المرأة وتحديات الواقع الاجتماعي
أكد سماحة الشيخ حسن الصفار أن المرأة باستطاعتها أن تعمل الكثير في مجال التغيير على مستوى المجتمع بما لها من دور فعال على مستوى الأسرة، ولما تمتلكه من إمكانيات عالية على مستوى الأمومة أو الشراكة الزوجية، وقال: إننا على موعد مع عطاء المرأة، التي يجب عليها أن توفق بين أن تقوم بدورها العائلي التربوي، وفي نفس الوقت أن يكون لها دورها الاجتماعي.
جاء ذلك ضمن محاضرة نسائية بعنوان (المرأة وتحديات الواقع الاجتماعي) ألقاها على الأخوات المؤمنات في حسينية الحجة بالقطيف يوم الجمعة 7/2/1429هـ.
هذا وقد بدأ سماحة الشيخ حديثه حول التغيير مستنيرا بنور الآية الكريمة: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ سورة الشورى آية (30).
يتصور كثير من الناس أن الواقع الذي يعيشونه مفروض عليهم وأنه لا مناص لهم منه، بينما تؤكد ثقافة القرآن على أن الواقع الذي يعيشه الإنسان إنما هو من صنعه، وهو الذي يتحمل مسئوليته، سواءا كان هذا الواقع سليما صحيحا، أومؤلما سيئا، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى أعطى الإنسان في هذه الحياة الإرادة والعقل، فهو يفكر ويختار، والواقع الاجتماعي الذي يعيشه إنما هو من صنعه ومن كسبه، ولذلك يقول تعالى ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ أي شيء يتألم منه الإنسان في واقعه الاجتماعي العام فإنما هو ناتج عن اختيار هذا المجتمع وعن سيره، ويمكن لأي واقع اجتماعي أن يتغير أو يتبدل إذا أراد الإنسان ذلك وسعى من أجله، يقول الله تعالى ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ سورة الرعد آية (11)، فإذا غيروا ما بأنفسهم وأصبحت لديهم إرادة التغيير وامتلكوا مقوماته، فإن الله يغير الواقع الذي يعيشونه، ونحن الآن نعيش واقعا اجتماعيا فيه الكثير من نقاط الضعف، والثغرات، وفيه الكثير مما نتألم منه ولا نرتضيه، فإذا قلنا بأنه واقع مفروض علينا، فإننا نفينا المسئولية عن أنفسنا، وتهربنا من تحمل مسئولية تغيير هذا الواقع، أما إذا اعتقدنا كما يقرر القرآن الكريم بأن هذا الواقع ناتج عن عملنا وتوجهنا وكسبنا فإن ذلك يعني أننا نتحمل مسئولية هذا الواقع وأنه يمكننا التفكير في تغييره إلى الأحسن، وذلك لأن الواقع الاجتماعي يصنعه كل أبناء المجتمع وشرائحه، والمرأة هي نصف المجتمع بل هي النصف المؤثر فيه، فكل أفراد المجتمع يتخرجون من أحضانها، فهي إذا صاحبة التأثير الكبير عليهم، وبالتالي فإنها شريكة في صنع هذا الواقع المعاش، وبإمكانها أن تؤثر في تغييره.
