هل يمكن اضعاف مفهوم الولاء والبراء .. شريف والصفار والقس الكويتي: الحلقة الخامسة: الولاء والبراء
المتشددون حرموا الإنسانية من مساحات الالتقاء
يرى الكثير من علماء المسلمين أن إضعاف مفهوم الولاء والبراء غير وارد اذا نظرنا بعقلانية وتطبيق شرعي للنصوص لتعاملنا مغ الغرب على أنه جزء من أمة الدعوة وأن ما يحدث من شطط وخروج عن المنهج إنما هو اجتهادات خاطئة بعيدة كل البعد عن المنهج الشرعي.. ولهذا شاع في المصطلحات الاسلامية تعابير: أمة الدعوة وأمة الإجابة، أمة الدعوة هي العالم بأسره، وأمة الإجابة هم من آمن به صلى الله عليه وسلم، واتبع النور الذي أنزل معه، وللغرب في هذه المنظومة من الخصوصية ما ليس لغيرهم من بقية هذه الأمة، فجذورهم ترجع في الجملة إلى أهل الكتاب، ولأهل الكتاب من الخصوصية ما ليس لغيرهم، فقد أباحت الشريعة طعامهم، وأحلت نكاح نسائهم، بما لم تجزه مع فئة أخرى من غير المسلمين، وعقدت لأهل الكتاب الأمان في مجتمعاتها، وأعطتهم على ذلك ذمة الله ورسوله.
وللنصارى منهم اعتبار أخص ورد ذكره في كتاب الله عز وجل عندما قال تعالى: ﴿ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون﴾.
ما دامت هذه القاعدة الشرعية هي أساس التعامل الغائب في ترسيم العلاقة بين المسلمين والآخر، فلماذا تتعقد الصورة كلما حانت لحظة الاقتراب.. ويظل التساؤل الأكبر.. هل هناك أمل في الالتقاء في ظل الاطار العقدي القائم على الولاء والبراء؟
سألت القس عما نويل غريب راعي الكنيسة الانجيلية الوطنية بالكويت كأحد وجود التمثيل من الطرف الآخر عن رؤيته لشكل العلاقة بين المسلمين والمسيحيين من خلال تجربته بالكويت فقال: من أبرز ما لاحظته خلال السنوات العشر الأخيرة تحديدا أن بعض المفاهيم الخاطئة التي تسللت الى افكار بعض إخواننا المسلمين عن فكر الذين يختلفون عنهم في العقيدة قد بنيت على المعلومات المتواترة وأفكار وفتاوى أناس غير متخصصين وغير متعمقين في الدراسة والفهم الصحيح لنظرة دينهم الى الآخر، أو من خلال مظاهر التحرر والاباحية التي تظهر على السطح في المجتمعات الغربية في ظل غياب القيم الروحية والمبادئ السامية التي بنيت عليها حضارتهم التي تظهر في الصورة لذلك فأنا أهيب بدور إخواننا المسلمين المتخصصين الأمناء في تصحيح المفاهيم الخاطئة التي توارثتها المجتمعات الاسلامية في نظرتها للآخرين ممن يختلفون عنهم في العقيدة.
قلت له: ولكنك ترى ما يحدث للمسلمين في بلادهم وبلاد الغرب من انتهاك للكرامة الانسانية وحقوقهم المشروعة.. فكيف يكون التعامل بالمثل؟ فقال: على الجميع أن يعترفوا بحق الآخرين في الحياة الكريمة، فنحن نشترك جميعاً في أننا آدم وحواء. فالبشر من هذه الناحية إخوة، والاعتراف المتبادل في حق الحياة الحرة الكريمة دون تهديد أو اضطهاد بسبب لون أو جنس أو دين من المبادئ الأساسية التي يريدها الآخر من المسلمين.. وأضاف: إن العالم يتكون من شعوب وقبائل وأمم مختلفة في اللون واللغة والدين والعادات والتقاليد والقيم والأفكار وكل الكتب السماوية تعلن هذه الحقيقة بوضوح بل إن الحقيقة الأكبر هي أن البشر متساوون، ولا فضل لواحد على الآخر إلا بالتقوى كما هو معروف لديكم.. وكلما اقتربنا الى الله عز وجل، اقتربنا من بعضنا البعض فالاحترام المتبادل وإعطاء كل ذي حقه حقه دون النظر لأي اعتبار آخر هي من ضمن ما يطلبه الآخر من المسلمين والعكس أيضا.
وأكد القس عما نويل في ختام حديثه على ضرورة الحوار والتواصل في جو من الألفة والمودة بين المسلمين والمسيحيين لكسر الحواجز وإسقاط الأسوار وتصحيح المفاهيم وإعطاء الفرصة لكل طرف للإطلاع على تفاصيل الصورة عن قرب فلا تطمس الملامح بسبب البعد والنظرة العابرة قائلا: إننا نحتاج أن نجلس معاً ونتحاور لكي نجد أهدافاً مشتركة نتفق عليها ونسعى معاً لتحقيقها في مجتمعنا الذي نعيش فيه وليتنا نتواصل ونضع أيدينا معاً ونتعاون على أعمال البر والخير والتقوى بدلا من الاختلاف والتقاتل ونبذ الآخر.
