سماحة الشيخ الصفار يدعو إلى إحياء عاشوراء بما يخدم المجتمع والوحدة الوطنية
استبعد سماحة الشيخ حسن الصفار أن يكون هناك صدامٌ طائفي في البلاد، مؤكداً على وعي الحكومة بخطورة هذا المنحى وجديتها في منعه. وأكد سماحته على أن ليس من الطائفية أن يُمارس الإنسان شعائره التي يؤمن بها، ما لم يؤدي ذلك إلى إيذاء الآخرين. وأشار إلى أن الخطاب الحسيني ينبغي أن يُركّز على بعدين: البناء والإصلاح الداخلي، وأيضاً إرسال رسالة تسامح ورغبة تعايش والتأكيد على الحالة الوطنية. ودعا مواكب العزاء إلى استثمار موسم عاشوراء في استقطاب الشرائح الشبابية خصوصاً تلك التي تمارس بعض التصرفات السلبية، كما شجّع الأخوات على السعي لتطوير المجالس الحسينية والرقي بها عن المستوى التقليدي.
كان ذلك في اللقاء الذي نظّمته مؤسسة أبناء الزهراء بحلة محيش مع سماحة الشيخ الصفار، في حوارٍ كان عنوانه: «محرم الحرام والخطاب الطائفي»، والذي حضره جمعٌ كبير من الناشطين في العمل الاجتماعي من الرجال والنساء بالحلة، وأيضاً عددٌ كبير من رواديد وشعراء الطف في القطيف وسيهات.
الجدير بالذكر أن اللقاء عُقد مساء الخميس 28 ذو الحجة 1427هـ، في منزل الحاج إبراهيم عبد الله آل عجيان (عمدة الحلة سابقاً).
وهذا تقريرٌ شامل لهذا اللقاء:
في بداية الحوار أعطى سماحة الشيخ الصفار مفهوماً للطائفية بأنها تكمن في أمرٍ واحدٍ وهو الإساءة للآخر.
وفي إجابته على سؤال: هل من الطائفية أن يُمارس الإنسان شعائره التي يستند فيها إلى نصٍ شرعي، بينما لا يستحسنها أو لا يقبل بها الطرف الآخر المخالف له في العقيدة المذهب؟
قال: «ليس من الطائفية أن ينتمي الإنسان لمذهبٍ أو طائفة، فهذا أمرٌ طبيعي، يجد الإنسان نفسه فيه منذ اللحظات ألأولى لحياته»، وأضاف سماحته: «ممارسة الإنسان شعائره وفق مذهبه أمرٌ مقدّس، وهي أبعد ما تكون عن الطائفية».
الصدام الطائفي يبدو أنه صار ينتشر، فهل نخشى على بلادنا منه؟
حول هذا التساؤل يقول الشيخ الصفار: «ما يحصل في العراق ولبنان إنما هو صراعٌ سياسي شأنه شأن بقية الصراعات التي حصلت ومازالت في بعض الدول الإسلامية، وسيأتي الوقت الذي تُطوّق فيه هذه الفتنة.
أما في بلادنا، رعاها الله، أستبعد أن يكون هناك صدام طائفي فالدولة واعية لخطورة هذا الأمر، ولن تسمح به. وإني متفائلٌ جداً فالوضع في البلاد إلى خير إن شاء الله».
وأضاف سماحته: «علينا في مقابل متابعتنا للأصوات الطائفية المتشنجة أن نلتفت لتلك الأصوات الإيجابية حتى كون نظرتنا للواقع نظرة شمولية وموضوعية».
وعلى فرض أن هذا التحليل سليم، يقول الشيخ الصفار: «فإن العقل وتعاليم ديننا تدفعنا إلى تجنب الوقوع فيه، أو على الأقل تخفيف شدة وطئه، أما أن نستخدم اللغة الطائفية فهذا منافٍ للتعاليم الإسلامية، وهذه كلمات أئمة أهل البيت وتوجيهاتهم تؤكد ذلك، حيث كان الأئمة يؤكدون هذه المقولة: إنا نكره أن نبدأهم بقتال».
وحول بعض الممارسات التي تأخذ طابعاً طائفياً في الجامعات أو الملاعب الرياضية، قال الشيخ الصفار: «الساحة لا تخلو من وجود هذه الممارسات، وينبغي أن يكون الرهان على تطويقها والسيطرة عليها، وأعتقد أنه يُمكن ذلك».