ثم تطرق سماحة الشيخ إلى التحديات التي تواجه المجتمع، وأشار إلى ثلاثٍ منها:
التحدي الأول: التحدي القيمي والسلوكي، فسلوك الناس ومدى التزامهم بالقيم أصبح يشكل تحديا كبيرا أمام المجتمع، كان مجتمعنا إلى وقت قريب يوصف بأنه مجتمع محافظ، ومستقر، وفيه مراعاة للأخلاق والقيم، لكننا اليوم صرنا نعيش وضعا يثير الكثير من القلق، فالقيم الأخلاقية أصبح تأثيرها محدودا، لقد بدأت تتكون من أبناءنا وناشئتنا مجاميع متمردة على القيم والأخلاق مما هدد أمن المجتمع، وبدد استقراره، لا نريد أن نتشاءم كثيرا لكننا أيضا لا يصح أن نصبح كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال، وأن نستهين بالواقع الذي نعيشه، هناك أمور لو تأملناها، أو جمعنا أشتات المعلومات عنها لاتضح لنا مدى القلق الذي يجب أن نعيشه من واقعنا الاجتماعي، بدأت حالات العنف وممارسته تتسلل لمجتمعنا، كانت في الماضي تمر فترة قد تصل إلى سنة ولا تمر بالقطيف حالة قتل واحدة، أما اليوم ففي السجن ثلاثون شخصا متهمون بحالة قتل عمد يستحقون القصاص، كل ذلك بسبب ممارسة العنف إلى حد إزهاق النفس المحترمة، أما العنف الذي يؤدي إلى الجراحات فهو أكثر من ذلك بكثير، لقد أصبح شائعا بين استخدام العنف والسلاح، واستخدام الآلات الحادة، بالأخص بين الشباب، بل إننا اليوم نواجه عنفا بشعا هو العنف الأسري، والصحف ووسائل الإعلام تنشر عن بعض حوادثه، كالحادثة التي تتحدث عنها اليوم وسائل الإعلام، عن رجل في منطقة مكة، قام بتقييد ابنته ذات الثمان سنوات بسلاسل الحديد لشهور عدة، حتى تأثرت قدماها ويداها من ذلك، وتم انقاذها بعد ان وصل الخبر إلى مسامع الدولة، ولعلكم قرأتم أيضا عن ذلك الأب الذي حلق شعر ابنته وحاجبيها، لأن نتائجها في الامتحانات لم تعجبه!!، وهي في الثامنة عشر من عمرها.
أيضا انتشار حالات السرقة، سواء سرقة البيوت أو المحلات، أو حتى حقائب النساء وجوالاتهن وهن يسرن في الشارع، أو في الأسواق، والأخطر من ذلك انتشار المخدرات، وسريانها في شرائح من شباب مجتمعنا ذكورا واناثا، وتعلمون أن إدمان المخدرات هو بوابة لمختلف الجرائم وأفضعها، فإن من يدمن على المخدرات مستعد لبيع شرفه وعرضه فضلا عن دينه، لا يردعه عن ذلك رادع.
هذه بعض مظاهر الانحلال السلوكي والقيم في المجتمع ويوجد غيرها الكثير كعقوق الوالدين والذي بدأنا نسمع عن حوادث تؤلم الإنسان، بل تقطع القلب.
صحيح أن لدينا مشاهد للتدين كما يحدث في عاشوراء والمناسبات الدينية الأخرى، فالمظاهر الدينية كثيرة كالمآتم والمواكب، ومجالس ذكر أهل البيت ، لكن يجب الا تخفي هذه المظاهر ما يدور في خفايا المجتمع، فهناك اشياء أخرى كالانحلال والإنحراف يجب ان نتوجه له ونحاول اصلاحه، كنا في الماضي نسمع عن بعض الحوادث، وبعض الخروقات على فترات زمنيه متباعدة، واليوم اصبحنا نواجه قضايا كثيرة على صعيد الخيانة الزوجية من كلا الطرفين، بحيث ما عاد الإنسان يستنكر حصولها، لقد اصبحت وكأنها من القضايا المألوفة التي قد تحدث في المجتمع، أما العلاقات غير المشروعة بين الشباب والفتيات فحدث عنها ولا حرج، فالمشاكل والحوادث الكثيرة التي نسمعها تؤلم القلب، ويبين أن هذا التحدي – التحدي القيمي والسلوكي – من التحديات الكبيرة التي يواجهها مجتمعنا.
التحدي الثاني: ضغوطات المعيشة، كان الإنسان في الماضي يعيش حياة البساطة، كما أن متطلبات الحياة بسيطة ايضا، والقناعة بما يتوفر كانت تعمر نفوس الناس، ولقد سمعت الكثير من القصص من معاصرين عاشوا تلك الأيام، نقلوا أنهم كانوا وآبائهم يعيشون الحاجة والفقر والمجاعة في كثير من الأحيان، ولكن نفوسهم كانت عفيفه، أما الآن فضغوط المعيشة تواكبت مع تطلعات كبيرة عند الإنسان، فهو يريد أن يعيش حياة الرفاهية، وأن تتوفر له كل مستلزمات الراحة، وفي نفس الوقت هناك تضخما اقتصاديا ومشاكل اقتصادية، فأصبحت متطلبات المعيشة تشكل ضغطا على الإنسان فتؤثر في نفسه ومشاعره وسلوكه، كما تؤثر في علاقاته، وقد تحدث المختصون عن انتشار أمراض الإطراب النفسي وزيادتها، كحالات الاكتئاب والانطواء، وكحالات ردود الفعل والقهر النفسي، كل هذا بسبب ضغوط المعيشة على الناس، فالدراسة أصبحت عامل من عوامل الضغط على الإنسان، فأن يحصل الطالب على كرسي في الجامعة أو لا، وأن يحصل إذا نجح وتخرج على وضيفة أو لا، وإذا حصل على وضيفة فهل ستكون مناسبة لتكوين حياته المستقبلية أم لا؟
اصبح السكن اليوم ازمة، وكذلك الزواج، بل كل شيء اصبح اليوم يشكل أزمة عند مساحة كبيرة من أبناء المجتمع، وهذا أيضا من التحديات الخطيرة التي تواجه مجتمعنا اليوم.
