الشيخ الصفّار: أدعو إلى حسن استثمار الزيارة للأماكن المقدّسة وتجنب الاحتكاك المذهبي
تحدّث سماحة الشيخ حسن الصفّار في خطبة الجمعة الأولى 14/ 06/ 1428 هـ عن البرنامج الروحي ليوم الجمعة منطلقًا في ذلك من المستحبات الواردة في هذا اليوم، مشيرًا إلى وفرة الأعمال في هذا اليوم، من نوافل وأدعية وأعمال خاصّة ـ مثل زيارة القبور ـ، منبّهًا على أن ذلك يؤكّد ما لهذا اليوم ـ من الناحية الزمنية ـ من خصوصية لا تتوفر لأي وقت وزمن آخر.
وفي الخطبة الثانية خصص حديثه عن أهمية البرامج الصيفية، فتعرّض لبرامج الزيارة للأماكن المقدّسة وما يكتنف ذلك من بعض الممارسات السلبية، فنبّه على نقطة غاية في الأهمية، وهي أن الزائر لأي بلد آخر هو عبارة عن سفير لبلده، يعكس طبيعة وثقافة وسلوك البلد الآتي منه، ومن هذه الناحية ركّز على مسألة الالتزام السلوكي والأخلاقي اللذين من المفترض بأي زائر وسائح أن يلتزمهما.
وكان مما جاء في هذه الخطبة أن «زيارة هذه البقاع المقدّسة هو برنامج ديني روحي اجتماعي مفيد، ينبغي الاستفادة منه، وينبغي أن تكون هناك حملات ومؤسسات ـ وهي موجودة إن شاء الله ـ تسعى لتهيئة الأجواء المناسبة لإفادة أبنائنا وبناتنا وأسرنا من خلال برامج الزيارة والتثقيف الديني.
وبخاصّة ما نراه من إقبال واسع على مثل هذه البرامج والرحلات.
إن زيارة هذه البقاع تشدّ الإنسان إلى أولياء الله، فحينما يقف الإنسان أمام قبورهم ومراقدهم الطاهرة يستذكر سيرتهم ويعاهد الله تعالى على الاقتداء بهم، وهذا أمر ديني مُرَغَّبٌ فيه.
كما أنها ـ من جهة ثانية ـ تمثّل برنامجًا اجتماعيًّا يجتمع فيه الناس ويلتقون بالمؤمنين من مختلف المناطق، وانطلاقًا من هذه الجنبة الاجتماعية في هذه الزيارات يجب على مؤسساتنا أن تراعي هذه المسألة، فتقوم ببعض الإرشادات والتوجيهات والبرامج التثقيفية بحيث تستثمر هذه الأجواء وهذا التجمّع لإفادة وتوعية الزائرين.
وذلك حتّى لا يظل برنامج الزيارة مجرّد برنامج ترفيهي ـ مع ما في ذلك من إيجابية ومشروعية ـ، وحتّى لا يكون الهدف من وجود هذه المؤسسات مجرّد الربحية فقط، إذ ينبغي أن يكون هناك فائدة، وبالخصوص ما يكون موجهًا منها لجيل الشباب والشابّات.
وأجد من المناسب أن أوجّه إخواني المؤمنين إلى أهمية مراعاة الضوابط الشرعية والأخلاقية في أماكن الزيارة، فما يشاع من وجود تساهل لدى بعض الشباب والفتيات في مسألة الالتزام الأخلاقي والديني أثناء السفر بسبب عدم وجود رقابة الأسرة عليهم ـ أمر مرفوض دينيًّا، وكذلك عدم مراعاة جانب الحشمة والستر والتأدُّب بآداب وتعاليم الإسلام من قبل بعض الفتيات أمر يسيء إلى مجتمعنا وانتمائنا المذهبي، وبخاصّة في حالِ وصلت الأمور إلى أن تشكّل ظاهرة، فهؤلاء هم سفراء لمجتمعاتهم وانتماءاتهم الدينية، وهم بهذه الممارسات يسيئون إلى سمعة هذه المنطقة ومجتمعاتها.
ولذا ينبغي أن يكون هناك قدر كبير من الرعاية والضبط في هذه الزيارات، فيوصي الآباء أبناءهم وبناتهم في حال لم يكونوا برفقتهم، وعليهم أن يحوطونهم بالرعاية والانتباه في الرحلات العائلية، كما أن حملات الزيارة عليها أن تتحمل قسطًا من المسؤولية لمنع مثل هذه الممارسات السيئة.
وما نفترضه في هذه الرحلات والزيارات إلى الأماكن الطاهرة والمقدّسة هو أن تكون منبعًا للخير والاقتراب أكثر إلى القيم الإسلامية والالتزام الأخلاقي، ولا يصحّ أبدًا أن يحصل فيها ما هو منافٍ للقيم والمبادئ الإسلامية.
