في خطبة الجمعة
الشيخ الصفار يدعو لترشيد استهلاك الماء
دعا سماحة الشيخ حسن موسى الصفار لترشيد استهلاك الماء، فهو نعمة الله تعالى على الإنسان، وحسن استخدامه من أجلى صور شكر هذه النعمة. مؤكداً على ضرورة أن يكون يوم الماء العالمي مناسبة لنشر الوعي بهذا الجانب المهم في المحيط الأسري والاجتماعي. مشيراً إلى طبيعة الاستخدام العام عند الأفراد، وأن الإنسان الخليجي هو الأعلى استهلاكاً للماء على مستوى العالم. ودعا للاستهداء بسيرة الرسول الأعظم وأهل بيته الطاهرين حيث يؤكدون على أهمية التعامل الإيجابي مع الماء.
وفي سياقٍ آخر حذّر من الوقوع في مصائد الشيطان والانحراف حيث الصراع الشديد الذي يعيشه الإنسان بين العقل وأهوائه، مؤكداً على ضرورة أن يتحصّن الشباب والفتيات بالوعي وأن يعيشوا الحذر واليقظة، وأن يكونوا أقوياء أمام إغراءات الشيطان وتزيينات الأهواء والشهوات.
أشار الشيخ الصفار في بداية خطبة الجمعة 13 ربيع الأول 1429هـ (21 مارس 2008م) إلى أهمية الماء وأنه النعمة التي بها يعيش الإنسان وتستمر بوجوده حياته، يقول تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾، وكذلك حياة جميع الموجودات قائمة على أساس وجود الماء. مبيناً نسب الماء في بعض الموجودات الحية، ففي الإنسان مثلاً، ثلثا جسمه يتكون من الماء، وثلاثة أرباع الدجاجة ماء، وأربعة أخماس الأناناس ماء.
وأضاف: إن استخدامات الماء لا تقتصر على الشرب فقط، وإنما تتعداه إلى ما هو أوسع من ذلك بكثير، فالماء يُستخدم في جميع مجالات الحياة الزراعية والصناعية.
منتهياً بالحديث في ذلك للتأكيد على أن الماء نعمة كبيرة، وقد يغفل الإنسان عن ذلك، لذلك جاءت آيات القرآن الكريم لتُذكّر الإنسان بهذه النعمة، فيشكر الله تعالى عليها، ويتأمل في أفضل طرق استخدامها.
وتطرق الشيخ الصفّار بمناسبة يوم الماء العالمي الذي يُصادف يوم السبت 14 ربيع الأول (22 مارس) إلى موضوعٍ في غاية الأهمية خصوصاً في وقتنا الحاضر، وهو: ترشيد استهلاك الماء، حيث يتعامل الناس مع الماء بطريقة غير إيجابية وفيها جانب من الإسراف كبير، وهذا ما نهى الشارع المقدّس عنه. ويعتبر البعض أن الماء متوفّر ورخيص الثمن، فلا يُعير لطرق استخدامه للماء أهمية كبرى. بيد أن الأوضاع الحالية في العالم قد تغيّرت، مع أن ثلاثة أرباع الكرة الأرضية ماء، إلا أن الجزء الصالح للاستخدام منها فقط 3%. وتعاني كثير من الدول صعوبة في إنتاج الماء الصالح للاستخدام إذ أنه يُكلّف مبالغ ضخمة جداً، خصوصاً المناطق الصحراوية في العالم.
مشيراً إلى الكلفة الاقتصادية العالمية للموارد المائية:
- كلفة المتر الكعّب من المياه الجوفية غير المعالجة: 2 ريال.
- كلفة المتر الكعّب من المياه الجوفية المعالجة: 5 ريال.
- كلفة المتر الكعّب من مياه البحر المحلاة بالتبخّر: 15 – 25 ريال.
- كلفة المتر الكعّب من مياه البحر المحلاة بالتناضح العكسي: 6 – 8 ريال.
- نقل المتر المكعّب إلى مسافات طويلة: 15 – 25 ريال.
وأضاف: نحن في منطقة صحراوية شديدة الجفاف والحرارة، وبالتالي فإن توفير المياه الصالحة للاستخدام فيها صعوبة بالغة، وتُنتج السعودية (600) مليون جالون من المياه المحلاة، عبر 25 محطة لتحلية المياه، منها 21 محطة على البحر الأحمر و4 محطات على الخليج العربي.
وأشار إلى طبيعة الاستخدام العام للماء عند الأفراد، وتقول الدراسات: كل فرد يستهلك يومياً (260) لتر من الماء، وفي أثناء السباحة فقط يستهلك بين (115) إلى (150) لتر. وفي كل مرة يُسحب فيها (السيفون) في دورة المياه يتم استهلاك (11) لتر من الماء. وفي كل دقيقة يقف الإنسان تحت دش الماء يستخدم (19) لتر من الماء. والاستخدام الواحد لغسالة الملابس يستهلك (115) لتر من الماء.