الشيخ حسن الصفار تساءل في رده عن كيفية الوصول الى لغة تفاهم بعيدا عن حالة العداء الدائم قائلا: أعتقد ان الانسان قد يعادي شخصا لأنه أساء له أو اعتدى على حق من حقوقه وهذا موقف مفهوم مشروع، وقد تعادي شخصاً لأنه ينافسك أو يزاحمك على مصلحة من المصالح أو مكسب من المكاسب، وهو أمر وارد وقابل للنقاش، أما أن تعادي شخصاً لأن له رأياً يخالف رأيك في قضية علمية أو دينية أو سياسية، فذلك موقف لا يسوغه لك الشرع ولا العقل وكما تعرف أن الرأي من شؤون قلب الإنسان، وهو من أخص خواصه الذاتية الشخصية، فلا يحق لأي أحد أن يتدخل في هذا الشأن بالقسر والقوة، كما أن التدخل في هذه المنطقة المحرمة لا يجدي ولا يؤثر، فإذا ما حاولت أي قوة أن تفرض على إنسان رأياً أو تمنعه من رأي، فإنها لن تستطيع إلا إخضاعه ظاهراً، أما قراره الداخلي، وإيمانه القلبي، فيستعصي على الفرض والإكراه، لذلك فإن الله سبحانه وتعالى ينفي إمكانية الاكراه على الدين وينهى عنه يقول تعالى: (لا إكراه في الدين) فالرأي والاعتقاد لا يغيره الضغط والقهر، والتظاهر بالتخلي عن ذلك الرأي لا يزيله من قرارة نفس الإنسان، بل قد يزداد ثبوتاً ورسوخاً، بدافع التحدي ورد الفعل.
واستغرب الشيخ الصفار حماس البعض لمبادئهم وآرائهم بحيث يضغطون على أعصابهم ويتأزمون نفسيا ويتجاوزون الحدود في التعامل مع الناس، وكأن لهم الوصاية والسيطرة على أفكار الآخرين وتوجهاتهم، وهذا خطأ فظيع مشيرا الى ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان حريصا على هداية قومه، الى حد أنه كان يجهد نفسه أكثر من اللازم، فجاءة التوجيه من الله سبحانه: (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين)، ومرة أخرى يخاطبه الباري جلّ وعلا: (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى) وفي القرآن آيات كثيرة تؤكد على أن مهمة النبي والداعية تنتهي عند حدود التبليغ والإرشاد، ولا يصح تجاوز هذه المهمة إلى حد ممارسة الوصاية والضغط على الآخرين. يقول تعالى: ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا﴾.
ويقول تعالى: ﴿وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد﴾.
وأوضح الصفار ان هذه التوجيهات الربانية والمفاهيم القرآنية التي سبق ذكر البعض منها إضافة لسيرة الأنبياء والأئمة عليهم السلام تردع الإنسان عن ان يكون حادا متشنجا مع من يخالفه في الدين والرأي، او ان يجعل اختلاف الرأي سببا ومبررا للعداء والخصومة، مشيرا الى ان الانسان اذا كان مخلصا لأفكاره، ومتحمسا لنشرها، واستقطاب الآخرين باتجاهها، فإن الطريق لذلك هو الانفتاح على الآخرين، وخلق جو من الاحترام والود معهم،فالعاقل الواعي الذي يريد خدمة افكاره، وان تشق طريقها الى قلوب الناس، هو الذي يمتلك سعة الصدر ورحابة الأفق، ولاينفعل تجاه الرأي المخالف، حتى ولو تعامل معه الآخرون بشكل سيئ، فإنه يمارس أعلى درجات ضبط النفس، والتحكم في الأعصاب، بحيث يقابلهم باللطف والإحسان، فيمتص التشنجات، ويستوعب الاستفزازات ويدفعهم لإعادة النظر في موقفهم تجاهه، ويشجعهم على الانفتاح على افكاره، مما قد يغير قناعاتهم، ويستقطبهم الى جانبه والى صف رأيه.
الدكتور محمد عبدالغفار الشريف الأمين العام للأوقاف بدولة الكويت والعميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الاسلامية بجامعة الكويت اكد على وجود ارضية مشتركة دائما لدى المسلمين في الحوار مع الأخر بل ان الاسلام له المبادرة في ذلك في ظل وجود ضوابط عقدية مثل مسألة الولاء والبراء في قوله تعالى ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا بينكم الا نعبد إلا الله ولانشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون﴾.