الحوار الوطني معطيات وتطلعات

مكتب الشيخ حسن الصفار

استضاف سماحة الشيخ حسن النمر في اثنينيته التي عقدت مساء يوم الاثنين الموافق 20 ذو القعدة 1424هـ (12 يناير 2004م) في مجلس سماحة السيد علي السيد ناصر -حفظه الله - بالدمام؛ سماحة الشيخ حسن الصفار؛ وكان موضوع اللقاء: الحوار الوطني معطيات وتطلعات.

حضر الندوة حشد كبير من علماء الدين من القطيف والدمام والأحساء ورجال اعمال وأكاديميين وصحفيين وشخصيات سنية وشيعية من أنحاء متفرقة من المملكة.

وكانت الندوة تحت رعاية مجوهرات الحرمين للذهب والألماس «الراعي الرسمي»، ودار غسان للأستشارات الهندسية، وشمس للخدمات للبث والتغطية المباشرة عبر البالتوك.

وقد بدأ اللقاء بآيات من الذكر الحكيم تلتها كلمة ترحيبية لسماحة الشيخ حسن النمر الذي رحب بسماحة الشيخ حسن الصفار وبجميع الحضور على تلبيتهم الدعوة.


بعد ذلك قدَم للحوار الأستاذ طالب المطاوعة بعرضه لمحاور اللقاء وبتقديمه مجموعة من الأسئلة تمهيداً للحوار.

وبدأ الحوار بكلمة لسماحة الشيخ حسن الصفار استفتحها بقوله تعالى: ﴿وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط.

وأكد سماحته في بداية الكلمة أن الأمة العربية والإسلامية تمر في هذه المرحة بأصعب المراحل والظروف إذ لا يكاد يمر يومٌ إلا ويصدر تهديد من الجهات اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة الأمريكية، وآخره التصريح الصادر عن ريتشارد بيلر مستشار وزير الدفاع الأمريكي الذي يتوعد فيه بضم المملكة إلى دول محور الشر. وكان قد اصدر كتاباً تحدث فيه عن تفكيك المملكة.

وقال سماحة الشيخ: نحن نقرأ هذا التصريح وأمثاله في اتجاهين:

الأول: أنها جزءٌ من الحرب النفسية الإعلامية على العالم العربي والإسلامي لإيقاع الهزيمة في النفوس.

الثاني: اعتبارها تكشف عن نوايا ومقاصد مبيتة ضد بلادنا والعالم العربي والإسلامي بشكلٍ عام.

وأضاف سماحة الشيخ هناك جهاتٍ قامت بأعمالٍ باسم الإسلام أتاحت من خلالها الفرصة للأعداء لتحقيق أهدافهم تجاه الأمة الإسلامية.

وأكد سماحة الشيخ أنه ليس بغريبٍ أن يخطط الأعداء ضد الأمة الإسلامية، ولكن الأغرب هو عدم مواجهة هذه الخطط.

وأشار سماحته أن الآية الكريمة التي بدأ بها كلمته جاءت في سياق الحديث عن مؤامرات الكفار وأعداء الرسالة الإسلامية في عهد الرسول الأعظم ، ثم جاءت هذه الآية لتضع المسلمين أمام المسؤولية تجاه ما يواجهونه من خطط تحاك ضدهم من هنا وهناك، وهي تؤكد على أمرين:

الأول: أن يتحلى المسلمون بالصبر؛ وهو لا يعني الاستسلام لخطط الأعداء، وإنما يعني أن تكون للمسلمين إستراتيجية وخطة عمل تستقيم الأمة عليها وتصبر على تنفيذها.

الثاني: أخذ الحيطة والحذر تجاه مؤامرات الأعداء وخططهم.

