الحركة بخصوص تعاطيها الأخير مع الإصلاحات السياسية الأخيرة التي أعلن عنها ملك البحرين بعد فترة وجيزة من استلامه سدة الحكم في البلاد، بل يمكننا أن نذهب إلى أكثر من ذلك ونؤكد نضج القوى السياسية فيما يرتبط بالانتخابات النيابية التي جرت في أكتوبر الماضي حيث اعتمدت أسلوب التعبير السلمي ونأت بنفسها عن التشنج والتوتر الأمني.

*كيف تنظرون إلى أجواء التقارب والانفتاح بين قوى المعارضة لا سيما في أفقها الشيعي والحكومات الخليجية؟

يجيب الشيخ الصفار: إذا كانت حركات المعارضة عادة ما تكون معنية بالشأن السياسي فإن الحركات الشيعية وجدت نفسها معنية بالحالة الدينية التي تعيشها مجتمعاتها، ذلك أن وجود حالة من التشنج الطائفي – المذهبي شجعته ظروف سياسية مختلفة مرت بها المنطقة جعل القواعد الاجتماعية لتلك الحركات تضغط باتجاه معالجة المشاكل المذهبية الطائفية -.

ويقول: ومن الواضح هنا أنه ليس من مصلحة مجتمعاتنا الخليجية والإسلامية بشكل عام أن تتعمق فيها الحالة الطائفية، ولذلك حينما لاحت فرصة الانفتاح والانفراج فقد عمدت مثل هذه الحركات للتجاوب معها بغية ألا تقع مجتمعاتها فريسة لهذا التوجه الطائفي المضر للجميع.

اللقاء السـني الشيعي


*إذن كيف تقرؤون في ضوء ذلك اللقاء السني – الشيعي على مستوى دول المنطقة على الأقل؟

هناك قوى واعية في الجانبين السني والشيعي تدرك أن مصلحة الإسلام ومصلحة المنطقة وخاصة في هذه المرحلة الحساسة تقتضي التقارب الإسلامي الحقيقي يوجب مثل هذا الانفتاح والتقارب بغض النظر عن بعض الظروف السياسية، ومثل هذا التقارب بين أبناء الأمة يجب ألا يعبر عن تكتيك مرحلي يفرضه الظرف السياسي وإنما يؤكد على استراتيجية هذا التوجه لمصلحة الإسلام والمسلمين.

وبحسب الشيخ الصفار تعقد حالياً لقاءات وصفها «بالطيبة» بين الجهات الدينية في مختلف المناطق الخليجية متجاوزة التصنيف المذهبي، ومع ذلك هناك بعض الجهات والعناصر المتشنجة التابعة للطرفين لا تزال تعزف على الوتر الطائفي والمذهبي، وتعمل على إثارة الخلافات المذهبية عبر الخطابات التعبوية التحريضية وإصدار الكتب والفتاوى.

ويأمل أن تبادر الحكومات الخليجية لمعالجة بعض الإجراءات التي يستفاد منها في تعميق حالة الخلاف الطائفي والمذهبي كي تؤكد تلك الحكومات حرصها على وحدة المجتمعات الخليجية وتماسكها أمام مختلف التحديات والأخطار.
 

خيار العنف والقوة

*هل تعتقدون ان خيارات القوة قد استبعدت تماماً من قاموس قوى المعارضة في دول المنطقة في ضوء الظروف السياسية الإقليمية والدولية المعقدة؟

يرد الشيخ الصفار: في الأصل أعتقد أن استخدام العنف والقوة داخل المجتمعات الإسلامية أمر مرفوض وغير صالح إلا ضمن ظروف تحددها ضوابط شرعية تحددها مرجعيات دينية مقبولة في الأمة.. والتطورات السياسية في المنطقتين العربية والإسلامية أثبتت فشل خيارات القوة والعنف الذي نعتقد أن البديل الأمثل لها هو توجه الحكومات نحو الإصلاح السياسي وتفاعل القوى السياسية والاجتماعية الواعية في مجتمعاتنا معه.
 

المرجعية والتقليد

*كنتم أحد النشطاء العاملين ضمن التيار الإسلامي الذي ينتمي في اطروحاته إلى أفكار السيد محمد مهدي الشيرازي.. وتردد إنكم خرجتم من هذا التيار في ضوء ما قيل عن وجود بعض الخلافات ورجوعكم في مسألة التقليد بعد وفاة الأول إلى السيد السيستاني.. ما مدى صحة ذلك؟ وانقسام التيار الشيرازي بين مرجعيتين أحداهما للسيد صادق الشيرازي والأخرى للسيد محمد تقي المدرسي؟

بالنسبة لي فإنني أعتبر موضوع المرجعية والتقليد مسألة دينية شرعية ولا أتعاطى معها كشأن حزبي فئوي، ولذلك اختياري للمرجع يتم على أساس الشروط والضوابط الشرعية والفقهية، وبالنسبة إلى أفكار السيد الإمام الشيرازي رحمه الله فهي أفكار رسالية أصيلة تدعو إلى وحدة الأمة والى تفعيل الجانب الثقافي والمعرفي وتؤكد على اجتناب العنف وعلى التزام الأخلاق في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والتزامي بهذه الأفكار لا يتأثر بوفاة السيد الشيرازي كما لا يصطدم باختياري لأي مرجعية في التقليد. أما بخصوص انقسام المرجعية بين السيد صادق الشيرازي والسيد المدرسي، فنحن نعلم أن تاريخ المرجعية الشيعية يشهد بأن الساحة المرجعية لأي مرجع يغادر الحياة الدنيا لا تتجه في الغالب لمرجع واحد من بعده، وإنما تنقسم تلك الساحة حسب قناعات المقلدين والعلماء الذين يعتمدون رأيهم واختيارهم، ولا يصح من الناحية الفقهية اختيار المرجع على أساس الانتماء العائلي أو الفئوي أو الإقليمي، والذين اختاروا السيد صادق الشيرازي أو السيد المدرسي إنما كان على أساس اطمئنانهم واقتناعهم بالمبررات الشرعية لهذا الاختيار.

*ماذا عن تقاطع المواطنين الشيعة في منطقة الخليج بين المرجعية الدينية في قم والنجف.. ألا يمكن أن يفتح الباب أمام حالة الانقسام بين داخل الطائفة الشيعية في المنطقة؟

إن الظرف الذي تعيشه المرجعية الدينية في النجف أو قم جعلها في حدود المرجعية الفقهية في الفتوى، وبالتالي ليس لهذه المرجعيات أي برامج سياسية حتى نحتمل أن يكون هنا تقاطعاً أو حتى تصادماً فيما بينها أو بين اتباعها.

 

صحيفة الأيام (البحرين)، صفحة اتجاهات، الأثنين 27 رمضان 1423هـ، العدد 5022.