الاهتمام بالشأن العام
الشيخ الصفار يدعو للاهتمام بالشأن العام وتوسيع المشاركة فيه
دعا سماحة الشيخ حسن الصفار للاهتمام بالشأن العام، مؤكدًا على المكاسب التي ينالها المهتمون بالشأن العام: ثواب اللّه، وقوة المجتمع، وصقل الشخصية. مشيرًا إلى مستلزمات الاهتمام بالشأن العام: الشعور بالمسؤولية، وروح المبادرة والطموح والثقة بالنفس، والاستعداد للعطاء والتضحية. وأشار إلى أن مجتمعنا فيه حاجات يتطلع الناس لتحقيقها، ولا يُمكن تحقيقها إلا بالتصدي لها والمبادرة، وركّز على نقطتين مهمتين، هما مفتاح التقدم في مجال الاهتمام بالشأن العام: الحد من القيود والتقنينات، من أجل توسيع رقعة الاهتمام بالشأن العام، وأن تكون للناس دافعية وتوجه نحو البذل والتضحية فيما يتصل بالشأن العام.
بدأ الشيخ الصفار محاضرة الليلة الحادية عشر من المحرم 1429ﻫ بالحديث حول الآية الكريمة: ﴿وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ مبينًا أن في هذه الآية دلالة على أن الرجل لم يكن من مركز المدينة حيث يتواجد النخبة وذو الرأي والقوة، إضافةً إلى ذلك فإن بعض الروايات تُشير إلى أن الرجل أيضًا كان رجلًا عاديًا، فبعضها تقول أنه كان نجارًا، وأخرى تقول أنه كان راعيًا. مستخلصًا من الآية الكريمة بأن الرجل الذي تحمّل مسؤوليته لم يكن يمتلك المكانة الاجتماعية المتميزة.
وأشار سماحته إلى مفهومين:
الأول: الشأن الشخصي، وهو كل ما يرتبط بأمور الإنسان الخاصة، كالمأكل والمشرب، والملبس، والدراسة، والعمل، والزواج، وغيرها، فهي أمور شخصية. مؤكدًا أن للإنسان الخصوصية كلها في هذه الأمور، ولا يحق لأحد التدخل فيها. وقد يستشير آخرين أو يقترحون عليه في أموره الخاصة، إلا أن القرار الأخير يبقى له.
مضيفًا: إن مجتمعنا قد يُعاني فيها الأفراد من ضغوط المحيطين بهم على خصوصياتهم، وخاصةً عند شريحتي الأبناء والزوجات. فالأبناء بعد بلوغهم سنّ الرشد يأخذون استقلالهم، ولا يحق للوالدين الفرض عليهم في شؤونهم الخاصة، إلا بمقدار النصيحة ومحاولة الإقناع، وكذلك بالنسبة للزوجة لا يحق للزوج أن يفرض عليها شيئًا في خصوصياتها خار نطاق حقوقه الزوجية.
الآخر: الشأن العام، وهو يعني الأمور التي ترتبط بعامة الناس، ويشترك فيها شريحة كبيرة من المجتمع، في مختلف القضايا سواء الدينية منها كوجود المساجد، ونشر القيم، أو السياسية مثل: الاستقرار الأمني وحماية الوطن والأمة من الأخطار الخارجية، أو الاجتماعية كمعالجة حالات الفقر في المجتمع، أو الاقتصادية كحالة التضخم الاقتصادي وغلاء المعيشة ونقص فرص العمل، وأيضًا قضايا البيئة، وغيرها.
وتساءل الشيخ الصفار: من هم المعنيون بالقضايا العامة التي ترتبط بأمور الناس؟ وقال في جوابه: في بعض المجتمعات وخاصة القديمة يحتكر هذه الأمور فرد واحد وهو الحاكم، ثم تطوّرت أوضاع المجتمعات البشرية وأصبحت هناك طبقة معينة يُطلق عليها النخبة أو أهل الحل والعقد. والتطور الأوسع ما يجري حاليًا من السعي لإشراك أوسع نطاق من الناس، مشيرًا إلى أن المجتمعات المتقدمة تتخذ مسارين لتحقيق المشاركة الشعبية العامة:
الأول: المسار الرسمي، بوجود مجالس بلدية منتخبة وبرلمانات وانتخابات رئاسية أو دستورية واستفتاءات.
الثاني: الدفع باتجاه تكوين مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني.
وأكد الشيخ الصفار أن تعاليم الإسلام يُستشفّ منها أنها تريد من كل أبناء الأمة الاهتمام بالشأن العام، مبينًا أن ذلك يتضح من خلال عدة أمور:
مفهوم الشورى، يقول تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾، ولم يرد نص يُحدد مساحة الشورى، ورسول اللّه كان يُمارس ذلك عمليًا مع جمهور الأمة في الغزوات والقضايا العامة.
الواجبات الكفائية، وهي القضايا التي إذا قام بها من يُكتفى به من المجتمع سقط عن الباقي، ومن أمثلتها: الاجتهاد، وتجهيز الميّت، ورد السلام، وغيرها.
