أكد أن الآخرين يصعب تقبلهم لإنكار اللعن والسب مادام موجودا في نصوص متداولة
الشيخ الصفار لـ«الوطن»: نحتاج لنشر ثقافة التسامح فليس كل مخالف جاحداً
قال الشيخ حسن الصفار إن الاختلاف في الرأي بين السنة والشيعة في الأمور العقدية والفقهية موجود ولا يمكن إنكاره. وهو اختلاف قديم ليس جديداً ولا طارئاً، وهناك مشتركات كبيرة بين الطرفين في الإيمان بأصول العقيدة وأركان الإسلام ومرجعية الكتاب والسنة.. لكن تحويل هذا الاختلاف إلى صراع ونزاع إنما يتم غالباً بسبب العوامل السياسية الداخلية والخارجية.
وأضاف الشيخ الصفار في حديث لـ«الوطن» حول الآلية التي يمكن بها تحقيق التواصل بالنسبة للقلة الشيعية المتواصلة مع الآخر، وحول إمكانية قيام الحوزة بدور في هذا الصدد: «لكي تتسع رقعة التواصل بين علماء السنة والشيعة، لابد من مبادرات من المرجعيات الدينية العليا من الطرفين، أما إذا كان سقف المبادرات من العلماء في الصف الثاني، فإنهم سيواجهون ضغوطاً من المتطرفين المتعصبين من الجانبين، كما نحتاج إلى وجود أطر ومؤسسات تنمي حالة التواصل وترعاها بين علماء السنة والشيعة، ونأمل أن يخصص مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني جزءاً من جهوده لذلك على الصعيد الداخلي.
والحوزات العلمية تستطيع أن تقوم بدور فاعل أيضاً بدعم ثقافة التقريب والوحدة».
وعن إمكانية احتواء تيار شيعي سلفي ـ تحدث عن وجوده ـ لمنعه من التغلغل إلى ذهنيات الشباب، وإن تسبب الإشارة إليه ردة فعل بسبب الجرأة في الطرح. قال: «هذا التيار السلفي الشيعي يأتي كرد فعل للتيار السلفي السني المتطرف مذهبياً الذي يصدر فتاوى التكفير ضد الشيعة ويحرّض على عداوتهم، ويمكن احتواؤه بمواقف المرجعية الدينية الواضحة تجاه الوحدة، وفي هذا السياق لا بد من الإشادة بفتوى الإمام الخميني للشيعة بالصلاة مع السنة في الحرمين الشريفين، وبالبيانات والفتاوى التي صدرت عن الإمام السيستاني.
أما خشيتي من رد الفعل بسبب طرحي لهذه الآراء فهي موجودة لكني أرى ضرورة تحمل المسؤولية الشرعية وخاصة مع الظروف الخطيرة الحساسة التي تمر بها المنطقة، كما أراهن على ارتفاع مستوى الوعي في المجتمع الشيعي».
وكانت رابطة الحوار الديني في الحوزة العلمية بقم في إيران قد وَجّهت دعوة للشيخ حسن الصفار للمشاركة في الندوة التي عقدتها في مركز بحوث العلوم والثقافة الإسلامية في مدينة قم بعنوان مواجهة الفتنة المذهبية يوم الخميس 11 صفر 1428هـ الموافق 1/3/2007م.
وحضر الندوة جمع من العلماء، منهم الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية الشيخ محمد علي التسخيري، ورئيس مكتب الإعلام الإسلامي للحوزة العلمية الشيخ حسن رباني، ورئيس قسم بحوث الفقه والحقوق في المركز الشيخ أحمد مبلغي.
وقال الشيخ حسن الصفار في كلمته التي وجهها للندوة عبر الهاتف:
«من الطبيعي أن تتوجه الأنظار والقلوب عند النوازل والمشاكل إلى الأوساط العلمية الدينية، فهي التي يجب أن تتصدى لبحثها، وأن توجه ساحة الأمة إلى المواقف الصحيحة منها، وأن تقدم الوعي والإرشاد المطلوب حولها».
وتابع الشيخ الصفار: «أعتقد أن القضية هي أعمق من الخلافات الطائفية المذهبية، وأن هذه الفتنة ما هي إلا عرض لمرض خطير ومظهر لخلل عميق، يتمثل في عجز مجتمعات الأمة عن إقامة علاقات سليمة بين أطرافها.
