سماحة الشيخ الصفار يدعو لوجود نظام متكامل لحماية الصحة الأخلاقية في المجتمع
دعى سماحة الشيخ حسن الصفار لضرورة وجود نظام متكامل لحماية الصحة الأخلاقية في المجتمع، مشيراً إلى أبعاد هذا النظام المختلفة، ومتطرقاً إلى العوائق التي تحد من المبادرات باتجاه تأسيس المؤسسات الخيرية التي تُعتبر المقوّم الأساس لهذا النظام، مشيراً إلى تنوع هذه المعوّقات فمنها: المعوّق السياسي والثقافي والاجتماعي.
وفي إطار آخر تحدث سماحته عن ظاهرة انحسار الإقبال على إقامة الصلاة والاندفاع الذاتي لها في المجتمع، مشيراً إلى العوامل التي تولّد حالة الاندفاع لدى الإنسان ومنها: التفكير في الله تعالى، والوعي بآثار وفوائد العبادة، والأجواء الاجتماعية الصالحة. في حين أن الذنوب واستغراق الإنسان في الأهواء والشهوات تُعيق الإنسان دون التوجّه والإقبال على العبادة.
وأشار فضيلة الشيخ الصفار في الخطبة الأولى للجمعة المصادف 21 شوال 1428هـ (2 نوفمبر 2007م) إلى أن وجود الأمراض الأخلاقية في المجتمع شبيه بتلك الأمراض التي تعترض جسم الإنسان، مضيفاً كما أن العلم الحديث تقدّم كثيراً في مجال الصحة الجسمية فأصبح هناك نظام متكامل يسود العالم في الجانب الصحي، ينبغي أن يكون في المجتمع نظام متكامل لحماية الصحة الأخلاقية.
وحول طبيعة هذا النظام الذي يدعو له الشيخ الصفار، أكد على ضرورة أن يأخذ هذا النظام التطوّر الحياتي المعاصر بعين الاعتبار، موضّحاً أن الطرق البدائية لم تعد تكفي لوضع حدٍ للمضاعفات التي قد تحصل في ظل غياب مثل هذا النظام.
وأشار إلى الحالة السائدة في المجتمع والتي تتمثل في التذمّر والانزعاج والغضب أمام تنامي الأمراض غير الأخلاقية، وتصاعد حالات الإجرام المختلفة بشكلٍ يُنذر بالخطر.
وذكر الشيخ الصفار بعض الإحصائيات المرعبة التي تدل على أن المجتمع يسير إلى مستقبل مخيف، فحسب إحصائيات الجهات الأمنية بالمملكة والتي تقول بأن عدد الجرائم في عام 2001م بلغ (73) ألف جريمة، وتصاعد هذا العدد ليبلغ (90) ألف جريمة في عام 2005م.
وفي الكويت حسب إحصائيات وزارة الداخلية التي تقول: إن عدد الجرائم في عام 2004م كان بمعدل (52) جريمة في اليوم، وتصاعد هذا المعدّل ليبلغ (62) جريمة يومياً في عام 2006م.
وأضاف الشيخ الصفار: إن هذا التنامي المتصاعد للجرائم في مجتمعاتنا يُحملنا المسؤولية لمواجهتها بمختلف الوسائل والسبل، معرباً عن استغرابه لحرص المجتمعات الغربية على تأسيس الجمعيات والمؤسسات الخيرية في مختلف شؤون الحياة، بينما في الدول الإسلامية التي يأمرها دينها بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجد الإقبال على تأسيس مثل تلك الجمعيات والمؤسسات الخيرية ضعيفاً جداً.
مشيراً إلى بعض النصوص الدينية التي تؤكد على ضرورة مواجهة الأمراض غير الأخلاقية في المجتمع، والحد من توسّعها بمختلف الوسائل والسبل، فعن الرسول الأعظم قال: ((من رأى منكم منكراً فليُغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الإيمان)). موضحاّ أن المقصود باليد في هذا الحديث الشريف ليس استخدام القوة، وإنما هو تعبيرٌ عن البرامج العملية.
وتطرق فضيلة الشيخ الصفار إلى العوائق التي تحول دون انتشار المؤسسات والجمعيات الخيرية في المجتمعات العربية والإسلامية، وذكر من تلك العوائق:
أولاً- العائق السياسي، والذي يتمثل في الاتكال على الحكومات لوضع حدّ لحالات الإجرام، رغم أن الحكومات بالفعل تتحمل المسؤولية الكبرى، إلا أن حصر الحلول عليها لا يكفي. ومن تجلّيات العائق السياسي أيضاً وجود التعقيدات القانونية التي تُعيق مسألة تأسيس المؤسسات الخيرية في المجتمعات العربية والإسلامية. مؤكداً على ضرورة تجاوز هذه المرحلة بوضع أنظمة تتسم بالمرونة لكي ينطلق الواعون من المجتمع باتجاه تفعيل برامج الصحة الأخلاقية.
