سماحة الشيخ: لماذا التوافق صعب في مجتمعاتنا العربية؟
دعا سماحة الشيخ حسن الصفار في الخطبة الأولى للجمعة لتجاوز حالة الصراع والنزاع التي تعيشها أغلب المجتمعات العربية والإسلامية، والاحتكام للصلح والوفاق، ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾، مؤكداً أن الواقع العربي والإسلامي يعيش حالة التمزق والصراع في أغلب حالاته، وأشار إلى أهم الأسباب وراء هذه الحالة: سيطرة العواطف والانفعالات، على حساب التعقّل، روح الهيمنة والغلبة على الطرف الآخر، على حساب الاعتراف بالآخر وبحقّه في المشاركة في الساحة بشكل عام، وأخيراً فقدان المرجعية القانونية والدستورية.
وفي الخطبة الثانية تحدث سماحته بمناسبة ذكرى ميلاد الإمام الرضا عن الجانب العلمي في حياة الإمام مقتبساً من توجيهاته قوله: لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى تكون فيه خصال ثلاث: التفقه في الدين، وحسن التقدير في المعيشة، والصبر على الرزايا.
وأكّد سماحة الشيخ حسن الصفار في الخطبة الأولى للجمعة الثالث عشر من ذي القعدة لعام 1428هـ (23 نوفمبر 2007م) أن حدوث الاختلافات والصراعات في المجتمعات البشرية أمرٌ طبيعي، نظراً لاختلاف الآراء والأفكار من جهة، وتضارب المصالح من جهةٍ أخرى. مضيفاً أن هذه الحالة الطبيعية قد تتجاوز الحدود في حال تحوّلت إلى صراعٍ مدمّر. وأوضح أن الفطرة والعقل ويؤيدهما الشرع في التأكيد على أن الأصل في حل الخلافات هو إيجاد آلية وقانون. وهذا المنهج الذي تسير عليه المجتمعات المتقدمة، بعكس الواقع الذي تعيشه المجتمعات المتخلفة، والتي تجنح إلى تحويل الخلافات البسيطة إلى معارك وحروب طاحنة.
وأكد الشيخ الصفار أن أغلب الدول العربية والإسلامية تعيش حالة الصراع والاحتراب، وأعطى مثالاً على ذلك الواقع المرير الذي تعيشه الصومال، والنزاعات الداخلية في الشعب الفلسطيني رغم أنه يعيش تحت وطأة الاحتلال، والوضع المجهول الذي يعيشه الشعب اللبناني في هذه المرحلة.
وأشار إلى أن الوضع اللبناني مع خطورته إلا أن هناك جهات خارجية مغرضة تتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تريد أن تزيد الوضع خطورةً بانحيازها لجهة ضدّ أخرى، وتتوعّد كل مع يقف مع الطرف الآخر، وتُعلن ذلك على الملأ.
وتساءل سماحة الشيخ الصفار لماذا تكون مجتمعاتنا العربية والإسلامية أقرب للنزاع والصدام، منها للوفاق والصلح؟ مؤكداً أن الدين الإسلامي يؤكد على أن الصلح خير، يقول تعالى: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ (النساء، 128)، مضيفاً أن المفسرين يؤكدون أن كلمة ﴿خَيْرٌ﴾ ليست من باب تفضيل الصلح على سواه، فهذا أمر طبيعي، وإنما هي صفة مشبّهة، وتعني أن الصلح هو بذاته خير. وتؤكد الآية الكريمة أن الركون إلى الصلح يستلزم تطهير النفس من البخل والذي يتمثل في قوله تعالى: ﴿وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ﴾، ومن مصاديق ذلك: عدم قبول بعض الأطراف لتقديم التنازلات رغبة في الصلح، وهذه الحالة بالطبع معوّق أساس للوصول إلى الصلح.
وقال الشيخ الصفار: المشكلة الأساسية للركون إلى النزاع والصراع مشكلة أخلاقية تتمثل في عدم وصول هذه المجتمعات إلى النضج الكافي الذي يؤهلها لتجاوز هذه الحالة، مشيراً إلى ثلاثة أسباب تُكرّس حالة النزاع والصراع:
أولاً- سيطرة العواطف والانفعالات، على حساب التعقّل. فأحياناً يفكّر الإنسان بطريقة عقلانية في مواجهة الاختلافات، وأحياناً يتجه إلى الصراع والنزاع دون دراسة العواقب.
ثانياً- روح الهيمنة والغلبة على الطرف الآخر، على حساب الاعتراف بالآخر وبحقّه في المشاركة.
