أحمد الشمر: الشيخ الصفار .. النهج الإصلاحي والتطوير الخطابي
في تقديري أن من النماذج النادرة التي برزت في جانب نشاطها الإسلامي على مستوى المجتمع الشيعي والطائفة الشيعية عموماً في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية وفي منطقة دول مجلس التعاون الخليجي عامة يأتي العلامة سماحة الشيخ حسن موسى الصفار في مقدمة نخبة كبيرة من العلماء الأجلاء في المنطقة الذين يتميزون بطابعهم المتفرد، وهذا ليس في كونه نموذج الداعية المقتدر، وكشخصية مستنيرة لها إمكاناتها ومؤهلاتها العلمية، وما تنفرد به من ثقافة ووعي وسعة وعمق الإطلاع والمعرفة، واستيعاب لمجمل مفاهيم العصر وضروراته وتحدياته، ومواكبته للأحداث الاجتماعية والعلمية والعالمية والسياسية فحسب، ولكنه زيادة على ذلك بما يتحلى ويتمتع به من مثل حميدة وأخلاق كريمة وعالية، وتواضع جم هو تواضع العلماء الأفذاذ... وهذا إذا ما أضفنا لذلك ما يميز منهاجه الخطابي الدعوي من شمولية تستوعب معظم القضايا التي تشغل مجتمعه وأمته الإسلامية.
ولذلك فإن سماحته استطاع من خلال هذا المنهج المتميز أن ينفذ إلى قلوب الآلاف من مستمعيه ومحبيه من جميع الفئات، من الشباب والشيوخ، ومن كلا الجنسين، الذين يلتفون حوله وهم يصغون إلى محاضراته وخطبه المنبرية المباشرة وكذلك عبر أشرطته المسجلة ــ المسموعة والمرأية ــ على السواء، وأيضاً سواء كان هذا في المنطقة الشرقية من المملكة أو في منطقة الخليج العربي عامة... وفي هذا الصدد أود أن أشيد هنا وبهذه المناسبة بمنظومة الإدارة الجيدة والمنظمة، والتي تتسم بعقلية مستنيرة وذكية في الإعداد والتسجيل التوثيقي السمعي والبصري بجميع أعمال ونشاطات سماحة الشيخ الصفار.. وما أتمناه في هذا الشأن من هذه الإدارة، هو العمل على إهداء بعض من تلك التسجيلات إلى بعض الشخصيات وكذلك بعض المؤسسات الفاعلة، ومن المؤسسات الاعلامية كقنوات (الجزيرة، والمنار، وANN) مثلاً..
والواقع أن ما أبديه هنا من إطراء وثناء في بداية هذا الطرح لفضيلة الشيخ الصفار ونشاطاته الدعوية ليس هو إطراءاً نمطياً تقليدياً لتحسين وتلميع صورة الرجل كما هي عادتنا نحن معشر الصحفيين حينما نريد تلميع بعض الأشخاص وتحسين صورهم أمام الناس، رغم خواء صفحات أكثر أعمالهم من الإنجازات المفيدة والنافعة لمجتمعاتهم.. ولكن إحقاقاً للحق وتوثيقاً وتسجيلاً لأمانة الكلمة الصادقة.. إنني أرى وكما يرى غيري أيضاً من المنصفين المتجردين في تقييمهم لأعمال وفعاليات سماحة الشيخ الصفار والتي تتحدث عن نفسها، إنها أعمال وفعاليات واضحة وملموسة ومؤثرة، فشيخنا الجليل من أهم وأبرز الفعاليات الإسلامية التي سخرت كل طاقاتها ومجهوداتها العلمية الإسلامية لخدمة مجتمعها والعمل على النهوض به إلى آفاق أرحب ثقافياً وإسلامياً.. ولا شك أن شخصية الشيخ هي شخصية عصامية متفردة كما أشرت في نهجها وخطها وأسلوبها وطريقة معالجاتها الدعوية..
وأعتقد أن من يتابع مسيرة الشيخ وجهاده الدعوي الإسلامي سيجد دون أدنى ريب أنه يضع كل إمكاناته وطاقاته الفكرية والمعرفية لخدمة مجتمعه، بل وإنه يضع هاجسه الأول والأخير والذي يحظى بكل الاهتمام لديه من حشد مجهوداته العلمية هو هاجس الإصلاح الاجتماعي، وكذلك الاهتمام بالمشروع الإسلامي الوحدوي التعددي الذي ينطلق من خلاله برؤية عميقة وبعيدة المدى لتحقيق تطلعاته نحو قبول التنوع والتعايش الديني المبني على مضامين الإسلام وسماحته وقيمه العظيمة.. وأستطيع القول جازماً أن فضيلة الشيخ الصفار هو أحد أبرز الشخصيات الفاعلة في هذا الإطار وممن لهم باع طويل في الجهاد الدعوي والتوعوي من بين نخب وشرائح علمائنا الأجلاء في منطقة الخليج كما بينت، والتي تتسم مجهوداتهم العلمية، وعطائهم الفكري، ونشاطاتهم المعرفية بالعمل الدائب والمستمر لتوظيف تلك العطاءات لنشر قيم الإسلام الصحيح بين مجتمعاتهم، مع تكريس تلك الرؤية الفكرية والعملية من جانب توحيد لهجة الخطاب الإسلامي من أجل تحقيق الوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية، ومن أجل أن يسود الحب والوئام والسلام جميع المجتمعات الإسلامية.. مما يميز خطاب سماحة الشيخ الصفار، وخاصة فيما نلمسه فعلاً ومن خلال تلك المساعي التي يبذلها.. إنه خطاب يتسم بالشمولية في التوجيه والدعوة إلى نبذ الفتن وإثارة النزعات بين المجتمعات الإسلامية على اختلاف وتباين توجهاتها المذهبية، وإلى غير ذلك مما يطرحه من قضايا وموضوعات تهتم وتلامس تكريس العمل على تحقيق هذه الوحدة من خلال هذه الرؤية والبصيرة النافذة بين جميع المسلمين، وهذا هو ما يلمس فعلاً من خطابه ومجهوداته المنبرية وما تتميز به من شمولية في التوجيه والإصلاح، وطرح ومناقشة الموضوعات التي تلامس تكريس هذه الوحدة، خاصة في مجال التقريب بين سائر المسلمين ومذاهبهم، وتناول ذلك بأساليب أدبية راقية يوقر من خلالها أصحابها من المسلمين دون المساس بما يثير الحساسيات، واهتمامه بنشر قيم التسامح الديني الذي هو الأساس في قيم وتراث الإسلام الأصيلة.
