الشيخ الصفار: يجب أن نستبدل التكفير والتضليل بالمناقشة العلمية
شارك سماحة الشيخ حسن الصفار في الحفل الذي أقيم مساء الاثنين 16/3/1429ﻫ في مسجد الكوثر في مدينة صفوى بمناسبة ذكرى ميلاد رسول اللّه وقد أجاب سماحة الشيخ الصفار عن أسئلة وجهت له في حوار جرى ضمن الاحتفال.
وقد بدأ الحوار بسؤال عن أبرز معالم رسالة رسول اللّه فقال الشيخ الصفار: أبرز معالم رسالة رسول اللّه ثلاثة معالم:
■ الأول: الإعلاء من شأن الإنسان ورعاية حقوقه وحماية كرامته.
■ الثاني: استثارة العقل ومحورية العلم في حياة الإنسان.
■ الثالث: صنع المجتمع الحضاري والأمة الرائدة.
وعن واقع الأمة على ضوء هذه المعالم قال سماحته:
إننا يجب أن نعترف بعجز الأمة عن مواكبة رسالة رسول اللّه فعلى المستوى الأول: إنسان هذه الأمة يعاني كثيرًا من الاستضعاف وانتهاك حقوقه، إما من العنصر السياسي، أو من الجانب الديني، أو في الحالة الاجتماعية وحتى في داخل محيطه الأسري، ومن ثمَّ فشأنه ليس مصونًا ولا محترمًا.
وأضاف: أما المستويان الثاني والثالث فوضع الأمة يغني عن الوصف، فالعقل مجمَّد، والعلم صار محو أمية، وهذا جعلنا نعيش في ذيل القائمة نقتات على فتات موائد الأمم المتقدمة.
وعن اتهام الإسلام بالدموية، قال سماحته:
هذا راجع إلى عاملين:
الأول: ظهور قراءة انتقائية متطرفة ومتشددة للإسلام، تأخذ من الإسلام بعض الجوانب خارج السياق العام، شكلت صورة متطرفة لقراءة متشددة.
وضرب سماحته مثالًا على ذلك التعامل مع المرأة «في ديننا الكثير مما يؤكد احترام المرأة، وهل أعظم من أن اللّه جعل الجنة تحت أقدام الأمهات! وهل أعظم من أن النساء شقائق الرجال! لكن البعض يأخذ نصًّا مهملًا، أو حديثًا غير ثابت السند، ليرسم صورة غير متناسبة مع رؤية الإسلام العامة حول المرأة، كذلك في التعامل مع الآخر المختلف عنا في الدين أو المذهب».
الثاني: التاريخ السياسي للحكومات التي تعاقبت على حكم المسلمين، كالحكومة الأموية والعباسية، التي مارست الاستبداد والقمع والإرهاب، فساعدت على رسم هذه الصورة القاتمة المشوهة عن الإسلام، مع لحاظ أن بعض الفترات اتصفت بالحُسْن، لكن، بشكل عام، تاريخ الأمة السياسي كان مليئًا بالاستبداد.
وحول وضع الأمة، وهل عادت بعد نبيها جاهلية كما حذَّر يضرب بعضهم رقاب بعض، قال سماحة الشيخ:
كان رسول اللّه يستشرف مستقبل أمته، وكان يدرك أنّ من الطبيعي أن تبقى آثار الجاهلية الجهلاء في النفوس، كما أن طبيعة الغرائز والأهواء البشرية لا ترضى بالخضوع للقيم والمبادئ في غالب الأحيان، وقد وضع الإسلام ووضع رسول اللّه الاحتياطات الكافية حيث أوصى أمته بالتمسك بالثقلين، كتاب اللّه والعترة الطاهرة، ولو أن الأمة تمسكت بكتاب اللّه وانصاعت لقيادة عترة رسول اللّه لكانت بعيدة عن كثيرٍ من والأخطار والانحرافات، التي حصلت في تاريخها، ولأن ذلك لم يتم تولى قيادة الأمة أشخاص لم يستوعبوا قيم الإسلام، ولم يلتزموا تعاليمه وأحكامه، كما نلحظه في سيرة الأمويين والعباسيين، فأوردوا الأمة الطرق الوعرة.
