الشيخ الصفار يُطالب بمنح إجازة للشيعة يوم عاشوراء
طالب سماحة الشيخ حسن الصفار بمنح الشيعة إجازة يوم عاشوراء، مراعاة لمشاعر أتباع أهل البيت الذي هم جزءٌ من هذا الوطن، ومن حقهم ممارسة شعائرهم الدينية ضمن أجواء الاحترام المتبادل. وأكد على أهمية ليلة عاشوراء ويومها، وضرورة استثمارها بالعبادة والزيارة واستلهام الدروس والعبر من النهضة الحسينية المباركة. وأشار إلى أن مدرسة أهل البيت تؤكد إبقاء هذه الحادثة ساخنةً في وجدان الأمة، بعكس التوجهات الأخرى التي ترى التغاضي عما حصل.
ومن جانب آخر أكد على ضرورة تنمية الحساسية تجاه حقوق الآخرين المادية والمعنوية، خصوصاً في عصرنا هذا الذي بات الناس فيه يتجاهلون حقوق بعضهم، مشيراً إلى أن الإمام الحسين رفض أن يُقاتل معه أحد عليه حقوق للآخرين.
أشار سماحة الشيخ في الخطبة الأولى للجمعة 9 محرم الحرام 1429هـ (18 يناير 2008م) أن أنصار الإمام الحسين كانوا محدودين، وكان في حاجة للمزيد من الأنصار، ومن جانب آخر فإن نصرة الإمام الحسين والشهادة بين يديه هي من أعظم درجات الشهادة، وأكبر المكاسب التي يُمكن للإنسان أن يحصل عليها في هذا الحياة. ومع ذلك كله فإن الإمام الحسين في عاشوراء يُعطي الأولوية لشيءٍ آخر، قد يكون مُتغافلاً عنه، ذلك هو مراعاة حقوق الآخرين سواءً المادية أو المعنوية، فالحساب يوم القيامة شديد. وقد روي عن موسى بن عمير، عن أبيه قال: أمرني الإمام الحسين ليلة عاشوراء، فقال: نادي أنه لا يقتل معي رجل عليه دين. ثم قال الإمام الحسين : فإني سمعت رسول الله يقول: من مات وعليه دين، أخذ من حسناته يوم القيامة. فقام رجل من الأصحاب وقال: يا أبا عبد الله إن عليَّ ديناً، وقد ضمنته زوجتي. فقال الإمام الحسين : وما ضمان امرأة. اشارة إلى عدم القدرة المالية عند المرأة غالباً.
وأكد الشيخ الصفار أنه علينا أن نتأمل كثيراً في هذه الرواية، فقد بدأت تنتشر ظاهرة سيئة في المجتمع وهي: التساهل في أداء حقوق الآخرين. ومن نماذج ذلك التباطؤ في أداء أجار الوحدات السكنية، ويعتمد الكثير على مساندة القانون له، حيث أن الدعاوى في مثل هذا الجانب تأخذ وقتاً طويلاً نظراً للإجراءات القانونية الرتيبة.
ودعا سماحته للنظر إلى مثل هذا الموضوع من الناحية الشرعية، إذ كيف يستسيغ أحد أن يعيش في مكان وصاحبه غير راضٍ عنه، مؤكداً أن ذلك مصداق من مصاديق الغصب، فلا تجوز الصلاة في ذلك المكان.
وذكر رواية عن معاوية بن وهب، قال قلت للإمام الصادق : ذكر لنا أن رجلاً من الأنصار مات وعليه ديناران، فلم يُصلى عليه رسول الله ، وقال: صلوا على صاحبكم، حتى ضمنها عنه بعض قرابته، فصلى عليه رسول الله . فقال الإمام الصادق : ذلك الحق. إن رسول الله إنما فعل ذلك ليتعظوا، وليرد بعضهم على بعض ولئلا يستخفّوا بالدَيْن.
ويُضيف الشيخ الصفار: ومن الناحية الشرعية يرى الفقهاء أن الحج الواجب يسقط عن الإنسان عندما يكون عليه ديون.
ويؤكد الشيخ الصفار أن المسألة أكبر من أداء الحقوق المادية، فكذلك الحقوق المعنوية، حيث أن الظالمين حسابهم أشد يوم القيامة، وقد قال رسول الله : ((بين الجنة والعبد سبع عقاب، أهونها الموت))، قال أنس: فما أصعبها؟ قال : ((الوقوف بين يدي الله عز وجل إذا تعلّق المظلومون بالظالمين)).
وأشار إلى أن الناس في الدنيا غالباً تكون لديهم أريحية للتنازل عن بعض حقوقهم، أما في يوم القيامة فإن الكل يقول نفسي نفسي، يقول تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾.