وقبل أن نتناول جوانب تلك الاهتمامات الدؤوبة في أنشطته وخطاباته ومجمل رسالته العامة، سنبحث تباعاً جوانب أخرى من بعض مصادر الإثراء في نشاطاته وأعماله البارزة والمؤثرة التي استطاع من خلالها أن يستقطب بها اهتمامات الشارع الإسلامي، وكثير من المتابعين في الشأن والقضايا الإسلامية، حيث سنلقي عليها مزيداً من الضوء والبحث عن أبرز نشاطاتها.
ضمن إطار منهجية مسيرة الخطاب الإسلامي العام، ومنه ما يخص الخطاب الإسلامي «الشيعي» على وجه التحديد برز مؤخراً القليل من العلماء المتفردين والمتميزين بتأهيلهم العلمي والخطابي والمعرفي، خاصة من ذوي الكفاءة والمقدرة على متابعة الأحداث والمتغيرات، وممن يسلكون منهجية التحديث والتطوير في خطاباتهم آخذين بعين الاعتبار تلك المتغيرات، وأهمية الطرح للقضايا المعاصرة وما ينفرد به ذلك الخطاب من شمولية في قضايا التوجيه والتوعية والإصلاح، والموحد في لهجته بجميع فئات المسلمين عامة بمختلف مذاهبهم وتوجهاتهم الإسلامية.
ولعل سماحة الشيخ حسن الصفار يأتي ضمن أولوية قائمة هؤلاء العلماء في منطقة الخليج العربي، خاصة ممن برزوا خلال السنوات العشر الماضية بنشر هذه الرسالة المتميزة، وبقالبها وأسلوبها ومفاهيمها الدعوية الإصلاحية الحديثة، والمتميزة أيضاً بالوضوح والثبات والجرأة والإقدام.
ويتضح لكل باحث ومتابع منصف لهذه المسيرة المباركة مدى التزام الشيخ بتحقيق تلك الأهداف فعلاً وسلوكاً وموقفاً.
وأعتقد أن المنهجية المستنيرة في هذا الانفتاح الحضاري وأخذه للعلوم والمستجدات المعاصرة، ومواكبته لقضايا العصر في جميع معالجاته ونشاطاته الإسلامية، تعتبر من أهم ما يميز تلك المسيرة، والتي هي بلا شك خطوة طبيعية وموفقة في الطريق الصحيح، وتتأكد في الوقت ذاته على دلالة واضحة للذهنية المنفتحة والذكية، والمستنيرة في وعيها بأهمية استيعاب المعاصرة والعمل بالعلوم الحديثة، والبعيدة عن الجمود والانغلاق والانعزال والتخلف، ودون قصر أو حصر الخطاب الدعوي الإسلامي على جوانب نمطيته التقليدية المعروفة التي سادت المجتمعات لقرون طويلة..
وأظن أيضاً أن أسلوبه الدعوي المتميز بالحضور والعرض الشامل والواضح والدقيق للقضايا المطروحة يعد امتداداً للتواصل مع المدرستين المتفردتين في المجتمع الإسلامي الشيعي الأولى لسماحة العلامة الشيخ الدكتور أحمد الوائلي، والثانية لسماحة الشيخ عبد الحميد المهاجر، وهما عالمان جليلان لهما منهجيتهما الواضحة والمميزة من خطابيهما وأسلوب عرضهما واستقطابهما للمتلقي، وللشارع الإسلامي والشيعي بعمومه، وخاصة لما يتفرد به الخطاب من سعة في الاطلاع وعمق في الرؤيا، إضافة إلى اهتمامهما باستيعاب العلوم الحديثة والقضايا المعاصرة.. وكذلك لجهودهما الحثيثة في نشر قيم التسامح الديني والتقريب بين المذاهب الإسلامية، وإذابة جليد الفرقة والتمزق والتناحر بين فئات الأمة الإسلامية.
