خيرة الصفار وحيرة المجتمع

بين الخيرة والحيرة علاقة قديمة جديدة، لها في موروثنا الشعبي حكايات وروايات تحكيها الجدات ويصر على تطبيقها الأبناء.

الخيرة والاستخارة هي من المصطلحات الدارجة في مجتمعنا، فلا تقدم فتاة على الزواج –غالباً- إلا وتستأنس رأي الخيرة، ولا نشتري سيارة ولا نعقد صفقة بل في بعض الأحيان تصل ببعض الناس الذين يسكنهم همّ الخيرة بأن لا يدخل بيته إلا بعد أن يستخير!

ونسمع عن قصص طريفة تنقل بين الفينة والأخرى، من المعارضين والمؤيدين على حدٍ سواء، إلا أن ما يهمنا من الموضوع هو أصل الفكرة التي طرحها الشيخ حسن الصفار في منبره هذا العام 1429هـ واستشهد بالخيرة فيها.

والفكرة الرئيسية في موضوعه كانت كما ورد في عنوان المحاضرة التي بثتها إحدى القنوات الشيعية هي: العقلانية وإدارة الحياة، وكان من ضمن كلامه أن استشهد بالخيرة وبالتحديد في المبالغة فيها.

وجاء في الخبر المنشور على موقعه ما نصه:

«ومن النماذج: الإغراق في طلب الخيرة سواء بالقرآن أو بالسبحة، بيد انه ليست هناك رواية صحيحة حول ذلك، والرواية الوحيدة الصحيحة حول الخيرة تفيد بأن يصلي الإنسان ركعتين ويطلب من الله الخير ثم يعمل بما وقر في نفسه. وبمراجعة تعليقات الشيخ المجلسي على روايات الكافي حول الخيرة يتبين ذلك».

غير أن بعض بني قومنا ذهب بها عريضة، وأوصلها إلى درجات عظيمة كبيرة، وجعل الخيرة في مصاف أقدس المقدسات، لتصل إلى أنها الفيصل في معرفة تقوى الإنسان، وأن الذي لا يستخير لا يؤمن بالغيب! لأن الخيرة ضرب من ضروب علم الغيب!

والتركيز على نقطة جاءت كمثال وليست هي لب الموضوع، يدخل في مصاف عدم الإنصاف، وفي بعض الأحيان عدم الفهم والإدراك، وهي مشكلة صعبة لا يمكن معالجتها، حيث أن كلام الصفار حول الاستخارة بالسبحة والمصحف، وأنه لا توجد روايات صحيحة عليها، إلا أن بعض الردود كانت تتحدث عن أصل الخيرة وهو ما لم يعترض على أصله بل الإعتراض على المبالغة فيه فقط!

بيد أن هؤلاء لو تفكروا في الموضوع وأبعدوا عنهم الغل الذي في صدورهم على الرجل، والحسابات التي ما فتأت تتزايد يوما بعد يوم نتيجة مرض نفسي اسمه الحسد وما أدراك ما الحسد، لو أبعدوا كل ذلك لأنصفوا الموضوع، الذي هو في الحقيقة يعتبر فتحا للمنبر الحسيني.

حيث أن أعداء الدين يعتبرون أن التدين ضد العقل وضد الأخذ بالأسباب، وهذا الطرح الراقي والمدعم بالدليل والبرهان يعتبر رد هادئ وصريح في وجه هؤلاء، ليقول لهم بأن الدين هو من أولى العقل المنزلة الكبيرة والمكانة الرفيعة وجعله شرف الكائن.

إن طرح مثل هذه المواضيع هام جداً في داخل أي مجتمع يريد التقدم والرقي، فلن تكون هناك فائدة كبيرة في طرح بعض المواضيع التي هي في الأساس محل إجماع لدى الناس، بل سوف تكون نوع من التكرار وتضييعا لوقت الجمهور، لكن طرح ما هو مفيد واستغلال مثل هذه المناسبات لإيصال فكرة معينة للجمهور عن اعتقاد خطأ هنا وعادة خطأ هناك هي من أهم اللبنات التي تساعد على بناء مجتمع قادر على مواجهة التحديات.

أما الإغراق في الغيبيات والجانب الإعجازي بشكل خارج عن الحدود، وبحيث تبنى شخصية المتدين لتكون قابلة أن تصدق أي خرافة من أي أحد تحت مسمى علم الغيب تارة ومسمى الرؤى والأحلام والأطياف تارة أخرى، ولتكون في نهاية المطاف من المنفرات ومدعاة للسخرية من المتدينين.

نحن بحاجة إلى خطاب صريح وإلى خطاب وصل إلى الرشد والنضج كخطاب العلامة الشيخ الصفار، لكي ينهض بالمجتمع وينتشله من براثن المتعصبين والمعاندين للحقائق بدعوات تحمل في طياتها كثيرا من الاستغفال لعقول الناس واللعب على وتر العواطف.

والله من وراء القصد.

القطيف