الشيخ الصفار يناقش الممانعة للنقد الذاتي على الصعيد الثقافي والاجتماعي
استضاف المنتدى الشهري الثقافي والذي يعقد في منزل المهندس حسن مرزوق النخلي بالرياض سماحة الشيخ حسن الصفار وذلك مساء الثلاثاء 24 ربيع الأول 1429هـ الموافق 6 ابريل 2008، متحدثا حول "النقد الذاتي بين الفرد والمجتمع" وأدار الندوة المهندس حسن مرزوق، وحضر الندوة نخبة متنوعة من مثقفين وإعلاميين وأكاديميين.
من بينهم الدكتور عثمان بن عبد العزيز المنيع عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان، والدكتور عبد الخالق عبد الحي عضو مجلس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، والدكتور علي المستنير والأديب حسين علي حسين، والأستاذ محمد بن صالح الصالح، والدكتور السيد علي الحاجي الأستاذ في كلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض، الدكتور حسن مطير (استشاري جرّاح)، الدكتور رزق الله عسيري استشاري أطفال في المستشفى العسكري بالرياض، الدكتور سهل الهاجوج طبيب في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، الدكتور علي الشيخ محمد علي العمري طبيب في مستشفى الحرس الوطني بالرياض.
بدأ الشيخ الصفار حديثه منطلقا من قوله تعالى ﴿أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا﴾.
بعد ذلك أعطى سماحة الشيخ حسن الصفار لمحة مختصرة عن معنى الآية وقال إن كل إنسان معرض أن يصدر منه الخطأ وذلك إما بسبب الجهل أو بسبب الغفلة أو بسبب دوافع الأهواء والشهوات وهذا أمر طبيعي لكن غير الطبيعي أن ينظر الإنسان إلى عمله السيئ على أنه حسن ، فقد يكون العمل حينما ينظر إليه الإنسان بموضوعية وتجرد واضح السوء لكن هناك ظروفا وأسبابا تجعل الإنسان ينظر نظرة غير موضوعية فلا يرى السوء في عمله بل يرى أن ذلك العمل حسنا.
وأشار سماحته في حديثه إلى أن هذه الآية تنطبق انطباقا كبيرا على مايمكن تسميته بالممانعة من النقد الذاتي.
بعد ذلك تحدث المحاضر عن المجتمعات المتقدمة وآلية النقد عندهم وقال في معرض الحديث عنهم بأنهم يراجعون أفكارهم وممارساتهم على مختلف الصعد وذكر أن هناك على المستوى السياسي مؤسسات في تلك المجتمعات عملها قائم على المراجعة والمناقشة والمراقبة وذكر مثالا لذلك البرلمانات والقضاء المستقل والإعلام الحر وقال أن كل ذلك من أجل أن تتاح الفرصة لتسليط الأضواء على الخطأ ولتصحيح ذلك الخطأ.
وأضاف الشيخ الصفار أن في كل المؤسسات الآن في العالم سواء الاقتصادية أو الشركات أوالجامعات هناك ورش عمل وهناك مؤتمرات وهناك منهجية معينة للمحاسبة وللمراجعة حتى تحولت في بعض المجتمعات إلى عادة دارجة حيث أغلب المؤسسات تضع صندوقا للمقترحات أو الشكاوي أو للملاحظات أو للانتقادات وفي المجتمعات المتقدمة أصبحت مسألة المراجعة والتأمل والنقد مسألة طبيعية لكن في المجتمعات التي وصفها بأنها لاتسير في طريق التقدم فان هناك ممانعة للنقد.
وحول نظرة المسلمين للنقد قال اننا كمسلمين نتلوا آيات في القرآن الكريم مفادها التربية على النقد كقوله تعالى ﴿ وما أبرئ نفسي﴾ وكقوله تعالى ﴿قل لا تزكوا أنفسكم﴾ وآيات كثيرة في القرآن وكذلك أصل عملية الاستغفار من الذنب وكأن الله يريد من الإنسان المسلم أن يجعل نفسه دائما أمام المرآة لإمكان وجود خطأ أو ذنب عنده. والاستغفار ليست مجرد لفظة يقولها الإنسان وإنما هي قناعة في داخل الإنسان مفادها أن حياة الإنسان وسلوكه وتصرفاته معرضة للخطأ وأن عليه استدراك ذلك الخطأ. ومع وجود مثل هذه المفاهيم في الإسلام إلا أن الإنسان المسلم الذي يؤمن نظريا بأنه معرض للخطأ وأن عليه أن يعرض نفسه للمراجعة والمسائلة هذا من الناحية النظرية . لكن عمليا لو تناقشت معه حول عقيدة يعتقدها أو فكرة يرتئيها أو سلوك يسلكه أو نهج يسير عليه لكان من الصعوبة بمكان أن تقنعه بأنه على خطأ وكأنه يعتقد العصمة في نفسه. فلذلك تجد ممانعة للنقد على مختلف المستويات سواء الديني منها أو السياسي أو الثقافي أو غير ذلك.