ولا شك أن الشيخ الصفار وهو يمثّل مركز الصدارة في إتباع منهجية هذا الخط الذي بدأ شائكاً إلى حد ما بسبب الخطاب التقليدي الذي ألفه المجتمع، قد أثبت من خلاله نجاحاً منقطع النظير، بل وإنه أكد من خلاله على امتلاك زمام المبادرة والقدرة على التكيف والتأقلم مع مجمل المتغيرات المحيطة محلياً وإقليمياً ودولياً، وبذهنية متيقضة ومنفتحة على العصر، وبما لا يخرج عن المسلمات والثوابت الإسلامية، ولم يكن شيخنا الجليل ليتوصل إلى هذه المرحلة لولا ما يمتلكه من ثقافة واعية ومتزنة، وحصيلة كبيرة ومتعمقة في جوانب ومجالات العلوم الشرعية الإسلامية.. وهذا بطبيعة الحال ما يؤكد أنه النموذج الحقيقي للعالم المقتدر، والذي أصبح نظير هذه المزايا يحظى بحب الجميع له على هذا الالتزام الأدبي الذي لا يحيد عنه، والذي أصبح بالتالي ما يميز أعماله ونشاطاته ومحاضراته الموضوعية الشاملة..
بل إنني أستطيع القول هنا أن مجهودات سماحته المستمرة في معالجة القضايا عبر المنبر «الحسيني» وكذلك نشاطاته ومجمل أعماله الإسلامية المختلفة، والمنسجمة مع مقتضيات الداعية المقتدر والملتزم.. أستطيع القول أن جميع هذه الأعمال والنشاطات قد فرضت وجودها وحضورها العلمي والثقافي ليس فقط حباً لمكانة الشيخ وما يحظى به سماحته من احترام وتقدير لهذه المكانة اللائقة في مجتمعه والمجتمعات الإسلامية الأخرى بتعدد وتنوع توجهاتها الإسلامية ، ولكن أيضاً لما تتسم به تلك النشاطات من قيمة أدبية وفكرية ومعرفية، إلى جانب توجهاتها الإسلامية والتاريخية وبعدها الإنساني والاجتماعي ومراعاتها لدعم وحدة العالم الإسلامي وتضامنه وتآلفه وتقدمه في جميع المجالات.
كذلك في مجمل تلك الإنجازات والإسهامات الفكرية المنبرية أستطيع القول أن سماحة الشيخ الصفار كان له الفضل بعد الله في تطوير وتحديث الخطاب المنبري الحسيني على المستوى المحلي في المجتمع الشيعي بالمنطقة الشرقية من المملكة، حيث استطاع ضمن مساعيه المستمرة والمبذولة في هذا الشأن، استطاع من أن ينتقل بهذا الخطاب من نمطيته التقليدية المعروفة والمشاعة كما ذكرت إلى آفاق المعرفة والتجديد، ليبدأ مرحلة متطورة تقفز به قفزة جريئة، وتنقله نقلة نوعية وشاملة في الإعداد والتوجيه والأسلوب وطريقة العرض.. وهكذا انعكس هذا الإنجاز على تطور الخطاب ومسيرته إيجاباً وإثراءاً خلال العشر السنوات الماضية في مجتمعنا الشيعي المحلي والخليجي عموماً بعد أن أخرجه من قوقعته التي سادت لوقت طويل، ليصل اليوم بفضل توفيق الله ومجهودات سماحة الشيخ الصفار إلى ما حققه من طفرة متقدمة، خاصة على مستوى المضمون والمحتوى كما أشرت بعد أن انتقل من مرحلة الرتابة، والتقليدية السائدة منذ عشرات السنين إلى مرحلة التطوير التي نشهدها حالياً من حيث ربطه بقضايا المجتمع ومواكبته لأحداث ومتغيرات العصر المتتابعة.. وبذلك ما يدور على الساحة والأحداث والتطورات العصرية بمفهومها الحديث، ومتغيراتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما أن الشيخ من نطاق مجهوداته وإسهاماته لتحديث وتطوير محتوى ومضمون هذا الخطاب لم ينس مراعاته لعملية تأصيل القيم والتراث الإسلامي، وهذا من خلال محافظته على تحقيق التوازن والتجانس الفكري والعلمي والتراثي بين هذه القيم وبين مجالات ووسائل التطوير الحديثة التي واكبت العصر بمختلف مقتضياته وحاجاته، وهذا دونما أن يتعارض ذلك مع أسس القيم والمعتقدات والقناعات والثوابت التاريخية، فتم في ذلك الربط السليم بين أحداث ومستجدات الحاضر والمستقبل وبين الأسس والمضامين التراثية الأصيلة التي يقوم عليها الخطاب، مستفيداً من محتوى العلوم الإنسانية الحديثة، ومؤكداً في الوقت نفسه على القيم الإسلامية الراسخة، وعلى الأخلاق والسلوك وعوامل وعناصر الإصلاح والنهوض بالمجتمع في مختلف المجالات، وبهذا سخر شيخنا كل طاقاته ومجهوده الدعوي، ووضع كل إمكاناته العلمية من أجل العمل على تحقيق تلك القيم.. كما أنه اهتم كذلك بجوانب العطاء الاجتماعي من خلال تجاوبه في المشاركة في العديد من اللقاءات والفعاليات والمناسبات والندوات والمحاضرات التي تتناول تدعيم هذا العمل وتبيان أغراضه وأهدافه وإنجازاته ومنافعه للفرد والمجتمع.
