الشيخ الصفار يُبدي قلقه من انتشار آفة المخدرات في صفوف الشباب والفتيات
أبدى سماحة الشيخ حسن الصفار قلقه من انتشار آفة المخدرات في صفوف الشباب والفتيات، مؤكداً أن هذه الآفة أخطر انحراف قد يتجه نحوه الإنسان، لأنها تجره لانحرافات أخرى تضر بأمن واستقرار المجتمع، وتُنهي بمستقبله وحياته. ودعا إلى ضرورة التصدي لهذه الآفة بمزيد من التوعية التي ينبغي نشرها في صفوف الأصحّاء حتى يعيشوا بأمان، إضافةً إلى التوجيه والإرشاد للمدمنين ليلتحقوا بإحدى برامج العلاج، والتعامل معهم على أنهم مرضى كما هو الوضع العالمي. وأكد أن الجهات الرسمية تتحمل مسؤولية كبيرة في هذا الجانب، كما أن على الأسر رعاية أبنائها لحمايتهم من الانزلاق في شبكات المخدرات. ووصف تجّار المخدرات بأنهم أناسٌ لا كرامة لهم ولا إنسانية حيث اتّجهوا لتعزيز قوّتهم الاقتصادية على حساب الوطن ومستقبل أبنائه.
وفي سياقٍ آخر استنكر الشيخ الصفّار على البعض تضخيم بعض الشعائر على حساب القيم والمبادئ العليا التي جاء الدين من أجل تحقيقها كسيادة البرّ بين الناس، وتقوى الله تعالى بامتثال طاعته واجتناب معاصيه، والإصلاح بين الناس. مؤكداً على ضرورة فهم سلّم الأولويات الشرعية، فلا يصح تقديم المهم على الأهم، ولا المستحب على الواجب.
الحمد لله المعروف من غير رؤية، الخالق من غير منصبة، خلق الخلائق بقدرته، واستعبد الأرباب بعزته، وساد العظماء بجوده. أحمده إلى نفسه كما استحمد إلى خلقه، جعل لكل شيءٍ قدراً، ولكل قدر أجلاً، ولكل أجلٍ كتاب.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادةً نتحصّن بها من الشقاء، ونأمن بها من العذاب، ونرجو بها الفوز في المعاد.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى رحمةً للعالمين، وجعله خاتماً للأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى عترته الطاهرة عدل الكتاب المبين، والمؤتمنة بعده على تبليغ الدين.
عباد الله اتقوا الله الذي أنتم بعينه، ونواصيكم بيده، وتقلبكم في قبضته، إن اسررتم علمه، وإن أعلنتم كتبه، قد وكّل بذلك حفظةً كراماً، لا يسقطون حقّاً، ولا يثبتون باطلاً.
أشار الشيخ الصفار في بداية خطبة الجمعة 23 جمادى الثاني 1429هـ (27 يونيو 2008م) إلى طبيعة النفس البشرية التي تنطوي على الغرائز والشوهوات، مبيناً أن الهوى الذي تتحدث عنه آيات القرآن الكريم كقوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً﴾ (الفرقان، 43) يعني الرغبة والميل في نفس الإنسان. مؤكداً أن هذا الميل في نفس الإنسان للشهوات والغرائز يحتاج إلى ترشيد، ولذلك منح الله تعالى الإنسان عقلاً ليقوم بدور القيادة، فإذا التزم الإنسان بهدي الله تعالى، واسترشد بعقله فإنه يسير في الطريق السليم، وإلا فإن مآله إلى الشقاء والجحيم. مضيفاً: إن الآية السابقة وصفت الهوى بأنه إله، وهو تعبيرٌ عن خضوع الإنسان لهواه فيكون الهوى قائداً دون العقل. مستعرضاً جملة من الرويات والأحاديث الشريفة في هذا السياق، فعن النبي الأكرم أنه قال: ((إن أخوف ما أخاف عليكم اثنان: اتباع الهوى وطول الأمل))، وقال : ((إنما سمّي الهوى لأنه يهوي بصاحبه))، وقال : ((ربّ شهوة ساعة تورث حزناً طويلاً))، وعن أمير المؤمنين أنه قال: ((الهوى عدوّ العقل))، وقال : ((أشجع الناس من غلب هواه))، وقال : ((إن طاعة النفس ومتابعة أهميتها أسّ كل محنة ورأس كل غواية))، وقال : ((الهوى إله معبود، والعقل صديقٌ محمود))، وقال : ((إياكم وتمكّن الهوى منكم، فإن أوله فتنة وآخره محنة))، وقال : ((الشهوات سمومٌ قاتلات))، وقال : ((أول الشهوات طرب وآخرها عطب))، وقال : ((حلاوة الشهوة يُنغّصها عار الفضيحة))، وسأل زيد بن صوحان الإمام علي : أي سلطان أغلب وأقوى؟ قال : الهوى.
