الشيخ الصفار يشجع الشباب على الاتجاه للأعمال الحرة
انتقد سماحة الشيخ حسن الصفار نظرة الشباب للوظيفة وأنها الخيار الوحيد، مشجعاً على الأعمال الحرة، ومؤكداً أنها خيارٌ أفضل، لما لها من تأثير كبير على الجانب المادي والذهني لمن يتّجه بهذا الإتجاه، وأن النصوص الدينية تُشجع الإنسان على التجارة والأعمال الحرة. وأوضح أن تحقيق هذا التوجه بحاجة إلى عدة أمور: التفكير الجاد والبحث عن فرص العمل الحر.
وجود الأنظمة والقوانين المساعدة، الجدية والاهتمام وتحمل المسؤولية، وحاجة العمل الحر إلى رأس مال، مؤكداً أن عامل المال قد تقلّص بتوفر عدة جهات مساندة ومن أبرزها صندوق المئوية الذي تم مؤخراً توقيع اتفاقية إنشاء فرع له في محافظة القطيف، إضافة إلى أن بعض المشاريع لا تحتاج إلى رأس مال كبير بقدر ما تحتاج إلى وجود فكرة مميزة.
وفي سياق آخر تحدث عن أهمية الوازع الديني في نفس الإنسان وأنه الرادع الأقوى من الوقوع في الإنحراف والفساد، في حين أن الروادع الخارجية لا تستطيع الصمود أمام توجه الإنسان الإنحرافي. وأكد أن شعور الإنسان بالرقابة الإلهية وأنه في يوم القيامة سيواجه محاسبة دقيقة وأن هناك شهوداً متعددة عليه، فالأرض تشهد والزمن يشهد، والملائكة تشهد، وحتى الأعضاء والجوارح تشهد، عندها سيكون الإنسان متوجهاً بقلبه لله تعالى مبتعداً عن المعاصي والذنوب.
افتتاحية
الحمد لله الذي انحسرت الأوصاف عن كنه معرفته، وردعت عظمته العقول فلم تجد مساغاً إلى بلوغ غاية ملكوته، خلق الخلق على غير تمثيل، ولا مشورة مشير، ولا معونة معين، فتم خلقه بأمره، وأذعن لطاعته. نحمده سبحانه على قديم منه وعظيم إحسانه، ونشكره تعالى على جميل كرمه وامتنانه.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عزيزٌ في جبروته، عظيمٌ في ملكوته. ونشهد أ، محمداً عبده ورسوله المجاهد في سبيله سراً وجهراً، والذي شرح الله له صدراً، ورفع له ذكراً. صلى الله عليه وآله الميامين الأئمة الهادين المهديين.
أوصيكم عباد الله ونفسي قبلكم بتقوى الله، جعلنا الله وإياكم ممن يلتزم أحكام شريعته، ويخلص له في سره وعلانيته.
الخطبة الأولى
استفتح الشيخ الصفار خطبة الجمعة 25 جمادى الأول 1429هـ (30 مايو 2008م) بقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾ (الأعراف، 10)، مبيناً أن هذه الآية من الآيات التي يمتنُّ الله تعالى فيها على عباده بنعمه الغزار التي تُحيط بالإنسان، وهدف ذلك أن يلتفت الإنسان إلى هذه النعم العظيمة، إذ من المحتمل أن يغفل الإنسان عن هذه النعم أو يجهلها.
وأضاف: إن الآية الكريمة تؤكد أن الله تعالى قد منح الإنسان الأدوات التي من خلالها يستطيع أن يُسخّر الأرض، ويكتشف مكنوناتها وكنوزها، ووهبه فوق ذلك العقل ليكون المحرّك الأقوى بهذا الاتجاه.
مؤكداً أن من أهم ما يحتاجه الإنسان في هذه الحياة أن تتوفر له أسباب المعيشة الكريمة، مشيراً إلى أن هناك من بني البشر من يُحققون ثروات طائلة في حياتهم فتكون جميع احتياجاتهم المادية تحت إرادتهم، وهناك من الناس من يعيشون حالة الكفاف، إن لم يكن الفقر.
ويرجع السبب في وجود حالات الضعف وعدم التمكن من الوصول إلى مكاسب الرزق، إلى أحد أمرين:
الأول: وجود ظلم يمنع بعض الناس من الوصول إلى مكاسب الرزق.
الثاني: حالة الكسل والتخاذل التي يعيشها البعض مما يُعيق حركته ونشاطه بإتجاه العمل والتفكير الجاد للوصول إلى مكاسب الرزق.