التحدي الثالث: هو تحدي تفاوت المستوى بالنسبة للمحيط، فنحن نعيش في بلد يعيش إلى جانبنا آخرون، فما هو مستوى وضعنا قياسا بالآخرين؟
هل نعيش معهم في نفس المستوى؟
هل هناك تكافؤ في الفرص؟
هل هناك تقارب في مستوى الحياة المعيشية؟ أم أن هناك فواصل وتمايز بين المستويين؟
نحن نلحظ أننا وبكل وضوح لا نعيش في نفس المستوى الذي تعيشه الجماعات والمجتمعات الأخرى في بلادنا، فلا تزال هناك فواصل وحواجز، وهناك تفاوت في المستوى، وهذا التمايز مجالاته متعددة، يتضح في مدى الحراك الاقتصادي في المجتمع، ومدى تكون الثروات فيه، وكذلك في المجال العلمي والمعرفي، وفي المواقع التي يتبوأها أبناء المجتمع.
هذه ثلاثة من أهم التحديات التي تواجه مجتمعنا.
المحور الثاني: المرأة وعوائق التغيير
ثم انتقل سماحة الشيخ الصفار للمحول الثاني متسائلا: هل للمرأة دور في تغيير هذا الواقع أم لا؟
ربما تتصور كثير من الأخوات أنها لا تستطيع أن تمارس دورا، أو أن تنتج فاعلية في مجتمعها، وتعتقد أنها العنصر الضعيف، وأن الهيمنة في الواقع للذكور، وأنهن يعشن حالة من التهميش وإلغاء الدور.
هذا صحيح وهناك مصداقية لهذا التصور فمجتمعنا كأغلب المجتمعات العربية والإسلامية من المجتمعات الذكورية، والتي يهيمن فيها الرجل على كل شيء، ويهمش أو يصادر دور المرأة، هذا واقع لا يمكن إنكاره، والعوائق التي تقف في وجه المرأة كثيرة لكننا نذكر أهمها:
العائق الأول الذي تواجهه المرأة هو العائق القانوني، فالمرأة في مجتمعاتنا تواجه عوائق تمنعها أن تمارس دورها الطبيعي بحجمها في المجتمع، هذه العوائق تختلف فبعضها قانوني، وبعضها سياسي أو اقتصادي، فالرجل يستطيع ان يتحرك بحرية أكبر وفي مساحة أوسع، إذ يجد الرجل أن القانون إلى جانبه، أما المرأة فإن الكثير من القوانين والتشريعات فيها الكثير من الحيف على حقوق المرأة وحريتها، وعلى دورها في المجتمع.
العائق الثاني هو العائق الثقافي، لأن الثقافة السائدة في المجتمع لا تعترف للمرأة بكمال إنسانيتها، فبعض المواقع تسود فيها فكرة أن المرأة إنسان من الدرجة الثانية، في مقابل الرجل الذي يأتي في الدرجة الأولى فهو بالتالي أفضل منها، وهي ثقافة خاطئة بلا شك، والقرآن الكريم لا يقر هذا التمييز، ولا هذا التفضيل، وإنما يجعل النساء والرجال جنبا إلى جنب وعلى مستوى واحد من الفضل، كما هم على مستوى واحد من المسئولية، أما الاستدلال بقوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾ سورة النساء آية (34)، فهذا استدلال خاطئ، لأن القوامة إنما تكون في الحياة الزوجية وضمن الضوابط الشرعية فقط، وليست قوامة شاملة، فالقرآن لم يقل أن الرجل له قوامة على المرأة كونه رجل وهي امرأة، القرآن الكريم يقول: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾ سورة الأحزاب الآية (35)، إنه يضع الرجال إلى جوار النساء دون فرق، ويقول سبحانه: ﴿خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ سورة النساء الآية (1) ، ثقافة الإسلام الحقيقية لا تقبل بهذا التمييز، ولا هذا التفضيل، ولكنه انحراف ثقافي نسب إلى الإسلام في عصور التخلف فأصبح يشكل عائقا أمام حركة المرأة ودروها.