وتابع الشيخ الصفار بأن الإنسان يجد في نفسه مختلف الرغبات والشهوات التي تدفعه هنا وهناك، مؤكداً أن استجابة الإنسان لهذه الرغبات ينبغي أن تكون في إطار يحفظ فيه دينه وإنسانيته ومكانته ومصلحته، ولا يمكنه أن يُحقق ذلك إلا إذا استرشد بعقله، وإلا فإن الخطر شديد، وعندها قد يقع الإنسان في مأزق لا يُمكنه الخروج منه. مشيراً إلى أن الكثير من المآسي التي يمر بها الشباب والشابات تكون مقدّمتها رغبة معينة كارتياح لمكالمةٍ هاتفية أو رسالة عبر الهاتف النقّال أو البريد الإلكتروني، ولكنها ما تلبث أن تهوي بالإنسان إلى أسفل سافلين.
وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، والذي يُصادف 26 يونيو، سلّط الشيخ الصفّار الضوء على هذه الآفة الخطيرة مؤكداً أنها أكبر آفةٍ على الناس وخصوصاً الشباب، ملفتاً الانتباه إلى أن التعاطي مع المخدرات تكون بدايته ممتعة حيث يشعر الإنسان بسعادة ومتعة مزيفة، لكنها الخطوة الأولى نحو الانحراف والشقاء، مشيراً إلى مجموعة من الانحرافات التي يقع فيها مدمن المخدرات ومن أبرزها: السرقة، الاغتصاب، الانضمام إلى شبكات الذعارة، مضيفاً: وسنةً بعد أخرى يتسع مدى هذه الآفة.
واستعرض الشيخ الصفار جملة من الدراسات والإحصائيات فيما يتعلق بتجارة المخدرات، فحسب تقرير الأمم المتحدة أن حصاد هذه التجارة في عام 2006م بلغ 322 مليار دولار، أي ما يُعادل الناتج القومي لأكثر من 90 دولة. وفي دراسة أخرى تقول: يوجد في العالم (215) مليون مدمن ومتعاطي للمخدرات، ويُعادل ذلك 5% من البشرية. وتُغذي أفغانستان 92% من هذه التجارة، حيث بها (407) آلاف فدّان. وتؤكد إحدى الدراسات أنه يوجد في العالم العربي (10) مليون مدمن. أما المتعاطين للمخدرات فهم أضعاف هذا العدد.
وأبدى الشيخ الصفار قلقه الشديد حيث أن هذه الآفة طالت النساء أيضاً، فأصبح هناك متعاطيات ومدمنات للمخدرات، مؤكداً أن هذا يُمثل خطراً كبيراً على الحياة ككل.
وعن الأسباب التي تدفع بالإنسان نحو هذا الوبال الكبير، أشار الشيخ الصفار إلى عددٍ منها:
1- التفكك الأسري، حيث أن 40% من متعاطي ومدمني المخدرات هم من أسر متفككة.
2- أصدقاء السوء، إذ يُشكل هذا العامل 38% من نسبة المتعطاين والمدمنين.
3- بحثاً عن المتعة واللذة الزائفة، فـ 21% من المتعطين والمدمنين يتجهون بهذا الاتجاه.
4- نسان المشاكل، بما يصنعه المخدّر من تأثير كبير على عقل الإنسان فنسيه العالم من حوله.
5- تحمل السهر، وهذه الدافع يتجه نحوه سائقي الباصات للشوارع الطويلة، وكذلك بعض الطلبة والطالبات في أوقات الامتحانات، أملاً في النشاط والحيوية، ولا يعلمون أن ذلك طريقاً للإدمان.
ووجه الشيخ الصفّار نداءه للأسر لأخذ الحذر من انتشار هذه الآفة في وسط أبنائها، وذلك بتتبعهم، ومعرفة كل ما يدور حولهم، وأوضح أبرز العلامات التي يُمكن عن طريقها كشف المدمن والتعرف عليه، مؤكداً أنها تُعطي مؤشراً وليس من بالضرورة أن يكون وجود بعضها دليلاً على الإدمان، وأهم تلك العلامات:
1. الانطوائة والانعزال عن الآخرين بصورة غير عادية.
2. الإهمال وعدم العناية بالمظهر.
3. الكسل الدائم والتثاؤب المستمر.
4. شحوب الوجه وعرق ورعشة في الأطراف.
5. فقدان الشهية والهزال والإمساك.
6. الهياج الشديد لأقل الأسباب مما يُخالف طبيعة الشخص المعتادة.
7. الإهمال الواضح في الأمور الذاتية وعدم الانتظام في الدراسة والعمل.
8. إهمال الهوايات الرياضية أو الثقافية.
9. اللجوء إلى الكذب والحيل الخادعة للحصول على مزيد من المال.
10. اختفاء أو سرقة بعض الأشياء الثمينة من المنزل دون اكتشاف السارق.
وعن الدور المطلوب دعا الشيخ الصفّار إلى ضرورة التصدي لهذه الآفة بمزيد من التوعية التي ينبغي نشرها في صفوف الأصحّاء حتى يعيشوا بأمان من هذه الآفة الخطير، إضافةً إلى التوجيه والإرشاد للمدمنين ليلتحقوا بإحدى برنامج العلاج، والتعامل معهم على أنهم مرضى كما هو الوضع العالمي.
