ترجمة الفقيد الراحل الحاج موسى الشيخ رضي الصفار بقلم سماحة الشيخ حسن بن موسى الصفار في تقديمه لديوان والده (من فيض الولاء)
من طبيعة النفس البشرية السويّة أنها تحب الخير والجمال، وتعشق الفضيلة والكمال، فإذا ما جسّد شخص من الناس، شيئاً من مبادئ الخير والقيم السامية، فإنه بنفس الدرجة يتبوأ مكانة من الحب والتقدير في النفوس، وتنجذب نحوه القلوب.
ولعل ذلك هو ما تشير إليه الآية الكريمة قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾[1] فالإيمان والعمل الصالح، يعني التحلي بمكارم الأخلاق، وجميل الصفات، وذلك يزرع لهم المحبة والودّ، والإجلال والإكبار في نفوس الأسوياء ولم يحفل التاريخ البشري بسيرة أقدس وأطهر من حياة نبي الإسلام محمد ، وعترته الطاهرة فقد جسدوا قيم الخير والفضيلة بأرفع درجاتها، وتكاملت في شخصياتهم مكارم الأخلاق بأجلى معانيها، حيث توفّروا على أرقى مستوى من العلم والمعرفة، وكانوا المثل الأعلى في الأخلاق، والتزام تقوى اللَّه عز وجل. لذلك من الطبيعي أن تهوي إليهم الأفئدة، وتهيم بحبهم القلوب، وتعشق سيرتهم النفوس.
ومن توفيق اللَّه تعالى للمجتمعات الموالية لأهل البيت ، أن تأصلت وتجذرت في أوساطهم تقاليد وشعائر لتخليد ذكر أهل البيت ، واستعادة قراءة سيرهم العطرة، وإحياء أمرهم، بالحديث عن فضائلهم العظيمة، ومواقفهم النبيلة، وتعاليمهم النافعة.
وذلك استجابة لتوجيهات أئمة الهدى ، الذين أمروا شيعتهم وأتباعهم بإحياء أمرهم، وشجعوهم على التفاعل مع ذكرياتهم السارّة والمحزنة، كما روي عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: ((فأحيوا أمرنا، فرحم اللَّه من أحيا أمرنا))[2] . وروي عن الإمام علي الرضا أنه قال: ((إن سرك أن تكون معنا في الدرجات العلى فاحزن لحزننا، وافرح لفرحنا))[3] .
إن ناشئة وأبناء الموالين لأهل البيت ، يتفتق وعيهم وهم في أحضان آبائهم وأمهاتهم، على ذكر أهل البيت ، وتمتلئ أسماعهم وأبصارهم بأخبار سيرتهم العطرة، وتنطبع في أعماق نفوسهم ومشاعرهم صور التقديس والتعظيم لأولئك الأئمة الهداة.
وموسم عاشوراء، ومناسبات ذكريات مواليد الأئمة ووفياتهم، خير شاهد على برامج تكريس الولاء والارتباط بأهل البيت في أوساط المجتمعات الشيعية.
هذه البرامج الولائية المتجذرة والمتطورة عبر مسيرة زمنية طويلة، بدأت من عصور الأئمة أواخر القرن الأول للهجرة، أنتجت ثقافة واسعة، متعددة الألوان والأشكال، من الشعر والنثر، تُعنى بتاريخ أهل البيت ، والإشادة بمواقفهم، والتفجّع لمآسيهم ومصائبهم.
ويأتي الشعر في طليعة ذلك الإنتاج الثقافي الولائي، حيث تراكمت ثروة كبيرة من الأدب، انصبّ قسط وافر منها على التذكير بالمصائب والآلام التي حلّت بالعترة الطاهرة، من قبل أعدائهم الظالمين، والغاصبين لحقهم. وهي تستهدف إذكاء مشاعر التعاطف مع أهل البيت كأصحاب حق مظلومين، وترسيخ التباعد والنفور من الظلمة المعتدين، كما أنها تبرز صور البطولة والثبات على المبدأ في حياة أهل البيت ، رغم ما وقع عليهم وأصابهم من فجائع ونكبات.