واعتبر الشيخ الصفار أن قضية تأمين فرص العمل والحياة الكريمة للناس من أهم القضايا التي أصبحت تُمثّل همّاً على مستوى البلد والعالم بشكل عام. مشيراً إلى أن المملكة وهي تحتضن 60% من شعبها من الشباب، فإن لهذه القضية أهمية كبرى وبالغة.
وأكد على أن دور الإنسان نفسه في التغلب على هذه المشكلة هو من أهم العوامل التي يُمكن التعويل عليها لتجاوز بعضاً من جوانب هذه القضية الحساسة.
وانتقد الحالة السائدة عند الشباب في نظرتهم للوظيفة، وأنها الخيار الوحيد، مشجّعاً على طرق باب الأعمال الحرة، وأنها خيارٌ أفضل من الوظيفة، لما لها من تأثير كبير على الجانب المادي والذهني لمن يتّجه بهذا الإتجاه.
وأكد أن النصوص الدينية تُشجع الإنسان على التجارة والأعمال الحرة، بل إن هناك نصوصاً تضع الوظيفة في دائرة المكروه، حيث عنون الحر العاملي باباً في كتاب «الوسائل» بعنوان «كراهة إجارة الإنسان نفسه» والوظيفة هي إجارة. جاء فيه عن الإمام الصادق : «من أجر نفسه فقد حظر على نفسه الرزق». وذكر نماذج من النصوص المشجعة على التجارة، ومنها:
- قال رسول الله : ((الرزق عشرة أجزاء، تسعةٌ منها في التجارة، وواحد في غيرها)).
- وقال أمير المؤمنين : ((تعرّضوا للتجارة فإن فيها غنىً لكم عمّا في أيدي الناس)).
- عن الإمام الصادق أنه قال: (( تسعة أعشار الرزق في التجارة)).
- وقال : ((من طلب التجارة استغنى عن الناس. قلت: وإن كان معيلاً؟ قال : ((وإن كان معيلاً. إن تسعة أعشار الرزق في التجارة)).
- وقال : ((التجارة تزيد في العقل)).
وواضح ان الاعمال الحرة تفتح الآفاق امام فكر الإنسان وتجعله على صلة مباشرة بالاوضاع، فهي تزيد خبرته وتجربته وعلاقاته.
ولتحقيق هذا التوجّه المهم، أكد الشيخ الصفار على عدة أمور:
1- التفكير الجاد، والبحث عن فرص العمل الحر.
2- وجود الأنظمة والقوانين المساعدة، فقد تكون الأنظمة في بعض حالاتها معوّقة ومعرقلة لحركة الأعمال الحرة لدى الشباب، مؤكداً أن بلادنا تحتاج إلى قفزة نوعية على هذا الصعيد، ليتسنى للشباب تحقيق طموحاتهم وآمالهم من خلال الإنخراط في العمل الحر، وبالتأكيد فإن نجاحهم يعني نجاح البلد ككل. وأشار إلى خبرٍ نشرته الصحف المحلية يؤكد وجود نوع من الإعاقة بسبب بعض التعقيدات الإدارية والبيروقراطية. والخبر يؤكد أن صناعيين بجدة هاجموا الهيئة السعودية للمدن الصناعية وأمانة محافظة جدة لتعطيلها لحوالي (1000) طلب ترخيص لإنشاء مصانع منذ 15 سنة بحجة عدم وجود أراضي مخصصة رغم توفر 180 مليون متر مربع مساحة صناعية تعود ملكيتها لأمانة جدة. وجاء ذلك في ورشة عمل نظّمها الصناعيون مع الإعلاميين في الغرفة التجارية الصناعية بجدة (اليوم الالكتروني – الثلاثاء 27/5/2008م).
3- الأعمال الحرة تحتاج إلى جدية واهتمام وتحمل للمسؤولية، والهروب من المسؤولية لن يُحقق للإنسان نجاحاً مطلقاً. والله تعالى يؤكد أن الإنسان في هذه الحياة إنما من أجل الجد والعمل والكدح، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ﴾ (الانشقاق، 6). بيد ان البعض يبحثون عن وظيفة يرونها مريحة في مقابل العمل الحر الذي يكلفهم مسؤولية والتزاماً.
4- حاجة العمل الحر إلى رأس مال، وأكد أن هذا العامل قد تقلّص قليلاً لوجود عدة طرق لتوفيره، ويأتي صندوق المئوية كأحد الروافد في هذا الجانب، حيث يُقدّم الصندوق قرضاً من (50) إلى (200) ألف ريال لدعم المشاريع الصغيرة، إذا استوفت الشروط المطروحة، كما يقدم الصندوق الدعم الاستشاري والخبرة وكذلك التسهيل في الدوائر الرسمية. وقد قام الصندوق بمساعدة العديد من المشاريع منذ بدء العمل مع الصندوق. وأشار إلى الاتفاقية التي تم توقيعها لإنشاء فرع الصندوق في محافظة القطيف مساء يوم الثلاثاء الماضي. إضافة إلى أن بعض المشاريع لا تحتاج إلى رأس مال كبير بقدر ما تحتاج إلى وجود فكرة مميزة.
