الشيخ الصفار يُطالب بدعم مقاومة الشعب الفلسطيني وصموده
طالب سماحة الشيخ حسن الصفار الحكومات العربية بدعم المقاومة والصمود الفلسطيني، وأن تكون القضية الفلسطينية محور علاقاتها مع بقية دول العالم، مؤكداً أن ذلك سيُغير من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، مشيراً إلى أن الهدف الأول من قيام دويلة إسرائيل في قلب العالم العربي هو تمزيق صفوف الأمة، وساعدهم على ذلك الأرضية الخصبة التي تتمتع بها هذه الأمة من قابليتها للاستجابة السريعة لمؤامرات النزاع والتفرقة.
وأكد أنه ليس مطلوباً من الحكومات قتال إسرائيل، وإنما أن يتركوا هذه المقاومة تؤدي دورها البطولي في مواجهة الكيان الغاصب، وأن لا يُعرقلوا مسيرتها، إذ يكفي التآمر العالمي ضدّها، كما أن على الحكومات عدم الاستجابة لمطالب القوى المستكبرة والتي تُريد أن تصنع منهم قوة ضاغطة ضد المقاومة.
وفي سياق آخر أعرب الشيخ الصفار عن تعاطف مع المنكوبين في الصين وميانمار جراء الزلزال الأخير، وأكد أن هذه الكوارث طبيعية، وليس كما يذهب إليه البعض من أنها عقاب من الله تعالى. مبيناً أن هذه الكوراث الطبيعية تمثل شيئاً بسيطاً من صور الأهوال العظيمة في يوم القيامة، حيث لا نجاة من تلك الأهوال إلا باتباع الطريق القويم والنهج الإيماني الصحيح، والذي من خلاله فقط يكون الإنسان في أمانٍ من كل تلك الأهوال العظيمة في يوم القيامة.
الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسبباً للمزيد من فضله، ودليلاً على آلائه وعظمته. نحمده سبحانه على نعمه الغزار، وجوده المدرار، ونلوذ بحمايته من طوارق الليل والنهار.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الجبار، العزيز الغفّار. ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، الصادع بالرسالة، المبالغ في الهداية والدلالة، الماحي لآثار العصبية والجهالة، صلى الله عليه وآله الذين تحملوا الأذى في جنب الله، وبينوا ما استحفظوا من كتاب الله.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله فإن التقوى دار حصنٍ عزيز، والفجور دار حصنٍ ذليل، لا يمنع أهله، ولا يحرز من لجأ إليه، ألا وبالتقوى تقطع حُمّة الخطايا، وباليقين تُدرك الغاية القصوى.
أشار الشيخ الصفار في بداية الخطبة الأولى للجمعة 11 جمادى الأول 1429هـ (16 مايو 2008م) إلى أن أقبح شيء يُمكن للإنسان أن يُمارسه في الحياة هو اعتداؤه على حقوق الآخرين، وقد حذّر الشارع المقدّس والعقل معاً من هذه الممارسة القذرة، وهي تنتج عن خلل في داخل نفس الإنسان وانحراف في سلوكه. مضيفاً: إن النصوص الدينية تتحدث عن تبعات الظلم في الآخرة، حيث ينتقم الله من الظالمين، فلا يجوز عبدٌ على الصراط بمظلمةٍ أبداً. وفي الوقت الذي يعفو الله تعالى ويصفح عن الذنوب والمعاصي المتعلقة بحقوقه تعالى الناس، إلا أنه لا يتجاوز عن ظلامات الآخرين، حتى يأخذ الحق لهم أو يصفحوا بأنفسهم، وفي الحديث عن رسول الله أنه قال: بين الجنة والعبد سبع عقاب، أهونها الموت. قال أنس: فما أصعبها يا رسول الله؟ قال : الوقوف بين يدي الله عز وجل إذا تعلّق المظلومون بالظالمين.
وتحدث عن بعض صور الظلم والتي منها: أن يقع الظلم على فئة من الناس، لأنهم من عرق أو دين أو مذهب معين، مؤكداً أن هذا الظلم من أكبر أنواع الظلم.
ومن صور الظلم التي ذكرها الشيخ الصفار وقوع الظلم على شعب بأكمله من قبل قوى استكبارية تسعى للهيمنة على الشعوب، مبيناً أن هذا الظلم لا يُعادله ظلمٌ في الحياة، وهو أخطر أنواع الظلم على الإطلاق.