من المعروف أن هناك مسائل يختلف فيها الشيعة مع المدرسة السلفية النافذة في المملكة، التي تلتزم المؤسسة الدينية فيها بآرائها، ولعل أبرز تلك المسائل المختلف عليها هي مسألة السعي إلى زيارة القبور، وإقامة الأضرحة والتبرّك بها، وكذلك استعمال بعض الألفاظ الخاصّة بأمكنة الأولياء والصالحين التي قد تسبب بعض الحساسية الدينية لدى أتباع المدرسة السلفية، وهنا أجد من المناسب أن أوجّه إخواني وأخواتي الزائرين والزائرات للبقاع المقدّسة ـ وبخاصّة المدينة المنوّرة ـ بأن يتجنّبوا الاحتكاكات المذهبية وما قد يحصل من إثارات ومشاكل يثيرها ـ عادةً ـ الموكّلون بتطبيق النظرة السلفية في هذه الأماكن، حيث يمنع هؤلاء باقي المسلمين ـ سنّة وشيعة، فإخواننا السنة من غير أتباع المدرسة السلفية يتبركون بهذه الأماكن ويتوجّهون لزيارة الأولياء والصالحين وقبور الأنبياء والأئمة ـ مما يرونه مخالفة لرأيهم العقدي في هذه المسألة.
وهنا أودّ أن أشير إلى نقطتين مهمّتين:
الأولى موجّهة إلى إخواننا السلفيين: حيث مما لا شكّ فيه أن الإساءة إلى الآخرين ـ في آدابنا الإسلامية ـ مدانة ومرفوضة، حتّى في مسألة إنكار المنكر على الآخرين فذلك لا يُواجه بالشتيمة أو التعيير بالمذهب أو افتعال المشاكل مع المخالفين في الرأي والعقيدة، وإنما يتمّ بالحكمة والموعظة الحسنة، كما هو مفاد الآية الكريمة.
وفي الجهة المقابلة لا يمكن عدُّ مسألةٍ مختلف فيها بين المسلمين منكرًا، فيحارب ويدان ويساء إلى معتنقيها بسببها، فما دام الأمر في دائرة الرأي الاجتهادي، فإن ذلك لا يعدّ منكرًا، وكان الأحرى بهؤلاء الموكّلين الاقتصار على مسألة التوجيه والإرشاد وإبداء الرأي، دون فرضه على من يخالفهم فيه.
وأظن أن المسؤولين في البلاد لا يرضون بهذه الممارسات، فهي لا تعدو أن تكون ممارسات فردية من بعض العناصر الذين يملؤهم التعصب المذهبي والحقد الطائفي.
والنقطة الثانية موجّهة لإخواني وأخواتي الزائرين والزائرات:
وهي بخصوص معالجة مثل هذه الاحتكاكات المذهبية، فهذه المسائل لا تحلّ بالانفعال، وبخاصّة في مثل هذا الوقت الذي تمرّ به الأمة الإسلامية من احتقان مذهبي وطائفي.
كما أن هؤلاء الموكّلين هم الطرف الأقوى، ويدّعون تمثيلهم لمؤسسة رسمية، ولذا قد يعرّض الانفعال والصدام صاحبه للأذى والضرر، له وللجماعة التي ينتمي إليها.
هذا، بالإضافة إلى أن هذه الأماكن تفقد صفاءها وجوّها الروحي والإيماني، فهي أماكن ينبغي أن تسودها أجواء الهدوء والسكينة والوقار. وإذا لم يولِها البعض هذه الأهمية وهذه المكانة ولم يهتمّ بذلك، فلنكن نحن من يحافظ على روحانيتها ومكانتها وقدسيتها، ولذلك فلنتغاضَ احترامًا للمكان ولموقيتعه.
ومن هذا المنطلق أنصح إخوتي المؤمنين وأخواتي المؤمنات بأن يتجنّبوا أي جدل واحتكاك، وأن لا يجازفوا في مثل هذه الأمور بحثًا عن بطولات لا تعود بالنفع على أحد.
في هذه المواقف المطلوب هو الحكمة والتصرّف السليم، لأن هذه الأعمال هي أعمال مستحبّة، والتعرّض للاحتكاك بسببها قد يؤدّي إلى الضرر، فتتحول إلى مكروهات، وقد تصل إلى الحرام، بسبب ما قد تجلبه على الإنسان من مضارّ.
ويجب أن ألفت إخواني المؤمنين أن مشكلة احتكاك المذهبي لا يمكن حلّها بردّات الفعل الآنية التي تحصل أثناء تصعيد الطرف المقابل للمواقف وافتعال المشاكل، وإنما تحلّ بتحرّك من وجهاء المنطقة وعلمائها لوضع حدّ لمثل هذه الإساءات، وأنا ـ هنا ـ أدعو لتحرّك جدّي في هذا الاتجاه للجهات المسؤولة، لإنهاء مثل هذه المظاهر التي تعمّق روح العزلة لشريحة واسعة من المواطنين».