الشيخ الصفار يُحذّر من الآثار السلبية للتضخم الاقتصادي، ويدعو لحسن التصرّف في إدارة الشأن المعيشي
حذّر سماحة الشيخ حسن الصفار من الآثار السلبية للتضخم الاقتصادي على المستوى النفسي والعائلي والاجتماعي، إضافةً لكون التضخم يُسبب تقلّص الطبقة المتوسطة في المجتمع، ويزيد رقعة الفقر، وهو من أبرز عوامل زيادة الجريمة في المجتمع. مستعرضًا الأسباب التي يطرحها المحللون الاقتصاديون لحالة التضخم، ومنها: ارتفاع التكاليف التشغيلية في الشركات الصناعية. زيادة حجم الطلب، خلل في الإدارة الاقتصادية للبلد، وجشع التجّار وأهل السوق. ودعا لحسن التصرّف في إدارة الشأن المعيشي من خلال: رفع مستوى الفاعلية لزيادة الدخل، وترشيد الإنفاق.
أشار الشيخ الصفار إلى مفهوم التضخم، وهو من أكثر المصطلحات شيوعًا، إلا أن هناك اختلافًا بين الاقتصاديين على تعريفه؛ لأنه يُستخدم لوصف عدد من الحالات المختلفة، منها: الارتفاع المفرط في الأسعار، ارتفاع الدخول النقدية مثل تضخم الأجور وتضخم الأرباح، ارتفاع التكاليف، والإفراط في خلق الأرصدة النقدية.
مضيفًا: وإذا استخدم مصطلح التضخم دون تمييز الحالة، فإن المقصود به هو الارتفاع المفرط للأسعار.
وأكد أن الوضع المعيش الآن واضحٌ فيه حالة التضخم وبالخصوص خلال الأشهر الماضية، وأصبحت تُمثل معاناة للجميع، وأشار إلى أن المحللين الاقتصاديين يذكرون عدة أسباب لهذه الحالة:
■ ارتفاع التكاليف التشغيلية في الشركات الصناعية.
■ زيادة حجم الطلب.
■ وجود حصار اقتصادي على البلد.
■ خلل في الإدارة الاقتصادية للبلد.
■ جشع التجّار وأهل السوق.
وأشار إلى الآثار السلبية التي يُسببها التضخم الاقتصادي، ومن أبرزها:
■ الآثار السلبية على المستوى النفسي والعائلي والاجتماعي، يقول الإمام علي : «الفقر، الموت الأكبر»[1] ، ويقول : «الفقر أحزان»[2] ، ويقول : «الفقر في الوطن غربة، والغنى في الغربة وطن»[3] ، ويقول : «الفقر مذلة للنفس، جالب الهموم»[4] ، ويقول : «الفقر منقصة للدين»[5] ، ويقول : «كاد الفقر أن يكون كفرًا»[6] . مؤكدًا أن النصوص الدينية أيضًا تدعو للصبر وتلمس العلاج، إلا أنها تؤكد من ناحية أخرى أن الفقر يُهيئ الأرضية للانحراف والفساد، وتهديد الأمن الاجتماعي.
■ تقلّص الطبقة المتوسطة في المجتمع، وزيادة رقعة الفقر.
■ زيادة دوافع الجريمة في المجتمع.
وأكد الشيخ الصفار أن البلاد ليست فقيرة، وميزانيتها لهذا العام ميزانية ضخمة تُقدّر بـ (450) مليار ريال، إلا أن المسألة ترتبط في بعض حالاتها بجانب الإدارة الاقتصادية والوضع العالمي.
أكد الشيخ الصفار أن المواطن الذي يعيش في مثل هذه الظروف ينبغي أن لا يقف مكتوف اليد، ولا أن يُلقي باللائمة فقط على الجهات المسؤولة في الدولة، وعلى التجار وأصحاب السوق، بل ينبغي للمواطن أن يعرف كيف يتصرّف ويُدير شؤونه مع هذا الوضع.
وأشار سماحته إلى أمرين:
إذ ينبغي للمواطن أن لا يكتفي بعمل واحد، وإنما يجدر به أن يبحث عن فرص عمل إضافية، كما أن عليه أن يعمل بمقدار طاقته، لا بمقدار حاجته، وعليه أن يوازن في أمور حياته بحيث يهيئ لنفسه سبل الاستقرار المعيشي.
مؤكدًا أن الحالة الغالبة في أبناء المجتمع ميلهم للراحة والدعة، بينما القرآن الكريم يؤكد أن الإنسان إنما خلق للعمل والكدح، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾. إلا أن الأجيال المعاصرة يبدو أنها ألفت حياة الرفاهية، فلا يرغبون في العمل والمشقة.
وأشار إلى ضرورة خلق ثقافة جديدة في المجتمع تدعو للجد والعمل وبذل الجهد، وتنبذ ثقافة الترهّل والخمول التي بدت منتشرة في المجتمع، وبالخصوص في أوساط الشباب.
ويُضيف: يعتقد البعض أن زيادة العمل تُتعب الجسم، مؤكدًا أن هذا الكلام غير صحيح، وهذا ما يؤكده الإمام علي بقوله: «من يعمل يزدد قوة»[7] ، ويقول : «من قصّر في العمل، ابتلي بالهم»[8] . إضافةً إلى أن الكثير من الأمراض سببها الكسل والخمول، ومن أبرز تلك الأمراض السمنة، وزيادة الكولسترول والسكري.
