هل العقل شاهد زور..؟
د. المبارك في مجلس حسن الصفار
أثار الدكتور راشد المبارك تساؤلاً فلسفياً مفاده: هل العقل شاهد زور؟..
وذلك في محاضرته التي ألقاها مساء السبت الماضي في مجلس الشيخ حسن الصفار بالقطيف، وقد أغرى هذا السؤال العديد من الحضور من الأساتذة وعلماء الدين والأكاديميين والمتخصصين لمتابعة ما أثاره الدكتور راشد في مدار ما يُتوقع أن تكون إشكالية فلسفية يبحث لها عن حلول على طاولة الفرضيات، ثم يناقشها فرضية فرضية إلى أن يتوصل إلى الحل النهائي أو الممكن التيقن به، إلا أنه ألقى حجراً في بحيرة التساؤلات الراكدة -كما قال المقدم الأستاذ ذاكر الحبيل- وترك العقول من حوله متحيرة كل يُبدي جواباً من خلال قناعاته واجتهاداته.
يقول الدكتور راشد المبارك إن هذا التساؤل لا يمكن أن يكون بمعزلٍ عن الفلسفة، والفلسفة هي العطاء الأكبر والأشقّ من نشاط العقل، والفلسفة في بلادنا أمرٌ غير مألوف وقد يكون غير معروف، وقد يقف منه البعض موقف الجفاء أن لم يكن موقف العداء، على حين أن الفلسفة علم من العلوم الأساسية في جل جامعات ومعاهد العالم، ويبدو أن هذا الموقف نابع من الظن أن الفلسفة ضد الدين وأن الفلاسفة أعداء للدين، وهذا لا يأتي إلا من جهل قد يكون تاماً، فالفلسفة كلمة من أصل يوناني، “فيلاسوفا” أي محب الحكمة، والحكمة هي البحث عن الحق أينما كان، وجاء في القرآن الكريم (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً)، وهذا الفهم القاصر عن الفلسفة عند البعض هو الذي قد يكون سبباً لهذه الجفوة بيننا والفلسفة.
وعلماء المسلمين في الماضي والحاضر اشتغلوا في هذا الجانب، وإذا عدنا إلى السؤال فإننا لا نجد تعريفاً جامعاً مانعاً للعقل، وأغلب التعاريف متقاربة، وإذا اخترنا من التعاريف أن العقل هو ملكة الإدراك القادرة على التميير بين الخطأ والصواب، نقبل ذلك لأننا لا نجد تعريفاً آخر.
ويضيف الدكتور المبارك: أول من اهتم بذلك هو (ابن رشد) عندما بحث عن النفس في شروحه لكتاب النفس لأرسطو وما أضاف من آراء، وكان لليونانيين رأيان وهما الرأي المثالي ويمثله إفلاطون، والرأي الثاني المادي ويمثله تمليذه أرسطو الذي خالف أستاذه، فأرسطو يرى أن النفس مُلازمة للجسد، وإفلاطون يرى أن النفس مفارقة وإنها ستفنى بعد فناء الجسد، أما (ابن رشد) فقد أخذ الرأي الوسط، ورأى أن النفس ملازمة للجسد وأن ما ينبع من أثر النفس هو من علم النفس في البدن، واحتار (ابن رشد) في العقل هل هو جزء من النفس؟ فرأى أن العقل ليس مادياً، وهو مفارق للبدن، وأن هذه المفارقة هي التي تعطيه القدرة على الشمول في المعرفة، وهذه القدرة تعني عدم ماديته لأن المادة تتحلل واللامادي لا يتحلل.
وأشار الدكتور راشد المبارك إلى مشروع كتاب فلسفي لا يزال يعمل على إنجازه بعنوان (شموخ الفلسفة وتهافت الفلاسفة)، وأثار في هذا المشروع العديد من التساؤلات الفلسفية ومنها حول العقل نفسه.
وبعد نهاية المحاضرة كانت هناك عدة مداخلات، منها للدكتور توفيق السيف والدكتور عدنان الشخص والأستاذ حسين آل سلاط والأستاذ أسعد النمر والأستاذ عبد الله العبد الباقي والأستاذ مسفر القحطاني.
ثم انتهت المحاضرة بكلمة للشيخ حسن الصفار الذي تحدث عن أن النصوص الدينية تقول إن العقل يتأثر بالظروف الأخرى من حوله، وأن هذه النصوص تحذر الإنسان من الانحراف عن جادة الصواب، وأن هناك ثقة كبيرة في الدين بالعقل، فالعقل هو أساس الدين وهو مرجعيته، أما لماذا أتباع الديانات الأخرى يحتجون بالعقل؟ فإنهم في الغالب يتعدون جانب العقل على سبيل الحقيقة، ويستفيدون من آفاق أخرى كالعامل النفسي والروحي أكثر من استفادتهم من الأقيسة العقلية، وأكثر هذه الديانات والعقائد الأخرى تصل إلى مرحلة معينة وتقول إلى هنا ينتهي دور العقل، أما عندنا فإن العقل هو الأساس وأن العقل ينمو ويتطور بتطور الحياة وتقدمها، وأقيسته لا تتغير ولا تتبدل فالعدل هو العدل والظلم هو الظلم.