دعاة سعوديون: نرفض "الروافض" وننبذ "النواصب"
الشيخ الصفار: لا تستجيبوا للمتطرفين
وائل كردي ـ السعودية*
رغم اختلاف أطيافهم الفكرية، وانتماءاتهم المذهبية، إلا أن رموز العلم والدعوة بالمملكة العربية السعودية أجمعوا على أهمية نبذ التأجيج الطائفي والصراع المذهبي بين المسلمين، والعمل على ألا يكون الاختلاف المذهبي تكئة لإشعال الحروب بين أبناء الأمة الواحدة، ومبررا لسعي كل منهم لاستئصال الآخر وكسر شوكته، مؤكدين على أن أعداء الأمة هم وحدهم المستفيدون من هذا الصراع.
وشدد العلماء السعوديون - سنة وشيعة - على وجوب عدم الانسياق وراء دعاوى المتطرفين من الجهات المختلفة، ومواجهة ممارساتهم بحزم، والوقوف ضد إطلاق أحكام التكفير من هنا أو من هناك.
كما دعوا إلى تجنب استخدام الألقاب والمصطلحات المثيرة للشحناء والبغضاء، مثل «الروافض»، و«النواصب»، مؤكدين على عدم استمرار الدلالات التاريخية لهذه الألفاظ.
المفكر السعودي، الشيخ سلمان بن فهد العودة، أكد على أن للدعاة دورا كبيرا في إخماد الفتن التي تنال من الأمة وتستهدف وحدتها، وأنه ينبغي على الدعاة أن يوجهوا الناس ويصححوا المفاهيم الخاطئة عندهم، كمفهوم أن الحياة هي عبارة عن مقعد واحد إذا اتسع لك ضاق عن غيرك أو العكس، وقال العودة: «هذا مفهوم خاطئ قد يؤدي إلى نشوء أو انزلاق البلد إلى حرب أهلية».
واعتبر الشيخ العودة أن ما يجري اليوم في العراق يعتبر كارثة ضخمة جدا، على العراق وعلى الدول المجاورة، وعلى العالم الإسلامي، وعلى صورة المسلمين أمام العالم.
وقال العودة: «إن المستفيد الوحيد من حرب أهلية في العراق هم اليهود وقوى التحالف الاستعماري، والقوى المتربصة بالإسلام والمسلمين، وربما يكون هؤلاء مسئولين أحيانا بشكل مباشر أو غير مباشر عن تأجيج نار الصراع بين هذه الطوائف المختلفة».
وأوضح الشيخ سلمان العودة أن هذه المرحلة حساسة جدا، وتتطلب قدرا كبيرا من الوعي واليقظة، وأشار إلى أنه قد سمع عددا من خطابات العقلاء من قيادات المسلمين السُّنة، سواءً هيئة علماء المسلمين أو غيرها، فوجد أن اللغة المعلنة لغة إيجابية تدعو إلى التهدئة وتجنب التصعيد، وعدم إلقاء التهم جزافا، وعدم تبادل القتل والعنف والعدوان.
وأعلن الشيخ العودة أنه «يجب بكل قوة وشجاعة لجم الطائشين ولجم المتعجلين ولجم السفهاء، سواءً كانوا من هذه الطائفة أو تلك، وفي حالة حصول الخطأ يجب نفْيُهم والبراءة منهم؛ بمعنى أن هذا الخطأ يتحملونه هم وحدهم ولا أحد يدافع عنهم». وأكد على أنه بغير هذه الروح الشجاعة يُخشَى أن يتحول الوضع إلى وضع مأساوي.
وختم الشيخ العودة حديثه بالإشارة إلى أن الأقوال الجميلة لا تكفي، وأن المطلوب أفعال جميلة أيضا، للخروج بالعراق من هذا المأزق إلى بر الأمان، قائلاً: «أنا أعتقد أنه من أعظم ما يجب أن نفعله الآن هو السعي إلى ضبط النفس، وعدم الاستجابة للاستفزازات المتبادلة، وأن نجعل هناك مجالا للحوار ومجالا للتواصل ومجالا للمصارحة ومجالا لمحاسبة المخطئين».