بدأ هذا الأدب الولائي باللغة العربية الفصحى، في أرقى مستوياتها البلاغية، متمثلاً في شعر الكميت والسيد إسماعيل الحميري ودعبل الخزاعي وغيرهم، واستمر مع أجيال الأدب الصاعدة، في مستوياتهم المتفاوتة والمختلفة،ولما انتشرت اللغة العامية في أوساط المجتمعات العربية، على تنوع لهجاتها، أصبحت هناك طبقة من الشعراء الولائيين الذين ينظمون الشعر باللغة الدارجة في مجتمعاتهم، باعتبارها أقرب إلى فهم الجمهور، وأقدر على تحريك عواطفه ومشاعره.
بالطبع يتفاوت مستوى هذا الشعر الولائي بقسميه الفصيح والدارج، من حيث قيمته الأدبية، ورصانة محتواه، فبعضه لا يخلو من الضعف والركاكة في الأسلوب، ومن الغلو والمبالغة في تصوير بعض المواقف والأحداث، انطلاقاً من طبيعة الشعر الخيالية، واستجابة لما يتداول في أوساط الجمهور الشعبي، من حكايات وأحاديث لا يستند بعضها إلى تدقيق وتحقيق.
وهذا الديوان الذي بين يدي القارئ الكريم، (( من فيض الولاء )) هو نموذج وعينّة من أدب الولاء لأهل البيت ، حيث ترسم قصائده، وأغلبها باللغة العامية الدارجة، صوراً عميقة التأثير في المشاعر والعواطف، حول مصائب أهل البيت وآلامهم، كما تسجل أروع المشاهد من بطولاتهم ومواقفهم الرسالية الصامدة.
ناظم قصائد هذا الديوان هو والدي الكريم الحاج موسى بن الشيخ رضي بن علي بن محمد بن حسن بن فردان الصفار الهمداني، انتساباً إلى قبيلة همدان اليمنية المعروفة[4] .
ولادته:
ولد حفظه اللَّه بتاريخ 20/7/1345هـ حسب ضبطه شخصياً عن والديه، لكن تاريخ ولادته في الوثائق الرسمية هو سنة 1341هـ وهو خطأ بسبب التساهل في التعاطي مع الوثائق الرسمية عند بداية تكوّن أجهزتها في البلاد، وفي بعض الأحيان كان يستفاد من زيادة العمر في الوثائق، لتسهيل إجراءات فرص التوظيف، التي تستلزم سناً معيناً.
وكانت ولادته في موطن عائلته (تاروت) وهو الولد الثالث لأبويه بعد أخيه الشيخ عبد الحميد (1325-14/8/1398هـ وأخته فاطمة توفيت سنة 1398هـ رحمهما اللَّه. وهناك أخ رابع اسمه (عيسى) لم يمهله الأجل، حيث مات بتاريخ 8/10/1354هـ وله من العمر خمس سنوات.
الحاجة زهراء بنت الحاج احمد بن قاسم الحجاج، توفيت بتاريخ 4/1/1400هـ، وكان والدها الحاج أحمد من كبار نواخذة الغوص في المنطقة، وله مكانة مرموقة في مجتمعه.
الشيخ رضي بن علي بن محمد بن حسن بن فردان الصفار (1295هـ-1374هـ) .
تلقى علومه في النجف الأشرف - العراق، حيث هاجر إليها سنة 1317هـ وحضر البحث الخارج في الفقه والأصول على كبار الفقهاء المراجع منهم:
- الإمام الشيخ محمد كاظم الآخوند الخراساني (توفي 1329هـ).
- الإمام السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي (توفي 1337هـ).
- الإمام الشيخ فتح اللَّه المشتهر بشيخ الشريعة (توفي 1339هـ).
- الإمام الشيخ الملا هادي الطهراني.
- الإمام الشيخ أحمد كاشف الغطاء (توفي 1344هـ).
وكانت علاقته وثيقة بالإمام السيد محمد كاظم اليزدي (كان من أخص الناس بهذا الزعيم بل كان له كيده ولسانه) حسب تعبير الشيخ فرج العمران[5] .
وبعده توثقت علاقته بالإمام الشيخ أحمد كاشف الغطاء فكان ( تلميذه الخاص ووكيله العام )[6] .