وأكد الشيخ الصفّار أن الله تعالى يقتص من الظالمين إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة، وهناك الحساب شديد، إلا أن النصوص الدينية والأحداث التاريخية تؤكد أن القصاص من الظالمين لا يقتصر على يوم القيامة فحسب، بل إن ذلك قد يتحقق في الدنيا وبأشكال متعددة، حتى وإن لم يتعرف عليها المظلومون، فالله تعالى لا يُضيع حق عباده، يقول تعالى: ﴿وَتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً﴾، ويقول أمير المؤمنين : ((ظلامة المظلومين يُمهلها الله ولا يُهملها)).
وقال الشيخ الصفار: عندما تعي الشعوب ظلامتها، وتلتفت لمصادر القوة لديها، فإنها وإن رضخت للظلم في وقت ما، فإنها ستنتفض على واقع الظلم، وستهب للإنتصار لنفسها.
معرّجاً بالحديث عن الأحداث التي يعيشها الشعب الفلسطيني، حيث المفارقة الكبيرة بينه وبين الكيان الغاص، حيث يحتفي الإسرائيليون بمرور ستين عاماً على إقامة دويلتهم المصطنعة، بينما يعيش الفلسطينيون ذكرى النكبة. مسلّطاً الضوء على هذه الذكرى المؤلمة التي عصفت بالشعب الفلسطيني عام 1948م، بعد أن كانت نسبة اليهود في فلسطين لا تتجاوز 6% قبل ذلك العام، أصبحت مع إعلان هذه الدويلة الغاصبة 31%. مضيفاً إن اليهود الذين كانوا مشردين ومنبوذين من قبل شعوب العالم وخصوصاً أوروبا، نتيجة تصرفاتهم السيئة، يأتون إلى أراضي المسلمين ويحتلونها ويغتصبونها، وفوق ذلك كله يحظون بالدعم والتأييد العالمي من كبريات الدول وعلى رأسهم أمريكا وأوروبا. ففي عام 1917 تعهدت بريطانيا على لسان وزير خارجيتها بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، مما دعاهم لتيسير الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وفي عام 1947م صدر قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين وإنشاء دولتين عربية ويهودية. فقد أعلنوا دويلتهم عام 1948م، وقاموا في تلك السنة بأفظع جرائم التاريخ حتى أطلق على تلك السنة (سنة النكبة) إذ طُرد من الفلسطينيين (700) ألف، ودُمّرت (531) قرية ومدينة فلسطينية، وأسفرت تلك السنة عن (30) مذبحة موثقة حصلت للفلسطينيين على يد اليهود الغاصبين. إضافةً لذلك فإن الإسرائيليين صادرو أكثر من (17) مليون دونم من الفلسطينيين، و93% من أراضيهم تعود للفلسطينيين.
وأكد الشيخ الصفّار أن قيام دويلة إسرائيل في قلب العالم العربي هدفه تمزيق العالم العربي والإسلامي، فكل الأحداث المؤلمة التي حصلت في العالم العربي منذ قيام إسرائيل كان لليهود يدٌ فيها، إضافة للأرضية الخصبة التي تتمتع بها المنطقة العربية من حيث قابليتها للاستجابة السريعة لمؤامرات النزاع والتفرقة.
وأضاف: إن إسرائيل وحلفائها من الدول الغربية لا تُريد لهذه المنطقة الاستقرار، بل تريد أن تبقى مشتعلة فيما بينها حتى يطيب للإسرائيليين بناء دويلتهم، لذا فهم يُروّجون الآن لفكرة الخطر الإيراني الأكبر على المنطقة، وتوجيه الصراع بذلك التوجه الخطير، ليصفو الجو للكيان الصهيوني ليعيث في بلاد المسلمين فساداً.
وأكد الشيخ الصفار أن الوعد الإلهي بالانتصار للمظلومين قد اقترب، وبدأ العد التنازلي للطغيان الصهيوني، فقد أدرك الشعب الفلسطيني ظلامته، وأصبح يمتلك وعياً كبيراً بأن حقه لا يُمكن أن يُعطاه إلا من خلال المقاومة، فبات خيار المقاومة بالنسبة للفلسطينيين خياراً حاسماً، ولا يُمكن التنازل عنه.
