الشيخ الصفار يؤكد على ضرورة التركيز على جوهر قضية أهل البيت (ع) وعدم الاكتفاء بمظاهر الولاء
أكّد سماحة الشيخ حسن الصفار على ضرورة التركيز على جوهر قضية أهل البيت والذي يتمثل في الاقتداء بسيرتهم ومنهجهم، وإيصال فكرهم للعالم. مضيفاً: مع الأهمية البالغة للشعائر الحسينية التي تجتذب القلوب، إلا أنه ينبغي عدم الاستغراق فيها على حساب جوهر القضية. وأشار إلى عمق المأساة التي تعرضت إليها السيدة زينب في مسيرة السبي، ومع ذلك كله تسامت على الجراح وقامت بدورها الريادي في إيصال رسالة الإمام الحسين للأمة، مخاطبةً يزيد بكل جرأة: ((فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تُميت وحينا)).
وفي سياقٍ آخر: لفت الانتباه إلى قضية مهمة وهي أن البعض يستخدم أحكام الشرع للتوصل إلى أغراضٍ غير مشروعة، فيكون الامتثال الشكلي للتمويه والتظاهر ستاراً لنقض الشرع ومخالفته.
مؤكداً أن ذلك من مصاديق الاستهزاء بآيات الله تعالى.
لفت سماحة الشيخ في بداية خطبة الجمعة 22 صفر 1429هـ (29 فبراير 2008م) الانتباه إلى قضيةٍ مهمة وهي أن البعض يستخدم أحكام الشرع للتوصل إلى أغراضٍ غير مشروعة، فيكون الامتثال الشكلي للتمويه والتظاهر ستاراً لنقض الشرع ومخالفته. مبيناً أن الشارع المقدّس إنما جعل الأحكام الشرعية كقوانين وتنظيمات تنبثق من قيمٍ عاليةٍ سامية، وهذه الأحكام جاءت لخدمة تلك القيم وتأكيدها في حياة الإنسان، وذلك من أجل تحقيق مصالح الناس وسيادة العدل بينهم. مضيفاً: وأي حكمٍ شرعي يصطدم مع قيمةٍ سامية عليا، أو مصلحة أساسية للإنسان، فإن الشارع المقدّس يُبيح للإنسان تجاوز ذلك الحكم الشرعي ضمن ضوابط وشروط، فالصوم مثلاً لو أضرّ بصحة الإنسان جاز له الإفطار على أن يقضي صيام ما فاته. ولو استلزم تحصيل الماء للوضوء أو الغسل الواجب إيقاع المهانة للإنسان، لم يلزمه ذلك، وإنما حكمه التيمم بدل الوضوء أو الغسل. كل ذلك من أجل الحفاظ على القيم الإسلامية العليا، وعلى المصالح الأساسية للإنسان.
وركّز حديثه على الجانب الأسري، حيث يُمارس رب الأسرة حقوقه الشرعية بطريقةٍ خاطئة، يُوقع من خلالها الأضرار بأفراد أسرته، وقد يُمارس البعض تلك التصرفات تعمّداً. مؤكداً أن هؤلاء وإن تظاهروا بالالتزام الديني إلا أنهم في حقيقة الأمر يُمارسون اعتداء على الدين، واستهزاءً بتعاليم السماء، وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله: ﴿وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا﴾.
وأشار إلى سبب نزول قوله تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا﴾، أنها نزلت في رجلٍ من الأنصار يُدعى ثابت بن يسار، طلّق امرأته حتى إذا انقضت عدّتها إلا يومين راجعها، ثم طلّقها، ففعل ذلك ثلاث مرات حتى مضت تسعة أشهر مضارة لها، فأنزل الله الآية. وأورد قول الإمام الصادق في تفسير هذه الآية: ((الرجل يُطلّق حتى إذا كادت أن يحلّ أجلها راجعها، ثم طلّقها، يفعل ذلك ثلاث مرات، فنهى الله عزّ وجل عن ذلك)). وعنه أنه قال: ((لا ينبغي للرجل أن يُطلّق امرأته ثم يُراجعها وليس له فيها حاجة ثم يُطلّقها، فهذا الضرار الذي نهى الله تعالى عنه، إلا أن يُطلّق ويُراجع وهو ينوي الإمساك)).
