ثورة الحسين: فتح مبين
الشيخ الصفار يؤكد على الدور الوطني للشيعة
دعا سماحة الشيخ حسن الصفار أتباع مدرسة أهل البيت للاندماج والمشاركة الوطنية، متجاوزين بذلك حالة الانغلاق والانطواء، مؤكدًا أن ذلك يخدم مصالحهم الخاصة، ويُشركهم في المصالح العامة للوطن. وأكّد على ضرورة تطمين المحيط من خلال الخطاب المتّزن لتفويت الفرصة على من يُريد إثارة الفتن بين المسلمين، سواء من الأعداء الخارجيين أو من المغرضين في الداخل. ودعا إلى الاهتمام بالشأن الاجتماعي ففي ذلك تحصين المجتمع، وبناء قوته الحقيقية، وإعطاء الوجه المشرق والصورة الناصعة لمذهب أهل البيت .
وأشار سماحته إلى الإنجازات العظيمة التي سجّلها الإمام الحسين في نهضته المباركة، ومن أبرزها: الاعتراض الشديد والواضح على سياسة الاستبداد والظلم، إحياء روح المبادئ والقيم في الأمة، وتعزيز تيار الولاء لأهل البيت في الأمة.
بدأ سماحة الشيخ الصفار محاضرة ليلة العاشر من المحرم 1429ﻫ بنقل نص الرسالة التي بعث بها الإمام الحسين لبني هاشم عندما عزم على الخروج من مكة المكرمة متوجهًا للعراق، وجاء فيها: أما بعد، من لحق بي منكم استشهد، ومن لم يلحق لم يُدرك الفتح. مبينًا أن الإمام الحسين يُشير إلى حقيقة مهمة، وهي: أن ثورته ليست باتجاه السلطة، ولا تُغري الملتحقين بها بالمطامع والمناصب، بل تُشوّقهم للشهادة، وهذا خلاف توجّهات السياسيين الذين يقدمون الوعود والإغراءات بالمكاسب. ويُضيف سماحته: إن الكثير يرون أن الحركة التي تنتهي بالقتل والأسر، وتنتهي بالمآسي المفجعة، هي حركة فاشلة منهزمة، ولم تنجح في تحقيق أهدافها. إلا أن الإمام الحسين رغم بشاعة المآسي التي تعرّض لها في نهضته المباركة نجده يعتبرها فتحًا.
وأكد الشيخ الصفار أن ذلك هو ما حصل بالفعل. وأشار سماحته إلى عدة إنجازات سجّلتها ثورة الإمام الحسين :
أولًا: الاعتراض الشديد والواضح على سياسة الاستبداد والظلم. هذا الاعتراض كان من أعظم رجل في الأمة، حيث لا يُجادل أحد من المسلمين أن الإمام الحسين كان أفضل رجل في عصره. وأضاف: اعتراض الإمام الحسين لم يكن من خلال كتاب أرسله، أو خطابٍ ألقاه، إنما أعلنه بخط واضحٍ من دمه الشريف. وشاءت الحكمة الإلهية أن تتهيأ الظروف والأسباب لتأخذ ثورة الإمام الحسين صداها رغم محاولات التعتيم من قبل الأمويين. وقد تحقق ذلك بداية على يد عائلة الإمام الحسين .
وأشار الشيخ الصفار أن الحكم الأموي هو بداية الانحراف والفساد في تاريخ الأمة، واستنكر على البعض تحفظّهم من مناقشة ونقد التاريخ، مؤكدًا أن هذا المنهج تسلكه المجتمعات المتخلفة، بينما المجتمعات المتقدمة تقف على تاريخها وتناقشه، وإن كان فيه خطأ تتجاوزه وتعتذر منه. واستشهد بحديث ينقله الشيخ الألباني في كتابه (سلسلة الأحاديث الصحيحة) في المجلد الرابع، حديث رقم: (1749)، يقول رسول اللّه : «أول من يُغيّر سنتي رجل بني أمية»[1] . وأشار إلى كتاب (الخلافة والملك) للمودودي، الذي يذكر فروقات ثمانية بين مرحلة الخلافة الراشدة والحكم الأموي، وهي: التغير في قانون تنصيب الخليفة، التغير في طريقة عيش الخلفاء، التغير في وضع بيت المال، زوال حرية الرأي، زوال حرية القضاء، انتهاء حكومة الشورى، زوال سيادة القانون، وظهور العصبيات القومية.