وحذّر الشيخ الصفّار من خطورة جفاف المياه، مشيراً إلى أن عيون الآبار القديمة التي كانت الناس تستفيد منها قد غار ماؤها، ولذلك يحذر الله تعالى عباده من أن يفتقدوا نعمة الماء ولا أحد غير الله تعالى قادر على أمدادهم بها، يقول تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾.
موجّها خطابه للمصلّين بضرورة الاهتمام بترشيد استهلاك الماء، فذلك يعكس صورة إنسان هذا المجتمع الذي ينتمي إلى أعظم دينٍ وهو الإسلام، معرباً عن أسفه لما هو عليه الواقع اليوم، حيث تؤكد الدراسات على أن الإنسان الخليجي هو الأعلى استهلاكاً للماء على مستوى العالم، وبالتأكيد في هذا الاستخدام جانب من الإسراف وعدم الترشيد كبير جداً، وهذا خلاف التعاليم الدينية السمحاء التي جاء بها القرآن الكريم ودعا إليها رسول الله وأهل بيته الطاهرين. يقول تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾، ومرّ رسول الله على سعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف؟ فقال: أفي الوضوء سرف؟ قال : نعم وإن كنت على نهرٍ جار. وقال الإمام الصادق : ((أدنى الإسراف إهراقك فضل الماء مما تشرب)). وفي السيرة كان رسول الله يتوضأ بمد، ويغتسل بصاع، والصاع يعني أكثر بقليل من قنينة ماء بسعة لتر ونصف، والمدّ هو ربع هذه القنينة.
مختتماً الحديث بالتأكيد على ضرورة ترشيد استهلاك الماء، وتجنب مظاهره المتعددة، وداعياً إلى بث جانب الوعي في الأسرة في هذا الموضوع، وليكن اليوم العالمي للماء مناسبة للتذكير بأهمية هذا الجانب، وأن يكون للمسلمين السبق في الاهتمام بالماء لما يدعو إليه دينهم وتؤكد عليه سنة نبيهم وسيرة أهل بيته الطاهرين.
أكد الشيخ الصفار في الخطبة الثانية على أهمية العقل وأن الله تعالى قد وهب الإنسان عقلاً ليسترشد به في دروب الحياة، وفي المقابل ابتلاه بالغرائز والشهوات التي تضغط على الإنسان وتدفع به إلى الانحرافات التي تُرديه وتضره. ولهذه المعادلة التي يعيشها الإنسان دور كبير في تحديد أهلية الإنسان لدخول الجنة بعد أن تتلقاه رحمة الله تعالى أو لا.
وأضاف إن المحرك الأساس لهذه الإغراءات هو الشيطان الرجيم، والشهوات هي أدواته، ومن يعيش الغفلة يستجيب لدعوات الشيطان، يقول تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
وشدد على ضرورة التزام الوعي والتحلي بالعقلانية في مواجهة الصراع القائم بين العقل والشهوات والأهواء، معرباً عن قلقه الشديد للوضع الراهن الذي تعيشه مجاميع من شباب المجتمع، حيث بدأ المجتمع يدخل في نفق جديد من الإجرام والانحراف متمثلاً في استغلال سطحية البعض من خلال مكالمات هاتفية مقلّدين فيها أصواتاً نسائية من أجل الإيقاع بهم للسرقة وفي بعض الحالات تصل إلى القتل مشيراً إلى حادثة وقعت في المنطقة خلال الأسبوع المنصرم، حيث استدرج عدد من الشباب شخصاً بتقليد أحدهم صوت إمرأة تدعوه لعلاقة عاطفية، فلما وقع في قبضتهم سرقوا ما عنده، وعندما قاومهم خنقوه، وهذا يكشف عن واقع خطير يمر به المجتمع. فمن جهة حالة الإجرام، ومن جهة أخرى السطحية التي يعيشها الشباب والاندفاع الشديد نحو مسببات الشهوة.
وأضاف: إن الله تعالى في القرآن الكريم يُذكّرنا بقصة أبينا آدم وأمنا حواء حيث كان سبب إخراجهما من الجنة استجابتهما للشيطان الرجيم، يقول تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْـزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾.
وأكد في ختام الخطبة على ضرورة أن يتحصّن الشباب والفتيات بالوعي وأن يعيشوا الحذر واليقظة، وأن يكونوا أقوياء أمام إغراءات الشيطان وتزيينات الأهواء والشهوات.
والحمد لله رب العالمين