وقال سماحة الشيخ عن دور المحققين والمصلحين في تنقية التراث وموقف الأمة منهم:
إن هذه مسالة حسَّاسة، فحينما تعيش الأمة ظروف مواجهة، أو يعيش أتباع مذهب معيَّن ظروف صراع، تحصل هناك حالة من التشبث بالهوية والتراث، هذا التشبث قد يتحول في بعض الأحيان إلى حالة من الحساسية، فيتصور البعض أن أقل ملامسة لشيء يرتبط بهذا التراث للأمة، أو للطائفة هو خطر كبير، لذا يتوجَّسون منه خيفة، ويتصورون أن هذا نوع من التنازل، أو أنه يتم بضغط من الطرف الآخر.
وأضاف سماحة الشيخ: هناك تنافس بين التيارات في ساحة الأمة بشكل عام، فنحن مجتمع بشري ولسنا ملائكة، وفي بعض الأحيان توظَّف هذه الآراء التي يجب أن تبحث بحثًا علميًّا كوسيلة لإسقاط هذه الجهة، أو لتشويه سمعة ذاك الشخص، ولعل من أسباب ذلك وجود تضارب في المصالح ووجود أغراض، بالطبع هذا لا ينسحب على الجميع، أو على كل الحالات، فهناك حالات يكون الخلاف فيها اختلافا في الرأي.
وعن كيفية التمييز بين الاختلاف في الرأي والصراع المصلحي قال سماحته:
علينا أن نرى الوسائل المستعملة، فإذا كانت المسألة مسألة اختلاف في الرأي، كأن أرى أن هذا هو الصحيح وذاك يرى أن ذاك هو الصحيح، هنا تكون الوسائل شريفة من جنس الهدف، ولكن حينما تكون الدواعي مصلحية تصبح هناك وسائل غير شريفة.
وأضاف سماحة الشيخ الصفار: أود أن أشير إلى مفردتين:
الأولى: اتهام الطرف الثاني في دينه أو اتهامه بالبدعة، والضلال والتنازل عن الثوابت، أو خيانة العقيدة؛ لأنه يختلف معي في الرأي، هذا ليس صحيحًا، لأننا إذا شرّعنا هذا الأسلوب فعلينا أن نقبله من كل الفئات، نحن ندين بعض الجهات السَّلفية المتشدِّدة التي تتهم من يختلف معها في الرأي بأنه مبتدع، ومشرك وضال، إننا نقول لهم: كما أن لكم رأيًا ومن حقكم ذلك، فإن للآخرين آراء وذلك من حقهم، نحن ندين اتهامهم للآخرين في دينهم، ما دام الأمر كذلك، علينا ألاَّ نقبل الأسلوب نفسه داخليًّا، فإذا وجد عالم محقق، أو عالم يمتلك رأيًا حول مسألة عقدية، أو تاريخية، أو فقهية، فالمفترض مقارعته علميًّا، نحن لا نستطيع قول أن كل رأي يقوله العالم الفلاني فهو حق وصدق، وغيره خطأ، فمن الممكن أن يكون مخطئًا في رأيه، ولكن الطريق هو المقارعة العلمية، وليس السَّب والشتم والتبديع.
الثانية: لا يصح لنا أن ندخل أيَّ اختلاف في الرأي ضمن عنوان البدعة، فالبدعة إدخال ما ليس من الدين في الدين، أما الاختلاف في فهم النص، وقبوله أو رفضه ونقاشه، وردّ ما هو مورد اختلاف، وليس مورد إجماع هذا لا يمكن اعتباره بدعة، وإنما هو اختلاف في الاجتهاد والرأي.