وأضاف الشيخ الصفار: رغم أن الإمام الحسين لم يستطع أن يُسقط حكم بني أمية فورًا إلا أنه هزّ أركانه، واستطاع الحسين أن يسحب الشرعية من ذلك الحكم الظالم.
ثانيًا: إحياء روح المبادئ والقيم في الأمة، فقد سادت في الأمة روح المصلحة والانتهازية، وهذا لا ينفي وجود مخلصين في الأمة، إلا أن الحالة السائدة كانت منحرفة.
وأضاف: إن الإمام الحسين أحيا القيم ليس على صعيد الخطاب فحسب، وإنما جسّد ذلك عمليًا من خلال تضحياته المباركة في واقعة كربلاء، التي لم يشهد التاريخ لها نظيرًا. وبذلك فتح الطريق أمام الثوّار المخلصين والواعين من الأمة باتجاه رفض الظلم والاستبداد.
ثالثًا: تعزيز تيار الولاء لأهل البيت في الأمة، فرغم تأكيد القرآن الكريم أن مودتهم أجر للرسالة: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾، ورغم توصيات الرسول الأعظم، كما جاء في صحيح مسلم أنه قال: «أذكركم اللّه في أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي»[2] ، رغم ذلك كله أقصي أهل البيت عن قيادة الأمة، وحصلت محاولات للتشكيك فيهم وفي مكانتهم،. وجاءت ثورة الإمام
الحسين لتُيقظ ضمير الأمة، لأن حجم المصيبة كان بمنزلة الصدمة حيث لم يكن متوقعًا أبدًا أن يحصل للإمام الحسين وعائلته ما حصل وبهذه الطريقة البشعة. وقد سبب ذلك توجه مشاعر الأمة لأهل البيت .
أكد الشيخ الصفار أن تيار أتباع أهل البيت منذ اللحظات الأولى لنشأته تعرض لمختلف الضغوطات والمآسي على مر التاريخ، ورغم ذلك استطاع أن يُنجز انتصارات متعددة.
ولفت سماحته إلى أنه ينبغي دراسة هذا التيار الذي صمد طوال هذا التاريخ المليء بالإقصاء والتهميش.
ويُضيف الشيخ الصفار: واليوم نجد أن الظلمة بدأت تنقشع عن هذا التيار، وأصبح له بروز وظهور على مستوى العالم.
وقال سماحته: إن هذا التطور في الواقع الشيعي يُحمّل أتباع مدرسة أهل البيت مسؤولية كبيرة، وركّز سماحته على ثلاث مسؤوليات:
أولًا: الحرص على تطمين المحيط، فالشيعة يعيشون ضمن محيط، وقسم كبير من هذا المحيط يجهلون حقيقتهم، فالحقبة الزمنية السابقة شوّهت صورة هذه المدرسة أمام الناس، وما زالت آثارها للآن. وهناك عدو خارجي، يتمثل في الكيان الصهيوني الغاصب ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الغرب، الذين يتحينون الفرصة لإثارة الخلاف في الأمة لمنع توجهها لمقاومة الكيان الصهيوني. من هنا ينبغي للشيعة أن يُفوّتوا الفرصة على الأعداء الخارجيين والمغرضين من داخل الأمة بأن يكون لهم خطابهم المتّزن والرصين.
