مثلث الوطن

عندما خلق الله الإنسان من تراب لم تتوقف هذه الخلقة عند المعنى المادي الفيزيائي للتراب فقط بل تعدى العنصر المادي إلى البعد الوجداني والروحي، وأصبح التراب جزءاً من التركيبة الفطرية للإنسان وأصبحت العلاقة الروحية مرتبطة بالأرض التي يولد ويترعرع عليها الإنسان، لذا أودع الله في هذا الإنسان غريزة حب الأرض والوطن الذي يعيش على أرضه.

الأرض والوطن يمثلان المصير والمصلحة المشتركة والانتماء والمستقبل والهوية، يتشكل الوطن من مثلث الأرض والشعب والنظام الحاكم عليها، وإذا احتل أحد أضلاع هذا المثلث اهتز واختل المثلث برمته، والمواطن يشكل أحد أضلاع هذا المثلث ومن هنا يأتي دور المواطن كضلع رئيس في مثلث الوطن.

المواطنة كمفردة حديثة في القاموس السياسي الحديث يصفها العالم الكبير من المملكة العربية السعودية الشيخ حسن الصفار في كتاب الوطن والمواطنة بأن المواطنة «هي صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات دون أي اعتبار للأصل أو الدين أو المذهب أو العرق أو الجنس أو اللون» لذا نرى على مساحة جغرافية محددة مثل دولة الكويت يمتزج بأرضها أعراق مختلفة وجنسيات متعددة ومذاهب وأديان متنوعة، إلا أنهم يمتزجون ويذوبون في هذه الأرض ويشكلون النسيج الاجتماعي لهذا المجتمع وتجمعهم أرض واحدة، وتحت سقف دستور يؤطر العلاقة فيما بينهم. إن التركيبة الاجتماعية لدولة الكويت التي تتشكل من أصول متعددة ومذاهب متنوعة يمكنها أن تكون مثالاً حياً لوطن نموذجي يتعايش على أرضه الشعب بروح الأخوة الوطنية وتحت مظلة الدستور، ومادام هذا الوطن للجميع فهذا يعني أن الجميع يشترك في نعمه ومخاطره وفي أفراحه وأتراحه، ولكن العقبة الكبيرة التي لعلها تسبب في ضعف أو هدم أسس النظم وتزعزع استقرار الوطن هي عندما تتحول الخلافات الفكرية والطائفية إلى عامل إلغاء أو تهميش لشريحة أو جنس من المجتمع وما نلحظه اليوم في بعض الدول القريبة منا من تمزق بسبب المحاصصات العرقية أو الطائفية أدت إلى الانجراف نحو هاوية الصراعات العرقية والطائفية ولم تبقِ للوطن أي هيبة أو اعتبار. الوطن هو الوعاء الذي يجب أن يذيب كل الفوارق والفئات فيه، ويخطئ من يعتقد أن تياراً معيناً أو حزباً واسعاً أو قبيلة كبيرة أو غيرها من تركيبات المجتمع قادرة على أن تستفرد وتنهض لوحدها في الوطن، استنهاض الوطن لا يتحقق إلا من خلال الانتماء الحقيقي والانتماء ليس ادعاء بل التزام في قوانين البلد وعطاء لنصرة الوطن والتضحية من أجله، وهذا لا يتحقق إلا إذا كان أصحاب القرار على مستوى عالٍ من العدالة في تطبيق القانون على أنفسهم قبل أفراد المجتمع دون تمييز.