إسرائيل من صراع الحدود إلى صراع الوجود
طالب سماحة الشيخ حسن الصفار الأنظمة العربية بأن لا تفرض ضروراتها على خيارات الشعوب في مقاومة إسرائيل، مقللاً من التوقعات المعقودة على مؤتمر انابوليس، مشيراً إلى أن الكيان الصهيوني يشعر الآن انه يخوض صراع وجود بفعل المقاومة داخل فلسطين وفي لبنان، وبإصرار الشعوب الإسلامية على مواجهته ورفض التطبيع معه.
جاء ذلك في الخطبة الأولى لصلاة الجمعة التي ألقاها الشيخ الصفار في القطيف بتاريخ 20 ذي الحجة 1428هـ الموافق 30 نوفمبر 2007م.
وبدأ سماحته بالحديث حول الآية الكريمة ﴿فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ (سورة محمد: الآية 35). فإن الله تعالى يحذر المسلمين من التفاوض مع العدو من موقع الشعور بالضعف والوهن، فذلك يفسح المجال للعدو لفرض شروطه، ويشجعه على تكرار عدوانه، ثم توجه الآية الكريمة المسلمين إلى استحضار مكامن قوتهم ونقاط تفوقهم لتفعيلها في مواجهة العدو، ولتكون مصدراً للشعور بالثقة والقوة. ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾.
وهذه الآية لا تنافي قوله تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ فليس أصل المسالمة والمهادنة مرفوضاً، وإنما المرفوض الانطلاق من موقع الوهن والضعف.
وعن مؤتمر (انابوليس) الذي انعقد في الولايات المتحدة الأمريكية، لإطلاق المفاوضات من جديد حول القضية الفلسطينية، قال الشيخ الصفار: إنه للاستهلاك السياسي والإعلامي، نظراً لتدني شعبية بوش واولمرت داخل بلديهما. وبهدف إيهام الرأي العام العربي والإسلامي باهتمام الإدارة الأمريكية بالقضية الفلسطينية.
إن إسرائيل كيان غاصب قام على العدوان والإجرام ولا يمكن الثقة بأي مفاوضات معها، كما أثبتت ذلك تجارب مؤتمر مدريد للسلام، ولقاءات أوسلو، وخارطة الطريق، وكل التنازلات التي قدمتها بعض الأنظمة العربية والتي وصلت إلى حد التطبيع مع إسرائيل.
إن الشيء الوحيد الذي تفهمه إسرائيل هو مقاومتها في مختلف الميادين، وواضح جداً من تصريحات عدد من قادة إسرائيل ومفكريها أنهم يشعرون الآن أنهم في صراع وجود بعد أن كانوا خلال العقود الماضية في صراع حدود.
كانوا ينكرون وجود الشعب الفلسطيني ويرفعون شعار أن اليهود شعب بلا أرض وفلسطين ارض بلا شعب، وكانوا يتحدثون عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية لاجئين، وكانوا يطمحون إلى بناء دولة واسعة من النهر إلى البحر، ويتطلعون إلى الهيمنة على مقدرات المنطقة ومصيرها.
لكنهم الآن وبفعل ممانعة الشعوب الإسلامية ورفضها، وبفضل صمود الشعب الفلسطيني وتضحياته، وانتصارات المقاومة الإسلامية في لبنان، صاروا يتحدثون عن القبول بدولة فلسطينية، ويقبلون التفاوض عن القضايا النهائية كالحدود والقدس واللاجئين.
وإذا كانت الأنظمة العربية تجد نفسها مضطرة للتعاطي مع الدعوات الأمريكية باسم السلام، فإن عليها أن تفسح أمام الشعوب لممارسة خياراتها.
واستنكر الشيخ الصفار على السلطة الفلسطينية قمعها لشعبها الذي خرج متظاهراً ضد مؤتمر (انابوليس)، فلماذا تمنع الأنظمة الشعوب حتى من التعبير عن موقفها الرافض لإسرائيل؟
وفي الخطبة الثانية: أبدى سماحة الشيخ الصفار تفاؤله بانخفاض مستوى العنف في العراق، وتوجّه الساحة العراقية إلى تجاوز آثار الفتنة الطائفية، مشيراً إلى زيارة وفد من علماء السنة والشيعة العراقيين من مختلف المحافظات إلى سماحة المرجع السيد علي السيستاني في النجف الأشرف وقوله لهم: (أنا خادم للعراقيين، وأحبهم جميعاً، ولا فرق بين سني أو شيعي أو كردي أو مسيحي) مضيفاً سماحة السيد السيستاني: (أنا منذ اليوم الأول لسقوط النظام كنت أدعو للوحدة، وكانت البيانات الصادرة من المكتب كلها تدعو إلى الوحدة بين الشيعة والسنة، وكنت أقول لأتباعنا: لا تقولوا لأهل السنة إخوتنا السنة بل قولوا أنفسنا، أما هذه الأعمال المؤلمة التي جرت في العراق فهي بفعل الأجانب من خارج العراق الذين حاولوا اختراقنا وزرع الفتنة بين العراقيين)
واستذكر آية الله السيستاني قصة سفيان الثوري، وكيفية أخذه واستفادته من علوم وأفكار الشيعة دون أن يرى مشكلة في ذلك، وكذلك ما تعرض له مالك إمام المذهب المالكي والشافعي إمام المذهب الشافعي من اتهامات بالتشيع لان فتاواهما كانت قريبة من فتاوى الإمام جعفر الصادق وآرائه.
وختم الشيخ الصفار الخطبة بأن على سائر الشعوب أن تتأمل تجارب البلدان التي عانت من الصراعات الداخلية، حيث لم يتمكن طرف من حسم المعركة لصالحه، ووصلوا إلى أن لا بديل عن الحوار والتفاهم، رأينا ذلك في السودان بعد سنين من القتال بين الشمال والجنوب، وسقوط آلاف الضحايا، وإتاحة الفرصة لتدخلات الأجانب، ثم انتهوا إلى الحوار والمشاركة. وهكذا الحال في لبنان في أعقاب الحرب الأهلية التي استمرت خمسة عشر عاماً.
ويتكرر الآن نفس الأمر في العراق، فلا بديل من أن تتحاور الأطراف مع بعضها ويصلون إلى اتفاق يحافظوا به على وحدة بلادهم وضمان مصالحهم.
مستشهداً بكلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حيث قال: (إن الله سبحانه وتعالى لم يعط أحداً بفرقة خيراً، ممن مضى ولا من بقي).