ففي غالب بلاد المسلمين هناك خلافات ونزاعات عنيفة، بمختلف العناوين والمبررات، تارة بعنوان اختلاف العرق والقومية، وأخرى بعنوان اختلاف الدين والمذهب، وثالثة بعنوان اختلاف التوجه الفكري والسياسي، وهناك حروب بعنوان اختلاف الجذور القبلية».
وأضاف: «كمثال على ذلك أذكّركم بما يدور الآن في دارفور غرب السودان، وحيث تريد أمريكا والقوى الغربية استغلال ما يجري فيها للتدخل تحت مسمى وجود قوات دولية تابعة لمجلس الأمن، وترفض الحكومة السودانية ذلك معتبرة إياه تدخلاً في شؤونها وانتقاصاً من سيادتها.
دارفور ـ غرب السودان مساحتها 500 ألف كيلو متر مربع، وسكانها ستة ملايين نسمة، كلهم مسلمون، وكلهم يتبعون المذهب المالكي، وفيهم آلاف من حفظة القرآن، وكلهم عرب، لكن بعضهم ينتمي لقبائل جذورها عربية وبعضهم ينتمي لقبائل جذورها إفريقية، وهناك حرب الآن بين هذين الطرفين تدور رحاها منذ سنوات وقد بلغت حصيلتها كما تقول المصادر الدولية: 200 ألف قتيل، ومليوني مشرد، وأحرقت 20 ألف قرية، وحصلت حالات فظيعة من الاغتصاب.. قد تكون هذه الأرقام مبالغاً فيها، كما تقول حكومة السودان، لكنها لا تنكر أن هناك نزاعاً وأن هناك انتهاكات وفظائع.
لماذا تدور هذه الحرب في دارفور؟ هل هناك صراع طائفي بين السنة والشيعة؟».
وتابع: «لماذا يتعايش الناس في العالم المتقدم كأوروبا مع تنوعهم القومي والعرقي والديني والمذهبي، ويصنعون اتحاداً أوروبياً، يضم مجتمعات تختلف في ثقافتها وتاريخها، ويحتدم فيها التنافس المادي المصلحي، بينما تعجز عندنا مجتمعات يجمعها دين واحد عن الاتحاد والاتفاق؟»
وتحدث الشيخ الصفار عن وجود خلل عميق تسببه ثقافة التحريض على الكراهية «فعلى الصعيد المذهبي مثلاً نحن نجد أن هناك تعبئة متبادلة بين السنة والشيعة، حيث تقوم بعض الجهات الدينية المتشددة من الطرفين بذلك، حتى تثبت أفضلية مذهبها، فإنها تتوسع في ذكر مثالب الطرف الآخر، وتصفه بالكفر أو الشرك أو الابتداع، وأنهم لا يستحقون الجنة وأن مصيرهم إلى النار.. إننا بحاجة ماسة إلى نشر ثقافة التسامح في جمهورنا الشيعي والسني.. فليس كل مخالف جاحداً. فقد يكون مخلصاً صادقاً لكنه لم تتضح له الحقيقة بسبب القصور أو التقصير. وليس كل مخالف في النار، حيث وردت أحاديث عن طريق السنة والشيعة عن سعة رحمة الله تعالى، وأن المسلم حتى المخالف إن لم يكن جاحداً يدخل الجنة».
وأكمل: «لا شك أن مسيرة التقريب بين المذاهب الإسلامية ووحدة الأمة تمر هذه الأيام بانتكاسة مؤلمة، يعرف كل الواعين أسبابها، والقوى المعادية التي تقف خلفها من خارج الأمة وداخلها. لكن المهم ألا نسمح لهذه الانتكاسة بأن تتحول إلى حالة إحباط ويأس في نفوس الوحدويين، وأن تؤدي إلى تراجع في عزيمة الإصلاحيين وتطلعاتهم نحو الوحدة والتقريب. فذلك هو ما تسعى إليه قوى الاستكبار الخارجي والتطرف والتعصب الداخلي.
بل يجب أن تدفعنا هذه الانتكاسة إلى وقفة تأمل ومراجعة، لتلافي الثغرات ونقاط الضعف التي استفاد منها العدو، ولوضع الخطط والبرامج لتجاوز هذه المحنة، والانطلاق بهمة أعلى وأقوى، وللتقويم الموضوعي للإنجازات الكبيرة لهذه المسيرة المباركة، والتي دفعت الأعداء لتوجيه ضرباتهم لها، فلو لم تكن لمسيرة التقريب آثار ونتائج عظيمة في واقع الأمة لما اهتم الحاقدون بالتصدي لمواجهتها».
