الشيخ الصفار يدعو لتطوير نمط العلاقات الاجتماعية
دعا سماحة الشيخ حسن الصفار لبلورة ثقافة جديدة تُطوّر نمط العلاقات الاجتماعية السائدة، مؤكداً على ضرورة أن يواكبها تشريع قوانين تخدم هذه الثقافة لكي تأخذ دورها الطبيعي في المجتمع.
مشيراً إلى أهمية وجود نماذج في المجتمع تتبنى هذه الثقافة وتحمل على عاتقها الممارسة العملية لها لكي تأخذ صداها في المجتمع.
وفي سياق آخر دعا سماحته إلى ضرورة المحافظة على المرافق العامة في البلاد وإبدائها بالصورة الحسنة الجميلة، معرباً عن استيائه لبعض الممارسات السلبية التي يقوم بها بعض الناشئة في هذه المرافق، محمّلاً الجميع مسؤولية ذلك، إلا أنه وجّه خطابه بشكلٍ مباشر للعائلة مؤكداً على ضرورة أن تقوم العائلة بدورها الأساس في هذا الجانب من التوجيه والتربية والإرشاد.
أشار الشيخ الصفار في بداية خطبة الجمعة غرّة صفر 1429هـ (8 فبراير 2008م) إلى أن العلاقات السائدة في أي مجتمع، سواءً بين أفراد العائلة، أو بين الناس والسلطة، أو بين شرائح المجتمع المختلفة، تنبع من إحدى حالتين:
الأولى: وجود موازين قوى تفرض نمطاً معيناً من العلاقة، بحيث يفرض الطرف القوي هيمنته على الضعيف، ويُصبح الضعيف خاضعاً للقوي.
الثانية: وجود ثقافة سائدة في المجتمع، تتحول إلى سلوكٍ وأعراف تحكم واقع المجتمع.
وأضاف: إن أنماط العلاقات في المجتمعات قابلة للتطوّر والتغيير، ونحن نشهد في التاريخ البشري الماضي والمعاصر أن بعض المجتمعات كانت تعيش نمطاً من العلاقة فيما بينها، إلا أنها تغيّرت، سواءً كان هذا التغير إلى الأفضل أو إلى الأسوأ.
وتساءل: كيف يتغير نمط العلاقات في المجتمعات؟ وفي إجابته أكّد أن ذلك يتحقق بنفس الطريق الذي نشأت منه العلاقة، فإما أن تتغير موازين القوى فتخلق نمطاً جديداً للعلاقة، أو تتغير الثقافة السائدة للمجتمع فينشأ نمط جديد وفقاً للثقافة الجديدة.
وأشار الشيخ الصفّار إلى أن نمط العلاقات في الجاهلية كانت مبنية على أسس غير صحيحة، حيث القبلية، والهيمنة الذكورية، وإلغاء عقول الناس لكي تتلخّص في عقل شيخ القبيلة، وغيرها من الأنماط الخاطئة. وعندما جاء الإسلام بشّر بثقافة جديدة، وخلق قوّة جديدة، ومن خلال ذلك تغيرت أنماط العلاقات وشهدت تحوّلاً كبيراً على مختلف المستويات والأصعدة.
وقد أرسى رسول الله دعائم هذه الثقافة من أول يومٍ للدعوة الإسلامية، وبعد فتح مكة جهر رسول الله بهذه الثقافة التي كانت تُخالف السائد والمألوف، فقال في خطبةٍ له: ((أيها الناس إن الله تبارك وتعالى قد أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية، والتفاخر بآبائها وعشائرها. أيها الناس إنكم من آدم وآدم من طين، ألا وإن خياركم عند الله وأكرمكم أتقاكم وأطوعكم له)).
وأكد الشيخ الصفار أن رسول الله لم يكتف بتبيين معالم هذه الثقافة الجديدة فقط، وإنما مارسها عملياً ليخلق بذلك نموذجاً يُحتذى به، ومن نماذج ممارساته :
- أمره لبلال بأن يؤذن فوق الكعبة المشرّفة، بينما هذا الأمر يغيظ أهل مكة ولا يستسيغونه.
- تقريبه سلمان الفارسي، بعد أن تفاخر مجموعة من الصحابة بأنسابهم، فبادر رسول الله وقال: ((سلمان منّا أهل البيت)).
- أمره بتنفيذ جيش أسامة، وبمشاركة شيوخ الصحابة، وفي الرواية أن رسول الله قال: ((نفّذوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عن جيش أسامة))، رغم أن أسامة صغير السنّ ويقود جيشاً فيه كبار الصحابة، فذلك يُمثّل تحولاً كبيراً أوجده رسول الله ومارسه عملياً.
وأضاف: إن بعض المجتمعات البشرية المعاصرة شهدت أيضاً تحولا كبيراً في نمط العلاقات السائدة فيها، فأمريكا، مثلاً، كانت قبل نصف قرن من الزمان تعاني من عنصرية مقيتة بين البيض والزنوج، إلا أنها تجاوزت هذه الحالة بوجود ثقافة جديدة وبتشريع قوانين تُعزز هذه الثقافة، ذلك لأن الثقافة بدون قوانين وتشريعات لا يمكن أن تؤدي مفعولها، وكذلك القوانين والتشريعات بدون الثقافة المساندة فإنها لن تستطيع أن تفرض سيطرتها.
وأكد الشيخ الصفار على أن المجتمعات العربية والإسلامية تسودها أنماط علاقة بحاجة إلى تغيير وتطوير، إلا أن عجلة التطوير تسير ببطء شديد، مشيراً إلى بعض نماذج هذه الأنماط، حيث يُمارس الرجل هيمنته على المرأة، ويُلغي الحاكم في كثير من البلدان إرادة الشعب، وهناك تمييز تعيشه الأطراف المختلفة فيما بينها عرقياً وطائفياً وقبلياً.