وأكد الشيخ الصفار أن عالم الأعمال الحرة كما أن فيه قصص الفشل فإنه حافل بقصص النجاح والتقدم، موجّها إلى دراسة عوامل وأسباب الفشل في المشاريع التي لم يُحالفها الحظ، بدل أن تكون معوّقاً للدخول إلى هذا الميدان المهم.
وذكر الشيخ الصفار بعضاً من قصص النجاح في محافظة القطيف.
ودعا الشيخ الصفّار رجال الأعمال إلى تشجيع هذه الخطوات الرائدة، مؤكداً أن الاقتصار على مساعدة الفقراء بتقديم الإعاناة غير مجدية لتحقيق وسائل الحياة الكريمة في المجتمع، في حين أن فتح المجال أمام الشباب للدخول إلى عالم الأعمال الحرة من شأنه أن يدفع بالمجتمع إلى مرحلة جديدة من النشاط والفاعلية، إضافةً إلى أنه سيقلل من وجود حالات الضعف والعوز في المجتمع.
وأضاف: ينبغي أن تتضمن مناهج التعليم ما يُحفّز الشباب للدخول إلى عالم الأعمال الحرة، وعدم الاقتصار على الوظائف المحدودة، كما أن وسائل الإعلام المختلفة تتحمل جانباً من المسؤولية في تغذية هذا الجانب عند الشاب.
واختتم الشيخ الصفار الخطبة بالدعوة إلى شحذ الهمم من أجل مستقبل واعد لجميع الشباب.
الخطبة الثانية
أشار الشيخ الصفار في الخطبة الثانية إلى أن دواعي الإنحراف والفساد موجودة في نفس الإنسان، فكما أن الله تعالى منح الإنسان عقلاً وإرادة وضميراً، فقد أودع في نفسه الأهواء والشهوات والغرائز، وبذلك يعيش الإنسان صراعاً بين العقل والغرائز.
مؤكداً أن كل الوسائل الخارجية التي تسعى لمنع الإنسان من التوجه بإتجاه الانحراف غير كافية، ولذا فإن العالم الآن يعج بمختلف أنواع الإنحرافات والفساد على مستوى القيادات والزعامات فضلاً عن الناس العاديين. ويؤكد الشيخ الصفار أن وجود الوازع الديني في نفس الإنسان هو الذي يجعلها يتجنب الوقوع في المفاسد والإنحراف، وكلما كان هذا الوازع ضعيفاً فإن طرق ووسائل الإنحراف ستكون مفتوحةً على مصراعيها.
وأضاف: شعور الإنسان بوجود رقابة إلهية عليه، وأنه سيُحاسب يوم القيامة، وأنه لا مفر من الحساب، هذا الشعور يولّد لدى الإنسان رادعاً عميقاً من الوقوع في الإنحراف، خصوصاً إذا علم أن جميع حركاته مرصودة، والشهود على ذلك متعددين، ومنها:
أولاً- الأرض، يقول تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ (الزلزلة، 4).
ثانياً- الملائكة، يقول تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (ق، 18).
ثالثاً- الزمن، يقول أمير المؤمنين : ((كل يومٍ يأتي على ابن آدم يقول له: أنا يومٌ جديد، وغداً عليك شهيد، فقل فيّ خيراً، واعمل فيّ خيراً، أشهد لك يوم القيامة)).
رابعاً- الأعضاء والجوارح، يقول تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ﴾ (فصّلت، 19-23).
واختتم الشيخ الصفار الخطبة بالتأكيد على أن حسن الظن بالله تعالى منجاة، وذلك بالطبع يستلزم التوجه لله تعالى بإخلاص، ففي الحديث القدسي: ((أنا عند حسن ظنّ عبدي بي))، وعن الرسول الأعظم أنه قال: ((ليس من عبدٍ يظن بالله عز وجل خيراً إلا كان عند ظنه به)). وعن الإمام الصادق أنه قال: ((إن الله إذا حاسب الخلق يبقى رجل قد فضلت سيئاته على حسناته، فتأخذ الملائكة إلى النار، وهو يلتفت. فيأمر الله برده. فيقول له: لم التفت؟ وهو تعالى أعلم به. فيقول: يا رب ما كان هذا ظني بك. فيقول تعالى: يا ملائكتي أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنة)).