واستدرك سماحته قائلًا: على فرض أن ما قام به هذا العالم بدعة، الحديث المروي عن رسول اللّه يقول: «إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه»[1] حتى إذا أردت أن تَعُدَّ نتائج بحث فلان بدعة، فإنه وَفْقًا لهذا الحديث «على العالم أن يظهر علمه» لا أن يظهر شتمه، ثم إننا إذا قرأنا تاريخ مذهبنا وتاريخ علمائنا نجد أن هناك بحثًا علميًّا في مختلف الجوانب، فكثير من التفاصيل مختلف عليها بين العلماء، وقليل من الأشياء موضع إجماع للطائفة الشيعية ولعلمائها، يكفيك مثلًا أن الشيخ الصدوق ألَّف كتابًا حول الاعتقاد اسمه كتاب (الاعتقادات)، وبعده جاء الشيخ المفيد فألَّف كتابًا تحت عنوان (تصحيح الاعتقاد) ورد على الشيخ الصدوق في (43) مسألة عقدية، ترتبط بالتوحيد والنبوة والإمامة، وهما عالمان، ومحلهما محلّ تقدير واحترام، إذًا كثير من القضايا التفصيلية العقدية فيها اختلاف بين العلماء السابقين، فلا يحقّ لأحد أن يَعُدَّ رأيه العقدي في مسألة تفصيلية وكأنه مقياس الدخول في المذهب والخروج عنه، هذا ليس صحيحًا.
ثم تساءل سماحة الشيخ: ماذا عن هذه اللافتة التي ترفع (الثوابت)؟، وما هي حدودها؟ ومن الذي يقرر الثوابت؟
وقال: سبق أن قلت في إحدى المحاضرات إن البعض كان يقول: (حتى لون المداس وهو الحذاء الذي يلبسه العلماء في النجف ولونه أصفر هذا من الثوابت)، يلزم أن نتفق على الثوابت أولًا، لكي لا يأتي أحد إلى مسألة فرعية تفصيلية فيقول: هذه من الثوابت، وأنت خالفتها، هذا إرهاب فكريٌّ، وقمع غير مقبول، نحن نفتخر بفتح باب الاجتهاد ليس فقط في المجال الفقهي، بل حتى في المجال العقدي، والتاريخي أيضًا، كثير من الآراء عند الشيخ المفيد فيما يرتبط بسيرة الأئمة يختلف فيها مع علماء آخرين، وباب الاجتهاد مفتوح، صحيح أنه في بعض الأحيان يسود رأي ويشتهر بين الجمهور والآراء الأخرى تتوارى، لكن هذا لا يعني أن من أيد الرأي الآخر يكون خارج المذهب، أو يتهم بالابتداع، أو الضلال ويقاطع، فمع الأسف، بعض الفئات من الناس إذا اختلفتَ معهم في الرأي لا يمتلكون إلاَّ المقاطعة والإسقاط وتشويه السمعة والشخصية، وأبرز ما في هذا السلوك، أنه دلالة على الضعف والعجز، فالإنسان الواعي العالِم لا يواجه بهذا الأسلوب، إنما يواجه بالدليل العلمي والأخلاق الفاضلة.
وسئل سماحة الشيخ عن اهتمام الشيعة بالإمام الحسين مما يجعل البعض يظن أنه فاق الاهتمام برسول اللّه فقال:
أولًا: نحن نعتبر أن الولاء لأهل البيت وذكرهم هو ذكر وولاء لرسول اللّه وهو استجابة لأمره فلولا أنه أكدَّ الولاء لعترته وأهل بيته لما سرنا نحن في هذا الطريق، رسول اللّه قال لنا أن نحتفيَ بأهل بيته.
