الشيخ حسن الصفار لـ"الوطن":

العالم يعيش عصر التكتلات ونحن نقبع في صوامعنا الطائفية والمناطقية والحزبية!



قال الشيخ حسن الصفار إن رمضان المبارك بأجوائه الروحية الصافية يوفر خير فرصة لأبناء الأمة الإسلامية للتأمل في واقعهم المعاش وللتفكير في سبل التغلب على مشاكله وصعوباته،كما نبه في حديثه لــ"الوطن" إلى أن أبناء الأمة يحتاجون إلى زخم روحي كبير يمنحهم المزيد من الثقة،مشيراً إلى أن العالم يعيش عصر العولمة والتكتلات ونحن نقبع في صوامعنا الطائفية ومناطقنا الحزبية! وأن كثيرين أصيبوا بالهزيمة النفسية والفكرية فصاروا يلتقطون من الإسلام مايوافق توجهاتهم واستحساناتهم وهذا نص الحوار:


شهر رمضان جديد يطل على الأمة الإسلامية كيف تقيمون أوضاع العالم الإسلامي؟

- يقبل علينا شهر رمضان المبارك والعالم الإسلامي يعيش محنة شديدة قاسية، بسبب تداعيات أحداث 11 سبتمبر في أمريكا، واتهام جهات من المسلمين بتنفيذها، وما ترتب على ذلك من الهجمات على أفغانستان.
هذه المحنة ذات بعدين:

البعد الداخلي: ويتمثل في معاناة إخواننا الأفغانيين حيث عاشوا لأكثر من شهر جحيم القصف من القوات الأمريكية والبريطانية، والذي لم يوفر أماكن العبادة، ولا مستشفيات المرضي، ولا حافلات الركاب المدنيين. ولا المناطق السكنية.. وكذلك ما تفرضه أجواء الحرب عليهم من حصار ورعب، ومشكلات في مختلف مجالات حياتهم.
وهناك مئات الألوف منهم اضطروا إلى النزوح عن منازلهم ومناطقهم، وأصبحوا يعيشون لاجئين في مخيمات تفتقر لأدنى مقومات الحياة، سواء داخل أفغانستان أو خارجها.

من ناحية أخرى فقد سببت هذه المحنة تشنجاً واختلافاً في أغلب الأوساط والبلدان، حول تقويم ما حدث، والموقف الواجب اتخاذه. وباكستان هي البلد الأكثر تضرراً في هذا السياق، وبلدان إسلامية أخرى تعيش نفس المشكلة لكن بدرجات متفاوتة.

أما البعد الخارجي: فيتمثل في المواقف الأمريكية والإجراءات التي تتخذها تحت شعار مكافحة الإرهاب، وما تتركه من آثار على مستوى العلاقة بين المسلمين والغرب، والضغوط التي تتوالى على الجهات الإسلامية، من حكومات ومؤسسات، وشخصيات إسلامية، أصبحت معرضة للملاحقة والاستهداف، وعلى جميع المستويات الأمنية والاقتصادية والإعلامية.

والأهم من كل ذلك تأثيرات ما حدث على القضية المركزية للأمة قضية فلسطين، وسعي إسرائيل لاستثمار الظروف والأجواء لصالح سياساتها الظالمة التعسفية.

هل يمكن استثمار شهر رمضان المبارك لما ينفع الأمة في مواجهة هذه التحديات؟

- شهر رمضان المبارك بأجوائه الروحية الصافية، يوفر خير فرصة لأبناء الأمة للتأمل في واقعهم المعاش، والتفكير في سبل التغلب على مشكلاته وصعوباته.

فأولاً: على الصعيد الفكري هناك تشويش وضبابية في الرؤية ناتجة من اختلاط المفاهيم، واضطراب المناهج، ففي فهم الإسلام ومعرفته، هناك من يعيشون أسر فهم القرون الماضية، مع أن القرآن الكريم يدعو البشرية بأجيالها الصاعدة إلى التأمل والتدبير في معانيه: (أفلا يتدبرون القرآن) (ليتدبروا آياته) (أفلا يتفكرون) (لقوم يعقلون) وإذا جمدنا على فهم السابقين، فذلك يعني أننا معفيون من الأمر بالتدبر والتفكر والتعقل.