وأضاف سماحة الشيخ أن على الأمة تجاه هذه التحديات أمران:

الأول: أن تعبئ كل قدراتها وإمكانياتها تجاه هذا التحدي الكبير والخطير، مؤكداً سماحته أن الإسلام ليس دعوة حرب وجهاد بل هو قبل ذلك دعوة سلمٍ وانفتاح، ولكن في مقابل هذا التحدي ينبغي أن تعبأ الطاقات.

الثاني: أن تعالج الأمة وضعها الداخلي حتى تتمكن من مواجهة التحديات الخارجية؛ مشيراً إلى انشغال الأمة الإسلامية ببعضها البعض على مختلف الأصعدة؛ الدول الإسلامية منشغلةٌ فيما بينها، والحكومات والشعوب غير منسجمة مع بعضها، وكذلك الفئات المتنوعة داخل الأمة علاقاتها مشوبةٌ بالاختلافات؛ فكيف يُمكن للأمة مواجهة خطط الأعداء وهي تعيش وضعاً كهذا الوضع.

ثم إن طاقات الأمة ستستهلك لتصفية الحسابات الداخلية بعيدةً عن الخطر الأساس الذي يهدد الجميع.

وأكد سماحة الشيخ على ضرورة توحد قوى الأمة خصوصاً في هذه المرحلة الحساسة، مبينناً أن القيادة السياسية للمملكة ومن خلال وعيها لهذه الحقيقة قامت –مشكورةً- بتدشين الحوار الوطني.

وتحدث سماحة الشيخ عن أركان الحوار الناجح، قائلاً: إن الحوار الناجح له أربعة أركان:

الأول: - التواصل مابين الرموز الفاعلة في الوطن.

الثاني:- التعارف مابين الأطرف المختلفة على بعضها لبعض.

الثالث:- المصارحة والمكاشفة فيما بينهم بأحترام ومودة ولباقة دون جرح لمشاعر الأخرين.

الرابع:- التعاون المشترك بخطة عمل مشتركة لمصلحة الدين والوطن، وهذا ما نأمله ونتمناه إنشاء الله.


وأكد سماحة الشيخ أن هذه الأركان بمجملها قد تحققت إلى حدٍ كبير في الحوار الوطني بلقاءيه ألأول والثاني، عدا الركن الرابع فلا يزال الأعضاء –كما يقول سماحته- على أعتاب هذا الركن.

ثم بدأت مداخلات الحضور واستفساراتهم، ونشير هنا إلى أبرز المداخلات ومرئيات سماحة الشيخ حول ذلك.

أول المداخلات كانت من نصيب الشيخ حسن فرحان المالكي الذي أبدى شكره لسماحة الشيخ حسن الصفار على الكلمة التي بدأ بها الحوار، وأشار في مداخلتة إلى ضرورة توظيف الكليات المشتركة بين المسلمين. والذي تطرق لمسألة التقارب بين السنة والشيعة قائلاً بأنهم في الأصل متقاربون ولكننا للأسف ركزنا على الجزئيات الصغيرة ونسفنا بها الجزيئات الكبيرة وأهملنا ما نتفق عليه من اساسيات الدين، وقال بأن القضايا والأحداث السياسة هي من زادت هوة الخلاف ما بين المذاهب الاسلامية، ونأمل بأن تكون هذه المؤتمرات سبيل لإذابة الجليد ما بين أبناء الوطن الواحد متطلعين لتطبيق ما طرح من توصيات بشكل فعلي بعيداً عن التنظير.


بعد ذلك كانت المداخلة للدكتور مبارك الخالدي، والذي أستنكرالطريقة التي تم فيها «المؤتمر للحوار الفكري» والتي نوقشت قضاياه داخل غرف مغلقة، في حدود المشاركين الـ (60) شخصية، وعدم السماح للصحافة والبث الأعلامي المباشر بالنقل الحي ، لانه في الأصل حوار يعني بالشان العام ويهم كل أبناء الوطن، حيث التقارب والتعارف الذي جرى في المؤتمر للأسف أنحصر في مابين المشاركين أنفسهم، متجاهلين التقارب الأهم «ما بين المواطنين أنفسهم». وكانت له عدة تساؤلات منها:

