الشيخ الصفّار: يدعو إلى العمل على استقلالية القرار السياسي للدول الإسلامية
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾[1]
تمثل هذه الآية منطلقًا قرآنيًا لتعامل المسلمين الصحيح والواعي فيما يستقونه من تاريخ المسلمين في رجالاته وقياداته، حيث تشير الآية إلى أخذ العبرة وموضع الاقتداء في شخصية الرسول بما يتناسب وواقعهم الحياتي في فترة الاقتداء.
وهذا ما يؤكّد عليه دائمًا سماحة الشيخ حسن الصفّار في قراءته لحياة الرسول ومجمل التاريخ الإسلامي.
وانطلاقًا من هذه الفكرة ركّز سماحته في خطبته الأولى لصلاة الجمعة[*] حول الحديث عن عنصر الاقتداء في سيرة السيدة فاطمة الزهراء ، ممهّدًا لذلك ببيان فضلها ومكانتها العالية التي يقرّ بها جميع علماء المسلمين سنّة وشيعة.
حيث نبّه في بداية الحديث على أن بعض علماء المسلمين يرى أفضليتها على جميع الخلق بعد رسول الله ـ كما ذكر ذلك عالم الحديث المعروف الشيخ محمد سعيد بن محمد ممدوح في كتابه «غاية التبجيل وترك القطع بالتفضيل» والذي طبع في الإمارات العربية المتحدة عام 1425 ـ 2004م، وقدم له السيد علي الهاشمي مستشار رئيس دولة الإمارات.
حيث ذكر تحت عنوان: «تنوير الأفئدة الزكية بتفضيل البضعة النبوية» ص95 ما يلي: ومنهم من يفضل السيدة فاطمة ابنة النبي على الجميع باعتبارها بضعته الشريفة المنيفة. فأم المؤمنين عائشة تفضل فاطمة على سائر الصحابة رضي الله عنهم. وهذا ثابت صحيح، فقد أخرج الطبراني في الأوسط ... عن عمرو بن دينار قال: قالت عائشة: (ما رأيت أفضل من فاطمة غير أبيها).
كما أخرج الحاكم في المستدرك بإسناد ثابت أن عمر قال لفاطمة : ( يا فاطمة، والله ما رأيت أحداً أحب إلى رسول الله منك، والله ما كان أحداً من الناس بعد أبيك إليّ منك).
قال: وهو منقول عن الإمام مالك، ففي الحاوي للحافظ السيوطي، ومرقاة المفاتيح للقاري، قال مالك: (لا أفضل على بضعة رسول الله أحداً).
ونقل مثل ذلك عن أبي سهيل الصعلوكي وابنه سهيل، وقال: لما ذكر المناوي في فيض القدير حيث فاطمة بضعة مني قال: استدل به السهيلي على أن من سبها كفر، لأنه يغضبه، وأنها أفضل من الشيخين. وقال الآلوسي في روح المعاني: إن فاطمة من حيث البضعية لا يعدلها أحد.
بعد هذا الحديث عن فضل الزهراء انتقل الشيخ الصفار إلى عرضٍ لبعض مواقف السيدة الزهراء في تعاملها مع زوجها علي ، وتعامل الإمام علي معها، وهي المواقف التي تجسّد الرؤية الإسلامية الصحيحة للعلاقة الزوجية والأسرية.
منبّها إلى خطورة ما تعيشه هذه العلاقات الزوجية في مجتمعاتنا من اضطراب وتفكّك ـ الأمر الذي ينعكس تاليًا على مجمل جوّ الأسرة وتنشئة الأبناء، وذلك بفعل سيطرة الحياة المادّية على حياة الفرد وما يستتبعه ذلك من تضخيم لحالة الأنانية وحبّ الذات.
مشدّدًا على ضرورة تصحيح النظرة حول مسألة الخدمة في المنزل وقيام الزوجة بالمهام المنزلية وما يمثّله من شرف ومكانة عالية عند الله، كما أن قيام المرأة بشؤون البيت يخلق جوًّا من الألفة بينها وبين أفراد الأسرة ويزيد من حالة التفاعل الأسري في اتجاهه الإيجابي، وهو ما تؤكّد عليه النصوص الإسلامية ومن أبرزها تلك النصوص الواردة عن سيرة وحياة الرسول مع أهل بيته وكذلك سيرة الإمام علي مع السيدة الزهراء ، لكن ذلك لا يعني حصر دور المرأة في منزلها فهي شريكة الرجل في إدارة شؤون المجتمع والحياة، وتواجه البشرية المعاصرة مشكلة الإفراط والتفريط بين من يحصرون دور المرأة في المنزل، ومن يتنكرون لهذا الدور.
ونجد في سيرة السيدة فاطمة الزهراء نموذجاً رائعاً للجمع بين المهمتين والدورين، الدور العائلي، والدور الاجتماعي الرسالي.
وفي الخطبة الثانية تحدّث سماحته حول مفاد الآية القرآنية: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾[2] .
حيث تؤسّس هذه الآية للعلاقة الصحيحة بين الأمة الإسلامية وبين بقية الأمم والشعوب الأخرى، وهي العلاقة القائمة على أساس السيادة والاستقلالية لا على أساس الخضوع والخنوع لقرارات الآخرين.
وذلك يتحقّق ـ كما تشير الآية ـ في حال تمكّن الإيمان بالله من قلوب المسلمين، فالله سبحانه ـ حسب الآية ـ لا يمكّن الكافرين من مجتمع المؤمنين به، فالمجتمع المؤمن لا يخضع في جميع شؤونه إلا لأوامر ونواهي الله سبحانه.
وفي هذه النقطة يقارن سماحته بين تلك المجتمعات غير المسلمة التي تحرّرت من نير الاستعمار ونفوذ الأجنبي كيف أنها أصبحت لها مؤسساتها وقوانينها وإداراتها التي يقوم أبناء شعوبها بتدبير شؤونهم عن طريقها، بينما لا تزال شعوب المنطقة المنتمية إلى دين العزّة والسيادة تعاني من التدخل الخارجي والهيمنة الأجنبية.
وهذا ما يراه المسلم اليوم في أفغانستان والعراق والصومال، وما يراد للسودان.
ثم ما نراه أخيرًا من تدخّل واضح من قبل مجلس الأمن فيما يخص القرار الأخير الذي صدر بشأن تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بجرائم الاغتيال في لبنان.
مذكّرًا بأن هذه الحالة ما هي إلا بسبب ضعف وتفكّك المسلمين فيما بينهم، بحيث أصبحت الأمة الإسلامية وكأنها أمّة قاصرة يتخذ الآخرون القرارات بشأنها ويطبقونها على أراضيها بالقوة.