وهناك من حاول أن يفصل الإسلام على مقاسات مصالحه ونزعاته الذاتية والفئوية وهناك من أصيبوا بالهزيمة النفسية والفكرية تجاه تيارات الحضارة المادية، فصاروا يلتقطون من الإسلام، ما يتوافق مع توجهاتهم واستحساناتهم..

إننا بحاجة إلى الانفتاح على نبع الإسلام الصافي، ومصدره الأساس، كتاب الله الكريم، وما ثبت من السنة الشريفة، وأن نتجاوز العقد والعصبيات والانتماءات، حتى لا تشكل حاجزاً بيننا وبين الفهم الصحيح والرؤية السليمة.

بالطبع فإن شهر رمضان هو شهر القرآن، حيث أنزل فيه ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ.

وكما جاء في حديث عن رسول الله أنه قال: "إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن" - كنز العمال/ حديث رقم 4027 -

إن القراءة الواعية للقرآن، والتدبر الحر في آياته، والنظر إلى الواقع المعاش بموضوعية، يساعدنا كثيراً على الخروج من حالة التخبط في الرؤية، والتشويش في الفكر.

وثانياً: على المستوى النفسي يحتاج أبناء الأمة إلى زخم روحي كبير، يمنحهم المزيد من الثقة، ويدفعهم إلى تحمل المسؤوليات الضخمة، ومواجهة التحديات الخطيرة، إن قطاعاً واسعاً يعيش حالة اللامبالاة تجاه ما يحدث، وهناك من سيطر عليه الإحباط واليأس والبعض ابتلي بداء التشنج والانفعال.. إضافة إلى ما يسود الأجواء من ضعف في الفاعلية والنشاط..

ويمكننا التعويل كثيراً على بركات شهر رمضان الروحية، لمعالجة الكثير من هذه الأجواء النفسية، والثغرات الروحية، عبر التوجه إلى الله تعالى، والتزود من مناهل العبادة الخاشعة، لاستلهام المعنويات الرفيعة، وكسب العزم والتصميم على تحمل الواجبات تجاه ديننا وحياتنا ومستقبلنا وأوطاننا.

ثالثاً: في الجانب الاجتماعي: ينبغي استثمار الشهر الكريم في اختراق الحواجز التي تفصلنا عن بعضنا، لأسباب عرقية أو قبلية أو مذهبية أو فئوية.

فنحن نعيش عصر العولمة ونواجه تحالفات وتكتلات عالمية، بينما نقبع في صوامعنا الطائفية والمناطقية والحزبية.

فحتى على مستوى الوطن الواحد نعيش كانتونات نفسية، تجعل نظرة الواحد منا مشوشة عن الآخر يتهمه في دينه أو في ولائه الوطني، للمسافات النفسية الفاصلة، والتأثر بظروف تاريخية سابقة.

ما تعليقكم على تطورات الوضع في أفغانستان والانهيار المفاجئ لنظام طالبان؟

- لا أرى أن انهيار نظام طالبان كان مفاجئاً، فالعالم تحكمه سنن وقوانين، وليس شعارات وأمان، والمعركة لم تكن متكافئة أبداً، بين تحالف دولي واسع تقوده أقوى الدول، وبين نظام حكم معزول محاصر في داخل بلاده، حيث اتسعت قاعدة المعارضة لطالبان حتى من قبل هذه الأحداث. إضافة إلى ثارات الجيران تجاه هذا النظام. وكان اعتماد طالبان الأساسي على الدعم الباكستاني، وأوضح أن باكستان اضطرت إلى التخلي عن تبني نظام طالبان.

بالطبع نظام طالبان إذ ينهار ليس مأسوفاً عليه وأنا لا أتحدث هنا عن طالبان كأشخاص أو كحركة، بل أتحدث عن طالبان كنظام له سياسات متخلفة متطرفة، أساءت للإسلام، وسببت المعاناة للشعب الأفغاني، وأعطت الفرصة للأمريكيين أن يحققوا نصراً سهلاً يستغلونه لإحكام هيمنتهم وسيطرتهم على العالم.
وما يؤلم الإنسان هو الدمار والظلم الذي لحق الأفغانيين من جراء الحملات الأمريكية العسكرية القاسية.

صحيفة الوطن السعودية، العدد 430، الاثنين 18 رمضان 1422هـ الموافلق 3 ديسمبر 2001م