ولعل إسهامات وإنجازات الشيخ الصفار التي انعكست آثارها على المجتمع المحلي خاصة إيجاباً ما جعل غيره من بعض الخطباء الشباب الذين ينهجون خط الخطاب الحسيني للعمل بنفس النهج الذي يتبعه شيخنا، وذات التوجه الحداثي في تنويع مصادر الخطاب، ليصبح الخطاب الحسيني بعد ذلك لدى معظم هؤلاء الشباب مماثلاً لخطاب الشيخ في مواكبته للأحداث ودعمه بالمعلومات الموثقة، ومستفيداً أيضاً من الكثير من القضايا التي تشغل الساحة المحلية والإقليمية والدولية.
وأعتقد أن من مميزات الخطاب المنبري لخط الشيخ الصفار الذي يلاحظ بوضوح من أكثر أعماله الفكرية هو اهتمامه وحرصه على تضمين الخطاب بالمضامين والمراجع العلمية والمعرفية الموثقة من حيث تزويده بالإحصاءات والأرقام والبيانات والتفاصيل الدقيقة التي تلقى الضوء على طبيعة المشكلة أو القضية المطروحة.
ولا شك أن إتباع سماحته واستخدامه لهذا الأسلوب العلمي من توثيق الخطاب بهذه المراجع والبيانات يظهر لنا مدى تلك الإمكانات الهائلة من حصيلة العطاء الفكري العميق لتجاربه العلمية.. وأظن أيضاً أن شعوره بحجم ضخامة المسؤولية.. مسؤولية الكلمة التي يحملها على عاتقه ما يجعله مواكباً للعلوم والأحداث والمتغيرات بحيث لا يركن للجمود والانعزال أو التخلف، وهو اهتمام يبين لنا حصافة وثقافة الرجل وعبقريته وبعد نظره، وحرصه الشديد على الاهتمام بتجديد هذه الجوانب ومتابعتها بشمولية وواقعية.
ومن الأمور الأخرى كذلك التي تؤكد اهتمام وحرص الشيخ الصفار بتطوير الخطاب الحسيني، ما أكده بنفسه عن هذا الواقع، وتقييمه لدوره، ودعوته إلى تحقيق المزيد من التطور لكي يواكب التطورات المتتابعة.. قوله عبر أحد لقاءاته أن المنبر الحسيني أصبح منبراً أو مدرسة للتثقيف الجماهيري لدى الشيعة، ولعب دوراً كبيراً في تنمية الولاء لأهل البيت i والانشداد النفسي لتاريخهم.. ويؤكد على أن هناك عوامل وعناصر قوة كبيرة متوفرة للمنبر والمجلس الحسيني .. منها الحالة النفسية الجماهيرية لهذه الظاهرة، حيث تنعقد المجالس بمبادرات أهلية، ويختار الناس خلالها خطباءهم وفق رغباتهم.. ويضيف قوله في الشأن نفسه أن المجالس الحسينية تستطيع أن تفعل الكثير وأن تترك الأثر في الجمهور الشيعي.. مشيراً إلى أنه أصبح لدينا الآن مجموعة من الخطباء الهادفين الرساليين الذين يعتبرون المنبر وسيلة لخدمة أهدافه، واستثماره في توعية الناس وتوجيههم لتحمل مسؤوليتهم الدينية والاجتماعية، ويستطرد سماحته قائلاً: إن المطلوب في هذه المرحلة الحساسة الاهتمام أكثر بوضع المنبر والمجالس الحسينية من قبل مجاميع الخطباء والجهات الواعية في الأمة..
كما يؤكد على أهمية الدعوة لمزيد من العمل والتطوير في جانب الخطاب عبر خمس مقترحات يطرحها سماحته نوجزها في التالي:
1ـ أن تبدي المرجعية الدينية اهتماماً بهذا الخطاب لرعاية شؤون الخطباء وتفقد أحوالهم وتقديم التوجيهات لهم وإمكانية تحديد المواضيع التي سيطرحونها في المناسبات المختلفة.
2ـ وضع برامج ضمن الحوزات العلمية لتربية الخطباء وتنميتهم.
3ـ عقد مؤتمرات عالمية أو محلية بين الخطباء لتبادل التجارب المفيدة ومناقشة أحسن المواضيع وتطوير المحتوى والأسلوب الخطابي، وفي هذا الصدد يشير سماحته إلى بعض المؤتمرات العالمية التي تعقد حول القضايا التي لا ترقى إلى مستوى تلك المؤتمرات، ومنه «مؤتمر هلسنكي» حول حقوق المدخنين الذي انعقد في العام 1990م بحضور (120 ممثلاً) من دول أوروبا وأمريكا واستراليا واليابان.. ويتساءل سماحته مستغرباً.. بقوله: تنعقد هناك هذه المؤتمرات بينما تكون الدعوة إلى عقد مؤتمر للخطباء لدينا أمراً مثيراً للاستغراب والجدل..! وفي الصدد ذاته يتطرق إلى جمعية الخطباء التي أنشأها حينما كان في الخارج بمشاركة (40 خطيباً) كانت أهدافها تدور حول تبادل المشورة والرأي والاستفادة من تجارب المشاركين في تلك الجمعية.
4ـ أما المقترح الرابع كما طرحه سماحة الشيخ الصفار في مجال تطوير المنبر الحسيني، فيتعلق بأهمية إصدار المجلات المتخصصة التي تعنى بشؤون الخطابة وقضايا الخطباء.. مشيراً إلى أهمية تلك المجلات والدوريات التي تعالج هذه القضية، خاصة بعد أن أصبح اليوم هناك مجلة لكل تخصص، مطالباً بأن تشمل محتويات تلك الإصدارات على مجمل الأخبار والقضايا التي تتناول المجالس والمسائل التي تهتم أو تهم الخطباء.
