لماذا الفقر؟

ربما يكون محتملاً أن ترى الفقر في الهند، وأن تشاهد الفقراء في البلاد الأفريقية عامة، لأن هذا الواقع ليس مخجلاً هناك، فالبلدان فقيرة، ومواردها متواضعة، وأعدادها السكانية هائلة وكبيرة، والناس هناك اعتادوا الحياة كما هي، منذ رؤيتهم للنور، فقر وأمراض وضعف حال، وهذا القول مني لا يعني الشماتة بهم ولا الاستهانة بإنسانيتهم، ولا الرضا بتقصيرنا اتجاههم.

لكن من الصعوبة بمكان أن تشاهد المتسولين في مناطق الخير والثروة،كدولنا الخليجية وبعض من بلادنا العربية التي حباها الله بالخيرات والنعم والبركات، وأكرم قسما كبيرا من سكانها بالرزق الوافر والعطاء الكثير.

هناك خلل يساعد ويساهم في بقاء بيوت الصفيح منتشرة بين المواطنين الخليجيين كما تكتب عن ذلك صحفنا الخليجية بين فترة وأخرى، وهناك خلل يضطر المواطن لينشر في الجرائد صورته وهو يطلب العون والمساعدة من أهل الخير ليتسنى له العلاج من مرض عضال ألم به، وهناك خلل يدفع بعض المواطنين لحمل فواتير الكهرباء إلى المساجد عسى أن يجدوا كريماً من الأخيار يتكفل بسدادها، وهناك خلل يأخذ بيد المرأة وهي مجبرة لتخرج إلى الأسواق وتمد يدها إلى المارة والمتسوقين في مشهد متكرر ومألوف لتعود ببعض المال لأولادها الصغار، وهناك خلل فاحش يتسبب في زيادة أعداد الموقوفين والمحبوسين بسبب الديون، ويجعل عوائلهم في أوضاع يندى لها الجبين.

هذا الخلل خطير في بلادنا وانعكاساته السلبية علينا أشد من انعكاس حالات الفقر والعوز في تلك البلدان الفقيرة الأخرى، فهنا يرى الشباب. وهنا يلحظ الفقراء الصراعات في سوق الأسهم، هنا تجذبك الأسواق والماركات ومتطلبات الحياة المرتفعة، هنا بلد التفاخر والتباهي، وهنا بالتحديد يهز الفقير رأسه مقتنعاً ومتيقناً بأنه (ما من نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع).

هذا الخلل وهذا الوضع الخطير، بدأ يفرز وبشكل فظيع ومتسارع سلبياته وانعكاساته ومشاكله التي لن تقف عند حد، ولن تقتصر على فئة، ولن يحجزها حاجز، بل ستكبر وتزداد وتعم، إنه الفقر الذي يسري ويمتد والتنكر لأعرافه وقيمه ودينه،ويستمر هذا التمرد إلى أن يتمرد الإنسان بسبب جوعه وحاجته على الخوف والزجر والردع، وإذ وصل الحال إلى هذا الموصل فلن ننعم بالهدوء الاجتماعي والأسري والأمني الذي عهدناه في سابق أيامنا.

لا بد من القول أن الفقر لم يحصل فجأة في مناطقنا الخليجية والعربية، لكنه الآن وصل في بعض البيوت والأسر حدا يفوق الطاقة والتحمل، ولا يمكن للناس العاديين الصبر على معدله المرتفع، لن أسوق على ذلك الشواهد والقصص، فربما يكون القارئ أدرى بالكثير من الروايات والقصص الشاهدة على ما أقول مما يكفيني عناء استحضار قصة من هنا وألم من هناك.

إنني حين أتحدث عن الفقر وأربطه بالجرائم، فأنا لست قاصدا الحديث عن الفقراء، ورجائي أن لا يساء الفهم، فالفقراء هم أهلنا وأحبتنا، وهم مؤمنون بالله صالحون في أنفسهم ومجتمعهم، ومنهم من هو في عبادته وتقواه أغنى خلق الله إيمانا ويقينا، لكنه حديث عن الفقر المتفشي، الفقر الظاهرة الاجتماعية الممتدة، الفقر الذي هو منطقة ضعف ووهن وخطر، بانعكاساته ونتائجه وسلبياته في أي مجتمع من المجتمعات.

ومجتمعنا كغيره من المجتمعات ليس ملائكيا،ولا معصوما عن الزلل والخطأ، بل عندنا وعند غيرنا فائض هائل من جرائم وسرقات واعتداءات وممارسات لا شك أن الفقر يلعب دورا مهما في زيادتها وانتشارها،واستطيع القول: إنها اليوم أصبحت جرائم مقلقة لأنها جرائم احتراف وجرائم عنف، وجرائم شطارة وتبجح يمارسها مرتكبوها في وضح النهار دون خوف أو اكتراث بأحد.

ولعل صحافتنا المحلية هي أجرأ اليوم في الحديث عن الجرائم التي تحصل في مختلف مناطق ومدن المملكة، وعن السرقات صغيرها وكبيرها، بل الحال وصل إلى الاعتداء على العمال المساكين لأخذ ما في جيوبهم من مال قد لا يتعدى العشرة ريالات بعد ضربهم وإيذائهم وترويعهم.

إنها النتائج الطبيعية للفقر وللبطالة، ولعل الأيام تخبئ ما هو أشد وأكبر من الجرائم التي كنّا نحمد ربنا ونشكره لأنها لا تحصل في بلادنا.

إنني أخشى كثيرا أن تكون الجرائم في بلادنا بمستوى غناها، بمعنى أن لا تكون لسد الجوع وكسوة البدن بل تتحول إلى انتقام قاس يصادر الأمن والأمان، ويزرع الرعب والخوف.

لقد كانت زيارة خادم الحرمين الشريفين لبعض الأحياء الفقيرة في الرياض إشارة واضحة وبينة إلى ضرورة العناية والالتفات إلى مناطق الضعف في أوضاعنا لمعالجتها والعناية بها بجرأة وتخطيط.

Msaffar45@hotmail. com