الشيخ الصفّار: على حكومات المنطقة أن تراهن على شعوبها ووحدتها للوقوف أمام أخطار وأطماع الأجنبي
«الإسلام هو الحل»، شعار طالما طرحته الحركات والأحزاب والمشاريع الإسلامية في المنطقة، لتنطلق من خلاله في درس ومعالجة تفصيلات ومشكلات الحياة العصرية، وذلك من خلال المقارنة بين ما يطرحه الفكر الإنساني في شقّه الغربي والشرقي وبين ما يطرحه الإسلام في نصوصه ومواقفه التاريخية في عصر التشريع.
وكثيرًا ما اتهم المناوئون هذا الشعار بأنه ما زال شعارًا فضفاضًا لا ينزل لمعالجة تفاصيل وتعقيدات الحياة المعاصرة والإجابة عن كثير من أسئلتها المصيرية والشائكة.
وفي هذا الاتجاه يتطرّق خطاب سماحة الشيخ حسن الصفّار بشِكلٍ عامّ لتقديم الإسلام كحلّ لما يعانيه الإنسان من مشكلات وأزمات وما يطلبه من حلول وبرامج تخفّف من غلواء المادّة وسيطرة المال على كل تفاصيل الحياة اليومية.
وباعتبار منطقتنا العربية والإسلامية اليوم تعيش أكثر ما تعيش أزمة سياسية طاغطة يحاول سماحته أن يتلمّس الحلول ويحلل كثيراً من هذه الأزمات وَفْقَ الرؤية الإسلامية ومنطلقًا من الآيات القرآنية الشريفة.
وفي هذا الاتجاه جاءت خطبة الجمعة الأولى الأسبوع المنصرم*، لتشير إلى ما تعانيه المنطقة من تسلّط القوّة الأمريكية على مقدّراتها وشعوبها وحضارتها، وذلك بفعل ما تمتلكه الولايات المتحدة الأمريكية من قوّة لا تمتلكها أي دولة في العالم، ما جعل إدارتها تعيش حالة من الغرور بالنفس وتضخيم لها.
ممهِّدًا لذلك بالإشارة إلى التوجيهات الأخلاقية في النصوص الإسلامية التي تدعو الإنسان المسلم إلى تجنّب صفة الغرور؛ لأنها من صفات الظالمين والطغاة، ومشيرًا إلى أن الغرور صفة نفسانية تحصل للإنسان نتيجة تضخّم ذاته وشعوره بالتفوّق والتعالي على الآخرين، وهي حالة شيطانية قد تصيب الإنسان نتيجة تشجيع شياطين الإنس بعضهم البعض على تضخيم النفس وظلم الآخرين، وهذا هو المعنى الذي تشير إليه الآية القرآنية الكريمة: ﴿بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا﴾[1] .
وما تشير إليه كثير من النصوص الواردة عن الأئمة أن نتيجة غرور الإنسان هو بداية سقوطه ومقتله، يقول الإمام علي : «فاتقوا الله ـ عبادَ الله ـ تقية ذي لب شغل التفكُّر قلبه وأنصب الخوف بدنه ... وسلك المسالك إلى النهج المطلوب ولم تقتله فاتلاتُ الغرور»[2] .
وعن رسول الله : «يا ابن مسعود، لا تغترّنَّ بالله ولا تغترَّنَّ بصلاحك وعِلْمِكَ وعَمَلِك وبِرِّكَ وعبادتك»[3] .
وقد نبّه سماحة الشيخ حسن الصفّار إلى خطورة تفشّي مثل هذه الظاهرة السلبية في المجتمع، وذلك لانعكاساتها على طبيعة علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، والتي من المفترض أن تقوم ـ إسلاميًا ـ على التوادّ والتآلف، لا على التعالي على الآخرين والنظر إليهم بدونية.
وهذه السُّنّة التي تصفها النصوص الإسلامية في مسألة الغرور كما تصيب الإنسان الفرد يمكن تطبيقها على المجتمعات والأمم في علاقاتها مع بعضها البعض.
منذرًا بخطورة الشعور بتضخّم الذات لدى بعض المجتمعات والأمم تجاه بقية المجتمعات والحضارات الآخرى، لأنه يبشّر بعلاقة من الاستعمار والاستعباد لبقية شعوب العالم ونهب لثرواتها وعقولها وخيراتها لحساب هذه الأمة المغرورة والمتجبّرة.
وهذا ما تعانيه اليوم المنطقة من غرور وتجبّر الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بفعل ما تعيشه هذه الدولة من قوة لا تملكها قوّة أخرى في العالم.