ثالثاً- فقدان المرجعية القانونية والدستورية، وهذا ما توجّهت إليه المجتمعات المتقدمة فيما بينها، أما المجتمعات العربية والإسلامية فاغلبها تعيش بلا دستور، وإذا وُجد الدستور يكون الخلاف والصراع في فهم الدستور وتطبيقه. وكأن هذه المجتمعات بالفعل عندها شهية مفتوحة للنزاعات والصراعات.
مختتماً حديثه بالتأكيد على ضرورة أن يُطبّق كل فردٍ هذه المسألة على حياته سواءً العائلية أو الاجتماعية، ويرى أين هو من هذه المعادلة.
وفي الخطبة الثانية هنأ سماحة الشيخ الصفار جموع المصلين بذكرى ميلاد ثامن الأئمة الإمام علي بن موسى الرضا ، مؤكداً على أهمية استثمار هذه الذكريات في التعرف على شخصيات الأئمة ، والإمام الرضا كسائر الأئمة كان الشخصية الأبرز في عصره بإجماع معاصريه على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، ولم تقتصر أفضلية الإمام على جانب دون آخر.
وركّز الشيخ الصفار على الجانب العلمي للإمام الرضا مستطرداً في ذكر بعض النقولات التي تبين شهادة الكثير للإمام بالأفضلية والعلم.
فعن محمد بن عيسى اليقطيني: جمعت من مسائله مما سئل عنه وأجاب فيه ثمانية عشر ألف مسألة.
وعن أبي الصلت الهروي: ما رأيت اعلم من علي بن موسى الرضا ولا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي أحد منهم إلا أقر له بالفضل واقر على نفسه بالقصور.
وعن الإمام الرضا : كنت اجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا اعيا الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي باجمعهم وبعثوا إلي بالمسائل فأجيب عنها.
وعن إبراهيم بن العباس: ما سئل الرضا عن شيء إلا علمه، ولا رأيت اعلم منه بما كان في الزمان إلى وقت عصره. وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيبه الجواب الشافي وكان كلامه كله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن.
وقال الإمام الكاظم لبنيه: هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد فأسألوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم:
وعن علي بن يقطين: قال لي موسى بن جعفر: هذا أفقه ولدي.
مضيفاً أن مكانة أهل البيت في الأمة ليست مجهولة ولا منكورة، فالمنصف يجد نفسه أمام شخصيات امتلكت مقومات الفضل والكمال، وهذا هو دافعنا في الاعتقاد بإمامتهم، إضافةً إلى ما نعتقده من وجود النص الدال على ذلك.
ونحن –كما يقول الشيخ الصفار- إذا أردنا أن نتعلم أمور ديننا فعلينا أن نتجه إلى أفضل مصدر وأوثق مصدر، وهذا لا يتحقق إلا عند أهل البيت .
ونقل الشيخ الصفار روايةً عن الإمام الرضا يقول فيها: لا يستكمل عبدٌ حقيقة الإيمان حتى تكون فيه خصال ثلاث: «التفقه في الدين، وحسن التقدير في المعيشة، والصبر على الرزايا»، مؤكداً أن الإيمان قد يكون قشرياً وقد يكون حقيقياً، والإمام الرضا في هذه الرواية يؤكد على أهمية الجانب السلوكي في تحقيق حقيقة الإيمان.
وأضاف الشيخ الصفار: إن الإمام الرضا يؤكد في حديثه على ثلاثة جوانب مهمة ينبغي التوجه إليها بوعي:
الأول: التفقه في الدين.
وليس المقصود هنا الفقه بمعناه الاصطلاحي مجرّد التعرف على الأحكام الشرعية وحسب، وإنما ينبغي التوجه إلى معنى التفقه والذي يعني الفهم، بحيث يكون الإنسان فاهماً للأبعاد الدينية المختلفة. ودعا سماحته إلى ضرورة أن يكون للإنسان برنامج للتفقه في الدين.
الثاني: حسن التقدير في المعيشة.
خصوصاً مع التضخم الاقتصادي، والذي يتبعه غلاء في جميع الأشياء، تكون الحاجة إلى حسن التقدير في المعيشة حاجة ماسة وضرورية. مؤكداً أن على الجميع التوجه باتجاهين:
1- الفاعلية والنشاط الاقتصادي، فنحن نعيش في بلد تكثر فيه مجالات الكسب وتحصيل الثروة، والمطلوب لتحقيق ذلك فاعلية ونشاط.
2- التخطيط في الإنفاق، فليس من التقدير في المعيشة أن يصرف الإنسان بدون أن يكون له تخطيط استراتيجي للصرف، أو ميزانية واضحة للصرف.
الثالث: الصبر على الرزايا.
فالحياة لا تخلو من صعوبات ومشاكل وأزمات، وهنا ينبغي على الإنسان أن يتمثل بالصبر، ليُحرز الأجر والثواب من جهة، والخروج من المصائب بأقل الخسائر.