الشيخ الصفار يرد على المشكّكين في خيار الوحدة والانفتاح
ردّ سماحة الشيخ حسن موسى الصفّار على المشكّكين في خيار الوحدة والانفتاح، بأنه مبدأ إسلامي أصيل. وليس هناك من يجهر برفضه لهذا المبدأ، وما هذه التشكيكات سوى عراقيل توضع في طريق التقدم الذي يُحققه دعاة الوحدة والانفتاح، وهي لا تصمد أمام الحوار. مشيراً إلى أبرز تلك المعوّقات، مؤكداً أنها نابعة إما من الجهل والغفلة والشبهة، أو لتحقيق أغراض ومصالح شخصية. محمّلاً أبناء الأمة مسؤولية تحديد خياراتهم الحالية عبر إعمال وعيهم وبصيرتهم فإما أن يختاروا البقاء في صراعٍ مرير، أو تجاوز هذه الحقبة بإشاعة روح الوحدة والانفتاح والحوار، عبر التأكيد على الخطاب المعتدل والتجاوز عن الإساءات المتبادلة.
وفي إطار آخر حذر الشيخ الصفّار من تفاقم حالات العنف في المجتمع، مؤكداً أن الجهات الأمنية تتحمل المسؤولية الكبرى، وعلى رجالات المجتمع من العلماء والوجهاء والمثقفين نقل الصورة إلى الجهات المعنية، وإذا لزم الأمر أن يرفعوا الأمر للقيادات العليا فهذا من حقّهم، فالأمن من أهم مسؤوليات الدولة، وأكد أن الأسرة تتحمل مسؤوليتها في هذا الجانب.
ودعا للانفتاح على هؤلاء الشباب والأخذ بأيديهم فالتعامل معهم على أنهم مرضى يحتاجون العلاج، خير سبيلٍ للحد من المشاكل المتزايدة.
أكد الشيخ الصفار في بداية الخطبة الأولى للجمعة 5 ربيع الثاني 1429هـ (11 أبريل 2008م) على حقيقةٍ واضحةٍ البيان، وهي أن الإنسان كما يحتاج إلى بصره في حركته في الحياة ليأمن من الانزلاق والضياع، فإنه يحتاج إلى البصيرة وإعمال الوعي ليأمن من الانحراف واتباع الشيطان والهوى. معتبراً الأوضاع التي يكون فيها الإنسان أمام مفترق طرق، أو في مواجهة خيارات متعددة من أهم المواطن التي تتأكد فيها أهمية البصيرة والوعي.
مضيفاً: إن مجتمعاتنا العربية والإسلامية اليوم في حالة تحول، وأمام مفترق طرق، فقد أدركت أن الواقع المعاش ليس سليماً، وبدأ العالم كلّه يضيق ذرعاً بهذا الواقع، وهنا تجد الأمة نفسها أمام خيارات مفتوحة في مختلف المجالات، مؤكداً أن مجال العلاقات الداخلية في الأمة بين طوائفها المتعددة، وتياراتها المختلفة هو من أبرز المجالات التي تتعدد الآراء حولها، ولما لهذا المجال من أهمية بالغة في تحديد مصير الأمة فإن على أبناء الأمة تحديد الخيار الأصوب لهذه المرحلة الحساسة من تاريخ الأمة.
وبين أن أمام هذه القضية يبرز خياران:
الأول: يدعو إلى استمرار حالة الصراع بين مختلف الطوائف، وأن تتمسك كل طائفة بخصوصياتها ومواقفها تجاه الأطراف الأخرى.
الثاني: يدعو إلى الوحدة والانفتاح والحوار بين الطوائف بمختلف توجهاتها وتياراتها.
مشيراً إلى أن خيار الوحدة والانفتاح مبدأ إسلامي أصيل. وليس هناك من يجهر برفضه، ولكن توضع أمامه العراقيل والشكوك التي تُعيق تقدمه وثباته على أرض الواقع.
واستعرض نماذج من تلك الإعاقات التي توضع أمام من يتبنى خيار الوحدة والانفتاح:
أولاً- ربط خيار الوحدة بأمر تعجيزي، فينبري من يدعي بأن الوحدة والانفتاح لا يُمكن أن يتحققا إلا بالإجماع على طريق واحد ومذهبٍ واحد، فمن علماء السنة من يدعو للتوحّد على مذهب أهل السنة والجماعة، ومن علماء الشيعة من يدعو إلى التوحّد على مذهب أهل البيت ، وكلٌّ يُبرر ذلك بمبررات يفهمها بطريقته الخاصة.
