الشيخ الصفار يؤكد أن الأناقة والجمال قيمة دينية
أكد سماحة الشيخ حسن الصفار على أن الإسلام يُشجّع على التزيّن والأناقة وإظهار الجمال، بعكس ما ذهب إليه البعض من أن الإسلام يقف موقف الحياد في ذلك. مشيراً إلى أن الجمال شعار إسلامي تؤكده نصوص كثيرة عن المعصومين . مبيناً أن الضابط الأساس في الموضوع هو أن تكون الزينة في ظل الضوابط الشرعية، وأن لا تكون حاكمةً على الإنسان.
وفي سياق آخر تحدث الشيخ الصفار عن طبيعة الحياة وما فيها من مثيرات قد تنحرف بالإنسان عن الطريق المستقيم، مؤكداً أن على الإنسان أن يستحضر جهاز المناعة لديه عند تعرضه لتلك المثيرات، وهو الاستعاذة من الشيطان الرجيم بقصد وإرادة، مؤكداً أنها تعني استحضار القيم الإلهية والتعاليم الدينية لتكون حصناً للإنسان وملجأً له أمام مكائد الشيطان، يقول أمير المؤمنين : «إنما هي نفسي أروضها بالتقوى».
وعرّف الشيخ الصفار في بداية الخطبة الأولى للجمعة 11 ذو الحجة 1428هـ (21 ديسمبر 2008م) الزينة بأنها ما يتزين به الإنسان، وهي من الزَيْن في مقابل الشَيْن والقبح. وهي مستوىً متقدم على النظافة والطهارة، فالأخرى تعني إزالة الأوساخ والقذارة، والزينة تعني إظهار الحسن والجمال على المستوى الشخصي للإنسان، وفي المحيط حوله.
وفي جوابه عن تساؤل مهم وهو: ما موقعية الزينة وإظهار الجمال في الإسلام؟ يقول الشيخ الصفار: الإسلام يولي اهتماماً كبيراً بهذا الجانب، بعكس ما ذهب إليه البعض من أن الإسلام يقف موقف الحياد تجاه الزينة، معتبرين أن ذلك يرجع لذوق الإنسان ومزاجه، وزاد على ذلك بعضهم بأن اعتبر الزينة تُنافي الزهد الذي يدعو إليه الإسلام. ويُشير الشيخ الصفار هنا إلى أن هذا فهمٌ خاطئ للزهد، فليس الزهد أن لا تملك الشيء، ولكن الزهد أن لا يملكك شيء، ويُضيف: الزهد حالة نفسية فكرية وليست حالة مظهرية.
وحول ما ورد عن سيرة المعصومين من عدم اهتمامهم بالدنيا وعزوفهم عنها، قال الشيخ الصفار: إذا أردنا أن نفهم سيرة المعصومين علينا أن ننظر إليها نظرة شمولية، لا أن ننتقي جانباً دون آخر، مضيفاً: إن المعصومين حول وضعهم الخاص يؤكدون على نقطتين مهمتين:
أولاً- حياتهم كانت مرتبطة بالوضع المادي السائد آن ذاك، وحيث كانت الحياة بسيطة فكان من الضروري أن يراعي القائد المعصوم تلك الحالة.
ثانياً- كان الإمام علي يتحدث عن حياة الرفاهية وأن لا مانع منها، فحينما سئل عن وضعه هو، أجاب: «إن الله تعالى فرض على أئمة العدل أن يُقدّروا أنفسهم بمستوى ضعفة الناس، حتى لا يتبيغ بالفقير فقره».
وأضاف الشيخ الصفار: إن النصوص الدينية التي تدعوا الإنسان للزينة وإظهار الحسن والجمال كثيرة، ومنها قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ (الأعراف، 32)، مشيراً إلى أن الله تعالى في هذه الآية نسب الزينة إليه، والله جل وعلا لا ينسب لنفسه الشيء القبيح أبداً، ثم إن الآية الكريمة فيها استنكارٌ على تحريم إظهار الزينة والجمال، ومن يُحرمها فإنه إما أن يكون مخطئاً أو مفترٍ على الله تعالى. وتؤكد الآية الكريمة أن الزينة من خلق الله تعالى فهو قد أخرجها لعباده المؤمنين بالدرجة الأولى، حيث يشاركهم فيها غيرهم في الدنيا، أما في الآخرة فهي خالصةٌ لهم.
وأكد الشيخ الصفار على عدة نقاط تبين أهمية إظهار الجمال والأناقة في الإسلام:
أولاً- تشجيع الإسلام الإنسان المسلم على إظهار الأناقة والجمال في شخصه وفي المحيط حوله.
ثانياً- خلق الله الإنسان بأبهى صورة، يقول تعالى: ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ (التغابن، 3)، ويقول تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ (التين، 4).
ثالثاً- خلق الله الكون على أساس الجمال، يقول تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ (ق، 6-7).
