الشيخ الصفّار في أسبوع زين الدين الثقافي: تكريم العلماء من المظاهر الحضارية للأمم
تتقدمّ الأمم والشعوب بتقدّم العلماء والمبدعين فيها، ولا تشاد هذه الأمم والحضارات والمدنيات الحديثة إلا بسواعد عظمائها وقادتها، وقد أدركت الأمم المتقدّمة ذلك، ولذلك عادةً ما تهتم بتكريم قادتها وعلمائها في حياتهم وبعد مماتهم.
انطلاقًا من هذه السُّنّة الحسنة أقام أهالي بلدة كرزكّان البحرينية مهرجانًا تكريميًّا للمرجع الديني الراحل الشيخ محمد أمين زين الدين (ره) (ت 1419 هـ) بعنوان: «أسبوع زين الدين الثقافي»، وذلك بدءًا من يوم الجمعة الموافق لِـ 7/ 06/ 1428 هـ.
والمهرجان يحتوي على العديد من البرامج والندوات الثقافية والأدبية احتفاءً بالمناسبة، وقد بدأت فعالياته بكلمة افتتاحية في ليلته الأولى لسماحة العلاّمة السيد عبد الله الغريفي ـ أحد أبرز علماء البحرين.
بينما شارك في الليلة الثانية ـ في ندوة فكرية مشتركة ـ كل من سماحة الشيخ حسن الصفّار وسماحة الشيخ شاكر الفردان، في محورين رئيسين: تناول الشيخ الصفّار ـ في المحور الأول ـ: الجانب الرسالي في شخصية الشيخ زين الدين، بينما تناول الشيخ الفردان: الجانب الأخلاقي في شخصية المحتفى به.
وقد بدأ الشيخ الصفّار حديثه عن أهمية تكريم العلماء والإشادة بمناقبهم في حياتهم وبعد مماتهم، لينتقل بعد ذلك للحديث عن سمات ومعالم الشخصية الرسالية للشيخ زين الدين، فعدّه من بين أهم الشخصيات الإصلاحية في النجف الأشرف في عصره.
وقد زَاوَجَ الشيخ الصفّار بين معنى الرسالية والإصلاح، فالمصلح هو إنسان رسالي، وفي المقابل الرسالي هو إنسان مصلح كذلك.
وباعتبار أن الحركة الإصلاحية التي يقودها المصلحون في جميع المجتمعات عادةً ما تواجَه بردّات فعل قد تكون قاسية، وبخاصّة في وسط المجتمعات التقليدية والدينية منها بالذات، لابدّ أن يتمتّع المصلح بذكاء وفطنة اجتماعية تمكنه من تجاوز ردّات الفعل هذه والعقبات الكثيرة التي قد تواجهه، فألفت الشيخ الصفّار إلى أن الشيخ زين الدين كان يمتلك هذه الفطنة والذكاء في عملية الإصلاح الذي كان يمارسه، فلم يحاول أن يدخل في المسائل الخلافية التي قد تثير الأطراف الأخرى عليه، وكذلك كان يعمل بهدوء ودون بروز واضح، وضمن مجموعة من علماء الدين الذين تولّى تربيتهم وإرشادهم وتنمية مواهبهم، ليكونوا ـ بعد ذلك ـ قاعدة فكرية لخُطاه الإصلاحية.
بعدها عدّد سماحة الشيخ حسن الصفّار أربعًا من معالم شخصية الشيخ زين الدين الرسالية، بدأها بالحديث عن الكفاءة العلمية، فالمحتفى به وصل إلى أعلى رتبة علمية، وهي مرتبة الفقاهة والاجتهاد في الرأي الفقهي، وذلك مسلم به له في الأوساط العلمية، ورسالته العملية «كلمة التقوى» شاهد عملي واضح على مستوى الكفاءة العلمية التي امتلكها، فهي نص فقهي شامل لجميع أبواب الفقه بلغة عربية رزينة محكمة.
ليشيد بعد ذلك بالمعلم الثاني، وهو تحليه بالجانب الخلقي الرفيع، الذي تحدّث عنه مفصَّلاً الشيخ شاكر الفردان في المحور الثاني من محاور الندوة.
«الإخلاص» هو المعلم الثالث من معالم شخصية زين الدين الرسالية، وقد أشار الشيخ الصفّار إلى أن هذه الميزة من أبرز سمات المحتفى به، وهي النقطة التي سلط حولها الضوء في بحثه عن الشيخ زين الدين في ذكرى أربعينه، حيث كتب بحثًا بعنوان: «الشيخ زين الدين تجربة في الإصلاح دون حضور الذات».
وفي المعلم الرابع تحدث الشيخ الصفّار عن «الانفتاح» عند الشيخ زين الدين، وقصد به الانفتاح الاجتماعي على جميع التيارات والطبقات والتوجهات، وكذلك الانفتاح الفكري والثقافي، حيث يعد الشيخ زين الدين من أوائل علماء الدين في النجف الأشرف الذين اطّلعوا على الثقافة الأدبية والسياسية والفكرية في العالم العربي في ذلك الوقت، في حين كان يعد مثل هذا الانفتاح ـ في ذلك الوقت ـ نوعًا من المخالفة الشرعية.
وقد حضر الحفل عدد من علماء الدين البحرينيين، في مقدّمهم العلاّمة الشيخ عيسى قاسم والعلاّمة السيد عبد الله الغريفي ومجموعة من المثقفين والجمهور البحريني.