ثانيًا: كما أشرت سابقًا، من طبيعة المجتمعات عند الصراع فإنها تحافظ على هويتها، والشيعة لأنهم كانوا يعيشون في غالب العصور صراعًا على معتقدهم في ولاية أهل البيت ، لذلك كانوا يركزون على هذا الجانب، باعتباره العلامة الفارقة، وباعتباره الحدّ الذي يميِّزهم عن غيرهم، ألا وهو إظهار الولاء لأهل البيت .
ثالثًا: في كثير من الأحيان تكون ثقافة الجمهور غير خاضعة لتراتبية القيم، إنما هي لمعادلة الفعل ورد الفعل، وأعطيك مثلًا إسلاميًّا عامًّا: نحن كمسلمين نعتقد بعظمة الأنبياء مثلًا المسيح عيسى بن مريم من أنبياء اللّه العظام، ومن أولي العزم، والقرآن الكريم تحدث عنه وعن فضله، وعن أمه مريم وفضلها، لكن المسلمين، ولأن المسألة كانت ترتبط بالتنافس بين الأمة وبين النصارى المسيحيين، فإن الثقافة التي سادت جمهور الأمة كانت ثقافة ردِّ الفعل، ما دام المسيحيون يعظمون السيد المسيح ويغالون فيه حتى وصلوا إلى مستوى التأليه بقولهم بالتثليث، ويحتفلون بعيد ميلاده، أصبح وكأنه ميزة لهم، لذلك ثقافة المسلمين فيها جفاء وجفاف تجاه نبي اللّه عيسى بن مريم ، وقد كتب أحد الكتاب السعوديين مقالًا جميلًا في جريدة الرياض، قال: إننا قد كتبنا عن بعض الصحابة كتبًا أكثر مما كتبنا عن نبي اللّه عيسى بن مريم، صحابي من الصحابة نكتب عنه كتبًا، ونشيد بذكره وفضائله، بينما لا يوجد لدينا كتب كثيرة عن نبي اللّه عيسى بن مريم، لماذا؟ هل إن تراتبية القيم والرموز تجعل بعض الصحابة أهمَّ من الأنبياء؟ لا، ولكن بسبب أن الثقافة كانت من وحي معادلة الفعل ورد الفعل.
ثم ضرب سماحة الشيخ مثالًا آخر يتعلَّق بالمذهب، قال:
نعم، حصل تقصير عندنا في السابق، لكن الشيعة الآن وقد استعادوا الكثير من أوضاعهم فقد أنشئت مراكز لبحث سيرة رسول اللّه وطبعت الكتب في ذلك، وعلى سبيل المثال: أحد علمائنا المحققين العلامة السيد جعفر مرتضى كتب موسوعة سمَّاها: (الصحيح من سيرة الرسول الأعظم) في 35 مجلدًا، وقد صدرت في عام 1427ﻫ الطبعة الخامسة لها، وفي مشهد يوجد مؤسسة يقوم عليها العلامة السيد محسن الخاتمي متخصصة في بحث سيرة النبي وبدأت نشر أعمالها بعنوان (موسوعة الرسول المصطفى) طبع منها حتى الآن 17 مجلدًا، والعمل مستمر فيها، كذلك صدر عن مركز الدراسات الرضوية موسوعة حديثية بعنوان (سنن النبي) في عشرة مجلدات ضخمة، وهو كتاب يجمع ما ورد عن رسول اللّه في مصادر الشيعة، أيضًا أحد الأدباء من المنطقة، وهو الأستاذ عبدالقادر أبو المكارم طبع موسوعة في المدائح النبوية في 19مجلدًا، هذا دليل على أن الاهتمام أصبح أكثر مما كان عليه في الماضي، وكلنا كمسلمين يجب أن نشعر بالتقصير تجاه رسول اللّه ، ونبدأ الاهتمام أكثر بسيرته وبشخصيته العظيمة؛ لأنه هو الأصل وأهل البيت فرع منه.