وتطرق في حديثه إلى نماذج عدة تُمارس في الأجواء العائلية، كأن يقوم الأب بعضل ابنته البكر تشبثاً بحقه الشرعي، إذ يرى أغلب الفقهاء المعاصرين إذن الولي في الزواج بالنسبة بالبنت البكر، وإن كان الفقهاء أكثر المتقدّمين وبعضٌ من المتأخرين لا يرى ذلك بالنسبة للبكر الرشيد، إلا أن السائد بين أكثر الفقهاء المعاصرين إذن الولي. مؤكداً أن هذا التصرّف وإن كان في ظاهره ممارسة لحقّ شرعي إلا أنه بعنوانٍ آخر يدخل في حكم التحريم، ويستلزم لذلك تدخّل الحاكم الشرعي، ليقوم بتزويج البنت رغماً عن أبيها إذا كان الزوج كفؤاً لها وثبت عضل أبيها لها.
ومن الممارسات التي ذكرها الشيخ الصفّار مسألة تأديب الأبناء، إذ يعتقد البعض أن من حقّه ممارسة أي تصرّف مع أبنائه بحجة تربيتهم، وإن أوقع ذلك بهم ضرراً، إلا أن الإسلام وضع لذلك قوانين وأحكام، فلا يجوز للأب أن يوقع الضرر بأبنائه بحجة تأديبهم، وإذا قام بضربهم إلى حد إحداث ضررٍ بالولد ولو بسيطاً كاحمرار الجسم أو اسوداده أو اخضراره، فقد لزم الأب أن يدفع الدية.
وأشار الشيخ الصفار إلى سوء التعامل الذي تُواجهه بعض الزوجات من قبل أزواجهنّ بحجة الحق الشرعي، كأن يستخدم الزوج حقه في الإذن لزوجته بالخروج من أجل حبسها في البيت ومصادرة نشاطها الاجتماعي وعلاقاتها العائلية، وهذا مصداقٌ واضح من مصاديق الاستهزاء بآيات الله تعالى.
وأكّد الشيخ الصفار أن هذه التعاليم الإسلامية جاءت لتحفظ للإنسان مكانته وقيمته التي أرادها الله تعالى له، وللتكريم الذي كرّمه الله إياه بصريح الآية الكريمة: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾.
واختتم الشيخ الصفّار الخطبة بالتأكيد على ضرورة أن يُراقب الإنسان نفسه وأن يعرف أن الله تعالى مطّلعٌ على النوايا، يقول تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾.
أشار سماحة الشيخ إلى المأساة الكبيرة التي واجهتها عقيلة بني هاشم سيدتنا زينب بنت أمير المؤمنين في مسيرة السبي التي رافقتها فيها مجموعة من نساء أهل بيتها مع عددٍ من الأطفال، ومعهم سيد الساجدين عليلٌ مريض.
مضيفاً: هذه المرأة الخفرة المخدّرة والعزيزة على قلب أبيها وجميع أفراد أسرتها، بعد ذلك العز تقف هذا الموقف مسبيةً أمام يزيد بن معاوية.