5ـ واختتم الشيخ الصفار حديثه الذي تناول فيه تطوير العمل المنبري الحسيني بدعوته للخطباء الرواد وخاصة من أصحاب الكفاءة بتقديم حصيلة تجاربهم وأفكارهم لكي يستفيد منها سائر الخطباء، كالعلامة الشيخ محمد تقي الفلسفي، والشيخ الدكتور أحمد الوائلي، والخطيب الشيخ عبد الحميد المهاجر.. مؤكداً على أهمية استثمار تجارب هؤلاء الرواد في إثراء هذه الفعاليات، ولتكون تجارب مفيدة ونافعة للخطباء الجدد والناشئين.
ومن هنا نجد أن إسهامات وإنجازات سماحة الشيخ حسن الصفار في مجال تطوير وتحديث الخطاب المنبري على مستوى المجتمع الشيعي في المنطقة الشرقية والخليج العربي بعمومه قد أعطى ثماره الإيجابية على الأقل خلال تلك المتغيرات التي خرجت به من مصادره ومظاهره التقليدية المعروفة إلى آفاقه وتطلعاته الرحبة والطموحة وإلى الاستمرار في التطوير، خاصة حينما يؤكد سماحته على أن الاهتمام بقضايا الفكر الإسلامي في هذا الوقت أصبح الوعي بها ثقافياً أفضل من أي وقت مضى، وعلى أساس أن الوعي هو محصلة تلك التراكمات المعرفية والفعاليات المتعلقة بالواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، والانفتاح على الفكر الإنساني والعلوم الإسلامية عموماً، خاصة وأن من مؤشرات هذا الوعي وملامحه كما يقول سماحته.. تلك الدعوات المتصاعدة حول تجديد الفكر الإسلامي والعمل على صياغة المشروع الإسلامي الحضاري المعاصر ونقد التراث وتنقيته وتأسيس منهجية علمية جديدة في التعامل معه، وكذلك العمل على تحقيق التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية والنهوض بمراكز البحث العلمي والدراسات الحضارية.. وفي صميم تأكيده على أن الخطاب الإسلامي له دوره الإيجابي في جوانب هذا التغيير، يبين سماحته أن الخطاب الإسلامي المعاصر أصبح له من النضج ما يجعله يمارس النقد على ذاته بالمفهوم الذي يؤكد حضوره بعد أن كان غائباً.
من أولويات العمل في مساعي سماحة الشيخ حسن الصفار وأنشطته الدعوية الإسلامية المتنوعة التي تستمر فعالياتها طوال أيام العام تقريباً.. اهتمامه وحرصه الشديد على استثمار الإمكانات والثروات المتاحة وذلك بتحقيق أهدافها وطموحاتها وتطلعاتها الآنية والمستقبلية، وذلك من منظور علمي وميداني مبني على التعاون والتآزر بين كافة أفراد المجتمع, فيرى سماحته أن الشباب هم محور القضية التنموية في النهوض بالعمل الاجتماعي والتنمية الاجتماعية، وباعتبار أن الشباب هم طليعة المؤمنين منذ تاريخ الرسالات السماوية، كما أن سماحته يؤكد في هذا الشأن على القدوة الصالحة من تلك الشخصيات الرائدة في تراثنا وتاريخنا الإسلامي وما قدموه لنا من قيم ومواقف كريمة ومثل رائعة.. داعياً إلى أهمية استلهام تلك المواقف وترجمتها في مختلف جوانب حياتنا الاجتماعية بما يثرى الحياة ويدعم مجالات التنمية والإبداع لدى أجيالنا.
كما يرى سماحته في نفس هذا الإطار ضرورة الاهتمام بتربية النشء تربية دينية تنبع من اهتمامنا بقيمنا الإسلامية السمحاء، وفي هذا يعتبر أن المسؤولية الكبيرة تقع على الأسرة والمجتمع في توفير أجواء التوجيه والهداية، وكذلك الاهتمام بجوانب التوعية والتثقيف والتعليم وفق المنظور الإسلامي الذي يوازي بين الدين ومتطلبات الحياة ليكون لهؤلاء الشباب الحصانة الكافية لمواجهة التيارات الجارفة ويصبح لديهم الاستعداد المناسب لتقبل واستيعاب تلك المفاهيم والقيم الدينية والأخلاقية، وبالتالي تصبح الأسرة ذاتها قادرة على استقطابهم ومعالجة ما يواجهونه من تساؤلات وتحديات.. كما أن سماحته في هذا المجال يدعو إلى أهمية إعطاء هؤلاء الشباب فرصة من سعة الأفق لكي يتمكنوا من استثمار إمكاناتهم بحرية ودون ضغوط من أجل تقوية هذه العلاقة، ليكون ذلك مدعاة لتحفيز هممهم وحماسهم على الطموح والإبداع وتحقيق النجاح المأمول في العمل والحياة الاجتماعية بمختلف صورها، وتجاوز الكثير من العقبات والتعاطي والتعامل مع الآخرين بروح الإيثار والمبادرة.