وبدأ الشيخ الصفار الخطبة الثانية بالتأكيد على أن واقعة كربلاء تُعتبر حادثةً مهمة، وفريدة من نوعها في التاريخ الإسلامي، ولا يوجد أحد بين المسلمين يتنكر لهذه الحادثة، إلا مجموعة من النواصب، وقد انقرضوا ولم يعد لهم ذكر الآن. أما المسلمون جميعاً فكلهم يُدينون ما حصل في كربلاء، لأنهم يعرفون مكانة الإمام الحسين وفضله، ويعترفون ببشاعة الحدث الذي كان.
وأضاف: هناك منهجان في الأمة للتعامل مع هذه الحادثة الأليمة:
المنهج الأول: التغاضي عمّا حصل، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أنه لا ينبغي تكرار الحديث عما حصل، فقد قتل الإمام الحسين ، ومن قام بذلك مدانون وحسابهم على الله.
وأشار أن البعض قد يُعوّم القضية، كما يرى ابن تيمية، بأن يزيد لم يأمر بقتل الحسين وإنما كان ذلك تصرف شخصي من ابن زياد.
والبعض يذهب إلى أبعد من ذلك، فيُبرئ ساحة ابن زياد، بأنه لم يأمر بقتل الحسين وإنما عمر بن سعد قام بذلك.
وآخر يذهب أبعد من ذلك أيضاً، فيقول: ابن سعد كان مشرفاً على الجيش، ولم يأمر بقتل الحسين ، وإنما مقتل الحسين كان من نتائج الحرب التي حدثت بين الطرفين.
كل ذلك من أجل تعويم القضية، والتغاضي عما حصل.
المنهج الثاني: إحياء هذه الحادثة وإبقاؤها ساخنةً في وجدان الأمة، وهذا هو منهج مدرسة أهل البيت .
وأشار إلى عدة أسباب لتبني مدرسة أهل البيت هذا المنهج:
أولاً- الاقتداء برسول الله فهو أول من بدأ بالاهتمام بهذه الحادثة قبل وقوعها بأكثر من نصف قرن من الزمان، وطالما رآه الصحابة وأمهات المؤمنين يبكي ويتألم لمصاب الحسين .
ثانياً: تخليد القيم التي حملها الإمام الحسين وضحى من أجلها.
ثالثاً: استنكار بشاعة الظلم الذي حصل في تلك الفاجعة الأليمة.
وأكد سماحته على أهمية ليلة عاشوراء ويومها، وأوصى المؤمنين باستثمارها بأكبر قدر ممكن، وركّز على عدة نقاط:
أولاً- استذكار سيرة الإمام الحسين وجهاده وتضحيته، والتأمل في ذلك، واستلهام الدروس من النهضة الحسينية، مؤكداً أنه لا يصح أن يبقى التفاعل في حدود الاستماع، وإنما ينبغي أن يواكب ذلك عهدٌ مع الإمام الحسين بالسير على نهجه، والإنابة إلى الله تعالى بالتمسّك بهديه فالحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة.
ثانياً- زيارة الإمام الحسين ليلة عاشوراء ويومها، وإحياء ليلة عاشوراء بالعبادة تأسياً بسيد الشهداء الإمام الحسين .
ثالثاً- أن يُفرّغ الإنسان نفسه يوم عاشوراء لإحياء هذه المناسبة الأليمة، فهو مظهر من مظاهر التمسّك بنهج أهل البيت ، مؤكداً أن ذلك ليس من باب الوجوب الشرعي، وإنما هو من باب تعظيم شعائر الله، يقول تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾.
وطالب سماحة الشيخ الصفار بمنح المواطنين الشيعة إجازة في يوم عاشوراء، ففي ذلك تأكيد لمراعاة مشاعر أتباع أهل البيت وهم جزءٌ من هذا الوطن، ولهم حقّهم الطبيعي في ممارسة شعائرهم الدينية ضمن أجواء الاحترام المتبادل ، وينبغي احترام هذا الحق. واستنكر على البعض تشددهم في الضغط على المواطنين الشيعة وخصوصاً في إدارات التعليم حيث تُمارس الضغوط على الغياب متجاهلين أن هذا التصرف فيه إساءة لمشاعرهم. مضيفاً: وإذا كان الأمر عسيراً بإعطاء إجازة رسمية فينبغي أن يُتغاضى عن الغياب في هذا اليوم، مؤكداً أنه ينبغي لمن عليه أعمال وظيفية ولا يستطيع الغياب أن لا يهمل في عمله، ويحتسب عمله في ذلك اليوم تقرباً لله تعالى.
والحمد لله رب العالمين