وأشار سماحة الشيخ: إلى أن الاهتمام الأكثر ليس دلالة الأولوية والأفضلية دائمًا، إنما قد تكون هناك خصوصية، فنحن نجد في تراثنا الشيعي عن الرسول وعن أئمة أهل البيت نوعًا من الخصوصية للإمام الحسين ، هذه الخصوصية نابعة من أهمية الموقف، والقضية، لكن هذه لا تعني الأفضلية لأن الإمام الحسين يقول: «جدي خير مني، وأبي خير مني، وأمي خير مني، وأخي خير مني»[2] ، وهذا ما نعتقده، لكن تجد مثلًا أن البكاء على الإمام الحسين له خصوصية لم ترد مثله روايات في البكاء على الزهراء أو على الإمام علي أو على النبي أو على الإمام الحسن ، وزيارة الإمام الحسين فيها خصوصية، وتربة الإمام الحسين فيها خصوصية، هذه الخصوصيات قد تكون مرتبطة بالقضية وبالموقف ولكنها لا تدل على أفضلية للإمام الحسين على جدِّه وأبيه وأمه وأخيه.
هناك نقد ذاتي يوجَّه لنا، نحن الخطباء، علينا أن نعطيَ مسافة أطول ومساحة أكبر للحديث عن سيرة رسول اللّه وأخلاقه وسنته.
وعن تواجد الرسول في السوق والشارع والمسجد كما في السيرة، وفقدان هذا الشيء في محيط العلماء، قال سماحته:
هناك تغيّر في الظروف، نحن لا نستطيع أن نحاكيَ حياة الرسول وحياة أهل البيت في التفاصيل، نحن نأخذ المبادئ العامة، والمنهج العام، أما في بعض التفاصيل، كيف كان يلبس؟ أو كيف كان يأكل؟ فلا، واختلاف الظروف تدعو إلى بعض الاختلاف، مثلًا، على المستوى الأمني أنا لا أشك أن المراجع العظام مثل سماحة السيد السيستاني حفظه اللّه، أو سماحة السيد الخامنئي حفظه اللّه، أو سماحة السيد فضل اللّه حفظه اللّه، أو كل المراجع لا أشك أنهم يريدون أن يعيشوا مع الناس، لكنَّ هناك ظرفًا أمنيًّا يمنعهم، لو أن النبي يعيش الآن في مثل هذا الظرف في العراق لعله لم يكن يذهب إلى السوق، وذلك لأن الوضع اختلف، كما يجب أن نأخذ الواقع الاجتماعي الذي نعيشه بعين الاعتبار، يمكن للعالِم اليوم أن يتابع أوضاع الناس من خلال متابعته للتقارير، ومن خلال مراكز أبحاث، طبعًا إن استطاع أن يعيش مع الناس بالحياة الطبيعية والعادية فهذا أمر مطلوب، لكن ليس هذا هو الأسلوب الوحيد إذا تعذَّر علينا، نكون قد خالفنا المنهج.
أصل فكرة أن عالم الدين ينبغي أن يعيش مع الناس، وفي وسطهم، فكرة صحيحة، ولكن تبقى الأساليب والوسائل قد تتغيَّر من ظرف إلى آخر.
وقال سماحة الشيخ عن تكرر الإهانات الموجهة لرسول اللّه :
أن هذا الموضوع يرتبط بواقع الأمة، فعندما تكون عزيزة الجانب تفرض احترامها، لكن حينما تكون ضعيفة فإن ذلك يغري الآخرين بها، خذ اليهود مثلًا: لأن لديهم قوة سياسية وإعلامية واقتصادية في العالم، استخرجوا قانونًا دوليًّا يدين ويجرم التشكيك في بعض قضاياهم التاريخية، كالهولوكوست (المحرقة)، اليوم في أوربا لا يجرأ أحد حتى ولو كان من كبار المفكرين أن يشكك في تفاصيل هذه الحادثة، ومن تجرأ وتكلم حكم عليه بالسجن أو الإقامة الجبرية أو بالغرامة، واتهم بمعاداة السامية، لماذا؟ لأن اليهود في موقع قوة على المستوى العالمي والسياسي، والأمة الإسلامية ـ للأسف الشديد ـ ليست في مثل هذا الموقع، إنها تعيش اليوم حالة من الوهن والضعف، وهذا يغري بعض الجهلة والسفهاء بالاعتداء على رموز الأمة ومقدساتها، والحلّ الجذري والحقيقي هو أن تستعيد الأمة مكانتها، عندها ستُحترمْ رموزها ومقدساتها.