ومما ذكره فضيلته من الممانعة على المستوى الديني قوله إن كل عالم من علماء الدين وكل فقيه من الفقهاء نظريا يقول بأن باب الاجتهاد مفتوح والإنسان يجتهد وقد يصيب وقد يخطئ والمصيب له أجران والمخطئ له أجر احد لكن حينما تأتي على المستوى العملي تجد هناك تشبث بالآراء وتجد هناك ممانعة من النقد أو إعادة النظر وكأن هناك عصمة لهذه الآراء.
وقال سماحته أن حالة الممانعة من النقد إذا استحكمت في مجتمع من ا لمجتمعات فانها تعزز وجود الأخطاء في ذلك المجتمع وتمنع من التصحيح والتقدم والتطلع نحو الأفضل ولا تجعل المجتمع قادرا على مواجهة التحديات والصدمات.
ومن الجوانب التي ركز عليها الصفار وقال إن النقد فيها أكثر حساسية هو جانب التراث ومما ذكره حول هذه النقطة قوله أنه ليس المطلوب منا أن نتجاهل هذا التراث ففيه الكثير من نقاط القوة وفيه الكثير مما يستفاد منه وقيه محكمات وأصول لكن ليس صحيحا أن نجد أنفسنا أسارى لكل ما في هذا التراث علينا أن نغربل هذا التراث ونرى جانب الصحة والخطأ فيه.
وقال بالنص (عدد كبير من مشاكل الأمة في تصوّري آت من التشبث بكل ما في التراث على مختلف الصعد ولو أن الأمة استطاعت أن تعالج هذه المشكلة مع تراثها بموضوعية وتفكر بتعقل وبجرأة لاستطاعت أن تتجاوز الكثير من الإشكالات والمشكلات. ومن مظاهر هذه المشكلات مانراه في علاقة الأمة بين مذاهبها وطوائفها هذه العلاقات التي أصبحت في بعض جوانبها متشنجة ومتوترة إنما لها جذور في التراث فهناك نقول ونصوص وقضايا تاريخية هي التي تؤصل وتعزز مثل هذه التوجهات ومثل هذه المواقف لكن ينبغي أن تكون هناك وقفة شجاعة. وقال أنه يعتقد أننا في هذا العصر ومع هذه التحديات الكبيرة التي تواجهنا إذا لم نمتلك هذه الجرأة لكي نغربل تراثنا فإننا نحكم على أنفسنا بالمزيد من التخلف والمزيد من التدهور.
والمصلحون على الصعيد الفكري والثقافي عانوا ولازالوا يعانون الكثير في ساحة الأمة لأنهم يطرحون آراء وأفكارا جريئة ولأنهم يمارسون عملية النقد وافترض سماحته أن تكون المراهنة على ارتفاع مستوى وعي الناس مشيرا الى أن المجتمع ارتفع مستوى الوعي فيه والناس أصبحوا متعلمين وان هناك انفتاحاً عالمياً وما عاد الإنسان كما كان في الماضي يقبل بتجميد عقله ويعتقد أن مايسمعه من ذلك الشيخ أو ذلك العالم هو حق مطلق. فكان الناس في مجتمعاتنا سابقا يقولون (قلدها عالم واطلع منها سالم) لكن الناس الآن يفترض أنهم تجاوزوا هذه المرحلة ولا يصح بهم أن يقبلوا بأنفسهم أن يكونوا ألباً على المصلحين. لكن المؤسف أن كثيرا من الواعين والمثقفين يبخلون بأصواتهم في معركة التجديد والإصلاح فيسلمون المصلحين ويسلمون المجددين لثورة العوام ويتخلون عنهم وبالتالي الخسارة لن تكون على أشخاص المصلحين وإنما الخسارة ستكون على الأمة بشكل عام وعلى مستقبل الإسلام والدين.
وتفاعل الجمهور مع محاضرة الشيخ الصفار والتي كان لها مساس كبير في واقع المسلمين مما نتج عن ذلك الكثير من الأسئلة والمداخلات على المحاضرة وكانت إجابات سماحته وافية وفي نهاية اللقاء قام المحاور بتقديم الشكر لسماحة الشيخ الصفار على تجشمه عناء السفر وعلى محاضرته القيمة التي غلبت عليها الشفافية والجرأة في الطرح.