وطالب قادة الدول العربية والإسلامية بدعم المقاومة، مؤكداً أنه ليس مطلوباً من قادة هذه الدول قتال إسرائيل، فقد يئست الشعوب من ذلك، إلا ان عليهم أن يتركوا هذه المقاومة تؤدي دورها البطولي في مواجهة الكيان الغاصب، وأن لا يُعرقلوا مسيرتها، إذ يكفي التآمر العالمي ضدّها، كما أن على هؤلاء القادة عدم الاستجابة لمطالب القوى المستكبرة والتي تُريد أن تصنع منهم قوة ضاغطة ضد المقاومة.
واختتم الشيخ الصفار الخطبة بالإشارة إلى أن الإسرائيليين نجحوا في فرض قضيتهم على مستوى العالم، وأصبحت محور علاقتهم مع الدول بحيث أن أمن إسرائيل وقيام دويلتهم هو في مقدمة كل العلاقات الدولية التي تُقيمها إسرائيل. مضيفاً إن العرب لو وحّدوا رأيهم حول القضية الفلسطينية لكان الوضع الفلسطيني اليوم أفضل مما هو عليه، أنه ليس مطلوباً من حكومات الدول العربية أكثر من الدعم الحقيقي للمقاومة وإعطائها الفرصة من أجل أن تنتزع حقوقها وأن تُصحح المسار، ولو بأضعف الإيمان المتمثل في عدم عرقلة مسيرة المقاومة.
أوضح الشيخ الصفار في خطبته الثانية أن الكوارث الطبيعية والتي تحصل بين يومٍ وآخر في مختلف العالم وآخرها ما حصل في الصين وميانمار ينبغي أن يُلفت نظر الإنسان لصورة بسيطة مما سيحصل في يوم القيامة.
وأشار إلى أن الزلازل وهي هزّات أرضية تُصيب قشرة الأرض، ويقول العلماء في كل يوم يحصل ما يقرب من (250) زلزال معظمها يُصيب قاع البحار، والقليل منها يُصيب اليابسة، ويذهب ضحية هذه الزلازل سنوياً (14) ألف إنسان، والزلازل لا تستمر لأكثر من ثواني معدودة، إلا أن هذه الثواني تفرز طاقة تدميرية بحجم (200) مليون طن من المتفجرات، وأكثر من (10) آلاف مرة من طاقة أول قنبلة نووية استخدمها الإنسان.
وأكد أن الإنسان لا يملك خياراً أمام حدوث هذه الكوارث الطبيعية، فغاية ما يستطيع القيام به هو معرفة المناطق التي تكثر فيها الزلازل، وكيف ينبغي أن تكون فيها نمط الحياة؟ وعلى أحسن الفروض يستطيع الإنسان تحديد موعد تقريبي لحدوث الزلزال.
وأضاف: بعض الكوراث الطبيعية ناتجة عن أوضاع بيئية يكون سببها الإنسان، وليس بالضرورة أن تكون عقاباً من الله تعالى كما يذهب إليه البعض.
وأكد على التعاطف مع المنكوبين جراء هذه الزلازل من بني البشر، فهم نظراء لنا في الخلق، كما يقول أمير المؤمنين : ((الناس صنفان: إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)).
من جانب آخر أكد الشيخ الصفار على ضرورة أخذ الدرس والعبرة من هذه الكوارث الطبيعية فهي لا تُمثل إلا شيئاً بسيطاً جداً مما سيحدث في الآخرة، يقول تعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾. ويقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، مؤكداً على أن الإنسان ينبغي له أن يرى كيف سيكون وضعه في ذلك اليوم العصيب، وليُمعن النظر فإذا كان في حالة الكوارث الطبيعية في الدنيا يجد الإنسان من يُسنده ويُساعده، فإن العواطف والمشاعر في الآخرة تنتهي، يقول تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾.
واختتم الشيخ الصفار الخطبة بالتأكيد على أن سير الإنسان في طريق طاعة الله تعالى، والتزامه النهج الإيماني الصحيح، يجعله في أمانٍ من كل تلك الأهوال العظيمة في يوم القيامة، وتؤكد ذلك آيات القرآن الكريم، يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لاَ يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ المَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾.
والحمد لله رب العالمين