هل أن الحوار الوطني جاء كردة فعل لضغوطاتٍ خارجية؟ وإذا كان كذلك هل يعني أنه سينتهي بانتهاء المشكلة؟

إذا كان الحوار وطنياً فلماذا كان محجوباً عن الناس، وحتى عن الإعلام؟

وإجابةً على هذه التساؤلات قال سماحة الشيخ مؤكداً أن الحوار الوطني في نظري يُمثل استجابة واعية للتحديات، ولو كان فعلاً ذاتياً لحصل منذ وقتٍ بعيد.

وأضاف سماحته أن الحوار الوطني مؤقت ينبغي أن ينتهي بالتوصل إلى رأي مشترك حول القضايا العامة ومن أهمها تفعيل المشاركة الشعبية في القرارات السياسية من خلال وجود مجلس شورى منتخب يمثل إرادة الشعب.

وأجاب سماحته: بعد ذلك جاءت مداخلات الجمهور الواحدة تلو الأخرى عبر تساؤلاتٍ مستفيضة حول الحوار الوطني، بعضها أجاب عنها سماحة الشيخ والبعض الآخر لم يكف الوقت للإجابة عليه، ونقتطف فيما يلي بعض تلك الأسئلة:

كيف يقرأ سماحة الشيخ أن تضمن التوصيات المشاركة السياسية؟

أجاب سماحته: وجود هذه التوصية دليل على أن هناك استعداد عند المسؤولين للتجاوب مع هذه التطلعات.

ما المطلوب بعد الحوار؟

أجاب سماحته: المسؤولية تقع على الجميع:

الحكومة: يتزقع منها أن تستجيب لتطلعات الشعب التي عبرت عنها التوصيات.

النخبة: يجب أن يوسعوا دائرة اللقاء، وأن يعيّشوا أطيافهم في جو اللقاء، إذ ليس مقبولاً من أحد أن يتحدث في اللقاء بآراء إيجابية منفتحة وإذا ما عاد إلى جمهوره تأثر بالجو السائد هناك.

الجمهور: يجب عليهم أن يدعموا هذا التوجه وهذه المسيرة، وأن لا يقبل الجمهور بعد اليوم أي تعبئة مضادة ضد الطرف الآخر.

وإجابة على سؤال ماذا عن تجديد الخطاب الديني؟ قال سماحته: دار الحديث حول هذه الفقرة في أكثر من جلسة، والخطاب الديني يشمل الفتاوى، والخطب، وينبغي التجديد في أمرين:

الأول: المحتوى؛ إذ ينبغي التركيز على القيم الأساسية للدين وعلى المشكلات التي يعيشها الجيل المعاصر.

الثاني: الأسلوب؛ إذ من الضروري أن يكون أسلوباً علمياً عصرياً؛ بعيداً عن النزاعات الطائفية والعصبية.

وفي الجواب على سؤال ماذا عن الجانب الإعلامي؟ قال سماحته: أثرتُ هذه النقطة في لقائي مع التلفزيون السعودي في اليوم الأول للقاء، وأؤكد على ضرورة التنوع المذهبي والفكري في الإعلام السعودي وأن لا يكون أحادي الفكر والمنهج. وقد نصت إحدى التوصيات على ذلك.

وهنا يجب الإشادة بالتطور الذي تشهده الصحافة المحلية إذ نرى فيها تنوعاً وانفتاحاً بات ملحوظاً.

وكانت مداخلة لسماحة الشيخ جعفر النمر تضمنت السؤال التلاي: الحوار نوعان: الأول: البحث عن الكلمة السواء لمواجهة الضغوط الخارجية؛ والثاني: للبحث عن الحقيقة؛ فأين هو الحوار الوطني من هذه النوعين؟

فأجاب الشيخ الصفار: لم يكن الحوار الوطني على أساس الاختلاف العقدي والفكري، وإنما كان على أساس تلمس المصالح المشتركة بين الفئات المختلفة، بعيداً عن الآراء الفقهية والعقدية فللجميع الحرية في هذا الجانب.