ويُبدي سماحته إعجابه بالمجتمع الياباني، وكيف أنه يجعل العمل في المرتبة الأولى في الحياة، وأشار إلى إحصائية تقول: معدّل إجازة الموظف الياباني في السنة 17.5 يوم في السنة فقط، وقسم كبير منهم لا يستفيد إلا بمقدار 9 أيام فقط كإجازة، وتُشير الإحصائية إلى أن عددًا من الموظفين يموتون في اليابان بسبب الإفراط في العمل. وتُضيف الإحصائية: لسنة 2007م بلغ عدد الذين ماتوا في اليابان بسبب كثرة العمل (355) شخصًا، بينما كان عددهم في السنة التي قبلها (147) شخصًا.
وأكد الشيخ الصفار أن الإسلام يُشجّع على العمل طيلة أيام الأسبوع حتى يوم الجمعة التي يقول فيه : «يوم الجمعة سيّد الأيام»[9] . والقرآن الكريم لا يأمر بترك العمل في هذا اليوم عدا وقت صلاة الجمعة، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، وأشار إلى أهمية يوم الجمعة، وفضله، وضرورة انتشار ثقافة صلاة الجمعة بعد تلك الحقبة الزمنية الطويلة التي حُرم فيها المجتمع من نعمة صلاة الجمعة لظروفٍ متعددة سياسية واجتماعية وفقهية، ودعا إلى أهمية التفاعل مع صلاة الجمعة التي بدأت تحيى في مناطق متعددة من البلاد.
وأكد الشيخ الصفار أن خلق فرص عمل قد يراه البعض غير ممكن، إلا أنه يُلاحظ أن بلادنا محط أنظار الكثيرين ومن جنسيات متعددة، والذين يتمنون أن يحظوا بفرصة الوصول إلى هذه البلد ولو بمقابل مادي، وفي ذلك دلالة على أن فرص العمل متاحة ومتوفرة، وتحتاج لمن يفكّر ويبحث.
مضيفًا: من ناحية أخرى ينبغي تشجيع الأعمال الحرة، وإذا كان البعض يجعل من توفر رأس المال عائقًا، ينبغي التفكير في أعمال لا تحتاج إلى رأس مال، وهي موجودة وتحتاج إلى بذل جهد، وعصر الأذهان بالتفكير.
مؤكدًا أن طبقة واسعة من المجتمع لا تستسيغ الأعمال التي فيها جهد وتعب، فيبحثون عن الأعمال المريحة، أو الاستثمار الجبان خلف شاشات البورصة، مشيرًا أن ذلك لا يُشكّل التنمية الاقتصادية الحقيقية للبلد.
أشار الشيخ الصفار إلى أن الإنفاق في مجتمعنا تشوبه الكثير من الأخطاء، وذلك إما بسبب تعوّد المجتمع لحالة الرفاهية التي عقبت الطفرة الاقتصادية، أو بسبب الأعراف والتقاليد التي كبّل المجتمع بها أبناءه، وأصبح يضجّ منها، والعجيب أن المجتمع يبقى مستسلمًا لها.
وأوضح سماحته أن المرحلة التي تعيشها بلادنا تختلف عن السابق، ولذا يلزم أن يُعاد النظر في طريقة الصرف، فحالة الإسراف والتبذير والاستهلاك المفرط، ينبغي تجاوزها لمرحلة يسود فيها حسن التخطيط والتدبير في المعيشة. لافتًا الانتباه إلى أن مسألة التسوّق في مجتمعنا ليست في حدود الحاجة، وإنما أصبحت تُمثل نوعًا من أنواع التمشية والترفيه.
وأشار إلى بعض العادات السلبية التي تُرافق المناسبات الخاصة والعامة في المجتمع حيث يكثر فيها الإسراف المفرط الذي لا داعي له، فأصبح الزواج مكبّلًا بأعراف متعبة، والعجيب أن الفواتح أصبحت محاطة بقيود الأعراف التي تبرز فيها حالة الإسراف وتحميل الناس أعباءً إضافية.
ويُضيف الشيخ الصفّار: وتحتل النساء القسم الأكبر من هذا الجانب، حيث التنافس على الموضة، والتفنن في ابتكار العادات وخصوصًا فيما يرتبط بأمور الزواج، حتى أصبح الزواج عبئًا ثقيلًا على من يُريد أن يُقدم عليه، وفوق ذلك يضج المجتمع من انتشار حالة العنوسة، مغفلين أن هذه القيود لها أثر كبير في الموضوع.
ولفت الشيخ الصفار الانتباه إلى أن الملابس المستخدمة التي يتخلص منها مجتمعنا، وتُوضع أحيانًا في حاويات الملابس المنتشرة الآن في المجتمع، هذه الملابس تمثل مصدر رزق للكثيرين من خارج البلاد حيث يُتاجرون في بيعها.
وأكد الشيخ الصفّار أن سلوكياتنا وتعاملنا ينتقل إلى الأجيال القادمة، فكيف يُريد مجتمعنا أن تكون حياة أبنائه المستقبلية، مبينًا أن هذا يُحمل المجتمع مسؤولية غرس القيم الإيمانية وحسن الإدارة الاقتصادية في الجيل الناشئ، لا أن نُعوّده على عادات قد تُعيق حركته في المستقبل، فيعيش حالة من الشلل بسبب القيود التي تُكبل الحركة لديه.
واختتم الشيخ الصفار محاضرته بالتأكيد على ضرورة إعادة النظر في العادات والأعراف، وإلا فإن المشاكل ستزداد سوءًا، وسيتضرر الجميع، إلا أن الضرر الأكبر سيقع على العوائل محدودة الدخل، وهذا يجر المجتمع إلى مأزق حقيقي يتمثل في تهديد المجتمع بزيادة رقعة الضعف والفقر، والجميع مسؤولون عن هذا الوضع، وعن تجاوزه.
والحمد للّه ربِّ العالمين.