أما الداعية الدكتور عوض القرني، فأوضح أنه ليس من المصلحة في الوقت الحالي إثارة النزعات الطائفية بين مختلف الطوائف المنتسبة للإسلام، وأنه ينبغي أن نعالج أخطاءنا التاريخية بالوسائل المشروعة والحوار العلمي الهادئ المعتمد على الكتاب والسنة، مؤكدا على أهمية تنزيه قضايا الأمة الكبرى عن المزايدات الطائفية أو السياسية أو المذهبية.
وقال القرني: «ينبغي أن نتجنب الكلمات والألفاظ التي قد تثير الشحناء والبغضاء، مثل "الروافض" و"النواصب"، وغيرها، فليس بالضرورة بقاء الدلالات التاريخية لهذه الألفاظ كما هي منذ أن قيلت»، وأضاف: «نحن في حاجة إلى أن ننتقي من ألفاظنا وأقوالنا وخطابنا ما نستجلب به القلوب، ونستل به سخائمها، وندفع به غائلة الخلاف، وليس حلاً للخلاف أن نتنابز بالألقاب وأن نسبَّ وننال بعضنا بعضا، بل نسعى لحل مشكلاتنا بهدوء وأدب واحترام».
وشدد القرني على أن الأمة يجب أن تسعى إلى ما يوحدها، لا إلى ما يفرقها، وأن تسعى إلى ما ينهي الخلافات ويلم الشعث، وبالذات في أوقات المحن والتحديات التي تواجه الجميع ولا تفرق بين أحد وأحد.
ورفض الدكتور القرني التساهل في تكفير كل طائفة للأخرى، قائلاً: «إن التكفير حكم شرعي، ولا يجوز أن يُطلَق القول فيه على عواهنه، ولا يجوز تكفير طائفة بمجملها، ولا يجوز تكفير أحد بعينه، إلا إذا قامت عليه الحُجة الواضحة، ولا يكون هذا الحكم إلا بواسطة القضاء، ويجب أن يثبت بوسائل الإثبات الشرعية وقوع المكفِّر».
«إن الشيعة ليسوا كفرة، وإن كان يصدق في بعض عقائدهم أنها كفرية، بل منهم فرق قريبة إلى أهل السنة كثيرا، كالزيدية»، بهذه العبارة بدأ الدكتور علي بن عمر بادحدح، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، حديثه، مؤكدا على أنه لا ينبغي إطلاق حكم على فرد إلا بعد بيان معتقده بذاته، ولا يأتي هذا الحكم إلا من أهل العلم والتخصص، ولا بد أن يكون هناك داع لهذا الحكم، ووجود شروط، وانتفاء موانع.
واستطرد بادحدح قائلاً: «الذي نراه الآن أبعد ما يكون عن مثل هذا كله، فمن السنة من عنده "تشيُّع" بالمعنى اللغوي للكلمة، مثلا هناك قول عن أهل الكوفة (كأبي سفيان الثوري وغيره) أنهم يقدمون عليا على عثمان (رضي الله عنهما) في ترتيب الصحابة، فهذا قول ليس فيه شيء وإن كان يسمى "تشيعاً" باعتباره مشايعة لعلي، وهذا إطلاق لغوي. لكن الذي يقول بعقائد كفرية تناقض صريح القرآن، فيصدق عليه حينئذ الحكم بالكفر بسبب هذا الاعتقاد».
وتابع بادحدح: «إننا اليوم في ظروف تمر بها الأمة الإسلامية تقتضي عدم التصلب وعدم الوقوف عند التاريخ، بل حتى عند موقع واحد في العراق أو غيره، ربما نحاول أن نغير ونضغط ونخفف، ولكن نتجاوز إلى أن نصل إلى عدم الاحتراب وعدم التضاد وعدم تدمير قدرات الأمة في مصالح ذاتية، بعضها سياسي وليس عقديا، فهناك حسابات أخرى غير الحسابات الدينية البحتة».