النقطة الثانية: هناك اتجاه صهيوني ومسيحي متطرف هاله انتشار الإسلام في أمريكا وأوربا، وفي الإقبال على الإسلام، فالإسلام اليوم هو أكثر الأديان انتشارًا في أمريكا وأوربا، ذكرت بعض التقارير بأن عدد المسلمين بات في العالم يتجاوز عدد الكاثوليك، هؤلاء في مقابل هذه الحالة أرادوا بهذه الأساليب الإعلامية أن يضعوا حاجزًا بين شعوبهم وبين الإقبال على الإسلام هذا أولًا.
ثانيًا: هم يفعلون ذلك ليورطوا المسلمين في ردود فعل سلبية تستثمر ضدهم وضد الإسلام، وللأسف نجحوا في هذا الأمر فصدرت ردود فعل سلبية، ومحاولات اغتيال، وإرهاب، وقتل، هذه ردود سيئة وغير مناسبة، ويحقق ما أراده اليمين المسيحي المتطرف واللوبي الصهيوني الذي يريد خلق مشكلة وصراع وصدامات بين الحضارات.
النقطة الأخيرة: نحن قصّرنا كأمة، بل قصرنا كثيرًا في تعريف العالم بشخصية رسول اللّه وسيرته، نحن نهتمَّ بها في داخلنا، ونمدحه وننشد الأناشيد في داخل مجالسنا، وكذلك نحن الشيعة تجاه أئمتنا ، فلا نتحمل أيَّ مسؤولية اتجاه العالم الخارجي.
وأضاف سماحته: لو أننا عملنا إحصاء كم يصرف الشيعة في محرم على الاحتفاء بالشعائر الحسينية؟ سنكتشف أنها مبالغ كبيرة، وجهود عظيمة، لكن كلها في الداخل، لا يوجد أيَّ جهد متوجه إلى خارجهم، لا يوجد اهتمام بهذا الجانب، نحن لا ننشغل بالعالم، أعرفهم أم لم يعرفهم؟ نحن ننقل هذا النص «شيعتنا منا خلقوا من فاضل طينتنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا» لهم علينا في ليلة مولدهم أن نفرح لفرحهم، وفي ليلة وفاتهم أن نحزن لحزنهم، أما أن نعلم الآخرين من هم أئمتنا فلا، وحتى العاملين في بيوتنا من مختلف الجنسيات، لم نصرف أيَّ جهد في إيصال صوت الإسلام، وثقافة أهل البيت لهم، أليسوا بشرًا ويعيشون معنا؟ بإمكاننا بل من واجبنا أن نوصل لهم صوت الهدى.
وعن القنوات الفضائية قال سماحته:
قنواتنا الفضائية أطلت علينا تخاطبنا نحن، وتدغدغ مشاعر المجتمع الشيعي، وليفرح عجائز الشيعة، وأطفالهم، أما الآخرون فلا يهمنا رضاهم بهذه الأشياء أو اعتراضهم، نحن نعرض الشيء الذي يعجبنا نحن، لم تتوجه قنواتنا لمخاطبة الآخر، أو أخذ تقبله بعين الاعتبار، هذا يصدق علينا كطائفة تجاه أهل البيت، ويصدق على المسلمين بشكل عام تجاه سيرة رسول اللّه وهنا الحديث ذو شجون.