وتساءل: متى تتجاوز الأمة هذه الحالة، وكيف لها أن تُحقق ذلك؟ مؤكداً في إجابته على أن ذلك لا يتحقق بالشعارات فقط، إنما هناك حاجة ماسة لعدة أمور:
أولاً- ضخ ثقافة جديدة يقتنع الناس من خلالها بأن الكفاءة والجدارة هي المقياس، وليس أمراً آخر.
ثانياً- تشريع قوانين جديدة مقننة تُرّسخ نمط صحيحاً للعلاقات العادلة.
ثالثاً- وجود نماذج تتبنى هذه الثقافة الجديدة، وتُمارس أنماط علاقة جديدة لتعكس واقعاً جديداً في المجتمع.
واختتم الشيخ الصفار خطبته بالتأكيد على أن الإسلام أرسى دعائم ثقافة التغيير بأن جعل قيمة الإنسان بملكاته النفسية المتمثلة في التقوى، وبكفاءته، والمجتمع السليم هو الذي تكون أنماط العلاقة فيه ضمن هذا المنهج.
أشار الشيخ الصفار في الخطبة الثانية إلى أن الإنسان يأتي للدنيا طفلاً صغيراً لا يعرف شيئاً عن قيمته ولا عن قيمة الأشياء من حوله ولا يعرف كيف يتعامل معها. وبعد أن يكبر يبقى عاجزاً عن معرفة كل ما يدور حوله، إلا من خلال أسرته والبيئة التي يعيش فيها.
وعندما يُصبح الإنسان شاباً فإنه يكون في أمسّ الحاجة للتعليم حتى يكون إنساناً مسؤولاً، والقرآن الكريم يُقدّم نموذجاً في إطار التربية السليمة، من خلال مواعظ لقمان الحكيم لابنه، يقول تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾، هذه الموعظة التي تُلفت نظر الابن إلى أن الله تعالى سيُحاسبه على كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، حتى وإن كانت بمقدار مثقال حبة من خردل، والخردل: نبات به حبّات سوداء متناهية في الصغر، ويُضرب بها المثل للتعبير عن صغر الشيء.
وأكد الشيخ الصفار على أهمية دور العائلة في تفهيم الأبناء وتعريفهم بمسؤوليتهم في التعامل مع الأشياء من حولهم، مضيفاً: إننا نعيش في عصر الانفتاح حيث القنوات الفضائية، والإنترنت، والتي تحمل مختلف أنماط السلوك مما يجعل المسؤولية أكبر على العائلة في ترشيد أبنائها إلى التعامل السليم مع كل شيء يُحيط بهم.
وركّز حديثه على نقطة مهمة، وهي التعامل مع المرافق والمصالح العامة، من الشوارع والحدائق وأنوار الإضاءة وغيرها. مؤكداً أن هذه المرافق تخدم الناس جميعاً ومن الضروري أن ينعكس جانب الاهتمام بها، وعلى العائلة الدور الأساس في غرس أساليب التعامل الإيجابية مع هذه المرافق.
وأشار إلى وجود بعض الممارسات السلبية التي بدأت تنتشر في وسط المجتمع من عدم الاهتمام بهذه المرافق، ومؤخراً تعرضت (9) حدائق في محافظة القطيف كما في مناطق أخرى للعبث وإتلاف محتوياتها.
وأوضح الشيخ الصفار أن بعض الممارسات التي يقوم بها الآباء أو الأمهات تغرس هذه الحالة عند الأبناء، حيث يهتم البعض من الناس بمنازلهم فقط، أما إذا كانوا في إحدى المرافق العامة فيعتبرون ذلك خارج مسؤولياتهم، فيلقون القمامة في أي مكان دون أن يكون في حسابهم أن هذه الممارسات تغرس نوعاً معيناً من التربية الخاطئة لدى الأبناء.
وفي مقارنة سريعة بين واقع المرافق العامة في المجتمعات العربية والمجتمعات الغربية يقول الشيخ الصفار: إننا نتعجب من الواقع الذي يعيشه الناس في تلك المجتمعات حيث الاهتمام الكبير بالمرافق العامة، بينما في مجتمعاتنا العربية لا يُعيرون لهذا الجانب الاهتمام المطلوب.
وردّاً على من يُبرر الممارسات السلبية بعدم وجود وظائف لدى الشباب، يقول الشيخ الصفار: هذه مبررات غير مقبولة، فالمرافق العامة تُمثّل ثروة المجتمع، ومصلحته، وتعكس سمعته بين المجتمعات، وكل فردٍ في المجتمع معنيٌ بهذا الجانب. فليس هناك معنى للعبث بالمرافق العامة نتيجة عدم الحصول على وظيفة، فذلك مثله كمثل الذي يبدد أمواله وثروته لأنه لم يحصل على وظيفة، وهذا ليس مقبولاً عقلاً ولا منطقاً.
وأكد الشيخ الصفار في ختام الخطبة على ضرورة أن تتحمل العائلة دورها في تربية ألأبناء وتشجيعهم على الممارسات الإيجابية، وبث ثقافة واعية تخدم هذا الجانب، كما أنه ينبغي إظهار الاستياء لأي حالة عبث تحصل في المرافق العامة.
مضيفاً: إن ديننا الحنيف يأمرنا بأن نكون نظيفين أنيقين في كل أمورنا، (والله جميلٌ يُحب الجمال).
والحمد لله رب العالمين