ويعتبر فضيلته أن الاهتمام بالشباب من قبل الجهات الدينية، ويقصد ما يتلقاه الشباب من علومهم من مناهج إسلامية إضافة إلى ما يستوعبه هؤلاء من ثقافة وعلوم وبرامج توعوية عبر المسجد والمنبر الحسيني وغير ذلك من مختلف ألوان الثقافة العامة، بالإضافة أيضاً إلى فعاليات الجهات الأخرى ذات العلاقة.. يعتبر فضيلته أن ذلك هو عنصر هام من دعم توجهات الشباب وإقبالهم على العمل الاجتماعي بإخلاص.. فالمأمول من العلماء الواعون والجهات ذات العلاقة المهتمة بمصلحة المجتمع ضرورة أهمية احتواء الشباب ووضع البرامج المفيدة والنافعة لتوعيتهم وتربيتهم وتوجيههم التوجيه السليم كما يقول الشيخ.
كما أن سماحته يؤكد من جانب تعدد واجبات العمل الاجتماعي على أهمية وضرورة تنويع أعماله ومصادره، وذلك عبر إيجاد الكثير من المجالات التي تلبي حاجات ومتطلبات المجتمع، وخاصة عبر مجال أعماله الخدمة الاجتماعية وتشجيع المؤسسات كالجمعيات الخيرية ولجانها المختلفة وغيرها.. كما يدعو سماحته الجهات المعنية العاملة في هذا الميدان إلى أهمية لعب دور أكبر من تحقيق الكثير من المشاريع الاجتماعية الهادفة إلى النهوض بالمجتمع من جميع الميادين، ويشير في هذا الصدد أيضاً إلى أهمية استثمار بعض المناسبات الدينية كمحرم حيث تتوفر من خلاله زخماً معنوياً كبيراً وحافلاً من الخطب والمحاضرات لصالح دعم تنمية المجتمع وخدمة أغراضه النبيلة.
وللأسباب المذكورة يرى سماحته أن المجتمع الذي تسوده روح المحبة والوئام، وينشغل أبناؤه بالعمل الإيجابي والنشاط البناء، ويتعاونون فيما بينهم على خدمة مصالحهم وتيسير أمورهم .. يرى سماحته أن هذا المجتمع هو مجتمع قوي وثابت ومتماسك في سياساته وبنيته وقوته، أما المجتمع الذي تدب في أوساطه الخصومات وتنتشر بين أفراده النزاعات والعداوات فإنه يصاب بالضعف والهزال، كما يبتلى بالتفكك والانهيار.
وبهذا نجد من خلال هذه الرؤى الحصيفة، والبصيرة الثاقبة لتوجهات ودعوات الشيخ، ومجمل فعاليات خطابه العام.. إن أكثر دلالاتها اهتماماً تتركز على جانب حسن تربية النشء من رجال المستقبل وسيداته أيضاً الذين هم محور التنمية الاجتماعية، وعلى اعتبار أن المجتمع هو القلب النابض للأمة، كما يعتبر ضمن هذه الأولويات أن تنامي العلاقات الاجتماعية الحميمة في المجتمع هو قمة النجاح في تحقيق الأهداف المرجوة لتحقيق تلك الأهداف.. ويشير سماحته أيضاً في هذا الموضع الهام إلى ضرورة مراعاة التسامي على الأحقاد وإظهار مشاعر المحبة والمودة في علاقاتنا، وأن نبدي حسن النوايا وسعة الصدر التي يمكن للإنسان من خلالها استيعاب مشاكل التعامل مع الآخرين.
وللتأكيد على تعميق أواصر هذه العلاقة وإبداء مشاعر المحبة بين أفراد المجتمع يوصي سماحته بأهمية تحسين العلاقات الاجتماعية والابتعاد عن مصادر ومظاهر العداوات والصراعات الاجتماعية بأشكالها المختلفة، ويقول عن غريزة العدوان أنها تحتاج إلى تحرير أو إفراغ من أجل تخفيف الضغط، كما يبحث في الشأن نفسه نظرية التعلم الاجتماعي التي يقول أنها تعمد على المحيط الاجتماعي كأساس أو كأصل لنشوء حالة العداوة والعدوان من خلال الملاحظة والمحاكاة، كما يشير أيضاً في ذلك إلى أبرز أعلام تلك النظرية والتي مؤداها هو أن السلوك البشري يكتسب من خلال ملاحظة النماذج السلوكية التي تحدث من البيئة الاجتماعية المحيطة بالفرد أو الجماعة، فإذا انتبه الطفل إلى نماذج عدوانية خلال حياته العائلية أو عبر مشاهدة أفلام العنف مثلاً فإنه يقوم بتخزين تلك النماذج السلوكية والاحتفاظ بها في الذاكرة، فإذا ما حصل تعزيز أو تشجيع لذلك تحول إلى سلوك عدواني.. ويؤكد سماحته بناء على ذلك فيقول: إنه على هذا الأساس فالناس لا يولدون مزودون بغريزة العدوان بل إنهم يتعلمون مثل أي سلوك متعلم آخر.. ولهذه الأسباب نجد سماحته كثيراً ما يركز في بحوثه على أهمية القضاء على تلك المشاكل والسلوكيات الاجتماعية السلبية التي تنتشر للأسف بين ظهراني مجتمعنا.. كقضايا التفكك والانقسام الاجتماعي والأسري وغير ذلك من المشاكل والظواهر التي بدأت تطفو على السطح وتتسبب في إثارة المشاكل الاجتماعية.. إما بسبب الغزو الجديد للثقافة الغربية والكثير من ظواهرها الشاذة والغريبة على مجتمعاتنا وقيمنا الإسلامية.. أو بسبب مجمل المتغيرات البيئية والحضارية التي انعكست سلباً على تربيتنا وسلوكياتنا وعلاقاتنا الأسرية والاجتماعية بوجه عام.