وتابع يقول: إن أعظم ما يؤلم قلب العقيلة زينب هو مواجهتها لشماتة الأعداء، وأي شماتةٍ أكبر من إبداء الفرح والسرور وإعلان العيد بدخولهم الشام، وأكبر من ذلك إحضار يزيد لرأس الإمام الحسين أمامها ليقوم بضرب الرأس الشريف بخيزران، وكان يزيد يُريد بذلك إذلال العقيلة زينب وإضعاف معونياتها، إلا أنه فوجئ بصمودها وقوّة بأسها فهي تنطق عن لسان أبيها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وتعلم السيد زينب أنها أمام موقفٍ تاريخي ولقطةٍ ستُسجّلها الأجيال على مرّ الزمان، لذلك وقفت ذلك الموقف البطولي الذي تجاوزت فيه مشاعرها وعواطفها من أجل أن توصل رسالة الحسين للأمة، فخاطبت يزيداً بكل جرأة وبسالة وهي تقول: ((ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، لكن العيون العبرى)). وإذا كنت بما صنعت تريد أن تمحو رسالة السماء، وتُميت ذكر أهل البيت فإنك لن تصل لمرادك أبداً، ((فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تُميت وحينا)).
وأكد الشيخ الصفّار أن السيدة زينب كانت تنظر ببصيرتها، وتستشرف المستقبل الذي نراه اليوم من تعاظمٍ لذكر أهل البيت وتهافت القلوب والمشاعر لإحياء شعائرهم وتعظيمها، وفي المقابل فإن بني أمية وزمرتهم ذهبوا أدراج الرياح ولم يعد لهم ذكرٌ.
وأضاف: إن شعائر الإمام الحسين اليوم تُقام على مرأى ومسمع من العالم كلّه، ووكالات الأنباء والفضائيات تنقل هذه الشعائر لحظة إقامتها، وهذا نصرٌ كبير لثورة الإمام الحسين .
وأكّد الشيخ الصفّار أن هذه الشعائر ينبغي أن يصل الاهتمام بها إلى جوهر قضية أهل البيت والتي من أجلها ثار سيد الشهداء أبو عبد الله الحسين .
وأشار إلى بعدين أساسيين:
البعد الأول: التمثل بسيرة أهل البيت والاقتداء بهم.
موجهاً رسالته للعالم الشيعي كلّه بأنه ينبغي أن تكون سيرة أهل البيت ومنهجهم الحياتي حاضراً في قلوب وسلوك أتباعهم، بأن تكون أخلاقهم وسلوكياتهم نابعة من هذه المدرسة العظيمة، وأن يخلقوا من مجتمعاتهم نماذج رائدة على مختلف المستويات: العلمية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية. عندها سيزداد العالم إعجاباً بهذه المدرسة، وسيُقبل عليها أكثر. مؤكداً أن تعاليم أهل البيت تؤكد ذلك: فعن الإمام الصادق أنه قال: ((كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم)).
وأضاف: إن أهل البيت لا يُرضيهم فقط ممارسة هذه الشعائر إن لم يكن الواقع الحياتي لشيعتهم منسجماً مع تعاليم وسيرة أهل البيت .
البعد الثاني: إيصال فكر أهل البيت للعالم.
وأكد الشيخ الصفار أن على الواعين من أتباع أهل البيت أن يتحملوا مسؤوليتهم تجاه إيصال فكر أهل البيت للعالم، إذ لا يصح الاستغراق في ممارسة هذه الشعائر والاكتفاء بها، دون أن يكون هناك توجّه عملي لتعريف العالم بأهل البيت، فوراء هذه الشعائر فكرٌ عظيم ينبغي أن يتحمل الجميع مسؤولية إيصاله للعالم. يقول الإمام الرضا : ((رحم الله من أحيا أمرنا))، وحين سئل: وكيف يُحيى أمركم؟ قال : ((يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)).
واختتم الشيخ الصفّار الخطبة بالتأكيد على أهمية الشعائر الحسينية، وأنها تستقطب القلوب، وتنجذب لها النفوس، مؤكداً على ضرورة أن يكون إلى جانبها اقتداءٌ بسيرة أهل البيت ، وتحمل مسؤولية نقل فكرهم وعلومهم للعالم أجمع.
والحمد لله رب العالمين