العائق الثالث هو العائق الاجتماعي: لأن المجتمع وبسبب القوانين، والثقافة السائدة لا يفسح للمرأة المجال حتى تأخذ دورها الطبيعي في واقع الحياة الاجتماعية.
هذه العوائق التي ذكرناها هي عوائق خارجية تؤثر على حركة المرأة وتحيق تقدمها، وهناك عائق آخر هو العائق الذاتي، وهو يتمثل في أن المرأة بسبب هذا الجو والبيئة التي تعيشها، اقتنعت من داخلها بأنها ناقصة، وآمنت بضعفها، فحجمت طموحاتها وتطلعاتها، وصدقت أنها أقل من الرجل، وأنها لا تستطيع أن تنجز ما أنجزه أو تقوم بما يقوم به الرجل، ولذلك فإنها بسبب هذه الذهنية وهذه النفسية التي تعيشها، حكمت على نفسها أن تعيش هذا الواقع المتخلف، وأن تكون أقل فاعلية وإنجازا، وتأثيرا.
المحور الثالث: المرأة ومستقبل التغيير
ثم تسائل سماحته: ماذا عن المستقبل؟ موضحا أنه يقرأ آفاق مستقبل واعد ومفتوح أمام المرأة، وأرجع ذلك لأسباب:
أولا: هناك وضع عالمي يعطي للمرأة حقها، ودورها، فنحن نعيش في عصر أصبحت فيه المرأة تتبوأ مواقع متقدمة في مجتمعات كثيرة من العالم، أكثر من دولة من الدول المتقدمة احتلت المرأة فيها موقعا رياديا، ونحن نشاهد اليوم هذه الانتخابات التي يجري الإعداد لها في أمريكا احد أبرز المرشحين لها امرأة، وهي هيلاري كلينتون، التي تطمح أن تقود أكبر وأقوى دولة على وجه الأرض، ودولة أخرى هي ألمانيا المستشارة فيها امرأة، وكذلك هناك وزيرة الخارجية الأمريكية التي تنظم علاقة الدولة العظمى مع كل العالم اليوم، وأخرى وزيرة الخارجية الإسرائيلية، وهذه نماذج تبين أن المرأة اليوم أصبحت تتبوأ موقعا متقدما على المستوى العالمي، وفي مجال العلم والمعرفة والمجال الاقتصادي أيضا أصبح لها دور، الآن من أبرز المهندسين في العالم المهندسة العراقية زهاء حديد التي تقيم في أمريكا بعد بريطانيا، وكذلك على المستوى الفكري والأدبي، هناك أقلام وأصوات نسائية فرضت نفسها على مستوى العالم، وأصبحت هناك مؤسسات تهتم بوضع المرأة، وتنتصر لحقوقها وتطالب بإنصافها، وبمكافحة التمييز ضدها، وقد زارت المملكة في الأيام القليلة الماضية مسئولة من الأمم المتحدة لمناقشة موضوع التمييز ضد المرأة، ولمعالجة المشاكل التي تعانيها في المملكة العربية السعودية، وبما أن بلادنا جزء من هذا العالم وبما أن الحراك في كل العالم مع المرأة ومناصرتها وتقدمها لأخذ حقوقها، فلا بد أن تنعكس هذه الأمور على مستوى المرأة في مجتمعنا عاجلا أو آجلا ، وهذا يجب أن بمنح المرأة الكثير من الأمل، لأن دورها وموقعها أصبح رياديا على مستوى العالم وأصبح هناك من يدافع عنها، وأصبحت هي قادرة على أن تثبت مكانتها وجدارتها.
