الشيخ الصفار في أولى ليالي ذكرى شهادة أمير المؤمنين (ع): الإمام علي ووحدة الأمة
استهل سماحة الشيخ حسن الصفار حديثه الذي ألقاه في ساحة الشويكة بالقطيف في الاحتفالية التي تقيمها لجنة الإمام الحسن لذكرى شهادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، بقوله تعالى: ﴿إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾ ثم قال سماحته مخاطباً الجمهور بعد أن قدم لهم العزاء بهذه الذكرى الأليمة: «ونحن في هذه الذكرى حري بنا أن نقرأ الإمام علياً ذلك الفذ الذي يقول: إنه ليس رجل أحرص على جماعة محمد وألفتها مني، أبتغي بذلك حُسن الثواب، وكرم المآب».
وأضاف: «ذلك لأن علياً كتاب عميق المضامين، يتجدد في كل عصر، ويستطيع كل جيل أن يقرأ هذا الكتاب ويصلح به واقعه وشؤونه».
ثم وجه إلى أن تكون القراءة قراءة واعية، غير مقيدة بقراءة من سبقنا، فلكل جيل فهمه وإدراكه، مشيراً إلى أن هناك من قرأ علياً كحالة غيبيه، له من المعجزات والكرامات الكثير، فلا يترنم إلا بهذه الروايات التي تبين فضل علي وكرامته عند الله، وهذا جميل، لكن ليس من الصحيح أن نختصر حياة علي ودوره في هذا المجال فقط.
مُلفتاً إلى أن الكرامات كانت حالة استثنائية في حياة الأنبياء والرسل، وإلا فهم بشر مثلنا. وإظهار الكرامات من قبل الله عزّ وجل على أيديهم كانت لمصلحة الرسالة، ولما تقتضيه حكمة الله تعالى.
وهناك من قرأ علياً كمأساة وأشجان، لا يزال صداه يدوي إلى يومنا، حتى أن بعضهم يرى أن فترة حياة الإمام التي عاشها بعد وفاة رسول الله وحتى تسلمه الخلافة وهي قرابة ربع قرن، قد قضاها جليس الدار، حبيس الآلام.
ثم قال سماحته مستنكراً: «هذا لا يتناسب مع فكر الإمام علي الذي كان يرى الخلافة قضية هامشية، لم تكن لتوقف مسيرة حياته وهدفه الأسمى، حتى قال: والله ما خلافتكم عندي بأغلى من هذه النعل ما لم أقم حقاً أو أدحض باطلاً. ولكن البعض كان ينسب لعلي الانطواء والانكفاء حتى يهرب من لوم النفس، والناس، لاتخاذه هو هذا الدور. والحق أن علياً لم يتخل عن دوره وموقعيته لحظة واحدة».
«علي رجل الوحدة، ومواقفه شاهدة على ذلك» يقول الصفار ذلك مؤكداً، ثم يستطرد:«يلتبس في أذهان البعض مفهوم الواحدة، فيرى أنها ذوبان طرف في طرف آخر، أو أنها تنازل عن القناعات والخصوصيات، أو أنه لا بد من التطابق في كل شيء حتى تتحقق الوحدة، وهذا غير صحيح، فالوحدة تعني التمحور نحو القواسم المشتركة، وإعطاء الحرية للجميع، واحترام حقوق وآراء الآخر، وعدم إلغاء خصوصياته، أو فرض الوصايا عليه».
ثم تناول الشيخ الصفار موضوع الوحدة من ثلاثة أبعاد: على مستوى المجتمع، والوطن، والأمة.
فمن جانب البعد الأول قال: «نحن كأتباع لمذهب أهل البيت مثلاً نمثل مجتمعاً، فهل مطلوب منا كمجتمع أن نتفق ونتطابق في كل شيء؟ الآراء، والأفكار، والمواقف، والتوجهات…! هذا لا يكون، وهو خلاف الطبيعة، الاختلاف موجود وطبيعي، ولكن هناك مشتركات بيننا علينا أن نكتشفها لنعززها ونقويها».
وقال متفائلاً: «مجتمعنا ولله الحمد تجاوز كثيراً من المظاهر السلبية في الاختلاف، فلم يعد هناك نزاع بين المدارس، كالأصولية، والأخبارية، والشيخية، ولم يعد هناك صراع مرجعي في المجمل الغالب، وقد تقاربت آراؤنا ومواقفنا السياسية، تبقى عندنا حالة التنافس في تحقيق المناصب، سواء كان منصباً سياسياً، أو إدارياً، أو اجتماعياً، أو حتى إمامة الجماعةٍ، وهو أمر مشروع، وحق طبيعي، شريطة ألا يكون في التنافس إسقاط للآخرين، وتعد على كرامتهم وسمعتهم».
ولإدارة التنافس بشكل ايجابي قال: «لا بد أن تتسع نفوسنا لخلافاتنا الجزئية، لا أن نضخمها، ونحترب بسببها، لكل رأيه وقناعته. سنوياً نسمع عن اختلاف في إثبات الهلال مثلاً، وهو أمر طبيعي ولا خلاف فيه ما دام الإنسان قد أفطر أو صام على قناعة واطمئنان، ولا يصح أن تكون هذه القضية مصدر خلاف بيننا، وتشكيك في الآخرين». وحذر من فرض الوصايا على الآخرين، والهيمنة الفكرية.
