الشيخ الصفار في حديث عن بركات الصلاة على النبي وآله (ص)
«إنه وبالإضافة إلى العطاء الإلهي الغيبـي من بركات الصلاة على رسول الله ، فإن العطاء الآخر يتمثل في الأثر النفسي والفكري الذي يتركه استحضار القدوات الصالحة في القلب والعقل، على شخصية الإنسان وتوجيه مسارات حياته، بحيث يتوجه لكسب الحسنات، ويتلافى الأخطاء والسيئات» على ذلك يؤكد سماحة الشيخ الصفار في مقدمته لكتاب «الصلاة الفاخرة على النبي وعترته الطاهرة» لمؤلفه سماحة الشيخ حسن على الراضي، من علماء الأحساء، الكتاب الذي يقع في 255 صفحة والصادر من دار ضحى للطباعة والنشر بدمشق 1427هـ.
كما أشار الشيخ الصفار إلى أن هدف الأمر الإلهي للمؤمنين بالمواظبة على الصلاة على النبي وآله هو استمرار حضور هذه النماذج المشرقة في قلب الإنسان وعقله، وأمام وعيه وبصيرته، ليمشي على خطاهم ويحذو طريقهم.
مضيفاً القول أن الصحابة اهتموا بهذه الشعيرة وكيفية أدائها، إلا أن صراعات الأمة السياسية في عهدها الأول تركت أثراً على أداء وممارسة هذه الشعيرة.
«بسم الله الرحمن الرحيم»
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين.
الالتزام بالمبادئ والقيم، والتمسك بمكارم الأخلاق، طموح كل إنسان سويّ، انطلاقاً من صفاء الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ومن نداء الضمير والوجدان.
لكن طبيعة الحياة البشرية، وحيث تنطوي نفس الإنسان أيضاً على نوازع الهوى والشهوة، وتستقبلها في عالم المادة المغريات والعوائق، تجعل تحقيق طموح الالتزام بالمبادئ والقيم مهمة صعبة شاقة، لاينجزها إلا نسبة قليلة وعدد محدود من أبناء البشر في تاريخ الزمن.
ومن نعم الله تعالى العظيمة على الإنسان أن أصطفى نخبة من عباده، منحهم التوفيق لتجسيد مبادئ الحق في حياتهم، والتحلي بأرفع درجات الأخلاق في سلوكهم، ليكونوا قدوة وأسوة لأبناء الإنسانية، يدعونهم إلى الخير، ويحفزونهم للسير في طريق الصلاح، ويقدمون لهم التجارب الناجحة، والصور الجاذبة، التي ترفع معنويات الطامحين إلى الرقي والسمو، وتعينهم على مواجهة التحديات من إغراءات وعقبات.
أولئك هم الأنبياء والرسل العظام والأوصياء والأئمة الكرام، الذين اختارهم الله واجتباهم لحمل رسالته إلى عباده، ليبلغوها عن طريق الدعوة والارشاد، وعبر نموذج التطبيق والالتزام العملي بكل مبادئ الرسالة وتفاصيل أحكامها في مختلف أبعاد الحياة.
ولا شك أن وجود القدوة الصالحة هو خير محفز ودافع لسلوك طريق الهدى والصلاح، فالنماذج الصالحة تثير الشوق والانبعاث في النفوس نحو آفاق الفضيلة والمجد، وتشجّع على تجاوز العقبات والصعوبات، وتحدي الأهواء والشهوات.
لكن ذلك مرهون بتعرف الإنسان على تلك القدوات الرائدة، وتواصله مع شخصياتها وسيرتها الهادية، وحضور تلك النماذج الرسالية على صفحات قلبه، وأمام مرآة عقله، ليتزود منها بوقود العزيمة، وقوة الإرادة، وليستلهم من هديها ومواقفها روح الصدق والإخلاص والالتزام.
ولعل من أهداف الأمر الالهي للمؤمنين بأن يواظبوا على الصلاة على النبي وآله لقوله تعالى: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ هو استمرار حضور هذه النماذج المشرقة النبي وآله الطاهرين في قلب الإنسان وعقله، وأمام وعيه وبصيرته، من أجل تحقيق هدف الالتزام بالقيم التي جسدوها في حياتهم، والتحلي بمكارم الأخلاق التي مارسوها في سيرتهم ومواقفهم.
ولذلك وردّ الحث والتشويق في الاكثار من الصلاة على رسول الله وآله الطاهرين، ليقترب الإنسان من نهجهم، وليتواصل نفسياً وفكرياً مع هديهم ومسلكهم، فيكون مهيئاً للتقدم على درب الخير والصلاح، محصناً من الانزلاق في مهاوي الضلال والفساد.
من هنا يشير عدد من الأحاديث الواردة في فضل الصلاة على رسول الله إلى علاقة بينها وبين كسب الحسنات ومحو السيئات.كالحديث الوارد عنه : «من صلى علي صلاة واحدة، صلى الله عليه عشر صلوات، وحطت عنه عشر خطيئات، ورفعت له عشر درجات».
وجاء في حديث آخر عنه : «أكثروا الصلاة عليّ فإن صلاتكم عليّ مغفرة لذنوبكم».