ثانيا: على المستوى الداخلي، ففي بلادنا وفي كثير من بلاد العالم العربي أصبحت هناك ضغوط شديدة جدا من أجل تغيير واقع المرأة، وهنا في المملكة نحن اليوم نعيش مرحلة صراع إرادات بين من يريد للمرأة أن تأخذ دورها وحقوقها، وبين من يمانع ذلك ويريد الحفاظ على الواقع المتخلف، بتبريرات يسوقها من باب فهمه هو للدين، فيصور أن الدين هو الذي يريد أن تعيش المرأة هذا الواقع المتخلف، لكن هذا الفهم الخاطئ للدين لا يقف اليوم أمام الطرح الجديد والذي يتبناه تيار واسع من المتدينين من أبناء الأمة، وهذا من مؤشرات التطلع والأمل عند المرأة.
الثقافة الجريئة: لقد أصبح لدينا علماء دين يتحدثون بجرأة عن حقوق المرأة وعن دورها وينتصفون لها.
ثم تحدث سماحة الشيخ عن العلماء الذين وقفوا مع المرأة وناصروها مبتدأ عرضه بسماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله الذي ألف كتابا في أربعة أجزاء اسمه (مسائل حرجة في فقه المرأة)، ، بحث الشيخ شمس الدين في الجزء الأول موضوع (أحكام الستر و النظر) يتحدث فيه الشيخ رحمه الله عما يجب على المرأة ستره من جسمها، وماذا لا يجب عليها ستره، والى أي حدٍ تستطيع أن تنظر إلى الرجل أو ينظر الرجل إليها؟، وهو معالجة فقهية علمية مؤصلة.
في الجزء الثاني يتحدث الشيخ رحمه الله عن (أهلية المرأة لتولي السلطة) يثبت فيه أن المرأة كالرجل، يمكن أن تكون رئيسة للدولة الحديثة، بل ويمكنها أن تتبوأ أي موقع من مواقع السلطة السياسية.
وفي الجزء الثالث يتحدث الشيخ رحمه الله عن (قضية عمل المرأة المهني بين المشروعية و التحريم)، أما الجزء الرابع فيتحدث الشيخ رحمه الله حول (الحقوق الزوجية).
موجها سماحته الأخوات الى أنه "حري بكل امرأة أن تقرأ هذا الكتاب" ثم انتقل سماحته بالحديث عن نماذج لعلماء ناصروا المرأة ووقفوا إلى جانبها، وذكر منهم: سماحة السيد محمد حسين فضل الله والذي كتب افكارا رائدة وجريئة على هذا الصعيد، وكذلك المرجع المعروف الشيخ يوسف الصانعي والذي يعرف في إيران بأنه نصير المرأة، حيث أنه يتبنى الكثير من الآراء الفقهية الجريئة في شأن المرأة، وكذلك الشيخ محمد الغزالي والشيخ المطهري والدكتور عبدالحليم ابو شقه وآخرون من العلماء والمثقفين، لقد أصبحت عندنا ثقافة جديدة تتحدث عن مكانة المرأة ودورها وحقوقها، هذه الأمور الثلاثة تفتح أمام المرأة آفاق المستقبل.
وأبدى سماحة الشيخ تفاءله بالنسبة لوضع المرأة ودورها وبالخصوص في مجتمعنا، لكن عليها هي أن تستعد لتبوأ مكانتها والقيام بدورها، وهذا لا يتحقق الا بأمور ثلاثة:
الأول: رفع مستوى الوعي والثقافة ، فإن المرأة كلما امتلكت وعيا وأكبر وثقافة أفضل ومعرفة أكمل استطاعت أن تأخذ مكانتها ودورها، المعرفة تشق الطريق أمام المرأة فتكون كاتبة أو خطيبة أو عالمة مؤثرة، وهذا لا يتنافى مع الواقع الذي تعيشه، حيث أن بعض المجالات الأخرى تحتاج إلى ظروف أفضل، لكن العمل المعرفي والثقافي تستطيع المرأة أن تنجزه وتتقدم فيه فتثبت بذلك جدارتها وموقعيتها، وتمارس تأثيرها ونفوذها في المجتمع عن طريق أفكارها وآرائها، لابد أنكن سمعتن عن امرأة في الرياض كتبت رواية بعنوان (بنات الرياض) بغض النظر عن الاختلاف في تقديم مستوى ومضمون الرواية إلا أنها أصبحت حدثا معرفيا وثقافيا، بإمكان المرأة أن تلج من هذا المدخل وبالتالي تمارس دورها المؤثر في المجتمع، وأنا هنا لا أقول أنها تقتصر على هذا الدور لكن هذا بوابة لإثبات جدارتها وكفاءتها، في مجتمع ذكوري لا يريد أن يعترف لها بالكفاءة والجدارة، فالثقافة أمر مهم وهو ميسور الآن، والحصول على المعرفة أصبح سهلا.