رابعاً- الجمال شعار إسلامي، فقد جاء تأكيد ذلك في نصوص كثيرة، فعن عبد الله بن مسعود قال، قال رسول الله : «لا يدخل الجنة من كان في قلبه حبّة من كِبر»، فقام رجل وقال: إنه ليعُجبني أن يكون ثوبي جديداً، ورأسي دهيناً، وشراك نعلي جديداً، وذكراً أشياء كثيرة حتى علاقة سوطه، وسأل رسول الله : هل ذلك من الكِبر؟ فأجاب رسول الله : «ذاك من الجمال، والله جميلٌ يُحب الجمال، ولكن الكبِر من بطر الحق، وازدرى من الناس». وفي نفس الإطار يقول أمير المؤمنين : «إن الله جميل يُحب الجمال، ويُحب أن يرى أثر النعمة على عبده». وكان الإمام الحسن إذا أراد أن يخرج للصلاة لبس أجود ثيابه، وحينما سئل في ذلك، أجاب: إن الله جميلٌ يُحب الجمال فاتجمل لربي.
رابعاً- النصوص المستفيضة في موضوع الجمال، فعن رسول الله أنه قال: «اغسلوا ثيابكم، وخذوا من شعوركم، واستاكوا، وتزينوا وتنظّفوا»، وعن الإمام الصادق أنه قال: «إظهار النعمة أحب إلى الله من صيانتها، فإياك أن تتزين إلا في أحسن زيِّ قومك»، وقال : «إن الله عز وجل يُحب الجمال والتجمّل، ويبغض البؤس والتباؤس»، وقال : «إن الله إذا أنعم على عبدٍ أحب أن يرى عليه أثرها. يُنظّف ثوبه، ويُطيّب ريحه، ويًجصص داره، ويكنس أفنيته».
وأشار الشيخ الصفار إلى ضابطين أساسيين في موضوع الجمال وإظهار الأناقة، هما:
أولاً- أن لا يلته الإنسان بالجمال وإظهار الأناقة، فتكون هي المقياس الأساس عنده.
ثانياً- أن تكون الأناقة وإظهار الجمال في ظل الضوابط الشرعية.
وتساءل سماحته: هل للموضات الجديدة حدود؟ وقال في إجابته: كلا، طالما كانت ضمن الضوابط التي أشرنا إليها.
وأكد الشيخ الصفار في ختام الخطبة أن إظهار الزينة والأناقة والجمال أمرٌ محبّذ في الإسلام، والإسلام ليس محايداً في ذلك، بل ولا يُزهّد الإنسان فيه. ثم إن الزينة التي يؤكد الإسلام عليها شاملة للجانب المادي والمعنوي على حدٍ سواء.
وأكد سماحة الشيخ الصفار في الخطبة الثانية على أن الإنسان في هذه الحياة معرضٌ للابتلاء بميول وإغراءات وشهوات تعترضه من ذاته أو من المحيط الخارجي، وقد تنحرف به عن الطريق المستقيم سواءً فيما يتعلق بعلاقته مع خالقه، أو في تعامله مع ذاته، أو في علاقته مع الآخرين. مضيفاً أن الإسلام أعطاها اسماً جامعاً وهو (الشيطان).
وأكد أن الأنبياء والمعصومين معرّضون لهذه المؤثرات الشيطانية إلا أن الله تعالى عصمهم حين حصّنوا أنفسهم بما وصلوا إليه من معارف إلهية، وقيم إيمانية.
وأضاف: إن الإسلام أعطى للإنسان أسلحةً ليواجه بها مكائد الشيطان، يقول تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (الأعراف، 200). مؤكداً أنه ينبغي على الإنسان أن يكون يقظاً أمام نزغات الشيطان وبمجرّد أن يتعرض الإنسان لتلك النزغات عليه مباشرة أن يستحضر جهاز المناعة لديه بأن يتعوّذ من الشيطان الرجيم، مضيفاً: إن الاستعاذة من الشيطان لا تعني مجرد التلفظ وحسب، فالله تعالى يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ (الأعراف، 201)، والمس: تعني ملامسة القلب والمشاعر والأفكار. والآية الكريمة تؤكد أن ذكر القيم الهادية يكون بقصد واهتمام وهو ما نستوحيه من قوله تعالى ﴿تَذَكَّرُواْ﴾ وليس ذكروا والتي قد تحصل بعفويه.
ويُجيب الشيخ الصفار على سؤال يطرح نفسه: وماذا على الإنسان أن يتذكر؟ بقوله: على الإنسان أن يتذكر عدة أمور:
أولاً: خالقة، فهل يليق بالإنسان أن يعمل المنكر في ظل رؤية خالقه له، وهل أن هذا العمل يُرضي الله تعالى.
ثانياً- الموت، والقبر، والحساب، والآخرة.
ثالثاً- القيم الهادية، والضوابط الشرعية.
واختتم الشيخ الصفار الخطبة بالتأكيد على أن الاستعاذة من الشيطان الرجيم تعني استحضار القيم الإلهية والتعاليم الدينية لتكون حصناً للإنسان وملجأً له أمام مكائد الشيطان، يقول أمير المؤمنين : «إنما هي نفسي أروضها بالتقوى».