مجلة إنسان: تهميش الإنسان في الخطاب الديني
نشرت مجلة إنسان* الشهرية في عددها الثاني، فبراير 2007 ص 27 دراسة لسماحة الشيخ حسن الصفار مستلة من كتاب «الخطاب الإسلامي وحقوق الإنسان» بعنوان: تهميش الإنسان في الخطاب الديني.
تناول سماحة الشيخ من خلال الدراسة موقع الإنسان في التشريع منطلقا من أن «هدف القرآن الكريم تأصيل مبدأ كرامة الإنسان لإنسانيته».
وتحت عنوان «النزعة الإنسانية» يقول سماحته: من أبرز مظاهر العجز والخلل في واقع مجتمعاتنا تدنيّ موقعية الإنسان، وانخفاض مستوى الاهتمام بقيمته وحقوقه، وحماية كرامته، حتى أصبحت أمتنا تحتل الصدارة في تقارير انتهاكات حقوق الإنسان على مستوى العالم، ليس من جهة السلطات السياسية فقط، وإنما على الصعيد الاجتماعي العام أيضاً. فهناك إرهاب فكري يصادر حرية التعبير عن الرأي، وتمييز ضد المرأة يحولها إلى إنسان من درجة ثانية، وقسوة على الأبناء تسحق شخصياتهم، ونظرة دونية إلى الآخر المختلف ضمن أي دائرة من دوائر الاختلاف.
ومن هذه الأرضية انبثقت توجهات إرهابية متوحشة، تمارس العنف، وإزهاق النفوس، وقطع الرؤوس، واختطاف الأبرياء، واستهداف المدنيين، كل ذلك باسم الدين، وتحت شعار الإسلام، وبعنوان الدفاع عن مقدسات الأمة.
هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في المجتمعات الإسلامية، وهذا التجاهل والتنكر لكرامة الإنسان وقيمته، حينما يحدث كل ذلك بمقولات وتبريرات تنسب إلى الدين، فمن الطبيعي أن يكون الخطاب الديني في موضع المساءلة والاتهام.
ثم يبين سماحته أن: في حديث القرآن عن خلق الإنسان تبرز المكانة الفريدة التي اختصه الله تعالى بها. ومن تجلياتها الملاحظات التالية:
- لقد بدأ الوحي الإلهي بالحديث عن الخلق وخص الإنسان بالذكر من بين جميع المخلوقات ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَق﴾ وعندما خلق الله تعالى الإنسان أقام له مهرجاناً كونياً للاحتفاء بولادة الإنسان ووجوده، وأمر الملائكة بأداء مراسيم التحية والإكرام له بالسجود ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾، ولعلها إشارة إلى خضوع قوى الكون للإنسان بتسخيرها له من قبل الله تعالى ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾.
وقد استكثر البعض على الإنسان نوعاً أن تسجد له الملائكة، فقال أن السجود هو لشخص آدم باعتبار نبوته، وليس لجنس البشر، لكن سياق الآيات القرآنية يدحض هذا القول، حيث يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾، والآية خطاب للبشر وامتنان عليهم بالخلق ثم التصوير ثم سجود الملائكة لهم ممثلين في شخص أبيهم الأول آدم. يقول العلامة الطباطبائي: «أن السجدة كانت من الملائكة لجميع بني آدم، أي للنشأة الإنسانية، وإن كان آدم هو القبلة المنصوبة السجدة، فهو في أمر السجدة كان مثالاً يمثل به الإنسانية، نائباً مناب أفراد الإنسان على كثرتهم لا مسجوداً له من جهة شخصه».
هكذا يتحدث النص القرآني عن مكانة الإنسان وموقعيته، بينما لا يواكب الخطاب الإسلامي هذه الدرجة من الاهتمام بإبراز قيمة الإنسان. لقد ورد عن رسول الله قوله: «ما شيء أكرم على الله من ابن آدم».
وأوضح سماحته أن: من مناطق الخلل الرئيسية في مساحة واسعة من الخطاب الإسلامي، القول بتجزئة الكرامة الإنسانية، وأنها خاصة بالمسلمين، فغير المسلم لا يشمله التكريم، وتضيق الدائرة أكثر بتخصيصها بالمؤمنين أي أتباع المذهب فقط، وما عداهم من المخالفين والمبتدعة، لا ينطبق عليهم عنوان التكريم، وتستباح بعض حقوقهم المادية والمعنوية.
مع أن القرآن نصّ على منح الكرامة من الله تعالى لعموم بني آدم يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾.
والآية الكريمة صريحة واضحة في شمولية تكريم الله لبني البشر جميعا، وهذا ما أكده بعض المفسرين للآية الكريمة.