معقّباً على ذلك بقوله: الأصل في الوحدة ليس الاتفاق على مذهب واحد، وهذا أشبه بالمستحيل، وإنما الوحدة تعني التوجه للمصالح المشتركة، وتحقيق الأهداف العليا للأمة، مع احتفاظ كل جهةٍ بمبادئها وعقائدها، فهذه حرية دينية كفلها الشارع المقدّس لكل الناس، وحتى في عهد رسول الله لم يدخل جميع الناس في الإسلام، وإنما بقي اليهودي على يهوديته، والمسيحي على مسيحيته.
ثانياً- التشكيك في إمكانية تحقيق الوحدة، ورداً على ذلك يقول الشيخ الصفّار: إن الأمم الأخرى من حولنا تجاوزت هذه الفرضية الخاطئة، فوحّدوا صفوفهم رغم اختلافاتهم الدينية والقومية، بل رغم عهود الصراع والقتال التي كانت بينهم. وفي ذلك حجة كبيرة على الأمة لأن تنتبه لواقعها المرير، لتستعيد عزّتها ومكانتها بين الأمم.
ثالثاً- القلق من التنازل عن المعتقدات والثوابت، حيث يُتّهم دعاة الوحدة والتقارب من مختلف الطوائف بأنهم بذلك يتنازلون عن المعتقدات والثوابت، في حين أن الدعوة للوحدة –كما يُشير الشيخ الصفار- لا تعني التنازل أبداً، بل إنها تحفظ لكل جهةٍ حقوقها الدينية، وهذه الحقوق لا يُمكن المساومة عليها.
مضيفاً: هناك بعض القضايا التي أعطيت عنواناً أكبر من حجمها، فاعتبرها البعض أنها من الثوابت بيد أنها ليست كذلك، ومن هذه القضايا: الإساءة المتبادلة بين المذاهب المختلفة، مؤكداً أن هذا المنهج لا يُمكن أن يكون من ثوابت أي مذهب من المذاهب، وحتى لو كان هناك ظرف من الظروف استدعى تبني هذا الخيار، فإن أول خطوة من خطوات الوحدة والانفتاح هي وقف الحملات الإعلامية المتبادلة، وهذا قانون عالمي لا يختلف فيه إثنان.
رابعاً- التشكيك في الجهات المتصدية لخيار الوحدة والانفتاح، وإلصاق التهم بهم. وهذا منهج التشكيك في النوايا التي لا يعلم بها إلا الله تعالى، وعلى فرض أن هذه التهم صائبة، فلماذا لا يتحمل هؤلاء مسؤولية هذا المبدأ الإسلامي الكبير، إذا كانوا يعتبرون أنفسهم مخلصين وورعين وتهمهم المصلحة العامة للأمة والمجتمع.
منتقداً الذين يستشهدون بالمشاكل الخارجية التي تصدر من داخل هذا الطرف أو ذاك، معتبراً أن هذه المشاكل هي من أكبر الأدلة على ضرورة اتخاذ خيار الوحدة والانفتاح، إذ أن مثل هذه المشاكل لا تزول إذا بقي الوضع على ما هو عليه.
واعتبر أن هذه التهم التي توجّه ضد دعاة الوحدة والانفتاح، نابعة من أحد أمرين:
الأول: الغفلة أو الشبهة في الموضوع، وفي هذا الأمر يقول الإمام علي : ((إنما سُمّيت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق، فأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين، ودليلهم سمت الهدى)).
الثاني: الأغراض الشخصية حيث أن دغدغة المشاعر بالخطابات العاطفية تستقطب الناس، وفي ذلك إرضاء لتقاعسهم عن النهوض بالمسؤولية.
وأكد في ختام الخطبة أن مسؤولية نجاح أحد الخيارين تقع على أبناء الأمة، حيث ينبغي عليهم إعمال بصيرتهم ووعيهم، فإما أن يختاروا البقاء في صراعٍ مرير، أو تجاوز هذه الحقبة بإشاعة روح الوحدة والانفتاح والحوار، عبر التأكيد على الخطاب المعتدل والتجاوز عن الإساءات المتبادلة.
أكد الشيخ الصفار في الخطبة الثانية أن ظهور المشاكل في أي مجتمعٍ من المجتمعات أمرٌ طبيعي، إلا أن الأمر غير الطبيعي هو السكوت عن المشاكل وفسح المجال أمامها للنمو، فذلك من طبيعة المجتمع الميّت، أما المجتمع الحي الواعي فإنه يقف أمام هذه المشاكل لدراستها ووضع العلاجات المناسبة لها.