عاد من العراق بعد إنهاء دراسته العلمية سنة 1335هـ مزوداً بشهادات وإجازات من كبار العلماء من أساتذته تشيد بمكانته العلمية وتدعو الناس للالتفاف حوله والاستفادة منه، فقد جاء في شهادة الإمام السيد محمد كاظم اليزدي: (( وهذا عمدة العلماء وزبدة الفضلاء وصفوة الأتقياء البر التقي الشيخ رضي بن الحاج علي آل فردان الصفار رضي اللَّه عنه وأرضاه، وأسعده بتقواه، قد هاجر إلى النجف الأشرف برهة من الزمن ولم يزل طول إقامته في ذلك المكان الشريف مواظباً على تحصيل العلوم الشرعية الشريفة، مع هدى وصلاح، وتقوى ونجاح، حتى بلغ وللَّه الحمد المراتب العالية، والمنازل السامية، ونال ما فيه بلاغ لطالب، وكفاية لراغب، فعلى إخواننا المؤمنين وفقهم اللَّه تعالى لمرضاته الاقتباس من أنواره، والاقتداء بآثاره، والملازمة له في تعلم الأحكام، ومعرفة الحلال والحرام، وأخذ المسائل الشرعية منه )).
وجاء في شهادة الإمام الشيخ أحمد كاشف الغطاء: (( وقد صرف شطراً وافراً من عمره الشريف في تحصيل العلوم الدينية وتحقيق الأحكام الشرعية، فكرع من نمير حياضها، واقتطف من أزهار رياضها، ما يروي الغلة، ويشفي العلة، وينقع الصدى، ويقمع العدى، ويثلج الصدر، ويحصل به زاد الطالب، ومناخ الراكب، وبغية السائل، وري الناهل،وفيه لمن اختبره شواهد واضحة، وأنوار لائحة، ومخائل صادقة، وأعلام ظاهرة، فعلى إخواننا المؤمنين أيدهم اللَّه تعالى بروح منه الاستضاءة بأنواره والاقتفاء بآثاره )).
في وطنه كان يمارس دور الإرشاد الديني متنقلاً بين بلدته تاروت ومدينة القطيف ومدينة صفوى.
(( ولم يزل طيلة حياته في أي بلاد سكن، وفي أي محل قطن، يقيم الصلاة جماعة، ويبث المسائل الشرعية الفقهية، والمواعظ الإرشادية، مؤدياً رسالته العملية على أحسن وجه وقلَّما حضر مجلساً لم يروج فيه المسائل الدينية، وكان كثيراً ما يفتتح إرشاده ووعظه بقوله: أيها الناس اسمعوا وعوا ))[7] .
ـ له بعض الحواشي على جملة من الكتب المنطقية والفقهية والأصولية والكلامية والحكمية وبعض الحواشي والشروح والتحقيقات على جملة من الرسائل والتأليفات المدونة في بعض الفنون كعلم الأوفاق والحساب والكيمياء وغير ذلك.
- توفي صبيحة يوم الأحد 4/2/1374هـ في طريقه من إيران إلى العراق في منطقة كرمانشاه ودفن في الكاظمية ببغداد بجوار الإمامين موسى بن جعفر الكاظم ومحمد بن علي الجواد .
- درس على يديه عدد من العلماء الفضلاء منهم:
1- الشيخ علي بن يحي المحسن (1326هـ - 1401هـ).
2- الشيخ منصور بن علي آل غنام (1313هـ - 1372هـ).
3- الشيخ علي بن إبراهيم الفليتي التاروتي (1315هـ - 1377هـ).
تعلّم القرآن الكريم عند المعلمة بنت سلمان بن مفتاح زوجة ابن عمه الحاج عبداللَّه بن علي الصفار. وتعلّم الحساب عند ابن عمه الحاج محمد صالح الصفار. وتعلّم القراءة والكتابة ومبادئ العربية والفقه على يد الشيخ علي ابن يحيى المحسن. وتعلّم الخطابة الحسينية على يد خاله الملا عبداللَّه بن أحمد الحجاج، والملا علي بن حسن الطويل، والملا مكي بن قاسم الجارودي، والملا باقر المدن. ومارس الخطابة مساعداً لمعلميه المذكورين، لكن ظروف الحياة صرفته إلى العمل الوظيفي.
وحينما افتتحت مدرسة للتعليم الابتدائي المسائي في القطيف على يد مدرسين متطوعين، انظم إليها، ولمعرفته الجيدة بالقراءة والكتابة والحساب، ألحق بالصف الثالث، وبعد فترة وجيزة نقل إلى الصف الخامس.
بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تعيشها أسرته، دخل ساحة العمل والكسب في وقت مبكر من حياته، حيث اشتغل بالبيع والشراء وعمره أربعة عشر سنة، في بلده تاروت، وبينها وبين القطيف، مع صعوبة توفّر وسائل المواصلات آنذاك، لعدم وجود طريق بري بين القطيف وجزيرة تاروت المحاطة بالبحر، فكانت الدوابّ هي وسيلة المواصلات، حينما ينحسر الماء،وهي غير متوفرة دائماً وفي حالات كثيرة كان يضطر للسير على قدميه عبر المقطع الفاصل بين تاروت والقطيف، وهي رحلة شاقة محاطة بالأخطار، وخاصة في فصل الصيف اللاهب.
ثم انتقل إلى القطيف سنة 1362هـ وتوظف كاتباً عند الحاج عبد الجليل الزهيري، وشريكه الحاج حسن الشيخ علي الخنيزي، في متجرهما لبيع المواد الغذائية.
واشتغل بعد ذلك كاتباً عند الحاج محمد صالح النهاش، في متجره لبيع الأقمشة، ثم عند الحاج مهدي الأسود وشركاه أبناء الحداد، في تجارتهم بالمواد الغذائية.
وبعد ردح من الزمن استقل بعمله وفتح له متجراً لبيع الأقمشة في صفوى، واستمر فيه ثم انتقل بعدها إلى القطيف وأنشأ مؤسسة تجارية للخدمات العامة، وامتهن تخليص معاملات الجوازات والإقامات، لبعض المؤسسات والشركات. إلى أن تقاعد عن العمل سنة 1419هـ لتقدم سنه وإصابته ببعض أمراض القلب.
إلى جانب تلك المهن كان يقوم بكتابة الوصايا، وإجراء مراسيم عقود الزواج، وتقسيم تركات الإرث، وقراءة سير الأئمة في الحسينيات لمناسبات مواليدهم و وفياتهم، وإرشاد الحجيج في بعض السنوات ضمن حملات الحج.
هكذا عمل في مجالات مختلفة، واتخذ مهناً متعددة، لكسب لقمة العيش الشريف، ورعاية أسرته وعائلته، وتحمّل في كدّه وكدحه الأتعاب والمشاق، كما هو شأن الكثيرين من أبناء جيله.
من حداثة سنّه تحمل مسؤولية إعالة والدته، لأن والده الشيخ رضي رحمه اللَّه كان يتنقل للإرشاد الديني في مناطق مختلفة، وكان وضعه المادي ضعيفاً، كما كانت له زوجة أخرى.
وإضافة إلى والدته فقد ترملّت أخته فاطمة بوفاة زوجها وانضمت إلى رعايته.
ولاستقراره في القطيف من أجل العمل والكسب، فقد تزوج فيها بتاريخ20/12/1365هـ، واقترن بالوالدة الكريمة (زهراء بنت الملا محمد بن الشيخ عبد اللَّه بن الشيخ عبد العزيز بن الشيخ حسين آل سيف)، والتي رافقته في رحلة كدحه وعنائه، فاتخذت من بيتها متجراً تبيع فيه للنساء الأقمشة، وبعض المواد الغذائية، والاحتياجات المنزلية إضافة إلى تحملها أعباء المنزل، وتربية الأطفال. واستمرت على ذلك لفترة من الزمن. توفيت رحمها اللَّه في دمشق بتاريخ 19 رمضان 1414هـ ودفنت بمقبرة السيدة زينب بعد صراع مع أمراض القلب لعدة سنوات. تغمدها اللَّه تعالى برحمته واسكنها فسيح جناته.
وقد رزقهما اللَّه تعالى ثلاثة أولاد ذكور، وابنتين:
1- عبد الكريم
2- طيبة
3- حسن (كاتب هذه السطور)
4- ميمونة
5- محمد
وبعد وفاة الوالدة (رحمها اللَّه) تزوج من امرأة مقاربة له في السن هي الحاجة زينب بنت حسن البابا في 29 صفر 1420هـ.
نشأ محباً للعلم والأدب، بتربيته في أحضان والده الشيخ رضي، ثم بتتلمذه على بعض العلماء والخطباء الأفاضل.