واستطرد: «كما ينبغي علينا نشر ثقافة التسامح الداخلي، ووضع حد لحالات التعبئة ضد الآخرين، يقول الإمام الصادق : (ما أنتم والبراءة؟ يبرأ بعضكم من بعض، إننا نعلم ما لا تعلمون، فهل نتبرأ منكم؟ ورسول الله يعلم ما لا نعلم، فهل يتبرأ منا؟).
كما علينا الالتفاف حول المؤسسات الاجتماعية كالجمعيات الخيرية، والنوادي الرياضية، وأن نرتقي من العمل الفردي، إلى العمل الجمعي في كل أنشطتنا حتى المساجد والحسينيات ينبغي إدارتها عن طريق عمل مؤسسي. كما أن اختيار المتنافسين لأي منصب ينبغي أن يبنى على مقياس الكفاءات لا على مقاييس الحسب والنسب، حتى نضمن صلاح المجتمع ورقيه».
ومن جانب الوحدة الوطنية، أكد الصفار على أن هذا الأمر حساس وخطير، سيما في هذه الفترة التي تسعى الإدارة الأمريكية وحلفاؤها لتقسيم المنطقة، وشق صفنا. وما زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية الأخيرة للمنطقة إلا لتشجيع الانقسام دخل فلسطين، و لبنان، وباقي المنطقة.
وأشار الصفار: «أنا لا أريد أن أضع اللائمة كلها على الخارج، فبداخلنا أرض خصبة سهلت المهمة للغير، عندما سقط شاه إيران كحليف لأمريكا ولإسرائيل، تم اللعب بالورقة الطائفية، وعندما تحركت المقاومة اللبنانية وانتصرت واجهنا موجات من الفتن الطائفية التي تصب في مصلحة العدو. علينا أن نعي هذا الأمر، ونرفض التحريض وشق الصف، فبلدنا ـ حفظه الله من كل سوء ـ مستهدف من قبل الأعداء».
ومن ناحية مطالبة المواطنين الدولة بحقوقهم، بما يصب في مصلحة الوطن، ويراعي الوحدة الوطنية قال: «هذا أمر مطلوب، وهو ما يشجع عليه المسئولون».
أما من جانب البعد الثالث، وهو وحدة الأمة، فأكد على أن الحفاظ عليه يعزز الدين الإسلامي، ويعلي رايته، وهناك مشتركات بيننا لا بد أن تكون سبيلاً لجمعنا، فمن قال لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فهو مسلم، يتمتع بعضوية المجتمع الإسلامي، وهو محترم الدم، والمال، والعرض.
والتعدد المذهبي والفكري أمر طبيعي، فلا يجوز انتقاص جهة معينة بسبب توجهها المذهبي أو الفكري، مشيراً إلى توصيات مؤتمر مكة الاستثنائي، والذي تم الاعتراف فيه بالمذاهب الإسلامية الثمانية.
وعن دور الإمام علي الوحدوي قال: «كان علي رجل الوحدة، ورائدها، كان يرى في نفسه الأولوية لقيادة الأمة بعد رسول الله كما تنص عليه الأحاديث التي يتفق المسلمون على ورودها، ويختلفون في فهمها، كحديث الغدير والطائر المشوي مثلاً حيث يقرأها الشيعة على أنها نص في تنصيب علي بينما يقرأها أهل السنة على أنها إشادة بفضل ومكانة علي .
ومع هذا كان الإمام علي يعرض عن الاحتراب والتصدي للمطالبة بحقه، حتى لا يوهن كيان الأمة، وقد رفض بيعة أبي سفيان، ونهره حين عرض عليه الثأر لنفسه مبدياً استعداده لنصرته، وقال: إنما تبتغي بذلك الفتنة. وصبر، لكنه لم يتخلّ أبداً عن واجبه الشرعي حتى قال: (فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهبا).
لم يبق حبيس الدار، منكفئاً على نفسه، بل كان يحضر مع الخلفاء، ويشاركهم الجماعة، ويبدي لهم النصح والرأي، وهم أيضاً كانوا يستشيرونه ويأخذون برأيه، كما استشاره أبو بكر في غزو الروم، وأشار عليه الإمام بأن في ذلك الظفر. أما عمر بن الخطاب فهناك أكثر من ثمانين مورداً تبين كيف كان يرجع في كثير من أموره إلى أمير المؤمنين علي حتى قال: لولا علي لهلك عمر!
ولو كانوا ينظرون إليه كعدو لما رجعوا إليه، ولو كان هو ينظر إليهم كأعداء لما نصحهم.
ومع ذلك كان يعلن عن حقه المضيع، واعتراضه على بعض المواقف السياسية التي يرى أنها تخالف الحق. اعترض مثلاً على بطانة عثمان بن عفان، ولكن حين حوصر عثمان، ومنعوا عنه الماء، واستنجد بعلي ما كان منه إلا أن أرسل ولديه الحسن والحسين ليقدموا له ومن معه الماء، وليحرسوا داره من الثائرين».
وأكد مجدداً: «إن علياً سجل حافل بالمواقف التي ينبغي علينا أن نتخذها مسلكاً، ومنهاجاً، وفي ذلك صلاح أمرنا».