وفي إجابته على سؤال: هل هناك رغبة لخلق فوضى خلاقة في القطيف، خصوصاً مع ما نجده من المشاكل الأمنية كالسرقات والاعتداءات، وعجز الجهات الأمنية من السيطرة عليها؟
قال الشيخ الصفار: «لا أتفق مع هذا الرأي، فالمشكلة الأمنية لا تقتصر على القطيف، وإنما هي على مستوى البلد ككل، والجهات الأمنية تحتاج إلى دعم لتكون قادرة على تطويق هذه المشكلة خصوصاً مع انشغالها بمكافحة الإرهاب. ويجدر بنا أن نتخلص من (عقلية المؤامرة) وأن نقرأ الأوضاع بشمولية أكبر فالمناطق الأخرى في المملكة تشكوا مما نشكو منه وإن اختلفت حدة المشكلة من منطقة لأخرى».
وعن موقف سماحته الشخصي من (عريضة الدفاع عن السنة)، قال: «هناك مجموعة من الدعاة لديهم منحى متشدد، وهم لا يُمثلون الموقف الرسمي للدولة، وأنا لا أتفق مع هذا المنحى، ولا يعني ذلك أن نشرّع لممارسات مماثلة».
وعن تساءل أحد الأخوة في كون البعض يجعل من الآية الكريمة: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (الأنفال، 63)، مبرراً لعدم الالتقاء مع الطرف الآخر وأن التآلف معهم غير مجدٍ، فكيف ترد عليهم؟
قال: «ينبغي أن نفهم الآية الكريمة بشكلٍ صحيح، فالآية لا تعني أن الألفة تحصل عن طريق غيبي محض، وتدخلٍ سماوي مباشر، فالرسول الأكرم بأخلاقه السامية وجهاده العظيم حقق هذه الألفة».
وفي إطار هذا الموضوع، أضاف الشيخ الصفار بقوله: «ينبغي أن تكون معاملتنا مع الآخرين وفق تعاليم ديننا الحنيف: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ (فصلت، 34). وأئمة أهل البيت في وصاياهم الخالدة يأمروننا بذلك أيضاً. وإذا كانت لدى البعض من الشيعة هذه النظرة بأن الالتقاء مع الآخر غير ممكن، هناك أيضاً من الطرف المقابل من يرى ذات الرأي على الشيعة، وهذه النظرة خاطئة من كلا الطرفين، وينبغي تجاوزها».
سماحة الشيخ الصفار أجاب على هذا السؤال: يمر علينا موسم عاشوراء في ظل هذه الأجواء المشحونة طائقياً، فإلى أي مدى يخدم الخطاب الحسيني هذه القضية، وما هي رسالة سماحة الشيخ الصفار في ذلك؟ بقوله: «أرى أن يتجه الخطاب في موسم عاشوراء في اتجاهين:
الأول: البناء والإصلاح الداخلي. فمظاهر العنف والممارسات غير الأخلاقية أصبحت ظاهرة مكشوفة لا تحتاج إلى دليل أو برهان، وعلى الواعين من الخطباء أن ينحوا هذا المنحى بأن يوجهوا المجتمع باتجاه بناء قوتهم الدينية، والعلمية، والاقتصادية.
الثاني: نرسل رسالة تسامح ورغبة تعايش والتأكيد على الحالة الوطنية، خصوصاً في هذا العام حيث الأضواء مسلطة على العالم الشيعي نظراً لسطوع وهج التشيع في المنطقة، والعالم يُراقب هذا الإحياء الجماهيري الذي ليس له نظير في العالم، لذا فإن مسؤولية الخطباء أن يُبرزوا للعالم المَعْلَم الحقيقي للتشيع، ولا نقول ذلك مجاملةً أو تصنعاً فرسالة أهل البيت وتعاليمهم تدفعنا لذلك».
وحول السؤال: نجد أن الخطابات الحسينية في غالبها اجتهادات شخصية من الخطباء، أليس من الأجدى أن تُعقد لقاءات لتنظيم الأمر بالتركيز على مواضيع تهم المجتمع ومن شأنها إصلاح الجيل الجديد، بدلاً من أن ينفرد كل خطيب برأيه؟
أجاب سماحة الشيخ الصفار بقوله: «هذا الكلام سليم، وقد بادرت الحوزة العلمية بالقطيف إلى عقد مثل هذه اللقاءات والمشكلة تكمن في أن ليس كل الخطباء يُشاركون، إضافةً إلى أن بعض المشاركين لا يلتزم بما يُتفق عليه في اللقاء. ونأمل أن يتجاوز الخطباء هذه الحالة السلبية».