فعلى المستوى الاقتصادي يعدّ الاقتصاد الأمريكي أقوى اقتصاد على مستوى العالم، حيث تمتلك ثروات العالم، ويتمتع الدولار بكل ميزات العملة العالمية.
وما تقدّمه الحكومة الأمريكية من دعم للبحوث العلمية والمختبرية يعدّ الأكبر على مستوى الدول المتقدّمة، حيث بلغ عام 2001م مليار دولار يعادل ما صرفته في اليابان.
والولايات المتحدة الأمريكية تجذب أكثر الكفاءات العلمية والعقلية من مختلف دول العالم، ليحصد الأمريكيون 70 % من جوائز نوبل العالمية في الفيزياء والطب والبيولوجيا وكل البحوث العلمية الأكثر تقدماً.
وهكذا بالنسبة للقوّة التسليحية والعسكرية.
وحتى على مستوى المجتمع الأمريكي فإنه يعد من أفضل المجتمعات في تأسيس ودعم المؤسسات الخيرية والاجتماعية، وعلى مستوى التديّن تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 90 % من المجتمع الأمريكي يؤمنون بالله على مختلف الأديان والمذاهب.
إن هذا التفوّق يشكّل بمجموعه ما تمتلكه الولايات المتحدة الأمريكية من قوة جعلتها ـ بعد انتهاء الحرب الباردة ـ القوّة الأولى في العالم.
وهذا ما ولّد لدى الإدارة الأمريكية وخاصة الحالية المتعاقبة شعورًا بالتفوّق لحد الغرور وتضخّم الذات على حساب باقي دول ومناطق العالم الأخرى.
إن هذه القوّة المتعاظمة لدى الولايات المتحدة الأمريكية دفعتها لتمارس سيطرتها وهيمنتها على العالم، فارتهن معظم القرار السياسي الغربي لسياساتها على مستوى العالم، وأن تعاقب أي دولة مارقة ولا ترضخ لسيطرتها وقرارها السياسي في العالم، وذلك بحجة نشر مبادئ الحضارة الغربية القائمة على الديمقراطية والحرية والتداول السلمي للسلطة وثقافة حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني، في تناقض صارخ بين الشعارات المرفوعة وواقع الممارسة القبيح.
وكان المفترض بهذه القوّة العالمية أن تستثمر لصالح بقية أمم العالم وحضاراته وأن تتحمل هذه الإدارة ـ بما تملكه من قدرات ـ مسؤوليتها لصالح السلام والتحضّر العالميَيْن وللتقليل من أزمات ومشاكل العالم الحديث.
وقد شكّل وجود حكومات تستغل شعوبها وتقمع الحريات داخل أوطانها وتمنع أي نوع من التداول للسلطة وأي نشر لمبادئ الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان مبرراً ساعد الإدارة الأمريكية على المغامرة باحتلال أفغانستان، احتلال العراق، والتهديد بمعاقبة دول أخرى في المنطقة كإيران وسوريا.
منبهًا سماحته إلى أن الشعوب الحرّة ترفض أن تستبدل النظام الاستبدادي المحلي بالاحتلال الأجنبي، فالجميع سيسرقها خيراتها وثرواتها، ولذلك على الشعوب أن تسعى لنيل حقوقها دونما اعتماد على المساعدة الخارجية الاستعمارية والرهان عليها.
وفي خطاب إلى حكومات وأنظمة المنطقة يشير سماحته إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تعيش اليوم حالة من الضعف لم يسبق أن عاشتها من قبل، وذلك بفعل احتلالها في العراق، وهذا ما تشير إليه التحليلات والإحصاءات، من النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها.
ففي الجانب السياسي أرادت الإدارة الأمريكية أن يكون العراق نموذجًا لباقي دول المنطقة في تغيير النظام السياسي ولتمثيل القيم الغربية في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن مشروعها لم يكتب له النجاح، وذلك بسبب الموقف المرجعي الرشيد، الذي وقف موقفًا حازمًا وطالب بأن المسار السياسي للدولة العراقية يقرّره الشعب العراقي، وذلك من خلال إصراره بأن تكون الحكومة العراقية منتخبة من قبل الشعب العراقي، وكذلك في أن يكون الدستور مكتوبًا بأيدٍ عراقية منتخبة.
ولذلك لم تكن التركيبة السياسية التي تحكم العراق اليوم وفق الهوى الأمريكي.
وفي الجانب الاقتصادي كانت الإدارة الأمريكية قد قدّرت كلفة المعركة بما يقرب من 75 مليار دولار، بينما بلغت الآن بعد أربع سنوات 400 مليار دولار، ويتوقع الخبراء أن تبلغ مع نهاية هذا العام إلى أكثر من 500 مليار دولار يتحمل أعباءها الشعب والاقتصاد الأمريكي.