وأضاف: «لا تزال دائرة الانفتاح والتواصل بين علماء ومثقفي المذاهب الإسلامية ضيقة محدودة، ولو أردنا تقدير عدد المهتمين بقضية التقريب والوحدة عملياً في الوسط الشيعي مثلاً، من الذين يحضرون المؤتمرات ويقومون بالزيارات، وينشئون العلاقات والصداقات مع أمثالهم ونظرائهم في الضفة الأخرى لوجدناه عدداً قليلاً جداً، لا يتناسب مع أهمية القضية وخطورة التحدي، ولا مع العدد الضخم من العلماء والطلبة الذين تعج بهم حوزاتنا العلمية وساحاتنا الدينية.
إن علماء الشيعة في مختلف المناطق عادة ما تُستهلك جهودهم ويستغرقون في القضايا والشؤون الداخلية لمجتمعاتهم، أما الاهتمام بالعلاقة مع الآخر المذهبي، والسعي للتواصل معه فلا يتجه له أحد منهم إلا نادراً. وهذه مشكلة نواجهها في مجتمعنا الشيعي، حيث نجد صعوبة بالغة في التجاوب مع هذا التوجه من قبل غالبية العلماء والطلبة، والذين يتذرعون بمختلف الأسباب والمبررات الفكرية والنفسية والاجتماعية للعزوف عن هذا الاهتمام. لذا ينبغي التفكير في معالجة هذه الحالة من خلال برامج الحوزة العلمية وتوجيه المرجعية الدينية، ورعاية الجهات المتصدية لإدارة شؤون المجتمعات الشيعية».
وواصل الشيخ الصفار حديثه: «لقد وجدت من خلال تجربتي المحدودة أن للانفتاح والتواصل مع الآخرين عظيم الأثر في تجاوز الحواجز النفسية، وتصحيح الانطباعات والتصورات الفكرية، والتجاوب مع دعوة الحوار والتقريب.
وأشيد هنا بالدور الكبير الذي يقوم به سماحة آية الله التسخيري لحرصه على المشاركة في مختلف اللقاءات والمؤتمرات، ولحضوره الثقافي والإعلامي في مختلف الساحات، إننا بحاجة إلى أن يقوم عدد من علمائنا وشخصياتنا من مختلف مجتمعاتنا الشيعية بمثل هذا الدور».
وتابع الشيخ الصفار متحدثا عن انبعاث لتيار سلفي شيعي، يركز على قضايا الخلاف ويضخمها، ويجدد طروحات الغلو والمبالغة في بعض القضايا الولائية الشعائرية، مما يربك الساحة الشيعية الداخلية، ويقدم صورة منفّرة عن المذهب للآخرين، ويعطي الذرائع للمتطرفين من الجهة الأخرى. وقال: «لا بد من تسليط الأضواء على بواعث هذا التيار ودوافعه، والحذر من تغلغله في الحوزات والمؤسسات الدينية، ودعم توجهات العقلانية والاعتدال والانفتاح.
وبسبب هذا التيار المتشدد نواجه بعض العقد الصعبة في علاقتنا مع إخواننا أهل السنة، ولعل من أبرزها مسألة التعرض لبعض الرموز المقدسة عندهم باللعن والسب. حيث لا يمكن أن يقبل الطرف الآخر بسب ولعن رموزه المقدسة بل سيدفعه ذلك إلى رد فعل عدائي، لذلك نهى القرآن الكريم المسلمين عن سب أصنام قريش تجنباً لرد فعلهم تجاه الذات الإلهية يقول تعالى ﴿ وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ﴾ (الأنعام: من الآية108).
وكذلك نهى الإمام علي عن سب أهل الشام قائلاً لأصحابه: «إني أكره لكم أن تكونوا سبابين...».
ويصعب أن يقبل الآخرون إنكار اللعن والسب مادام موجوداً في نصوص متداولة كالفقرات الواردة في بعض صيغ زيارات عاشوراء. وكذلك وجود مقام في كاشان ينسب لقاتل الخليفة الثاني».
وختم الشيخ الصفار حديثه قائلا: «إن هذه المسألة توقعنا في حرج شديد، وتعطي الفرصة للفئات المتطرفة من أهل السنة لتعميق الهوّة بين الطائفتين. فلابد من معالجة جريئة من قبل المرجعية الدينية والجهات القيادية في العالم الشيعي، وإلا فإن مسيرة التقريب تبقى متعثّرة، وأرضية الفتنة ستبقى خصبة أمام الطامعين».