الشيخ الصفار يتحدث عن رسالة الأسرة
شارك سماحة الشيخ حسن الصفار في مهرجان الأسرة الوطني الأول والذي أقيم يوم الخميس 8/9/1428هـ المواقف 20/8/2007م على صالة الملك عبدالله بن عبد العزيز بالقديح، بكلمة بعنوان: (رسالة الأسرة) أشاد في افتتاحيتها بمبادرة الإخوة المنظمين للمهرجان من حيث اهتمامهم بموضوع الأسرة وتناوله بشكل حضاري عن طريق برنامج حيوي يعالج المشكلات التي تعترض طريق بناء الأسرة، مؤكدًا أنه الطريق الأفضل في عصرنا الحالي.
أيها الأخوة: رسالة الأسرة تتحدَّد في ثلاثة عناوين تمثل الرسالة الأهم في المجتمع الإنساني:
1. توفير الراحة والاستقرار: يواجه الإنسان تحدِّياتٍ في حياته ينبع مصدرها من جانبين: جانب الأهواء والشهوات التي تتنازعه ذات اليمن وذات الشمال، ومواجهة المشكلات الخارجية، من جانب آخر.
فالأسرة تمثل في هذا الصراع الكهف الآمن والحصن الذي يعطي الإنسان الأمان، ولسنا – في مقام إثبات هذه الحقيقة- بحاجة إلى أدلة وبراهين عقلية وفلسفية أو حتى نقلية، فالوجدان يثبت دور الأسرة المهم في إشباع عواطف الإنسان وفي توفير الدفء والحنان، وبخاصة في الأوقات الحسَّاسة والصعبة.
وكما قيل، إن الصحة تاجٌ على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، فكذلك لا يدرك دور وأهمية الأسرة في إشباع العواطف وتوفير الدفء والحنان إلاَّ مَنْ أجبرته ظروف وصروف الدهر فعاش بعيدًا عن الأجواء الأسرية، فاقدًا للمشاعر المغلَّفة بالحب والحنان، إذْ يُفترض في أجواء الأسرة أن يتوفر عنصرا المودة والرحمة انطلاقًا من التعبير القرآني الجميل في تصوير الحياة الزوجية الأسرية الواردة في الآية 21 من سورة الروم ﴿ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة﴾.
2. تنشئة الأجيال: يتربَّى الأبناء، وتتواصل حياة الشعوب والمجتمعات في محيط الأسرة، فهي التي تنقل إليهم الخبرات والتجارب من حيث انتهى السلف، مع إعطاء فرص الإبداع والتطوير، وافتقاد الإنسان لمحيط الأسرة يُوجد فراغًا كبيرًا في شخصيته، فإن قيل إن في المؤسسات والملاجئ بديل لهذا المحيط، فهي غير قادرة على توفير الزخم المناسب كمًّا وكيفًا مقابل الذي تمنحه الأسرة لأفرادها من دفء وعطف وحنان وتوجيه سليم للمشاعر والأحاسيس.
3. تعزيز قيم الخير على الصعيد الاجتماعي: تزداد قيم الخير في المجتمع الذي تتوثق فيه عُرى الترابط الأسري، باعتبار أن الأسرة هي نواة المجتمع، فكلما ازداد تماسك أفراد الأسر المكوِّنة للمجتمع، وشاع بينهم الوفاق والانسجام، تعزَّزت ونمت قيم الخير والصلاح في المجتمع، وكلما برزت حالة التشتت والانفلات، استشرت حالات العنف والجريمة والفساد، وهذا التناسب الطردي تؤكده الدراسات والتقارير ذات الشأن بهذا الجانب الاجتماعي.
ولا يكفي المعرفة النظرية لهذه العناوين، فهي إنما تتحقق بالمستوى المطلوب إذا ما جُعِلَتْ نُصْبَ أعْيُن القائمين على شؤون المجتمع ومصالحه، وأما الغفلة والتجاهل فلا تؤدي إلاَّ إلى أسرة تأخذ شكلاً ظاهريًّا، فيتحوَّل البيت إلى فندق يكون مقرًّا للأكل والشرب والنوم، أما المشاعر والأحاسيس والتوجهات الخيِّرة فمآلها خارج محيط الأسرة.
ومن هنا ينبغي الاهتمام بالأسرة بتجسيد هذه العناوين بتفعيل العوامل المساعدة التي تتلخَّص في الآتي:
1. الأنظمة والقوانين التي تحمي الأسرة: قد يتعرَّض كيان الأسرة لخطأ ما من قبل أحد أفرادها يؤدي إلى إيذاء بقية أفراد الأسرة، فلا بُدَّ - في هذه الحالة- من قوانين وضوابط تحمي المتضرِّر، وهي تتمثل في الأحكام الشرعية للأسرة، فلدينا – نحن المسلمين- باب الاجتهاد مفتوح، نستنبط عن طريقه أحكامًا شرعية لما يُستجد من أوضاع، باعتبار أن الأسرة في عصرنا الحالي تواجه تحدياتٍ لم تكن مألوفة عند الأسر فيما سبق من الزمان، فالملاحظ أن الفتاوى الفقهية والرسائل العملية تتناول جانب مشكلات الأسرة من منظور تقليدي بحت، فالفقيه يعيش في مجتمعات تضم الأسر المحافظة التي قد لا ينتشر فيها مشكلات متعددة الجوانب تحدث في محيط جغرافي يبعد عنه مسافات نائية.
والأمر الآخر المتمثل في الضوابط والقوانين، مراجعة دستور النظام القضائي في المملكة، فهو بحاجة إلى إعادة تنظيم وإضافة فيما يرتبط بحماية الأسرة.
2. الثقافة والوعي: مما يؤسف له أن كثيرًا من الأفراد يمارسون حياتهم الزوجية بناءً على الأعراف والتقاليد المتوارثة فيما يرتبط بالتعامل مع الزوجة أو الأولاد، فهم في وادٍ، وتعليمات وإرشادات الدين الإسلامي في وادٍ آخر، مع أنها – تلك التعليمات- مبثوثة في بطون مختلف الكتب، إلاَّ أنها غير متاحة لكل الشرائح الاجتماعية، فنحن إذًا بحاجة إلى جهود مكثفة لنشر هذه الثقافة الكفيلة بإنجاح الحياة الزوجية، فمناهجنا الدراسية ليس فيها ما يكفي، والتوجيه العام يستصحب الأعراف والموروثات التقليدية، وما يصلنا من مشكلات زوجية عبر وسائل الاتصال المختلفة يؤيد صحة ما ذهبنا إليه.
3. إنشاء المؤسسات الأهلية التي تهتم بموضوعات الأسرة وتعالج مشكلاتها وتقدِّم العلاج الوقائي للأسر كافة، فلو توفر شيء من الجهد للاهتمام بأُسَرِ المجتمع، لاستطعنا تلافي الكثير من المشكلات التي تقف عائقًا دون الوصول إلى حياة زوجية سعيدة، فحبَّذا لو عملنا على إيجاد مثل هذه المؤسسات في أسرع وقت ممكن، وأدعو شبابنا الواعي إلى التحرك في هذا الاتجاه، وأشيد بجهودهم وأعمالهم الإبداعية التي تحتاج منهم إلى كثير من الثبات والصمود حتى يدرك المجتمع الدور المهم الذي تقوم به، كما أدعو جميع أفراد المجتمع إلى التجاوب والتفاعل الإيجابي مع ما يقومون به من مناشط تصبُّ في سلامة المجتمع وسعادته.