وكانت صحبته لأهل العلم والأدب، وعلاقته المستمرة معهم، حافزاً على مواصلة اهتماماته المعرفية والأدبية، ومن طليعة أصدقائه الفضلاء: الشيخ علي الشيخ منصور المرهون، وأخوه الخطيب الملا سعيد المرهون، والشيخ سعيد أبو المكارم، والخطيب السيد هاشم السيد شرف الصفواني، والذي كان يجالسه يومياً -تقريباً- في دكانه بصفوى، فترة تجارته هناك، وبعد وفاته كان لولده الخطيب السيد عبداللَّه نفس البرنامج في المرور بدكان الوالد وقضاء فترة من الوقت معه لتبادل أطراف الأحاديث الدينية والأدبية، بشكل شبه يومي.
ومن اهتماماته الدائمة مطالعة الكتب، حيث يقتني كتب المعارف الدينية والأدبية، ويصرف قسطاً من وقته في قراءتها.
وقد بدأ مشواره الأدبي في نظم الشعر من أيام شبابه في تاروت، حيث كان ينشد اللطميات في مواكب العزاء، وحينما انتقل إلى القطيف، مارس نفس الدور مع مواكب العزاء، أيام عاشوراء، وخاصة في منطقة سكنه (الدبابية).
وبعد ذلك صار ينظم القصائد الملحمية ذات النفس الطويل، باللغة الدارجة، كقصيدته في بطولة علي الأكبر وشهادته، وبطولة القاسم بن الحسن وشهادته، وبطولة مسلم بن عقيل وشهادته، حتى توجّها بملحمته الحسينية الشاملة التي بلغت مائتين وتسعة أبيات.
ولازلت أتذكر أيام طفولتي وأنا في حوالي الرابعة والخامسة من عمري، حيث كان يدور بي على سطح منزلنا الذي انتقلنا إليه من (الدبابية) في منطقة (الدوبج) ليالي الصيف ليلقنني ويحفظني منظوماته في مراثي أهل البيت .
وقد رسخت تلك القصائد في ذاكرتي من فترة الصغر، وحينما بدأت الخطابة الحسينية، كانت رصيداً وزاداً لي عند ذكر المصيبة والعزاء، وكانت تلفت نظر المستمعين لطولها واستيعابها لتفاصيل وقائع السيرة، بحيث لا حاجة لسرد الأحداث نثرياً، ولأنها كانت مليئة بالصور الوجدانية والعاطفية المؤثرة، وكانت جديدة على الأسماع، تختلف عما يتداوله الخطباء من الفائزيات والنصاريات والجمرات.
وقد سألني العديد من الخطباء والأدباء، في المناطق المختلفة التي قرأت فيها، كالقطيف، والأحساء، والكويت، وخوزستان إيران، وسوريا، عن ناظم هذه الملاحم، وعن المصادر التي تحتويها، فأخبرهم أنها لوالدي الكريم، فيحثوني على طبعها ونشرها، وبعضهم طلب مني نسخة من بعض مقطوعاتها.
واقترحت على الوالد (حفظه اللَّه) عدة مرات أن يجمعها ويهيئها للطبع، فكان يعتذر عن ذلك، بعدم مناسبة الظروف، وباشتغاله، وعند إلحاحي عليه كان يقول إنها لا تستحق النشر، وذلك لتواضعه.
ولاستمرار مطالبتي له وافق أخيراً على جمع ما لديه من القصائد والمنظومات، لإعدادها للطبع والنشر، مضيفاً إليها ما نظمه بالفصحى في بعض المناسبات الدينية والاجتماعية.
فتألف هذا الديوان (من فيض الولاء) والذي أقدمه بين يدي القراء الكرام، وخاصة إخواني الخطباء المهتمين بهذا اللون من الأدب الولائي، راجياً أن يجدوا فيه ما يفيدهم لإحياء مناسبات ذكريات أهل البيت .
اسأل اللَّه تعالى لأبي طول العمر، وكمال الصحة والعافية، وأن يتقّبل اللَّه منه هذا الجهد الولائي في خدمة العترة الطاهرة، وأن يجعله في ميزان أعماله وحسناته، وأن يحشره في زمرتهم، ويرزقه شفاعتهم.
كما أسأله تعالى أن يوفقني لبره وخدمته أداءً لحق أبوته كما رباني صغيرا، وأن ينفعني ببركة دعواته الصادقة الحانية.
والحمد للَّه رب العالمين.
حسن بن موسى الصفار
20 رمضان 1422هـ