وفي الجانب العسكري بلغت الخسائر البشرية من القتلى الأمريكيين أكثر من 3300 قتيل، ومن الجرحى يشير الرقم المعلن إلى أكثر من 25 ألف جريح، ويقدّره بعض الخبراء إلى أنه أضعاف ذلك، فقد يصل إلى 100 ألف جريح، أما ضحايا الشعب العراقي فقد بلغت 655 ألف قتيلاً عدى الجرحى وملايين المهجرين.
إن هذه الأرقام والإحصاءات والتقديرات تدلّل بشِكْلٍ واضح على غرق الإدارة الأمريكية في وحول المستنقع العراقي، وقد أدرك نواب مجلس الشيوخ أخطار ما تقوم به هذه الإدارة وضرورة الخروج من هذا المستنقع.
ومما يؤسف له أن معظم دول العالم بدأت تدرك حقيقة ضعف الإدارة الأمريكية العراق، مما جرّأها أن تعلن معارضتها للسياسات الأمريكية، فيصرّح الرئيس الروسي بوتين بمعارضته لنشر نظام الدرع الصاروخي في أوروبا وينتقد سياسات أمريكا التوسّعية في العالم، وكذلك تعارض الصين سياسات أمريكا في المنطقة، كما تعترض بعض الدول الأوروبية على هذه السياسات، بينما تبقى أكثر الدول العربية تراهن على هذه الإدارة، بل وتساعدها على استعادة قوّتها من جديد.
وفي نهاية خطبته الأولى يشير الشيخ الصفّار إلى أن ما نشهده اليوم هو خير دليل على قرب انهيار هذه القوّة، وذلك بفعل الخسائر اليومية في العراق، وبفعل تداعيات حرب تموز التي خاضتها ربيبة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة دويلة إسرائيل ضدّ حركة المقاومة في لبنان.
لذلك فإن على حكومات هذه المنطقة أن تراهن على شعوبها ووحدتها للوقوف أمام أخطار وأطماع المستعمر الأجنبي، وأن تستثمر طاقات شعوبها والانتصارات التي تحققها حركات المقاومة في كل من لبنان وفلسطين على عدوّ هذه الأمة.
وفي الخطبة الثانية ركّز سماحة الشيخ حسن الصفّار على أهمية رصّ الصفوف ونبذ الفرقة بين أبناء المجتمع الواحد، وذلك انطلاقًا من الآية القرآنية الكريمة: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء﴾[4] ، حيث تشير الآية إلى أن أي فكرة توقع بين بيننا العداوة والبغضاء والفرقة هي فكرة شيطانية، سواء كانت على المستوى الداخلي بين الإنسان وأخيه الإنسان في الدين والمذهب أو بين الناس بمختلف أديانهم ومذاهبهم ومعتقداتهم.
فالدين الإسلامي لا توجد فيه إلا التعاليم الداعية إلى وحدة البشرية والألفة بين أطيافها وحضاراتها وشعوبها، ولا يشجّع على ثقافة الفتنة والحقد والتقاتل وتكريس الحواجز النفسية والمادية بين الناس والشعوب جميعًا.
وركّز على أن أي سلوك يدعو للفتنة والتقاتل والتنافر هو سلوك شيطاني مرفوض، وعلى عكس ذلك كل سلوك يساعد على أجواء الألفة والتقارب وتنقية الأجواء هو سلوك رحماني إسلامي مطلوب ويجب تعزيزه ونشره بين الناس كثقافة وسلوك يومي.
وأشار إلى أن معظم مجتمعات المنطقة تميل إلى الوحدة والانفتاح على بعضها البعض، ولكن ينقصها الجرأة والشجاعة في المبادرة بما يدفع بهذا الاتجاه.
منتقدًا تلك الأصوات الداعية إلى عدم التطرّق لمعالجة بعض ما يثير الفرقة المذهبية بأن مثل هذه الأمور قد تثير جوًّا من التوتّر وردّات الفعل داخل المجتمع الواحد، حيث أشار إلى أننا نحتاج إلى الخطوات الجريئة والشجاعة وذلك انسجامًا مع المبدأ العام وهو المضيّ نحو كل ما يدفع باتجاه تعزيز الانفتاح على الطرف الآخر والوحدة ما بين أطياف الأمة ضدّ مشاريع التفرقة والتمزيق التي يعمل من أجلها العدو ليل نهار، طمعًا منه في نهب خيرات ومقدّرات هذه المنطقة من أجل مصالحه وطموحاته التوسّعية.