كلمة الشيخ الصفار في افتتاح الجلسة العلمية الثانية للمهرجان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾
﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ (آل عمران:195)
عنوان هذا المهرجان: الدور الثقافي والسياسي والقيادي للمرأة في منهجية السيدة زينب ، ونحن نعلم أن فكر السيدة زينب مستوحى من الإسلام، فهي بنت الإسلام وربيبته وهي من حملته فكراً، وجسدته عملاً وسلوكاً، ولذلك ونحن نتحدث عن هذا الموضوع أحببت الإشارة إلى الفكرة التالية:
أكثر الناس في الحياة يدورون ويدارون، وقلة من الناس هم من يكون لهم دور، أما الأكثرية فهم يدورون في أفلاك مجتمعاتهم، وقد لا يكون ذلك وفق تخطيط واختيار مدروس من قبلهم، ولكنهم وجدوا أنفسهم في بيئة فأصبحوا يدورون في فلكها، وقسم آخر وهم القليل من الناس الذين يقومون بدور القيادة في مجتمعاتهم، فيكون لهم دور مؤثر في حياة تلك المجتمعات، أما الأكثرية فهم يُدارون ويكونون أتباعاً غير مؤثرين في حياة مجتمعاتهم، القلة المحدودة هي التي تكون صاحبة دور.
أريد أن أتحدث عن العوامل التي تجعل الإنسان رجلاً كان أو امرأة صاحب دور في مجتمعه. ويبدو لي أن هناك ثلاثة عوامل ذاتية إذا توفرت في شخصية إنسان أصبح صاحب دور في مجتمعه، وإلا فهو جزء من الأكثرية التي تدور وتدار.
فأكثر الناس يفتقدون الشعور بالمسئولية تجاه مجتمعاتهم، وتجاه الحياة، إما بسبب اللامبالاة، أو لضعف ثقتهم بأنفسهم، و لتجميد عقولهم. الشعور بالمسئولية هو الذي يحرك المصلحين والقادة وأصحاب الأدوار لكي يتبوءوا مواقعهم القيادية في مجتمعاتهم.
فالدور إنما تصنعه كفاءة الإنسان، من يمتلك الكفاءة يستطيع أن ينتزع دوره، أي يكون مؤهلا لانتزاع دوره، والكفاءة موجودة في أعماق كل إنسان، لكنها بحاجة إلى اكتشاف والى تنمية، قلة من الناس يكتشفون طاقاتهم وكفاءاتهم ويفعلونها في حياتهم، فينتزعون أدوارهم في المجتمع.
كثير من الناس قد يتطلع ويطمح إلى أن يكون صاحب دور، لكن تحقيق ذلك يحتاج منه إلى تضحية وبذل، وكما قال الشاعر:
لولا المشقة ساد الناس كلهم | الجود يفقر والإقدام | قتّالُ
إضافة إلى أن هناك عوامل خارجية، وأبرزها البيئة الثقافية والاجتماعية التي يعيش فيها الإنسان، فبعض البيئات تشجع الإنسان أن يكون له دور، وبعض البيئات الثقافية والاجتماعية تقعد بالإنسان، وتثبّط عزمه، وتفتعل أمامه العوائق والعقبات، حتى لا يمارس دوره السليم والرائد في الحياة، وهنا يأتي دور الثقافة، ويأتي دور البيئة الاجتماعية، بعض البيئات الاجتماعية تحفّز الإنسان حتى يتطلع، المجتمعات التي تعيش أجواء الحرية والتي تقدر الكفاءة، وتتاح فيها الفرص للفاعلية والإنتاج، يظهر فيها القادة، ويظهر فيها الرواد، حيث يتنافسون على الأدوار، وعلى التضحيات، وعلى العطاء.
وهنا نرى شخصية السيدة زينب، التي نحتفي بذكرى ميلادها المبارك، هذه المرأة أخذت دورها الكبير ليس في عصرها فقط، وإنما امتدّ تأثيرها لمختلف العصور والأجيال.
الثقافة السائدة في ذلك المجتمع الجاهلي قبل الإسلام تقوم على التمييز بين الرجل والمرأة، فتعطي الرجل الفرصة كاملة في الإدارة والقيادة، وتجعل المرأة تابعة خاضعة مهمشة، لا دور لها في قيادة شئون المجتمع والحياة، ولكن رسالة الإسلام جاءت ثورة على ذلك الجو الجاهلي، لتضع المرأة في مكانها الطبيعي، إلى جانب الرجل، فالخالق واحد، والمصدر واحد، والمصير واحد، والمسئولية مشتركة بين الرجل والمرأة، يقول تعالى: ﴿فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض﴾ من أراد أن يلعب دوراً في واقع المجتمع فالمجال متاح أمامه، وهكذا شقت رسالة الإسلام الطريق أمام المرأة لكي تأخذ دورها الكبير، لهذا نجد أن بداية الدعوة كانت بمساعدة ومؤازرة امرأة، فحينما بعث رسول الله ص وتلقى الوحي لأول مرة، فان أول من استقبله وآزره وساعده ووقف إلى جانبه، كانت خديجة بنت خويلد أم المؤمنين سلام الله عليها، وقفت إلى جانبه، ووضعت كل إمكاناتها تحت تصرفه، وبالمناسبة فان هناك رواية تشير إلى أن رسول الله ص حينما أوتي له بالسيدة زينب وهي وليدة صغيرة، قال: «أوصيكم بها فإنها شبيهة خديجة» وكأن في ذلك إشارة إلى الدور المشابه للدور الذي لعبته السيدة خديجة.
ولكن مع الأسف الشديد حصلت انتكاسة في واقع الأمة، عادت فيها تأثيرات الرواسب الجاهلية، لكي تنحي المرأة عن موقعها المشارك للرجل، وتعود المرأة إلى وضع هامـشي، فلا تشارك بفاعلية كاملة في شئون المجتمع الإسلامي، واحتفاؤنا بالسيدة زينب إنما هو دعوة لكي تستعيد المرأة دورها.
اكتفي بهذا القدر واترك المجال لكي استفيد ونستفيد جميعا من مشاركات الإخوة الفضلاء.