وتحت عنوان: «فتاوى أين موقعها من الإنسانية»، ذكر سماحته أمثلة من الفتاوى التي تنضر إلى الآخر بكراهية وازدراء، وحملها: المسئولية عن خلق أرضية لتوجهات العنف والإرهاب التي تعاني منه الآن بلاد المسلمين، يقول:
سئل أحد العلماء المعاصرين عن مشروعية إغاثة غير المسلمين، وغير المتمذهبين بمذهبه من المسلمين عند الكوارث، فكان جوابه بالرفض القاطع، بعبارات تنضح بالكراهية والازدراء للمخالفين في الدين والمذهب.
وفيما يلي نص السؤال والجواب:
(س) غالباً ما تحدث الكوارث ومن الصعب التفرقة بين الناس أو التعرف عليهم هل هذا مسلم أو غير مسلم فهل يصح للمؤسسات الخيرية مساعدتهم بغض النظر عن هويته؟
الجواب: نرى أن على المؤسسة الحرص على تخصيص المسلمين بالإغاثة وسد الحاجة وعدم دفع المساعدات لغير المسلمين الذين هم من أعداء الدين ولو ماتوا جوعاً، ولو قتلهم البرد أو الحر أو الغرق أو الهدم لاعتبار ذلك عقوبة من الله لهم على كفرهم وبدعهم، وكما أن الكفار من الدول الكبرى يتبرعون لمن هم على دينهم، ويخصون من هو على نحلتهم وطريقتهم، ولا يعطون المسلمين إلا إذا طمعوا في ردهم عن دينهم كما تفعل الرافضة والنصارى، أما إذا شق التمييز بين المسلم وغيره كما لو كان هناك مجاعة شديدة، جاز أن يأكل غير المسلم مع المسلمين، أو يعطى معهم من الأطعمة ونحوها إذا جهل حاله.
(س) إذا كان الأغلب غير المسلمين فهل يجوز مساعدتهم لتواجد الأقلية المسلمة؟
الجواب: لا يجوز مساعدة غير المسلمين لا في مجاعة ولا في غرق أو هدم، ولا في علاج مرض أو نحوه، بل تخص المساعدة بالمسلمين إذا تميزوا وعرفوا، فإن حصل اشتباه جاز إعطاء غير المسلمين إذا جهلت حالتهم واختلطوا بالمسلمين وشق التمييز بينهم.
(س) إذا كان المتضررون أغلبهم مبتدعة فهل يجوز للمؤسسات الخيرية الإسلامية مساعدتهم؟
الجواب: لا يجوز للمسلمين مساعدة المبتدعة كالرافضة والقبوريين وأهل الديانات المبتدعة كالنصيرية والدروز والقاديانية والسيخ والبريلوية والبعثية ونحوهم، وذلك أنهم يحاربون أهل السنة ويحرصون على ما يضر بالمتمسكين، وإذا كانوا كذلك فليسوا أهلاً للمساعدة، ويعتبر ما أصابهم من غرق أو خسف أو قحط أو مرض كعقوبة من الله فلا تجوز إغاثتهم، بل تختص الإغاثة بأهل السنة والجماعة.
(س) هل يجوز دفع الزكاة لأهل البدع؟ دفعاً لشرهم أو تأليفاً لقلوبهم؟
الجواب: يجب على المسلمين من أهل السنة بغض أهل البدع ومقتهم وتحقيرهم كالرافضة والمعطلة والقبوريين والأباضيين، كما يجب على المسلم عند كثرتهم وتمكنهم في البلاد البعد عنهم للتخلص من شرهم، فإن لم يقدر أو لم يكن له حيلة في الهجرة جاز له تأليفهم ودفع شرهم بما يندفعون به ولو بجزء من الزكاة، واعتبروا من المؤلفة قلوبهم.
(س) إذا لم يوجد غير المبتدعة في منطقة ما فهل يتم مساعدتهم؟
الجواب: لا يجوز مساعدتهم لما فيه تقوية لمعنوياتهم وإظهار لبدعتهم، فإن تمكنهم يكون فيه إذلال وإهانة لأهل السنة، فعلى المسلم من أهل السنة أن يسعى في كل ما فيه إهانة للمبتدعة، فلا يتخذهم عمالاً وخداماً، كذا لا يخدمهم ولا يتعامل معهم بما يقوي معنوياتهم أو يروج منتجاتهم، ولا يشتري من بضائعهم، لكن إذا لم يستطع التخلص من شرهم جاز له دفعهم بقدر ما يخلصه من أذاهم.
وختم سماحة الشيخ دراسته بتنبيه المسلمين إلى أن: مثل هذا الخطاب وهو كثير في الساحة الإسلامية، لا ينفع الأمة بل يضرها، ويشعل البغضاء بين أبنائها.
كما قامت المجلة بترجمة مختصر لدراسة سماحة الشيخ للغة الانجليزية بعنوان:
Disparagement of human in the religious discourse not humanity prescripts