الشيخ الصفار يؤكد على منهج تقويم الذات في مواجهة الانتكاسات
أكّد سماحة الشيخ حسن الصفّار على منهج تقويم الذات في مواجهة الانتكاسات، والذي يتمثّل في مراجعة الذات والبحث عن مواطن الخلل التي أدّت إلى الانتكاسة. مبيناً أن هذا المنهج منهجٌ قرآني يعتمده الإسلام في تربية الإنسان. مضيفاً أن المجتمعات المتقدمة تعتمد هذا المنهج في مختلف شؤونها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعكس المجتمعات المتخلفة التي تعتمد منهج إلقاء اللائمة على الآخرين دون تحمّل أدنى قدر من المسؤولية.
وفي سياق آخر أشار إلى قاعدة فطرية يؤكدها القرآن الكريم متمثلةً في قوله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾، مؤكداً أن تطبيق هذه القاعدة من شأنه أن يُنمّي حالة الإحسان في المجتمع، أما إذا ساد المجتمع التنكّر للمعروف فإن ذلك يُثبّط الناس ويشل عزيمتهم عن الإقدام في التعاطي مع الآخرين بالإحسان.
في بداية خطبة الجمعة 23 محرم الحرام 1429هـ (1 فبراير 2008م) أشار الشيخ الصفار إلى قاعدة فطرية يؤكدها القرآن الكريم، وهي أن الإنسان في أعماق فطرته يشعر بالامتنان والود لمن يُسدي إليه معروفاً وإحساناً، مهما كانت درجة هذا المعروف والإحسان. وفي المقابل يتوقّع الإنسان من الآخرين الشكر والتقدير عندما يُسدي لهم معروفاً أو إحساناً، وإذا لم يكن ذلك، فإنه يمتعظ وينزعج. والقرآن الكريم يؤكد هذه القاعدة في قوله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾.
وأكّد الشيخ الصفّار أن تطبيق هذه القاعدة من شأنه أن يُنمّي حالة الإحسان في المجتمع، ويدفع الجميع إلى هذا الطريق الإيجابي، أما إذا ساد المجتمع التنكّر للمعروف فإن ذلك يُثبّط الناس ويشل عزيمتهم عن الإقدام في التعاطي مع الآخرين بالإحسان.
وأشار سماحته إلى قول الإمام الصادق حول الآية الكريمة: ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾، إذ يقول: ((جرت في الكافر والمؤمن والبر والفاجر، من صُنع إليه معروف، فعليه أن يكافئ به، وليست المكافأة أن تصنع كما صنع حتى تُربي عليه. فإن صنعت كما صنع كان له الفضل بالابتداء)).
وفي رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين نجده يُعيّن فصلاً خاصاً بعنوان: حق ذي المعروف، يقول : «واما حق ذي المعروف عليك، فأن تشكره وتذكر معروفه، وتنشر له المقالة الحسنة، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله سبحانه، فانك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سراً وعلانية. ثم إن أمكن مكافأته يوماً كافأته».
وأضاف: إن من لا يُواجه المعروف بالمعروف فإن ذلك يدل على انحرافٍ في نفسه، وهذا ما يؤكده ما روي عن رسول الله انه قال: ((جبلت النفس الخبيثة على أن لا تخرج من الدنيا حتى تُسيء إلى من أحسن إليها)).
وأشار إلى أن كتاب وسائل الشيعة، وهو موسوعة حديثية، يتضمن فصلاً كاملاً بعنوان: وجوب تعظيم فاعل المعروف.
وفي حديث للإمام الصادق يقول: ((أجيزوا لأهل المعروف عثراتهم، واغفروها لهم، فإن كفَّ الله عليهم هكذا، وأومأ بيده كأنه يظلل بها شيئاً)).
وعنه أنه قال: ((لعن الله قاطعي سبيل المعروف))، قيل: وما قاطعوا سبيل المعروف؟ قال : ((الرجل يُصنع إليه المعروف فيكفره، فيمتنع صاحبه من ان يصنع ذلك إلى غيره)). ويُصدّق ذلك قول الرسول الأعظم : ((أسرع الذنوب عقوبةً كفران النعمة)).
ويُضيف الشيخ الصفّار: إلا أن المطلوب مع أصحاب المعروف أن لا ينتظروا من الناس شكراً، يقول الإمام علي : ((لا يزهدنّك في المعروف من لا يشكره لك فقد يشكرك عليه من لا يستمتع بشيء منه)).
وأشار إلى أن السيرة النوبية العطرة زاخرة بمواقف الإحسان وشكر المعروف من قبل رسول الله مستشهداً بنماذج تاريخية يتضح فيها أن رسول الله كان يُقدّم شكره ليس فقط لمن أسدى إليه معروفاً بل حتى لمن تربطه بهم صلة، فكان يحترم ويُواصل صديقات وجيران السيد خديجة إقراراً منه بفضلها، وتقديراً منه لمواقفها الجليلة. كما أكرم شيماء بنت مرضعته حليمة السعدية وأطلقها من الأسر وجميع قومها إكراماً لها.