لذلك فإن سماحة الشيخ الصفار من خلال تفهمه وإدراكه لهذه الحقائق يحرص على أهمية العمل على نبذ تلك المظاهر السلبية في المجتمع ويحث على ضرورة إبراز الدور الإيجابي ونشر مفاهيم القيم والمثل الجميلة التي تؤلف القلوب على تعزيز أواصر الألفة والمحبة وتدعم وتعزز روح التعاون والتآزر بين جميع أفراد المجتمع.. وكذلك الإسهام في تحقيق البرامج والنشاطات التنموية التي تدعم مثل هذه العلاقات على مختلف الصعد.. كما يخص سماحته في هذا الشأن الشباب والفعاليات المختلفة بأهمية تفعيل دورهم في المجتمع ودعم حضورهم الثقافي والاجتماعي على جميع المستويات والميادين والمبادرات والأعمال التطوعية التي تسهم في إبراز العمل الاجتماعي وتنشط أواصر العلاقة بين جميع أفراد وطبقات المجتمع، كما يؤكد سماحة شيخنا الجليل في هذه الدعوات خاصة (للشباب) دعوته إلى أهمية المشاركة في النهضة الأدبية والأنشطة والفعاليات التي تقام على المستوى العام في بلادنا وعبر العديد من الوسائل والقنوات المتنوعة، لإمكانية تسجيل حضورهم الثقافي الفاعل بكثافة وقوة في المجالات المختلفة والمناسبات المتعددة محلياً وإقليمياً ودولياً.. كما أن مضامين خطاب سماحة الشيخ لم تخلو كذلك من الدعوة إلى إبراز مظاهر الوفاء والإخلاص والولاء والانتماء، وتأدية الحقوق والواجبات للوطن والمواطنة، ففي ثمرة مجهودات ودعوات سماحته التي تتشكل من مضامين ومحتوى خطابه المنبري يركز على هذه الأدبيات باعتبارها من الأولويات في نهجنا التربوي والأخلاقي، وعلى أساس أن الوطن هو الموقع الروحي لمصدر حياتنا ونشأتنا وارتباطنا بالأرض والوطن، كما أن سماحته إدراكاً منه بحجم المسؤولية من أهمية هذا الجانب نجد أنه ضمن سياق هذه الاهتمامات يفرد له بحث هام يلخص فيه ماهية تلك الواجبات والحقوق المطلوبة على الفرد تجاه الوطن والمواطنة.
كذلك لا ينسى في غمرة هذه الواجبات لأهمية دور المرأة كأم وزوجة وابنة وأخت وربة بيت، فيتناول في الكثير من أنشطته وبرامجه ولقاءاته الخطابية والثقافية لدور المرأة، فاهتم بضرورة العمل على تنميتها والاهتمام بتربيتها التربية الصحيحة والسليمة بجانب العمل على توعيتها وتثقيفها دينياً واجتماعياً وثقافياً وفكرياً، وكذلك تدعيم مهاراتها وخبراتها وتوجهاتها العلمية والإبداعية بما يتناسب وهذه المرحلة، وطبيعة تكوينها، لكي تتمكن من ممارسة دورها ومسؤوليتها وواجباتها الاجتماعية والإنسانية والدينية تجاه أسرتها ومجتمعها انتهاجاً واقتداءً بسيدات المجتمع الإسلامي الأوائل، وما قمنا به من أدوار وممارسات أسهمت في كثير من المواقف، وكذلك جهودهنّ في خدمة الدين والمحافظة على القيم والتقاليد العربية الإسلامية الأصيلة خلال تلك المرحلة الماضية من تاريخنا العريق، كما أن سماحة شيخنا الجليل لم يتوانى من إبراز عطاءات المرأة في مجتمعنا، والثناء على دورها وتثمين جهودها وإنجازاتها في مجال دعم المسيرة المنبرية الحسينية وتطورها في جانب إحياء هذا التراث وإبراز نهضة أهل البيت.
أما محور مواقفه المشرفة في جانب دعم الوحدة والتعددية والتعايش الإسلامي الذي لمحنا إلى مجهوداته الدائبة في الاهتمام بهذا الجانب من مقدمة هذا البحث.. فلا أول على ذلك من تكثيفه للخطاب في هذا الطرح عبر العديد من فعالياته ولقاءاته الثقافية والمنبرية التي ينادي من خلالها بتجسيد المواقف الإيجابية وترجمة تلك المواقف والعمل المستمر من جانب التوعية بأهمية هذا التوجه والدعوة للاعتراف به وقبول التنوع والتعايش والتعددية، سواء العرقية أو القومية أو اللغوية أو الدينية أو المذهبية، وذلك باعتبارها ظاهرة طبيعية تتميز بها أغلب المجتمعات الإنسانية، وباعتبار أن الإسلام يؤسس على هذه السماحة، ويدعو إلى التعايش والعمل على تحقيقه.