التوجيهات الإسلامية التي تُحمّل كل شخص مسؤولية الاهتمام بالشأن العام، كقول رسول اللّه : «ما آمن باللّه واليوم الآخر من بات شبعانًا وجاره جائع»[1] ، وكقوله: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه»[2] .
أكد الشيخ الصفار أن من الطبيعي أن يهتم الإنسان بنفسه وعائلته وأموره الشخصية، إلا أن توسيع دائرة اهتمام الإنسان بالشأن العام، درجة متقدمة لا يصل إليها إلا من وفّقه اللّه تعالى لذلك. ويُضيف: إن أنانية الإنسان وذاتيته قد تقعد به عن الاهتمام بالشأن العام، وهو بذلك يفقد المكاسب الكبيرة التي يجنيها المهتمون بالشأن العام، وذكر سماحته مجموعة من تلك المكاسب:
أولًا: ثواب اللّه تعالى وتوفيقه.
ثانيًا: الاهتمام بالشأن العام ينعكس على الإنسان، فإن قوّة المجتمع تزيد من قوة أفراده.
ثالثًا: تُصقل شخصيته، وتزداد خبرته، ويحتل مكانة في المجتمع.
وأكد الشيخ الصفار أن الاهتمام بالشأن العام يتطلب وجود مجموعة من الصفات، وأبرزها:
أولًا: الشعور بالمسؤولية.
ثانيًا: روح المبادرة والطموح والثقة بالنفس، يقول الإمام علي : «المرء حيث وضع نفسه»[3] ، ويقول: «وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ»[4] . وأكد الشيخ الصفار أن مجتمعنا يضج بالتنظير، إلا أنه ينقصه روح المبادرة. جاء في الحديث: «ما ضل قوم بعد هدىً كانوا عليه إلا أوتوا الجدل»[5] .
ثالثًا: الاستعداد للعطاء والتضحية، فالاهتمام بالشأن العام يستلزم تقديم تضحية بالجهد والوقت والمال والجاه.
أكد الشيخ الصفار أن مجتمعنا المحلي فيه الكثير من الطموحات والحاجات التي تحتاج إلى من يتصدى لها، ويدق الجرس في التوجه نحوها. ففي المجتمع:
مؤسسات وجمعيات خيرية، ولجان اجتماعية وأندية رياضية، تحتاج إلى من يدعمها ويتعاون معها.
المجالس البلدية ومراكز الأحياء، إذ ما الذي يمنع من أن يكون في كل حي مجلس يهتم بشؤون ذلك الحي، ويُتابع القضايا التي تُسهم في تطوير الأحياء.
هيئة حقوق الإنسان، إذ إن وجودها ينبغي أن يدفع الناس للتفاعل معها من أجل أن تقوم بالدور المأمول منها.
وأكد الشيخ الصفار أن حلّ المشاكل العالقة في المجتمع لا يتم إلا بالتصدي لها، وأخذ زمام المبادرة. فلم لا يتجه الناس نحو القضايا العامة في المجتمع. واستعرض نماذج متفرقة من اهتمام المجتمعات الأخرى بقضاياهم العامة، ومن النماذج:
امرأة يهودية فضّلت العيش في غرفة متواضعة في نيويورك، وتبرّعت بـ (22) مليون دولار لصالح جامعة يهودية.
العالم الباكستاني المسلم محمد عبد السلام الذي نال جائزة نوبل في العلوم سنة 1996م، أنشأ (المركز الدولي لعلوم الفيزياء النظرية) في تريستا الإيطالية، التي يبلغ سكانها (250) ألف إنسان فقط، وقد كلّف إنشاؤه (60) مليون دولار، تكفّل بها أبناء هذه المدينة، رغم أن هذا العالم سعى جاهدًا لتكوين المركز في البلاد الإسلامية دون جدوى.
امرأة هندية دخلت موسوعة (غينيس) للأرقام القياسية لأنها كتبت في سنة واحدة (334) رسالة في الشأن العام نشرتها في (23) صحيفة.
وأكد الشيخ الصفار: كما أن تلك الشعوب يتفاعل أبناؤها بالشأن العام، ينبغي لأبناء المجتمع التفاعل، وبذل الجهود من أجل خدمة المصالح العامة للمجتمع، وركّز على نقطتين مهمتين هما مفتاح التقدم في مجال الاهتمام بالشأن العام:
الأولى: ينبغي للجهات المسؤولة الحدّ من القيود، من أجل توسيع رقعة الاهتمام بالشأن العام. وأشاد بنظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الذي أقره مجلس الشورى في المملكة نهاية الشهر الماضي.
الثانية: أن تكون للناس دافعية وتوجه نحو البذل والتضحية فيما يتصل بالشأن العام.
لافتًا الانتباه إلى أن إحياءنا لذكرى أبي عبد اللّه الحسين ينبغي أن نأخذ منها الدروس، ونستلهم منها العبر، فمجرّد البكاء على الإمام الحسين وحده لا يكفي، أن يتحول هذا التفاعل إلى مشروع عمل نخدم به مجتمعنا وأمتنا. فعظمة الإمام الحسين جاءت من عطائه وتضحيته بنفسه وأصحابه وتعريض عائلته للأسر.
والحمد للّه ربِّ العالمين.