سماحة الشيخ الصفار يدعو لإبراز الجانب الحضاري لصلاة الجمعة
دعا سماحة الشيخ حسن الصفار لإبراز الجانب الحضاري لصلاة الجمعة، بتأكيده على أهمية أن تكون مظهراً لمستوى حضاري رفيع تعيشه الأمة في البعدين المادي والمعنوي. مبيناً القيمة المعنوية ليوم الجمعة باعتباره سيد الأيام، وموضحاً جوانب عديدة من البرامج التي ندب الشارع المقدّس لها في هذا اليوم العظيم من أهمية إبراز الأناقة والزينة، والتي تعكس بدورها صورة المجتمع الإيماني الذي يمزج في اهتماماته بين الجوانب المادية والمعنوية. مشبعاً الحديث بالنصوص الدينية المستفيضة في هذا الموضوع.
وفي سياق آخر تحدث الشيخ الصفار عن بعد خطير من أبعاد الظلم، وهو ظلم الإنسان لنفسه، مؤكداً أن الإنسان بإتباعه لهمزات الشيطان إنما يظلم بذلك نفسه، ويتعدى حدود ربه، يقول تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾، وجاء في رواية: ((ظَلَمَ نفسه من عصى الله وأطاع الشيطان)).
وأشار الشيخ الصفار في بداية خطبة الجمعة 25 ذو الحجة 1428هـ (4 يناير 2008م) إلى أن الدين الصحيح يكمن في ممارسة الحياة بأسلوب سليم صحيح، فهو -أي الدين- لا يعني الإعراض عن الحياة، ولا يعني الحرمان من خيراتها، بل على العكس من ذلك، فالدين يُريد للإنسان أن يعيش حياةً سعيدة طيبة، يقول تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾، ومن جانب آخر فإن الله تعالى قد أحلّ للإنسان الطيبات، وحرّم عليه الخبائث، بنص الآية المباركة: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾.
مضيفاً: إذا كان هناك من يفهم الدين بغير هذه الطريقة فإن فهمه خاطئ. وإذا كان هناك متدينون لا يعيشون الحياة الطيبة فهذا يعني أن هناك خللاً في ممارستهم وتطبيقهم للدين.
وأكد الشيخ الصفار أن الأماكن العبادية كالمساجد والبقاع المقدسة ينبغي أن تحظى بأكبر قدر ممكن ممن ممارسة الحياة الطيبة، ومن ذلك توفر مظاهر الجمال والأناقة في هذه الأماكن لكي يكون الالتزام بالنظافة وإظهار الأناقة خلقاً دائماً للإنسان المسلم، والله تعالى يؤكد ذلك بقوله: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾. مضيفاً أن الإسلام أكد على ذلك في مختلف جوانب حياة الإنسان، بل حتى بعد موته، حيث أوجب الإسلام غسل الميت، وشرّع الكفن، والذي يُشترط فيه النظافة والطهارة. وتعرض الشيخ الصفار لنماذج من الأحاديث والروايات الواردة عن رسول الله ، وأهل بيته الطاهرين، ومنها قوله : ((إن الله تعالى يحب من عبده إذا خرج لإخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمل)). وورد عن الإمام علي أنه قال: ((من أكل شيئاً من المؤذيات بريحها فلا يقربنّ المسجد)).
وأضاف الشيخ الصفار: إن يوم الجمعة باعتباره سيد الأيام، وتقام فيه أعظم فريضة صلاة، وهي صلاة الجمعة، وهو موعد تلاقي المسلمين واجتماعهم، لذلك تتأكد فيه مراعاة النظافة وإظهار الأناقة والزينة والجمال. مشيراً أن الأحاديث لا تتحدث عن عموم النظافة في يوم الجمعة فحسب، إنما تتوسّع في الأمر للتطرق لتفاصيل دقيقة في الموضوع، وذلك من أجل أن يتمتع المسلم في هذا اليوم بأعلى درجات الحيوية والنشاط، وتكون نفسه في غاية السرور والانشراح، وليحقق الامتثال لأمر ربه بإظهار نعمه عليه. وليكون المسلم عند حضوره صلاة الجمعة، والتقائه بإخوانه المسلمين في كامل أناقته وزينته، ليشترك معهم في تكوين صورة المجتمع الحضاري الجميل.
