الأحساء: الصفار والخباز في أحلى ليالي الرميلة
بمناسبة الذكرى السنوية لولادة الدرة الطاهرة فاطمة الزهراء وبمناسبة زواج ثلة من شباب قرية الرميلة*، تنورت القلوب، وازدهرت الأكوان فرحاً وتغريداً، في ليلة جمعت الأصالة والعمق، تنوعت وتعددت فيها حقول المعرفة، شرفها وزانها قطبان من أقطاب منطقة القطيف وهما:
سماحة العلامة الشيخ حسن الصفار.
سماحة العلامة السيد منير الخباز.
أُفتتح اللقاء في حسينية الإمام الخوئي (قدس سره) عند الساعة التاسعة مساءً، بآيات مباركات تلاها المقرئ طه الراشد، وبعدها كانت أبيات نثرية صاغها الشاعر عقيل العبد الكريم، ثم تقدم معرف الاحتفال واللقاء، الشاب يوسف الراشد بنبذة موجزة لكل من السيد الخباز، والشيخ الصفار.
بعد ذلك أستهل سماحة السيد الخباز حديثة بالآية المباركة ﴿مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها﴾
وقسم حديثة إلى ثلاثة محاور:
حيث قال السيد الخباز تحدثت السيدة الزهراء في خطبتها وقالت: «الحمد لله الذي أبتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها»، مشيراً إلى دقة هذه العبارة، قائلاً سماحته: «لماذا لم تقل الزهراء أبتدع الأشياء من لا شيء كان قبلها؟».
موضحاً السر الذي أشارت إليه السيدة الزهراء في خطبتها وهو الابتداع، قائلاً: «إن الابتداع يختلف عن الخلق، فهناك خلق وهناك أبتداع، فالله تعامل مع المخلوقات التي أوجدها بنوعين مختلفين، وهما الخلق والابتداع».
ثم عرّف السيد الخباز الابتداع بأنه إيجاد بدون مادة، أي أوجدها من دون مادة قبل ذلك، أي أوجدها بإفاضته الأمرية كما قال الله تعالى ﴿إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون﴾.
فقال أن الإفاضة الأمرية هي التي ركزت عليها السيدة الزهراء وأشارت إليه بالابتداع في خطبتها، وهذا ما أشار إليه الفلاسفة في التفريق بين الخلق والابتداع، وبين الإفاضة والأمرية.
أشار السيد الخباز في هذا الحقل بأن الكلمة هي محور وجوهر شخصية الإنسان، قائلاً: «إذا أردت أن تعرف شخصاًً فاسمع كلامه، فالكلمة مظهر لفكر الإنسان، وأصالة فكره، ولذلك ورد عن أمير المؤمنين : (المرء مخبوء تحت طي لسانه لا تحت طيلسانه)، فلا للمظهر والشهرة والزي، ولا للمكانة الاجتماعية أي مقياس لشخصية الإنسان، وإنما حرف الشخص هو المقياس لمظهر الشخصية.
ثم أشار إلى أن أبرز مظهر لشخصية الزهراء هو خطبتها وكلامها وحرفها التي نطقت وجاهدت به.
في هذا المحور بالتحديد ركز سماحة السيد على عناصر وطرق الكلمة الطيبة وحددها في ثلاثة نقاط:
وفي هذه النقطة سجل سماحة السيد نقد بناء لما يطرح في بعض القنوات الفضائية الشيعية، والتي تنتسب لكيان ومدرسة التشيع، فقال: «إننا نجد بعض ما يطرح في بعض هذه القنوات فكراً هزيلاً، فكراً يعتمد على ذوقيات، وأحلام، ودعوى عريضة وكبيرة لا أصل لها، بل ليس لها برهان تستند عليه، إننا عندما نريد أن ندعوا إلى مسلك وخط أئمة الهدى نحتاج إلى أن نطرح فكراً نقياً، فكراً مبنياً على الدليل ومنطق العقل، حتى يعكس أصالة فكر مدرسة أهل البيت من منطلق (كونوا زيناً لنا بغير ألسنتكم)».
حيث ركز السيد الخباز على الاهتمام بالشأن العام، ومعالجة أمور المجتمع بشتى مجالاته، وهو التركيز على الحديث الذي يجمع الكلمة، ويعالج هموم المجتمعات، والقضايا التي يحتاجها المجتمع لمعالجة أموره الشخصية.
لا بد أن تكون الكلمة كلمة أصلاحية، حتى تزرع العطاء، لأن الكلمة الطيبة هي التي تصنع العطاء المتجدد، إننا لا نريد عطاء وقتياً أو مرحلياً، بل عطاء جذرياً، يدعم الكيان. فكلما كان الفكر يحمل مضامين الإصلاح، كالسلوك، والثقافة، والأوضاع الاجتماعية والإدارية، كان أسرع إلى معالجة الهموم والمشاكل التي يحتاجها الناس والمجتمع.
وفي نهاية الكلمة أشار إلى أن الكلمة الطيبة هي التي تكون من سنخ أهل البيت ومعدن النبوة، والتي تنشر المحبة والتعاون، وطيب اللقاء بين المؤمنين، ورفع ما يدعوا إلى العزلة والاحتراب.
بعد ذلك أعتلى منصة الاحتفال سماحة العلامة الشيخ حسن الصفار بكلمة فاقت الوصف، وزينت القلوب، أفتتحها بالآية المباركة ﴿يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾.