وأكد الشيخ الصفّار أن مستوى التقدير ينبغي أن يتناسب ومستوى الإحسان، مستفهماً: وهل هناك من إحسانٍ يفوق درجة إحسان الوالدين؟ فكيف يُمكن للإنسان أن يُقدّم شكره لهما؟ مضيفاً: ينبغي على المرء أن يبذلك قصارى جهده في هذا الجانب، فذاك رجل كان يطوف حول الكعبة، ويحمل على ظهره والدته، فلما رأى رسول الله بادر بالقول: يا رسول الله أوفيت؟ فقال : لا، ولا بزفرة من زفرات الولادة.
واستنكر سماحته المعاملة السيئة التي يواجه بها الأولاد آباءهم وأمهاتهم، مؤكداً أن ذلك من أجلى مظاهر كفران النعمة.
وأوضح أن الأمر ينطبق على الواقع الأسري، وبالتحديد بين الزوج وزوجته، فينبغي لكلٍّ منهما أن يحفظ للآخر معروفه، حتى وإن حصل بينهما اختلافٌ في وجهات النظر.
وأكد في ختام خطبته أن من يجحد معروف الآخرين، عليه أن يتأكد أنه سيواجه من يجحد له معروفه، ويصادق على ذلك الحديث الشريف: ((بروا آباءكم، تبرّكم أبناؤكم)).
أكد الشيخ الصفار في الخطبة الثانية على أنه أمام الإنسان في مواجهة الانتكاسات والمشاكل منهجان:
المنهج الأول: البحث عن جهة خارجية لتحميلها المسؤولية.
المنهج الثاني: مراجعة الذات والبحث عن مواطن الخلل التي أدّت إلى الانتكاسة.
مبيناً أن غالبية الناس يسلكون المنهج الأول في مختلف شؤون حياتهم، أما الواعون على مستوى الأفراد والمجتمعات فإنهم يتعاملون وفق المنهج الثاني، مؤكداً أن القرآن الكريم يُربّي الإنسان المسلم عل هذا المنهج. فعندما انهزم المسلمون في معركة أحد، نزل قوله تعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وفيها أمرٌ صريح بأن يعود المسلمون إلى ذواتهم فيكتشفون مواطن الخلل عندهم.
وأشار إلى الأسباب التي تدعّم هذا المنهج:
أولاً- أغلب مشاكل الإنسان تأتي من ثغراته، وحتى لو وقع على الإنسان اعتداء خارجي، فإن أسلوب تعاطيه مع هذا الاعتداء له أثرٌ في درجة تفاقم المشكلة أو محاصرتها.
ثانياً- مراجعة الإنسان لنفسه يمنحه فرصة تطويرها، وسد ثغراتها، أما الوقوف عند إدانة الجهات الخارجية فإن ذلك لا يُعالج المشكلة من جميع جوانبها.
ثالثاً- نفس الإنسان بيده، فيستطيع أن يُعالج نقاط ضعفه، ويجعل هناك حداً للخلل. أما الآخرون فلا سيطرة له عليهم.
وأكد الشيخ الصفّار أن المجتمعات المتقدمة تتخذ هذا المنهج في مواجهة النّكسات، مشيراً إلى أن المثل الأبرز في الآونة الأخيرة هو إسرائيل وأسلوب تعاطيها مع الهزيمة النكراء التي تكبدتها أثناء حربها على لبنان، حيث أنها اتخذت إزاء ذلك أسلوباً حضارياً بتعيين لجنة متخصصة تحت إشراف جهة قضائية، مهمة هذه اللجنة الكشف عن مواطن الخلل والجهات المسؤولة عنه، وفي يوم الأربعاء 30 يناير 2008م، أصدرت هذه اللجنة (تقرير فينوغراد) وفيه اعتراف صريح بالإخفاق، وتحديد الجهات المسؤولة وحجم المسؤولية التي تتحملها كل جهة.
وتساءل سماحته: كيف تمكّنت هذه الدويلة المصطنعة من تعزيز قوّتها في المنطقة؟ مؤكداً في إجابته على عدة نقاط محورية في صنع القوة لدى هذه الدويلة وغيرها من الدول المتقدمة:
أولاً- حاكمية القانون.
ثانياً- وجود مرجعية عليا ترعى الاختلاف.
ثالثاً- الاعتراف بالخلل ونقاط الضعف.
وأشار إلى أن العالم العربي في معظمه يفتقر، لهذه المقوّمات، بل إن واقع العالم العربي أسوء من كونه لا يمتلك دعائم القوة، إذ أنه في بعض جوانب الخلل تجده يُكابر على الهزيمة ليتظاهر بالنصر بينما هو يعيش في داخله عمق الانتكاسة والخسران.
وأكد الشيخ الصفار في ختام خطبته على ضرورة الرجوع إلى الذات لاكتشاف أخطائها وتقويمها، فذلك أدعى من أن يقف الإنسان بين يدي الله تعالى وهو مكبّل بالخسارة، والقرآن الكريم يصف هذا المشهد الرهيب في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
والحمد لله رب العالمين