وذكر الشيخ الصفار بعض برامج النظافة والأناقة ليوم الجمعة، مستشهداً بنصوص دينية تؤكد على ذلك، ومنها:
أولاً- غسل الجمعة، حيث عدّه بعض الفقهاء واجباً، لظاهر بعض النصوص لكن المشهور عند علماء المسلمين سنة وشيعة انه سنة مندوبة كما يرى بعض الفقهاء كفايته عن الوضوء، ومن هؤلاء الفقهاء: السيد الخوئي، والسيد السيستاني، والشيخ حسين العصفور. بينما يرى آخرون عدم كفايته عن الوضوء، ومن هؤلاء الفقهاء: الإمام الخميني، والسيد الشيرازي.
ثانياً- نظافة الجسم وأناقته، فقد ورد عن الإمام الصادق أنه قال: ((تقليم الأظافر، وقص الشارب، وغسل الرأس بالخطمي، كل جمعة، ينفي الفقر، ويزيد في الرزق)).
ثالثاً- استخدام الطيب والعطورات، حيث ورد عن النبي قوله: ((الرائحة الطيبة تشدّ القلوب))، وجاء عن الإمام الصادق قوله: ((كانت لرسول الله ممسكة –من المسك- إذا هو توضأ أخذها بيده وهي رطبة وكان إذا خرج عرفوا أنه رسول الله لرائحته)).
واختتم سماحة الشيخ الصفار الخطبة بالتأكيد على أن النظافة من الإيمان، وكل برنامج يخدم النظافة تشمله دائرة الإيمان، وإن الله يُحب الجمال، فكل شكل من أشكاله محبوب عند الله، وقد أمر الله تعالى الناس بقوله: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾، فكل مظهر للزينة مرغوب شرعاً، وحريٌ بالمسلمين أن يجعلوا من صلاة الجمعة مظهراً لمستوى حضاري رفيع تعيشه الأمة في البعدين المادي والمعنوي.
وفي الخطبة الثانية سلّط سماحة الشيخ الصفار الضوء بعدٍ خطير من أبعاد الظلم، مبيناً أنه حينما يكون الحديث عن الظلم، فإن الأذهان تتوجه مباشرة إلى بعد العدوان على الآخرين، بيد أن القرآن الكريم في كثيرٍ من آياته المباركة يؤكد على نوع مختلف، قد لا توجّه الأنظار حوله، ذلك هو: ظلم الإنسان لنفسه.
ويُضيف الشيخ الصفار: قد يتصور البعض أنهم أحرار في أنفسهم، فلهم أن يفعلوا بها ما يشاؤون، وهذا تصوّر خاطئ، فليس للإنسان أن يؤذي نفسه.
وأشار إلى العديد من الآيات التي تتحدث عن هذا البعد المهم، فتارة يأتي الحديث بصيغة الفرد، كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾، وأخرى بصيغة الجمع كما في قوله تعالى ﴿ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
وأكد أن على الإنسان أن يحمي نفسه ويرعاها من الظلم، وفي النصوص الدينية توجيهاتٌ تربوية كثيرة، فقد ورد عن الإمام الصادق أنه قال: كتب رجل لأبي ذر: أطرفني بشيءٍ من العلم، فأجابه: إن العلم كثير، ولكن إن قدرت على أن لا تُسيء إلى من تُحب فافعل. فقال الرجل: وهل رأيت أحداً يُسيء إلى من يُحب؟ قال: نعم، نفسك أحب شيءٍ إليك، فإذا عصيت الله فإنك أسأت إلى نفسك.
مضيفاً: إن الإنسان بتعديه على حدود الله تعالى، إنما يظلم نفسه، بصريح الآية المباركة: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾.
وأكد الشيخ الصفار أن هناك من يتجاهل هذا الأمر، وهو بذلك يتجاهل مصلحته، أو أن لديه رغبة معينة أو هوىً في نفسه يجعله يتجاوز حدوده مع ربّه.
وأشار إلى أن تفويت الفرص من مظاهر ظلم الإنسان لننفسه، سواءً في الجوانب الدنيوية أو الأخروية، وكذلك فإن الاستجابة لهمزات الشيطان، نوعٌ من أنواع ظلم الإنسان لنفسه، ففي الحديث: ((ظَلَمَ نفسه من عصى الله وأطاع الشيطان)).