حيث قال سماحته: «أن يكون الإنسان مع الصادقين هذا ما يؤّمن له السعادة في الدنيا والآخرة، ولكن من هم الصادقون؟».
وأضاف: «من أهم تجليات الصدق حينما يكون الفكر متطابق مع السلوك، وهذا ما امتازت به الفئة الرائدة وهم محمد وأهل بيته الكرام، فأهل البيت يمثلون أفضل تجسيد للصدق، ولهذا حينما نبحث في حياة أهل البيت يجب أن نبحثها في البعدين والاتجاهين التاليين:
لنرى كلامهم في عمقه وأصالته وتوجيهاته العظيمة كما وضحها وأشار إليها سماحة السيد الخباز قبل قليل في حديثة المبارك.
وهذا ما نريد التركيز عليه، لأن سيرتم كانت الوجه الأخر لفكرهم ولتوجيهاتهم وكلامهم، فهذا ما يدل على صدق الكلام الذي قالوه وقدموه، ولذلك كانت السيدة الزهراء أروع أمثولة للإقتداء والتأسي، ونحن نعيش هذه الأيام ذكرى ولادتها الطاهرة، لذلك لا بد وأن نشير إلى بعض الشذرات من حياتها ».
ولكون كل حياة السيدة الزهراء وفي مختلف جوانبها نور وقدوة، كان تركيز الشيخ الصفار على موضوع التأسي بالسيدة الزهراء في حياتها الزوجية.
فقال سماحته: «الزواج نعمة كبيرة يجب أن نشكر الله تعالى عليها، إننا الآن نعيش في عصر أصبحت المؤثرات فيه كثيرة على سلوك الإنسان وعلى حياته، فهناك ضغوط مختلفة، وملابسات مختلفة، أنتجت الكثير من الاضطرابات في علاقة الناس مع بعضهم البعض.
لذلك على الإنسان أن يمتلك الوعي الكافي للنجاح في حياته الزوجية الجديدة، فأهم شيء في الحياة الزوجية الاحترام المتبادل بين الزوجين، وهو أن ينظر كلاً منهما للأخر باحترام وتقدير، وأن يعرف كلاً منهما أن هذا الاحترام تكليف عليهما من قبل الله، وواجب شرعي عليهما، لذلك على كل منهما أن يدرك أن أي خدش للاحترام وأي جرح لمشاعر الطرف الآخر هذا يسبب غضب الله سبحانه وتعالى».
وأضاف: «على الزوج أن يعرف أنه معني بأحاسيس ومعنويات زوجته، وأن لا يسبب أي خدش لمشاعرها وأحاسيسها، وكما سئُل الفقيه المرجع الراحل السيد الخوئي (قدس سره) في أحد الاستفتاءات، عن مشروعية رفع الصوت من قبل الزوج على زوجته، وكان مضمون جواب السيد أنه إذا كان مصداقاً لعدم المعاشرة بالمعروف فإنه لا يجوز.
لذلك يجب أن يتعامل الزوج مع زوجته بالمعروف انطلاقا من الآية المباركة ﴿وعاشروهن بالمعروف﴾».
ثم أشار سماحة الشيخ الصفار إلى دور الزوجة في احترام وتقدير زوجها: «لا بد وأن يكون محور الاحترام متبادل بينهما، فقد كانت السيدة الزهراء والإمام علي خير مثال للتاريخ، وخير مدرسة للتأسي والإقتداء، حيث كانت علاقتهما الزوجية مبنية على الاحترام المتبادل».
بعد ذلك أنتقل سماحة الشيخ إلى القسم الثاني الذي يجمع الزوجين مع بعضهما وهو قسم الشراكة الزوجية، والمشاركة على هموم المعيشة، وبناء الحياة، وإدارة العلاقة الزوجية نحو الأمان.
أما الأمر الثالث الذي تحدث عنه سماحة الشيخ الصفار فهو النجاح في تربية الذرية الصالحة، وهذا هو النموذج الأكمل الذي قدمه علي وفاطمة حينما أنجبا الحسن والحسين، وزينب وأم كلثوم .
وفي النقطة الأخيرة أشار الشيخ الصفار إلى المشاركة سوياً في الهموم العامة والدينية، قائلاً: «على الزوجين أن يعرفا أن حياتهم الزوجية لا تنحصر في حدود البيت، فالبيت جزء من المجتمع، وبالتالي يجب عليهما أن يعملا من أجل مصلحة المجتمع وخدمة المجتمع، فعلي وفاطمة لم تتلخص حياتهما الزوجية في حدود البيت وشؤون البيت العائلي، وإنما كانا يحملان هم الأمة وهم المجتمع، لذلك حينما تطلبت مصلحة الأمة، ومصلحة الرسالة، غادرت الزهراء بيتها وخرجت إلى المسجد وألقت خطبتها العظيمة في الدفاع عن مصلحة الإسلام وعن مستقبل الأمة».
وأضاف: «لذلك نجد بعض الشباب يكون له نشاط اجتماعي قبل الزواج، فإذا تزوج ذاب نشاطه، وضعفت همته في خدمة المجتمع، ومن هذا لابد أن يكون الزواج مفتاحاً لنشاط مضاعف، لخدمة الدين والمجتمع لكل من الطرفين».