ثانياً- العائق الثقافي، ويتمثل في اللامبالاة، وسيطرة الهم الذاتي، وأيضاً عدم الثقة بالنفس، وضعف الطموح والتطلع. ويُعتبر الخطاب والتوجيه الديني المنحصر في الأمور العبادية المحدودة تجلٍّ من تجليات العائق الثقافي.
ثالثاً- العائق الاجتماعي، والذي يتمثل في ضعف القدرة على العمل الجماعي، والتعاون بين الكفاءات من أجل الوصول إلى كيان يصمد أمام ظواهر الإجرام والأمراض غير الأخلاقية في المجتمع.
وفي نهاية الخطبة الأولى أكد الشيخ الصفار أن النصوص الدينية تُحذر الناس من خطورة تجاهل تنامي حالات الإجرام والأمراض غير الأخلاقية في المجتمع، واستعرض جانباً من تلك النصوص، ومنها قوله تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ (المائدة، 78-79). والرسول الأعظم يقول: ((لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف، ونهو عن المنكر، وتعاونوا على البر والتقوى، فإذا لم يفعلوا نُزعت منهم البركات، وسُلّط بعضهم على بعض))، ويقول أمير المؤمنين : ((من ترك إنكار المنكر بقلبه ولسانه ويده فهو ميتٌ بين الأحياء)).
وبدأ سماحة الشيخ الصفار الخطبة الثانية بفقرة من دعاء مكارم الأخلاق للإمام زين العابدين يقول فيها: ((اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمد ولا تبتلني بالكسل عن عبادتك، ولا العمى عن سبيلك)).
مشيراً إلى معنى الابتلاء، فهو قد يعني: الامتحان، بأن تكون حالة الكسل عن العبادة اختباراً لإرادة الإنسان في تجاوزها، وقد يأتي الابتلاء بمعنى المصيبة، بأن يكون الكسل في العبادة لله تعالى بمثابة المصيبة للإنسان. وفي كلا الحالتين الأمر خطير.
وفرّق الشيخ الصفار بين معنى الكسل عن العبادة، والكسل في العبادة، فالأولى تعني: التثاقل والتباطؤ في الاندفاع للعبادة لله تعالى، والثانية تعني: أداء العبادة بدون توجّه وإقبال.
وأضاف: نلحظ أن بعض الناس يُعطيهم الله تعالى الرغبة والإقبال على العبادة والطاعة بتشوّق، فلا يقتصرون على أداء الفرائض فحسب، وإنما يهتمون بأداء النوافل أيضاً. بينما كثيرٌ من الناس يفقدون هذه الحالة ويتعاملون مع العبادة على أنها عبء عليهم يؤدونها كواجب فقط. مؤكداً على ضرورة أن يطمح الإنسان لنمو حالة الرغبة والاندفاع عنده للعبادة والطاعة، وتأتي الصلاة في أعلى مراتب العبادة، والرسول الأعظم جعل راحته في إقامتها، ولذا نجده يقول: ((يا بلال أرحنا بالصلاة)). ويقول: ((إن الله تعالى جعل قرّة عيني في الصلاة)). وكان كثير الصلاة حتى تورّمت قدماه، وحينما سئل عن ذلك، أجاب: ((أفلا أكون عبداً شكوراً)).
واستطرد الشيخ الصفار قائلاً: على الإنسان المسلم أن يضع هذه الكلمة للرسول الأعظم نصب عينيه، كل ما لديه من الخيرات والنِّعم هي من الله تعالى، وتوجّه الإنسان للطاعة والعبادة يُعتبر من ابرز تجلّيات شكره لنعم الله سبحانه.
وأشار الشيخ الصفار إلى مجموعة من العوامل التي تخلق لدى الإنسان اندفاعاً للعبادة والتقرب إلى الله سبحانه، وذكر منها: التفكير في الله تعالى، والوعي بآثار وفوائد العبادة، والأجواء الاجتماعية الصالحة.
مؤكداً أن الذنوب واستغراق الإنسان في الأهواء والشهوات تُعيق الإنسان دون التوجّه والإقبال على العبادة.
واستعرض سماحته جملةً من النصوص الدينية التي تؤكد على ضرورة الاهتمام بالعبادة وبشكل خاص الصلاة، فان الاستخفاف بالصلاة من علامات النفاق وصفات المنافقين، يقول تعالى: ﴿وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ (النساء، 142)، ويقول تعالى: ﴿وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ (التوبة، 54).
وأكّد الشيخ الصفار في ختام الخطبة الثانية أن المظهر العام في مجتمعنا واضحٌ فيه ضعف الإقبال على إقامة الصلاة في المساجد فضلاً عن إقامتها في أوقاتها، وهذا يعكس صورة سلبية للمجتمع، ينبغي التوجّه لإعادة النظر فيها بأن نسعى لإقامة الصلاة مستجيبين لنداء الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ (البقرة، 43).