وأكد أن على الجهات الرسمية أن تبذل جهوداً أكبر في سبيل تطويق هذه المشكلة، مؤكداً أن المتعاطين والمدمنين للمخدرات هم ضحية أؤلائك التجّار الذي زجّوا بهذه الآفة إلى بلادنا، واصفاً إيّاهم بأنهم لا إنسانية لهم ولا كرامة حيث أنهم باعوا كرامتهم وإنسانيتهم من أجل فتاتٍ من المال الزائل، وبسلوكهم طريقاً دمّروا به مستقبل أبناء الوطن.
واختتم الشيخ الصفّار الخطبة بالتأكيد على ضرورة الحفاظ على أمن المجتمع، وتنقيته من كل الشائبات، ومشكلة المخدرات من أكبر المشكلات التي من شأنها أن تُدمّر المجتمع والوطن. مشيداً في الوقت ذاته بالموقف الإيجابي الذي قام به مجموعة من طلبة العلوم الدينية وبعض الشباب المؤمن حين توجّهوا إلى إحدى أسواق المنطقة المعروفة بـ (سوق واقف) وقاموا بدور مشرّف من توجيه النصح والإرشاد لأؤلائك الشباب الذين يتجرون ببيع الأفلام المخلة بالأدب، مؤكداً أن استخدام القوة في مثل هذه الحالات لا يُجدي نفعاً، ولذا فإن الطريق الأمثل هو المزيد من الوعي والإرشاد، وهنا يتأكد دور الشباب المؤمن حيث ينبغي أن يكون حضورهم بارزاً لحماية المجتمع من الآفات التي بدأت تتسلل إليه فتسلب الشباب والشابات عفّتهم والتزامهم الديني والقيمي.
أكد الشيخ الصفار في الخطبة الثانية أن الدين جاء من أجل تحقيق قيمٍ عليا، كسيادة البرّ بين الناس، وتقوى الله تعالى بامتثال طاعته واجتناب معاصيه، والإصلاح بين الناس. مشيراً أن البعض قد يتمسّك ببعض المظاهر الدينية ويُعطونها الأولوية على حساب تلك المبادئ والقيم العليا. ولذا جاء التحذير في آيات القرآن الكريم من الوقوع في مثل هذه المشكلة، يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة، 224)، مشيراً إلى أن الأيمان، هي جمع يمين، وتعني: الحلف. فقد يحلف الإنسان على ترك عملٍ صالح وراجح، وهنا لا تنعقد اليمين، مشيراً إلى سبب نزول الآية الكريمة حيث أقسم الصحابي عبد الله بن رواحة أن لا يتدخل للصح بين ابنته وزوجها حين وقع خلاف بينهما، فلامه بعض الصحابة على ذلك، فبرر موقفه بأنه أقسم، ولكن رسول الله لم يُجز قسمه وأمره بالتدخل. وأضاف: إن الآية الكريمة توجّه النظر إلى معنى عظيم كما يقول ابن عاشور وهو: إن تعظيم الله تعالى لا ينبغي أن يجعل وسلية لتعطيل ما يُحبه الله من الخير. وعلى ذلك جاءت الروايات لتنهى عن الحلف بالله تعالى بدون مبرر حقيقي، ففي الرواية: ((لا تحلف بالله وإن كنت صادقاً)).
وأكد الشيخ الصفّار أن الآية الكريمة توجّهنا إلى معنى أكبر، حيث لا يصح أبداً أن يكون الاهتمام بمظاهر الدين وشعائره الجزئية على حساب القيم والمبادئ العليا التي جاء الدين من أجل تحقيقها، مستنكراً على البعض تضخيم بعض الشعائر على حساب هذه القيم، مؤكداً على ضرورة فهم سلّم الأولويات الشرعية، فلا يصح تقديم المهم على الأهم، ولا المستحب على الواجب.
وضرب لذلك بعض الأمثلة، كأن يؤخر الإنسان صلاته الواجبة من أجل نشاط ديني مستحب، معتقداً بذلك أولوية النشاط أو العمل الديني على حساب إتيان الصلاة الواجبة في أول وقتها.
وكذلك ما يقوم به البعض من السهر طوال الليل خارج المنزل مع الأصدقاء بمبرر لقاء الأخوان، في حين أنه يهمل في الكثير من واجباته الأسرية وحتى العملية فقد يذهب للعمل في وضع لا يؤهل للأداء المناسب. غير أنه قد تفوته صلاته الواجبة بسبب تلك الممارسة التي ينظر إليها على أنها إيجابية إلا أنا تنعكس سلباً عليه وعلى من هم حوله.
وأكد في ختام الخطبة على أهمية أن يعيش الإنسان الموازنة في حياته، فيتعرف على أمور دينه وقيمه العليا، فتكون هي الأساس، وهي المنطلق، ومن خلالها تكون تحركاته واهتماماته
والحمد لله ربّ العالمين