الشيخ محمد الخاقاني: ملاحظات على واقعنا الاجتماعي
استضاف سماحة الشيخ حسن الصفار مساء الخميس 18/10/1427هـ، سماحة العلامة الشيخ محمد طاهر الخاقاني، والذي ألقى كملة حول مراجعة بعض أمور واقعنا الاجتماعي والتي بدأها بالحديث حول الإكراه على الرأي ومحاولة فرضه على الآخرين.
حيث قال فضيلته: «إنه لا أحد أغير من الله سبحانه وتعالى على دينه، وأنه هو من جعل دار الدنيا دار اختبار واختيار ليعرف من يجتهد ويتعب في سبيل الوصول للحق بعقله واجتهاده، ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة على سبيل الهدى بقدرة وسلطان، أو بإظهار جنان أو نيران أو ملائكة، لكن حكمته اقتضت أن يجعل هذه الدنيا للاختبار، وفسَح المجال للاجتهاد وقال: ﴿لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي﴾ فبعد مجيء كل نبي عظيم من أولي العزم يسدده الله لتُرفع السدود التي تكون أمام الدعوة، فإذا ما ارتفعت تلك السدود بسواعد المؤمنين أو بتدخل إلهي كإهلاك الطواغيت بالطوفان أو ما شابه عندها يرفع الله القهر والسلطان الإلهي لأنه يريد من المجتمع أن يدخل في دين الله أفواجاً مختارين لا مكرهين».
ثم أشار فضيلته إلى أمر آخر، وصفة هامة يتطلب من المؤمنين أن يتحلوا بها وهي التي يعبر عنها أمير المؤمنين في وصفه للمتقين بأنهم لأنفسهم متهمون. وفي هذا الصدد يقول فضيلته: «المؤمن هو من عرف أن الدين هو المحبة بينه وبين الله، وبينه وبين الخلق، فمن عرف الله وأحبه أطاعه، ومن أطاعه أحب الخلق وخدمهم في سبيل رقي مجتمعه بل رقي الإنسانية كافة. المؤمن الحق يسأل نسفه هل قام بما عليه إزاء الله سبحانه من معرفة وطاعة، وهل قام بما هو من وظيفته إزاء مجتمعه من خدمة تثبت حبه واخلاصه، وعليه أن يسأله نفسه هل يعيش صفة اتهام النفس، وحمل الغير على اثنين وسبعين محملاً من الخير والصحة، أم أن الأمر بالعكس، نلقي اللوم على من هو منا، أو على الآخر الأجنبي لنخفف على أنفسنا من تأنيب الضمير مما هو حاصل عندنا من تمزق وتباعد وما إلى ذلك».
ثم أشار إلى مقولة الإمام علي لمالك الأشتر حين ولاه مصر حيث قال: (الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق)، وقال: أنه بعثه للمسلمين كافة دون تفريق بين سنة أو شيعة ليقيم العدل بينهم، بعيداً عن روح القبلية والطائفية.
وقد أكد الشيخ الخاقاني على ضرورة أن يتحلى الإنسان المؤمن بصفة الرحمة التي تحلى بها أنبياء الله صلوات الله عليهم أجمعين على رغم ما عانوه من أذى مجتمعاتهم، وقد كان رسول الله رحمة للعالمين جميعاً، فلم يدعُ على قومه بالهلاك، وما زرع بينهم الأحقاد، وما دعاهم لنبذ الآخر.
ثم دعا فضيلته إلى أمر هام وهو العودة إلى مفاهيم الشرع الأصيل لنبتعد عن كثير من الأمور التي شوهت صورة هذه الدين القويم، ولكي نتحلى بالوحدة ونبذ التمزق والتباعد الذي أوهن قوة ديننا الحنيف، وقال: «علينا أن نعرف أن هناك مسلمات في شرع الله، سواء كانت على صعيد الدين أو المذهب، فالمسلمات لا يتردد فيها الإنسان المؤمن، كالتوحيد، وكتاب الله، وفي كون نبي هذه الأمة محمد ، والصلاة والصيام، والمحرمات كالخمر، والزنا، وغيرها مما لا أظن أن المسلمين يختلفون في مثل هذه المسلمات. إذاً هناك قواسم مشتركة تجمع بين المسلمين».
ثم استطرد في حديثه مشيراً إلى أن هذه المسلمات، سبيل إلى جمعنا، وهو ما ينبغي أن نكون عليه، مذكراً بأن أمير المؤمنين حينما تسلم مقاليد الحكم ما رأيناه جعل الحكم عند أناس معينين، ووزع أمر القضاء، وإمامة الجماعة، وقيادة الجيش بشكل قبلي أو طائفي، بل كان مهتماً بحفظ وحدة الأمة.