وانطلاقاً من انشغال سماحته بهموم هذا الواقع المغيب للأسف في بعض مجتمعاتنا الإسلامية.. فقد خصص له إصداراً متفرداً صدر لسماحته منذ العام 1997م عن منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث ببيروت تحت عنوان: «التنوع والتعايش.. الحضاري مدخل لتأسيس الشراكة للبناء الحضاري».
وقد بحث سماحته ضمن ثلاثة محاور هي: التنوع كظاهرة كونية واجتماعية، تضمنت رؤيته لجوانب هذه الظاهرة، كالتنوع العرقي والقومي، والتنوع اللساني واللغوي وكذلك التنوع الديني.. فيما تضمن الفصل الثاني منه حكمة التنوع والاختلاف كرؤية إسلامية بحث خلالها مظهر القدرة والحكمة الإلهية ومشروعيته، بجانب التنوع والتعارف.. أما الفصل الثالث من هذا الإصدار فتناول فيه سماحته التعايش كمنهج مطبق، وبحث فيه الجوانب الأخرى المتعلقة بالتباين الديني المنوع للمواطنين، والأمة الواحدة ذات القوميات المتعددة بالإضافة إلى الأصول الثابتة والتنوع المذهبي، كما بحث في خاتمة هذا الإصدار محوراً هاماً حول الانتقال من زمن التعصب إلى زمن التعايش وكيفية النهوض بمجتمعاتنا إلى مستويات التعايش الحضاري، والتسامي على عوامل الخلاف والتمزق وأسباب القطيعة والتناحر أو التنافر.. وفي هذا المحور يؤكد سماحته أيضاً على أن المسؤولية الرئيسية في الحد من ظاهرة تغذيتها والتحريض عليها، والعمل على تحقيق التوجهات الهادفة إلى تحجيمها والقضاء عليها لتتحمل المسؤولية فيها بالدرجة الأولى القيادة في أية دولة في البلاد الإسلامية، حتى تتحقق على أساس ذلك الوحدة الإسلامية وأهمها توحيد الشعوب، والعمل على توفير أسباب وأجواء التعايش والانسجام فيما بينهم، وعلى أساس الحق والعدل، ومنع أي تمييز قومي أو طائفي.. كما يحمل سماحته من الشأن نفسه علماء الدين، والمؤسسة الدينية بوجه خاص جزءاً كبيراً أيضاً من تلك المسؤولية للقيام بدور فاعل من العمل نحو التصدي لهذه الظاهرة، والدعوة إلى نشر الوئام والسلام ووحدة المسلمين، وتحذير الناس من الانغماس من إحياء النعرات ورواسب العصبيات وإثارة الفتن الطائفية.. مؤكداً سماحته على أهمية أن يعي هؤلاء العلماء لدورهم الخطير في عدم إذكاء روح التعصب المذهبي تحت أية مبررات واهية، كما يحذر سماحة الشيخ الصفار في هذه الطروحات من مغبة إثارة مثل هذه الفتن والممارسات لما لها من آثار سلبية وخطيرة على علاقة ووحدة الشعوب، والتي كثيراً ما أدّت وتؤدّي إلى اندلاع شرارة العنف والحروب الأهلية والداخلية من الوطن الإسلامي الواحد، ويعرض خلال ذلك سماحته بالأدلة والبراهين الحقيقية المستمدة من واقع الأحداث الدامية والأليمة من المنطقة العربية والإسلامية الناتجة عن التمادي في الانغماس بتلك الممارسات البغيضة لإثارة الفتن وإشعال نار العداوة وإدارة المعارك والصراعات والنزاعات المذهبية والطائفية، والتي يذهب ضحيتها المئات والآلاف من البشر الأبرياء.
لهذا فإنه يؤكد سماحته في هذا الموضع على أهمية قبول مشروعية التعايش السلمي بين الجميع وضمان الحقوق والمصالح، وإبداء الاحترام المتبادل وتحقيق مبادئ الوحدة والتعددية، والاعتراف بالآخر دون هضم حقوقه، وهي من العوامل السليمة لتحقيق مجمل هذه المعادلة في توجهاتنا نحو التعايش، وتجنب الأحقاد والآثار السلبية والتي من شأنها أن تؤدي إلى تهديد الوحدة الوطنية، وإلى الانقسامات والحروب الأهلية الطاحنة بين أبناء الشعب الواحد.
ولا أنسى أن أشير في الختام هنا إلى أن شيخنا الجليل يبين ويستدل من استعراضه لمجمل هذه الطروحات والمحاور المختلفة بالأدلة والبراهين المشتقة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ومن أحاديث وروايات أهل البيت.
وأعتقد أخيراً أن حصيلة التجارب العلمية الإسلامية لسماحة الشيخ حسن الصفار هي حصيلة موسوعية لتجارب عملية ونظرية وميدانية موفقة ولله الحمد.. فهو كما أشرت من الشخصيات المتفردة في هذه المنطقة التي أعطت وما زالت تعطي من خلال جهودها وفاعليتها المتواصلة كل هذا العطاء الزاخر بالنشاطات والمحاضرات والأعمال العلمية في مختلف الاتجاهات والتي لا ينبغي من ورائها سوى خدمة مجتمعه وأمته ووطنه.
فجزاه الله عنا خير الجزاء وحفظه وسدد خطاه، وأن يجعل ذلك في موازين أعماله.. إنه سميع مجيب.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وآله الطيبين الطاهرين[1] .