كان لا بد من الاطلاع على وجهة النظر الشيعية تجاه هذه القضية، لذا توجهنا إلى المرجع الشيعي السعودي، الشيخ حسن الصفار، الذي بدأ حديثه قائلاً: «أدعو نفسي وجميع العقلاء الواعين إلى عدم الاستجابة لضغوط المتطرفين في ساحتنا، والذين يهمهم إسقاط وإضعاف نهج الدعوة إلى الوحدة والتقارب، واستدراجنا إلى خنادق الاصطفاف والمواجهة الطائفية التي لا يستفيد منها إلا أعداء الأمة».
وأكد الصفَّار على أن وحدة الأمة والحوار والتقارب بين فئاتها على اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم، يجب أن يكون غاية نبيلة وهدفا مقدسا، وليس مجرد وسيلة لتحقيق مصالح محدودة، ويجب أن يصبح إستراتيجية دائمة لا مجرد تكتيك مرحلي.
وتعليقا على ما يحدث بالعراق، قال الشيخ الصفار: «ما يجري في العراق هو ثمرة مرة لحقبة سيئة عاشها الشعب العراقي، في ظل نظام استبدادي أذاق شعبه الويلات، ومزق أوصاله بسياسته الجائرة، ثم جاء الاحتلال الأمريكي ليستثمر النتائج ويقطف الثمار».
واعتبر المرجع الشيعي أن استخدام العنف داخليا وباستهدافات طائفية، والذي عاشته الساحة العراقية، يشكل أكبر خدمة لأطماع الاحتلال الأمريكي، وإخضاع المنطقة للهيمنة الأجنبية، مؤكدا على أهمية إعلان الرفض والإدانة للعنف والإرهاب الطائفي من أي جهة صدر.
وأشار الصفار إلى أنه من الخطورة بمكان مواجهة الخطأ بخطأ أكبر، يقصد بذلك التعبئة المذهبية الطائفية، وقال: «النقد والرفض والاعتراض يجب أن يتوجه إلى الممارسة وإلى الجهة السياسية فيها، لا أن يصبح مبررا لحملة شعواء على المذهب، تنال أصوله ومعتقداته وتاريخه ورموزه، وأن يكون هناك طعن وتجريح ينال كل المنتمين إلى المذهب في مختلف أنحاء العالم».
وأعلن الشيخ الصفار رفضه لمظاهر التعبئة الطائفية، التي تتمثل في بعض فتاوى التكفير، وبيانات التشكيك والتجريح، وخطب التحريض وإثارة الضغائن، التي تساعد – على حسب قوله - على تحقيق أهداف الأعداء بتمزيق الأمة، وإشغالها بخلافاتها، وتعيد المنطقة إلى أجواء الصراعات المذهبية التي عاشتها أيام الحرب العراقية الإيرانية، وتهدد بضياع الجهود المخلصة التي بذلها خادم الحرمين الشريفين في قمة مكة الاستثنائية، وفي الحوار الوطني، وكذلك جهود كل المصلحين والمخلصين من علماء الأمة ودعاتها ومفكريها، كما تفتح الثغرات في جدار الوحدة الوطنية.
وفي الختام أكد المرجع الشيعي، الشيخ حسن الصفار على أنه لا يصح لنا أن ننهزم أو نتراجع عما نعتقده مبدأ شرعيا، ومصلحة عقلية واضحة، وضرورة حياتية، لحصول عقبة هنا أو نكسة هناك، وقال: «لا يجوز لنا أن نخضع لضغوط المتطرفين في مختلف الساحات الذين هم في الأصل ضد فكرة الحوار والتقارب، ويسعون لإفشالها، ويستغلون الأحداث السيئة لذلك».