الثاني: العمل المؤسسي، بمعنى أن تكون هناك مؤسسات، ولجان، وجمعيات، ومراكز، ويجب على المرأة أن توفر في نفسها القدرة على العمل الجماعي الذي لا يعتبر سهلا أبدا، فكثير من الناس يستطع أن يعمل لوحده، لكنه لا يستطيع أن يعمل مع آخرين، فهذا يحتاج إلى ضوابط وتنازلات، وهذه قدرة لتوفرها يحتاج الإنسان إلى ممارسة، نحن في مجتمع الرجال نعاني من هذه المشكلة، وأعتقد أنها في الوسط النسائي أعقد، فإن تجتمع عشر نساء أو أكثر ويتعاون في عمل جمعي موحد فيه صعوبات كثيرة، لأن حالة التنافس السلبية وعدم الانسجام يفشل العمل الجمعي في المجتمعات النسائية، أنا لا قول ذلك بشكل عام ولكنها حالة منتشرة، تحتاج النساء أن يثبتن أنهن باستطاعتهن أن يعملن مع بعضهن البعض، وأن ما يشاع من أن المرأة أقسى على المرأة من الرجل، حيث تشكي النساء من تسلط المرأة هذا كلام غير صحيح، على المرأة أن تعلن التحدي لهذه المشكلة وتبدي القدرة على التعاون.
الثالث: التوفيق بين المهام المختلفة التي تتحملها المرأة، نحن نعلم أن المرأة تحمل أكثر من مهمة، فهي ربة بيت، ومربية أطفال، وزوجة، وهذا يعني أن لها أدوارا أخرى يجب أن تقوم بها، فكيف تستطيع التوفيق بين دورها العائلي ودورها الاجتماعي؟
إن هذا الأمر يحتاج إلى الكثير من التطوير في واقع المجتمع، والكثير من بذل الجهد من المرأة نفسها، ونحن مع دور المرأة الاجتماعي فإننا حريصون على دورها العائلي والأسري، فإذا انخفض أداؤها العائلي اثر ذلك على صنع الجيل القادم، وهذا ما تعانيه الآن أكثر المجتمعات الغربية، فالمرأة عندما انشغلت عن بيتها وأبنائها وقل عطاؤها في المجال العاطفي والتربوي، أصبح الجيل يعيش جفافا عاطفيا وسوءا تربويا، ونحن هنا لا نريد للمرأة أن تتخلى عن دورها الأساس التي هي أقدر عليه من الرجل، هذا الدور الذي يمثل دور التربية والرعاية، لكننا أيضا لا نريد أن تتلخص في هذا الدور فلا يكون لها دور وعطاء اجتماعي، ما يوجب على المرأة أن توفق بين الأمرين، أن تقوم بدورها العائلي التربوي، وفي نفس الوقت يكون لها دورها الاجتماعي، وهذا تحدٍ كبير تواجهه المرأة في مجتمعنا اليوم.
فمن ناحية المرأة عليها تفهم وضع الرجل الذي يشارك في العمل الإجتماعي، وأن تساعده على تحمل هذه المسئولية، وكذلك بالنسبة للرجل الذي يرى في زوجته توجهاً للعمل في خدمة المجتمع عليه أن يساندها ويعينها.
وختم سماحة الشيخ حديثه بالتأكيد على ما سبق ذكره: إذا استطاعت المرأة أن توفر هذه الشروط الثلاثة فإننا متفاؤلون بأن دورها المستقبلي سيكون كبيرا ومشرقا في المجتمع إن شاء الله، إننا على موعد مع عطاء المرأة، مع دور أكبر لها، وتأثير أوسع ،ونرجوا أن تتحول هذه الاجتماعات في مناسبات أهل البيت من مجالس للبكاء والعبرة إلى مجالس للتأسي بهم عليهم السلام، فحياة السيدة الزهراء وكذلك حياة السيد زينب مليئة بالمواقف البطولية والعبر التي تصنع المرأة وتؤسس لأن تقوم المرأة بدور أكبر في مجتمها.