مواكب العزاء تمثل ثقلاً كبيراً في عاشوراء، والقصائد الحسينية في الغالب تحمل الطابع الطائفي من خلال طرحها لشعار: يا لثارات الحسين، ولعن قتلة الإمام الحسين ، فما هو التوجيه السليم لذلك؟ سؤال تصدّر الحديث عن مواكب العزاء، وفي إطاره وجّه سماحة الشيخ الصفار خطابه للرواديد الذين كان لهم حضور بارز في اللقاء، وركّز على عدة أمور:
«أولاً- القصائد العزائية تستثير الجانب العاطفي لدى المعزين، وذلك تأثيره أقوى من الخطاب الفكري في بعض الحالات، ولذا ينبغي على الرادود أن يغتنم ذلك في ترسيخ المبادئ والقيم لدى المعزين، خصوصاً وأن مختلف شرائح المجتمع تشارك في هذه المراسيم، بما فيهم ذوي التصرفات السلبية في المجتمع.
ثانياً- تجاوب المستمعين لبعض مقاطع القصيدة يجعلها راسخة أكثر في نفوسهم، مما يجدر بالشعراء اختيار الكلمات ذات المعنى الإيجابي، من أجل صياغة أفكار المشاركين صياغة إيجابية.
ثالثاً- ينبغي على مواكب العزاء التأكيد على الحس الوطني، وعدم التحفظ في ذلك، وأن يُعلنوا بكل جرأة حبهم للوطن، ودفاعهم عنه، فمجتمعنا جزءٌ من الوطن وليس غريباً عنه».
وعن دور المرأة في عاشوراء، والمسؤولية التي يُمكن أن تُسهم فيها، قال سماحة الشيخ الصفار: «إن مجمل حديثنا في هذا اللقاء يشمل الرجال والنساء على حدٍ سواء، وإن كانت هناك كلمة تخص النساء على وجه التحديد، فإنني أركّز على ثلاثة نقاط:
أولاً- على الأخوات أن يسعين لتطوير مستوى المجالس النسائية، والارتقاء بها عن المستوى التقليدي الذي ما زالت الكثير من المجالس متقوقعةٌ فيه. وهذا لا ينفي وجود نماذج إيجابية على هذا الصعيد، إلا أنها قليلة.
ثانياً- أرى أن يكون هناك برامج في عاشوراء تخص الناشئة من الفتيات حتى يطلعن على دروس عاشوراء والمبادئ التي من أجلها ثار الإمام الحسين ، وسبيت العقيلة زينب .
ثالثاً- أن تكون هناك برامج عزاء نسائية خاصة ضمن الضوابط الشرعية، كما هو موجود لدى الشباب، لكي تتفاعل النساء وخصوصاً الشباب منهنّ مع الموسم ويستفدن من خيراته بشكلٍ أكبر».
وفي ختام اللقاء وجّه سماحة الشيخ الصفار كلمةً للأخوة والأخوات الحضور، بدأها بالشكر الجزيل لمؤسسة أبناء الزهراء على دعوتها لعقد هذا اللقاء، وأكّد أن مسؤولية إحياء عاشوراء والتفاعل معها تقع على الجميع فالكل مسؤول عن إنجاح هذا الموسم، وأشار إلى مجموعة من الأمور التي من المهم أن يُطالب كل فرد نفسه بها أو ببعضها، وأبرز تلك الأمور:
- الحضور والمشاركة في البرامج والشعائر الحسينية.
- المساهمة المالية.
- المشاركة البدنية بالتعاون مع أصحاب المآتم، والقائمين على مواكب العزاء.
- المشاركة بالرأي، بأن يُبدي كل شخص رأيه حول الخطابات الحسينية، وحول القصائد العزائية، وحل كل ما من شأنه تطوير الموسم وإبرازه بالشكل اللائق.
بعد ذلك غادر سماحة الشيخ بمثل ما استقبل بهه من الحفاوة والتكريم.