ويُشير الشيخ الصفار إلى أن البعض من أبناء هذه المدرسة يكونون متحمسّين فيتحدثون بطريقة تستفز الآخرين، وعلّق سماحته على ذلك بقوله: المسألة لا ترتبط بالخوف من عدمه، وإنما تتعلّق بالمنهج الذي يرتضيه أهل البيت فأهل
البيت لا يقبلون بمنهج الاستفزاز وتجريح الآخرين، بل إننا نقرأ في سيرتهم العطرة كيف كانوا يتعاملون مع المسيء لهم بالإحسان. ويُضيف: إن خدمة مذهب أهل البيت إنما يتحقق من خلال نشر علومهم وأفكارهم، وتقديم الصورة المشرقة عن أتباعهم.
ثانيًا: الاندماج والمشاركة الوطنية، فالشيعة جزءٌ من الأمة، وجزءُ من أوطانهم، ولا يصح أبدًا أن يعيشوا منكفئين على أنفسهم، وإنما ينبغي لهم أن ينفتحوا على محيطهم ويُشاركوا في المشاريع الوطنية العامة، فهم شركاء في الوطن.
ويؤكد الشيخ الصفار أننا كشيعة لا يهمّنا منطقتنا فقط، بل نهتم بالوطن كله. ولا يهمّنا مذهبنا فقط، بل ندافع عن الإسلام كله، ولا تهمّنا طائفتنا فحسب، بل نهتم بالأمة كلها.
وبيّن أن ذلك لا يعني التنازل عن قضايانا الخاصة، بل إن المشاركة العامة تُساعد في حل القضايا الخاصة، إضافة إلى ذاتيتها وموضوعيتها.
ثالثًا: الاهتمام بالداخل الاجتماعي. وأشار الشيخ الصفار إلى بروز بعض الظواهر المخيفة في مجتمعنا على المستوى السلوكي والأخلاقي، حيث بدا واضحًا انتشار المخدرات، والعنف، وجرائم السرقة، مما يُهدد الأمن الاجتماعي. مؤكدًا تحمّل أجهزة الدولة القسط الأكبر من المسؤولية إزاء الوقوف أمام هذه الظواهر، إلا أن ذلك لا يعفي المجتمع من المسؤولية، ويذكر دافعين:
الأول: تحصين المجتمع، وبناء قوته الحقيقية.
الآخر: إعطاء الوجه المشرق والصورة الناصعة للمدرسة التي ينتمي إليها هذا المجتمع. يقول الإمام الصادق : «كونوا زينًا ولا تكونوا شينًا»[3] .
وأكد سماحته على ضرورة الاهتمام بالمؤسسات الاجتماعية، والأندية الرياضية، ومناطق الضعف في المجتمع، وبالأنشطة الاجتماعية مما يُبرز المجتمع في أبهى صورة. مذكرًا بأهمية التفاعل والإقبال على حملة التبرع بالدم في عاشوراء.
وأشاد سماحته بمبادرة رجل الأعمال الحاج عبد اللّه السيهاتي، لتبرعه ببناء مركز لأمراض الكلى تابع لمستشفى القطيف المركزي بتكلفة (10) ملايين ريال. متأملًا من رجالات المجتمع مبادرات أكبر تخدم مصالح المجتمع وتقوي من مكانته.
وقدم الشيخ الصفار شكره لأبناء المجتمع على حضوره وإحيائه لبرامج عاشوراء، كما توجه بالشكر لقوى الأمن والأجهزة الحكومية التي أشرفت على رعاية الأمن وتنظيم المرور.
وفي ختام المحاضرة سجّل الشيخ الصفّار صورًا مشرقة من واقعة الطف المباركة، حيث التضحية والفداء من أبي عيد اللّه الحسين وأهل بيته وأنصاره.
والسلام على الحسين، وعلى عليِّ بن الحسين وعلى أصحاب الحسين، ورحمة اللّه تعالى وبركاته.
والحمد للّه ربِّ العالمين.