وعنه : «أتاني جبرائيل آنفاً فقال: يامحمد من صلى عليك مرة كتب الله له بها عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات ورفع له بها عشر درجات».
إنه وبالإضافة إلى العطاء الآلهي الغيبـي من بركات الصلاة على رسول الله ، فإن العطاء الآخر يتمثل في الأثر النفسي والفكري الذي يتركه استحضار القدوات الصالحة في القلب والعقل، على شخصية الإنسان وتوجيه مسارات حياته، بحيث يتوجه لكسب الحسنات، ويتلافى الاخطاء والسيئات.
وبين يدي القارئ الكريم بحث قيّم يتناول هذه الشعيرة الإسلامية العظيمة (الصلاة على النبي محمد وعترته الطاهرة)، بأسلوب أدبي رفيع، وبيان علمي واضح، يؤصل لهذه الشعيرة بذكر النصوص الداعية لها من مختلف المصادر الإسلامية، وبتحديد الكيفية التي أرادها الشارع المقدس لأدائها، حيث لم يترك الشرع الشريف شعائره وعباداته مجملة مبهمة، بل أوضح معالم كل شعيرة وحدّد تفاصيلها.
وقد تعامل الصحابة مع موضوع الصلاة على النبي بإعتبارها شعيرة دينية، يحدّد الشرع كيفيتها، كما هو الحال في سائر الشعائر والعبادات، ولذلك توجهوا بالسؤال إلى رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- حول كيفية هذه الشعيرة التي أُمروا بها.
فقد جاء عن أبي مسعود الأنصاري قال: أتى رسول الله فجلس معنا في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال: فصمت رسول الله حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين...»
والحديث مذكور في صحيح مسلم، وسنن النسائي، وسنن الدارمي، وموطا مالك، ومسند أحمد، ومستدرك الصحيحين وغيرها. ومثله أحاديث كثيرة.
لكن ماحدث في تاريخ الأمة الباكر من صراعات سياسية، ترك أثراً على أداء وممارسة هذه الشعيرة، ذلك لأن الكيفية الواردة عن رسول الله في الصلاة عليه، تتضمن الصلاة على آله وعترته الطاهرة، مما يثبت فضلهم على غيرهم، ويؤكد كونهم الامتداد لرسول الله في دوره الرسالي القيادي، وهذا ما لا يتفق مع الواقع السياسي الذي حصل بعد رسول الله خاصة في ظل الدولة الأموية والعباسية.
فكان لابد من إغفال ذكر آل الرسول، أو إضافة غيرهم معهم لتعويم مكانتهم وجعلهم في مصافهم.
وقد بذل مؤلف هذا الكتاب سماحة العلامة الفاضل الشيخ حسن الراضي حفظه الله جهداً مشكوراً في بحث جوانب هذه الشعيرة الهامة، معتمداً على أوثق مصادر الحديث لدى المسلمين، ومستعرضاً لآراء العلماء المحققين، فجزاه الله خير الجزاء ونفع بجهوده روّاد العلم والمعرفة، وعشّاق الجمال النبوي البديع.
إن سطور هذا الكتاب القيم تكشف عن عمق الشعور الديني في نفس المؤلف، وجذور الولاء الخالص للنبي وعترته صلوات الله عليهم أجمعين، فنبرة الصدق، ومسحة الإخلاص جليّة ظاهرة في كل سطور الكتاب وحروف كلماته.
وليس ذلك مستغرباً على سماحة الشيخ الراضي فقد أنجبته أسرة عريقة في ولائها للنبي وآله، حيث كان أبوه الملا علي الراضي رحمة الله عليه من خيرة الصلحاء المؤمنين، ومن خلّص خدمة منبر أبي عبدالله الحسين عليه السلام، وقد وفق الله الشيخ الراضي للانتهال من نمير العلم والمعرفة، في مقتبل عمره وحداثة سنه، حيث هاجر للنجف الأشرف برفقة أخير الأكبر سماحة العلامة المحقق الشيخ حسين الراضي حفظه الله، وهناك في مدينة العلم إقترب من عمالقة الفكر وحملة الرسالة، حيث كان وثيق الصلة بالمرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر والعلامة المجاهد الشهيد السيد محمد باقر الحكيم رضوان الله عليهما، وغيرهما من أعلام الحوزة العلمية.
ومنذ تعرفت عليه قبل حوالي ثلاثة عقود رأيت لديه حباً وتقديراً عميقاً لجميع العلماء العاملين المصلحين، وسعياً دائماً لمؤازرتهم ودعمهم، بعيداً عن التأثر بالعصبيات الفئوية، أو الاثارات والاشاعات المغرضة التي عادة ما تستهدف قادة الإصلاح ورواد النهضة والتغيير.
أسأل الله تعالى للمؤلف الكريم مزيد التوفيق والعطاء، وأرجو أن ينفع الله بكتابه، ويجعله في ميزان أعماله، لينال به شفاعة النبي وآله صلوات الله عليهم أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.
حسن موسى الصفار
1 شوال 1427هـ