ويأتي حديث الشيخ الصفار بهذا الأمر في الوقت الذي ارتفعت فيه حصيلة حوادث العنف في المجتمع الذي كان يعيش أهله الأمن والاستقرار إلى فترة قريبةٍ من الزمن، بينما لا يكان يمر يوم بدون حادثة مؤلمةٍ يذهب ضحيتها عماد المجتمع من الشباب، ونقل بعض الحوادث التي حصلت خلال هذه الفترة، حيث أصيب شاب في القديح برصاصة وهو يُشارك في حفل زفاف، مما حوّل العرس إلى مأتم وكارثة، وأصيب طفل في الخامسة من عمره من العوامية برصاصتين تعرّض لهما نتيجة شجارٍ دار بين شابين فأخرج أحدهما سلاحاً وأطلق النار على الآخر، فأصابت هذا الطفل البريء، وفي الجش تعرّض محل للإلكترونيات إلى سطو مسلّح.
وأكد الشيخ الصفار أن مجتمعنا لم يعهد مثل هذه الحوادث، مؤكداً على ضرورة الاستنفار في مواجهة هذه الظواهر، فالسكوت عنها يُندر بتفاقمها واستفحالها في المجتمع.
وأرجع المسؤولية الكبرى إلى الجهات الأمنية في الدولة، إذ أنها تتحمل مسؤولية ما حصل بالدرجة الأولى، ذلك لأن من أهم مسؤوليات الدولة هي توفير الأمن للمواطنين، وإذا لم يشعر المواطن بالأمن فيعني أن هناك خللاً، مما يستلزم عدم السكوت على هذا الأمر، مطالباً الوجاهات الاجتماعية، من العلماء والوجهاء والمثقفين، تحمّل مسؤولية إيصال صوتهم إلى هذه الأجهزة، وعند عدم الاستجابة ينبغي أن يُرفع الأمر للقيادات العليا في الدولة، فذلك حقٌ لجميع المواطنين، وعلى الدولة الاصغاء لهذا الأمر ووضع الحلول المناسبة تجاهه رغم كل المسؤوليات التي تقع على عاتق الدولة، فهذا الأمر لا يُمكن السكوت عنه.
ومن جانب آخر وجّه الشيخ الصفّار خطابه للمجتمع بجميع شرائحه متسائلاً هل أن هؤلاء الذي يقومون بهذه الأعمال العنيفة من خارج المجتمع، أم أنهم من كوكبٍ آخر، مما يستلزم على الواعين من المجتمع تحمّل المسؤولية تجاه هذا الأمر، فأين دور الحسينيات، والمساجد، وأين دور العلماء، والمصلحين، والمثقفين، فليُصغي الجميع لحديث رسول الله إذ يقول: ((لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهو عن المنكر، وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا نزعت عنهم البركات وسُلّط بعضهم على بعض، وليس لهم ناصر في الأرض ولا معين)).
وأكد أن الأسرة تتحمل قسطاً أكبر من المسؤولية، ففي أحضانها تربى هؤلاء الشباب، وهنا تأتي أهمية الوعي الأسري كجانب مهم في تحقيق أهداف الأسرة في المجتمع حيث تتحمل الأسرة مسؤولية تربية جيلٍ صالح يخدم المجتمع، ويُنمي قدراته، أما إذا كانت النتيجة كما هي عليه الآن فإن ذلك يعني وجود خللٍ كبير في نظام الأسرة، مما يستلزم الوقوف عند هذا الخلل، قبل تفاقمه، ونقله للأجيال القادمة.
وفي ختام الخطبة دعا سماحة الشيخ الصفّار إلى الانفتاح على هؤلاء الشباب والأخذ بأيديهم، والتعامل معهم كمرضى يحتاجون إلى العلاج، وأن يتحمل الجميع المسؤولية تجاه الواقع الاجتماعي. مفصحاً عن تجربةٍ قام بها شخصياً حيث التقى بمجموعة من هؤلاء الشباب واستمع إلى حديثهم وشكواهم، فوجد أنهم يُواجهون مشاكل حقيقية ينبغي التوجه نحوها، مؤكداً أن منهج الانفتاح هو الطريق الأنجع للحد من تفاقم هذه الظواهر التي تُهدد أمن المجتمع واستقراره.
والحمد لله رب العالمين