وأشار إلى نقطة هامة تجمع بيننا داخلياً أو خارجياً، وهي صلاة الجماعة، فالإنسان عليه أن يصلي الجماعة مع من يعرف ومن لا يعرف ما دام لا يعلم عنهم فجوراً أو ما يسقط عدالتهم، ولو من باب التآخي والتلاحم كما يقول فضيلته. وقال مؤكداً: «إذا كنا مدعوين لذلك الأمر مع أتباع المذاهب الأخرى، فكيف بنا ونحن من مذهب واحد!، إن أكثر الأمور قد تصاب بالتطرف إذا وقع فيها تقابل، فحينما راح بعض أتباع المذاهب الأخرى يصلون خلف كل إنسان بدون أي معرفة، ووردت عندنا الروايات بالعدالة مثلاً راح البعض منا يبحث عن أمثال سلمان، وأبي ذر ليصلي خلفهم!».
أمر آخر أشار له الشيخ الخاقاني وهو مسألة الاجتهادات حيث أكد على أن لكل اجتهاده، فالفقيه متخصص في استنباط الأحكام الشرعية، والاقتصادي والسياسي والاجتماعي كل في مجال تخصصه، فالفقيه ليس من الضروري أن يكون مرجعاً في الأمور العامة الاجتماعية، فتلك أمور تعود إلى المشورة ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾، فلو كانت عندنا مشكلة اقتصادية فعلى كل مجتهد أن يدلي برأيه والفقيه أحد المجتهدين وبإمكانه أن يدلي برأيه كالآخرين لا أن يكون رأيه ملزماً.
وما دام هناك اجتهادات فلابد من احترام جميع الآراء ما دامت مبنية على أسس علمية ومنطقية، وقال: «ليس من حق أحد كائن من كان أن يلغي آراء الآخرين، فكما أعطاك الله عقلاً، فقد أعطى للآخرين كذلك، وكما وفقك للتخصص في جانب ما، فقد وفق الآخرين للتخصص في جانب آخر. قد ترى بأن خدمة الشريعة في هذا الوقت يتمثل في إظهار فضائل وكرامات أهل البيت فابقَ على ما أنت عليه، ولعلّ آخر يرى أن الأمر يكون بالتصدي للافتراءات والشبه التي تلفق ضد الدين، وآخر يراه في التعمق في فهم كتاب الله وسنة رسوله، لكل رأيه واجتهاده، ولا يقبل منك أن تسخف آراء الآخرين».
وأشار فضيلته أن الرأي عندنا أصبح ذا سمة استبدادية في أغلب الأمور حتى في البيت، الرجل يستبد برأيه ويفرضه على الجميع، وإذا خرج استبدت الزوجة، ومتى ما خلى الجو للولد الأكبر مارس نفس الدور على أخوته الأصغر منه. البعض منا يسفه رأي الآخر ويبطله بجزم وإصرار وكأن وحياً أنزل عليه! وأضاف «هذا أمر ينبغي أن نتجاوزه. الرسول المصطفى ملك القلوب بأخلاقه، فعلينا أن نكون كما كان، وأول ما أوجه الكلام إلى نفسي، وإلى أهل الصنف، فالمسؤولية عليهم أكبر، فكيف نتوقع أن نتعايش فيما بيننا بالألفة ونحن ندفع للتباعد، وكيف يتوقع المجتمع من عدوه الرحمة وهو يعيش خلافاً وتمزقاً وعدوانية فيما بينه وبين من هم منه».
ثم أكد على أن «الشرع مبني على المحبة والإخاء، وداع إلى وحدة إنسانية تجمعها حقوق المودة والإخاء الإنساني فضلاً عن الإخاء في دين أو في مذهب» وأضاف «هذا الدين قام على ألا إكراه في الدين، فكيف لي أن أكره الآخرين على رأيي؟».
في الختام أكد الشيخ الخاقاني مرة أخرى على ضرورة الرجوع إلى شرع الله، والبحث عن الحق والتعرف على أهله، كما يقول : (اعرفوا الحق تعرفوا أهله)، وهذا مطلوب من الجميع.
ثم استقبل سماحته بعض مداخلات الجمهور والذي ضم حشداً كبيراً من مختلف المناطق والشرائح، وأجاب عليها.
وفي ختام اللقاء تحدث سماحة الشيخ حسن الصفار شاكراً للضيف الكريم زيارته للمنطقة وتشريفه، مشيداً بالفكرة التي طرحها وهي الإقرار بحق الاختلاف واحترام الرأي الآخر، مؤكداً على أن نشر هذه الفكرة هو حاجة ملحة للساحة الدينية التي تعاني كثيراً من مشكلة الاستبداد الفكري، ومحاولات فرض الوصاية ورفض حرية التعبير عن الرأي.