فالحوار يبحث عن صيغة العلاقة المشتركة بين أتباع المدارس والمذاهب المختلفة، وعن كيفية الوصول إلى صورة متفقٌ عليها لحل القضايا المشتركة على مستوى الوطن.

اما مداخلة الدكتور السيد عدنان الشخص، فقد تساءل وشاركه وآخرونفي تساؤله: كيف تقرؤون التوصية حول مناهج التعليم؟

أجاب سماحة الشيخ الصفار: هذه الفقرة من الحوار أخذت وقتاً طويلاً، وخلاصة الموضوع أن هناك ثلاثة توجهات لأعضاء الحوار:

الأول: الاتجاه السلفي؛ يرى ضرورة الحفاظ على التربية الدينية، ويصر على عدم الاستجابة للضغوط الخارجية في هذا الجانب.

الثاني: التيار الليبرالي؛ يرى ضرورة اختزال المواد الدينية، أو أن تترك التربية الدينية للمنزل والمسجد.

الثالث: بقية التوجهات؛ يرون ضرورة تنقية مناهج التعليم من أي إساءة للمذاهب الأخرى فوجود فقرات تتهم جهات ومذاهب إسلامية بالكفر والضلال ليس مقبولاً أبداً. وأيضاً ينبغي أن تركز هذه المناهج على القيم الإسلامية العامة، وفي حال الحديث عن قضايا خلافية يُشار فيها إلى الآراء المختلفة.

وأرفض أن يكون هناك تقسيمٌ طائفي للمدارس فالجميع أبناء وطنٍ واحد وينبغي أن يتعايش الجميع ضمن القيم الإسلامية الرفيعة.

وأرى أن هذه التوصية اختزلت كثيراً في التوصيات، إذ كان من المفترض أن تظهر بتفصيل أكثر.

وعن سؤال كيف تجدون مشاركة المرأة في الحوار؟

أجاب سماحته: المشاركة إيجابية، وهي رسالة واضحة لكي لا تكون المرأة مستبعدة عن الشؤون السياسية ولا القضايا العامة فهي كالرجل من حقها المشاركة.

وأجاب سماحة الشيخ عن سؤال كيف تقرؤون مستقبل حقوق الشيعة في المملكة؟ قائلا: نحن لا نتحدث بلغة مذهبية طائفية، وإنما حديثنا عن المواطن السعودي بشكلٍ عام مهما كان مذهبه؛ إذ المطالبة بحقوق المواطنة وضرورة المساواة بين الجميع في الحقوق وتكافؤ الفرص.

وهنا يجب الإشارة إلى أن الآخرين لهم مشاكلهم وقضاياهم التي يبحثون عن حلولٍ لها، فليس الشيعة وحدهم لهم حقوق ومطالب.

ووجه لسماحته السؤال التالي: ماذا يعني قرب الفترات بين لقاءات الحوار؟

فأجاب: أراد سمو ولي العهد من ذلك التعبير عن رغبته في تكثيف التواصل؛ ولكن ألأمر يعود إلى إدارة الحوار إذ من الضروري وجود فرصة زمنية بين اللقاءات حتى يكون هناك وقت متسع لتحقيق شيء من التوصيات، وإلا ستصبح التوصيات حالها حال بقية التوصيات التي تصدر من بعض المؤتمرات الروتينية في الدول العربية والإسلامية.

وختم اللقاء بسؤال، هل هناك متابعة لتنفيذ التوصيات؟

أجاب عنه سماحة الشيخ الصفار: الأمر متروكٌ لقيادة البلد. وقد قدمت اقتراحاً لتكوين فرق عمل من الأعضاء المشاركين تتحمل متابعة وتنفيذ التوصيات، وآمل أن يتحقق ذلك إنشاء الله.